السنة الثالثة والعشرون – العدد 6595
في هذا العدد:
■ بين معتقل السبع ويوم التوجيهية، عادل سماره
■ التنعيج (من نعجة) اقليميا ودوليا، عادل سماره
■ العودة إلى جوهر الصراع بعد سنوات التيه! رشاد أبوشاور
■ ويحرق المصحف الشريف مره أخرى، يوسف ابوديه
■ هل الحرب الأهلية في “اسرائيل” سيناريو محتمل؟ بلسانهم ومصطلحاتهم، ليئور أكرمان
✺ ✺ ✺
بين معتقل السبع ويوم التوجيهية
عادل سماره
أذكر في عام 1971 حين كنت في معتقل بئر السبع في صحراء النقب وهي جزء من فلسطين المحتلة 1948، كانت الساعة ربما الثانية بعد منتصف الليل أي لم يبق من الليل حتى هذه الساعة إلا أقلُّه، كنا جميعاً نياماً وخاصة لأن هذه الساعات من ليل الصحاري هي الأفضل للنوم حيث تخف درجات الحرارة. طبعاً كان المعتقل حينها مجموعة “بركسات” يُحشر في الواحد منها لا اقل من 100 اسير.
وبينما نحن نياماً، فإذا زخات الرصاص والقنابل اليدوية تنهال على السجن بشكل مرعب. في الثواني الأولى ارتبك الرفاق، فكانوا بين من يصرخ ومن يستغيث ومن يسأل الله النجاة ومن يبكي ومن ينطق بالشهادتين…الخ.
بقيت جالساً بهدوء على “البُرش” إذ أدركت منذ اللحظة الأولى أن الأمر تدريب قوات العدو على اقتحام المعتقل، فمن الجنون أن يقوم العدو بإبادتنا علانية وجماعياً بهذه الطريقة فلديه وسائل أخرى بالطبع. وقلت لرفيق بجانبي، هذا ربما يحدث في لحظة هجوم التحرير الشامل ومن ثم قرار فاشي بإبادتنا طالما الكيان قد هُزم.
نتائج التوجيهية:
كنت أجلس هذا الصباح قرابة الساعة الثامنة أمام مكتبتي “القرمطية” من يوم 20 تموز 2023 اي بعد نصف قرن ونيِّف فإذا بأصوات الرصاص في القرى المجاورة ووسط قريتنا نفسها بكثافة كبيرة.
قلت في نفسي: أكيد هذه مناورة من جيش العدو لاقتحام قرى المنطقة وبدأت اتذكر ما حصل معنا في معتقل بئر السبع الصحراوي.
مع تواصل صوت إطلاق النار توقعت أن أسمع صراخا في القرية أو خروج البعض مهرولاً خارجها، لكن لم يحدث اي شيء من هذا.
وبعد قرابة ربع ساعة شاهدت شبابا وصبية من القرية وقرية مجاورة وهم يكتظون كأصابع السردين في سيارات تسير بسرعة كبيرة ويقف بعضهم مُظهراً نصف جسمه من فتحات سقوف سيارات وآخرون يُخرجون أجسامهم من شبابيك السيارات وهي تطلق اصواتها المزعجة والشباب بل الغلمان يصيحون صيحات السرور.
حينها فقط تذكرت أن اليوم نتائج التوجيهية!
يا للصدفة أن أتذكر في اللحظة قول الشاعر الشيوعي التركي ناظم حكمت: “إن العقل يأتي متأخرا إلى راس التركي”
هذه الفوضى التي لا ضابط لها، والتي تعبر عن الكثير من السلبيات:
· الميل لصوت الرصاص كحالة استعراضية حتى لو مفرقعات، وطبعاً هذا لا يختلف عن إطلاق الرصاص من بعيد ضد مواقع العدو في استعراض لقيادة هذه الفصيل أو ذاك أو عرفاناً بسيده المموِّل ودعاية له، وهكذا تختلط الأصوات.
· التعبير عن الغبطة لتجاوز التوجيهية لأنه في اللاوعي الشد جهالة بأن الرسوب نهاية حياة الشاب.
· بحث الأهالي عن لحظة سرور في وطن تملأه الصدمات.
· ميل الكثيرين للاستعراض وخاصة ذوي الدخل العالي، والذي ربما لا شرعي حيث تكون السهرات واصوات الطبول وما تسمى موسيقى والطبيخ والنفيخ…الخ
· افتقار أسر حتى لفرد منها يكن قد حصل حتى على التوجيهية فيكون الإبن أو البنت مثابة مشروع “خواجه”.
· طبعا قهر اسر من لم يحالفه الحظ حتى لو جيران الباب في الباب!
· اللامبالاة في إزعاج الجار لجيرانه.
