بين معتقل السبع ويوم التوجيهية، عادل سماره

أذكر في عام 1971 حين كنت في معتقل بئر السبع في صحراء النقب وهي جزء من فلسطين المحتلة 1948، كانت الساعة ربما الثانية بعد منتصف الليل أي لم يبق من الليل حتى هذه الساعة إلا أقلُّه، كنا جميعاً نياماً وخاصة لأن هذه الساعات من ليل الصحاري هي الأفضل للنوم حيث تخف درجات الحرارة. طبعاً كان المعتقل حينها مجموعة “بركسات” يُحشر في الواحد منها لا اقل من 100 اسير.

وبينما نحن نياماً، فإذا زخات الرصاص والقنابل اليدوية تنهال على السجن بشكل مرعب. في الثواني الأولى ارتبك الرفاق، فكانوا بين من يصرخ ومن يستغيث ومن يسأل الله النجاة ومن يبكي  ومن ينطق بالشهادتين…الخ.

بقيت جالساً بهدوء على “البُرش” إذ أدركت منذ اللحظة الأولى أن الأمر تدريب قوات العدو على اقتحام المعتقل، فمن الجنون أن يقوم العدو بإبادتنا علانية وجماعياً بهذه الطريقة فلديه وسائل أخرى بالطبع. وقلت لرفيق بجانبي، هذا ربما يحدث في لحظة هجوم التحرير الشامل ومن ثم قرار فاشي بإبادتنا طالما الكيان قد هُزم.

نتائج التوجيهية:

كنت أجلس هذا الصباح قرابة الساعة الثامنة أمام مكتبتي “القرمطية” من يوم 20 تموز 2023 اي بعد نصف قرن ونيِّف فإذا بأصوات الرصاص في القرى المجاورة ووسط قريتنا نفسها بكثافة كبيرة.

قلت في نفسي: أكيد هذه مناورة من جيش العدو لاقتحام قرى المنطقة وبدأت اتذكر ما حصل معنا في معتقل بئر السبع الصحراوي.

مع تواصل صوت إطلاق النار توقعت أن أسمع صراخا في القرية أو خروج البعض مهرولاً خارجها، لكن لم يحدث اي شيء من هذا.

 وبعد قرابة ربع ساعة شاهدت شبابا وصبية من القرية وقرية مجاورة وهم يكتظون كأصابع السردين في سيارات تسير بسرعة كبيرة ويقف بعضهم مُظهراً  نصف جسمه من فتحات سقوف سيارات وآخرون يُخرجون أجسامهم من شبابيك السيارات وهي تطلق اصواتها المزعجة والشباب بل الغلمان يصيحون صيحات السرور.

حينها فقط تذكرت أن اليوم نتائج التوجيهية!

يا للصدفة أن أتذكر في اللحظة قول الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت: “إن العقل يأتي متأخرا إلى راس التركي”

هذه الفوضى التي لا ضابط لها، والتي تعبر عن الكثير من السلبيات:

·       الميل لصوت الرصاص كحالة استعراضية حتى لو مفرقعات، وطبعاً هذا لا يختلف عن إطلاق الرصاص من بعيد ضد مواقع العدو في استعراض لقيادة هذه الفصيل أو ذاك أو عرفاناً بسيده المموِّل ودعاية له، وهكذا تختلط الأصوات.

·       التعبير عن الغبطة لتجاوز التوجيهية لأنه في اللاوعي الشد جهالة بأن الرسوب نهاية حياة الشاب.

·       بحث الأهالي عن لحظة سرور في وطن تملأه الصدمات.

·       ميل الكثيرين للاستعراض وخاصة ذوي الدخل العالي، والذي ربما لا شرعي حيث تكون السهرات واصوات الطبول وما تسمى موسيقى والطبيخ والنفيخ…الخ

·       افتقار أسر حتى لفرد منها يكن قد حصل حتى على التوجيهية فيكون الإبن أو البنت مثابة مشروع “خواجه”.

·       طبعا قهر اسر من لم يحالفه الحظ حتى لو جيران الباب في الباب!

·       اللامبالاة في إزعاج الجار لجيرانه.

اذكر يوم نتائج التوجيهية 1963 أنني لم اذهب للمدينة لشراء ملحق الجريدة التي كانت تُصدر النتائج، ذهبت إلى قطعة أرض لوالدي غربي القرية مزروعة باللوزيات والتي لاحقاً اقمت بيتي فيها بعد هدم العدو للبيت الأول 17في ديسمبر 1967. وحوالي الظهر صعدت إلى البيت الأول مشياً بالطبع وكنت وجدت حبة برقوق نسميه “زقم/بوز العجل” وهي كبيرة تملأ كفي، فالتقاني شخص وقال: أنت ناجح، فأعطيته حبة البرقوق.

لم يبق إلا أن أتذكر المناضل الشهيد فرانز فانون الذي مما قاله: “بأن الشعوب الخاضعة للاستعمار، وقبل أن تنهض وتنتصر تختلق معارك صغيرة لتشعر أنها حققت انتصارات”.

آمل ممن ينفخون ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة أن لا ينتفضوا. بل لا بد أن نهزهم.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….