اذكر يوم نتائج التوجيهية 1963 أنني لم اذهب للمدينة لشراء ملحق الجريدة التي كانت تُصدر النتائج، ذهبت إلى قطعة أرض لوالدي غربي القرية مزروعة باللوزيات والتي لاحقاً اقمت بيتي فيها بعد هدم العدو للبيت الأول 17في ديسمبر 1967. وحوالي الظهر صعدت إلى البيت الأول مشياً بالطبع وكنت وجدت حبة برقوق نسميه “زقم/بوز العجل” وهي كبيرة تملأ كفي، فالتقاني شخص وقال: أنت ناجح، فأعطيته حبة البرقوق.
لم يبق إلا أن أتذكر المناضل الشهيد فرانز فانون الذي مما قاله: “بأن الشعوب الخاضعة للاستعمار، وقبل أن تنهض وتنتصر تختلق معارك صغيرة لتشعر أنها حققت انتصارات”.
آمل ممن ينفخون ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة أن لا ينتفضوا. بل لا بد أن نهزهم.
✺ ✺ ✺
التنعيج (من نعجة) اقليميا ودوليا
عادل سماره
التنعيج لا علاقة له بالنقد فقط يتبع وهو أتعس من مثقف منشبك.
منذ ثمانين سنة والنعاج تعتبر اليابان اعتدت على امريكا في الحرب الامبريالية الثانية بقصف بيرل هاربر. بينما الحقيقة ان امريكا كانت تفرض حصارا على اليابان مما اضطر اليابان لمحاولة فك الحصار.
ومنذ 1991 وحتى اليوم لم يجرؤ هؤلاء على مجرد التفكير بان استرجاع العراق للكويت ليس سبب العدوان الأمريكي الرسمي العربي ضد العراق رغم خطأ صدام في التوقيت. بل السبب المباشر نفط العراق وتسعيره بغير الدولار واليوم حتى الصين تطبق موقف العراق فما بالك بتوابع الصين.
إذا يجب لصدام تكرار قول المتنبي.
اجزني إذا انشدت شعرا فإنما…بشعري اتاك المادحون مرددا.
نعم كان صدام ديكتاتورا. ولكن أين الحاكم المنتخب. وماذا عن النظام الحالي العظيييييم
المهم اذا كان العراق غلط في الكويت فماذا عملت سوريا حتى يتحالف ايضا الغرب والعرب ضدها حلف الاستشراق الارهابي. هل احتلت عمان مثلا او قطر او البحرين.
هناك من يرفض العقل التحليلي والمقارن لان النعاج تتبع المرياع حتى لو سلمها للوحوش.
ملاحظة1.احتج رفيق بحريني ان الكويت للبحرين فقلت له صحتين المهم ليست الغرب ولا لأسرة
ملاحظة 2: هناك خفراء شغلهم صدام، لا أدري من يدفع أجورهم ولذا، يكفي ان تذكر حرف (ص) حتى يطلقوا النار وحتى لا تذكر حرف ص. حين يُناقش الناس جدوى تجميع الفصائل في مصر يبرز من يقول صدام دموي وعميل. أنا اقول ديكتاتور يا سيدي ماشي، لكن شو جا لجاب الآن. وكما يقولون في لبنان شو علاقة طز في مرحبا.
هذا يذكرني بالمقولة الشعبية:
سألو البغل من هو أبوك
قال خالي الحصان، لأن اباه الحمار.
ألتمس عذراً للمتخصصين ضد صدام، ربما وجوب الوظيفة.
أما للجميع الأصل أن تكون وطنيا وعروبياً، وحينها تنتمي وتُصادق ولا تتعصب.
✺ ✺ ✺
العودة إلى جوهر الصراع
بعد سنوات التيه!
رشاد أبوشاور
لم تحدث مراجعات كبرى فكريّة عميقة شاملة للمسيرة الفلسطينيّة التي بدأت مع انتهاء حرب تشرين 1973، تدفع المروجين لها بخطاب اتكأ على الخطاب الرسمي العربي الذي جنح للتفاوض و(السلام)، للتوقف وتأمل مجريات الأمور، ومآلات خطاب التسوية الذي قاد إلى (كامب ديفد)، والمسار الفلسطيني الرسمي إلى (اوسلو)، معتمدا على (أمنيات) وليس حقائق واقعية.
ورغم كل ما حدث للقضية الفلسطينية من تراجعات عربية ودولية، فإن من اختاروا مسار (التسوية) –وهو مصطلح تضليلي لأنه يوحي بأن الطرفين سيقدمان تنازلات للتوصل إلى حلول_ لا يعيدون الحسابات على ضوء نتائج وخواتيم هذه السياسة التي يفرضها (عدو) أيديولوجي لا يقبل بعقائديته التوراتية أقل من أن تكون فلسطين كاملة له، دولة يهودية ترواتية، وكل من يعيش فيها لا حق له سوى ما تقرره قوانين تلك الدولة، وفي مقدمتها ىأنه (مقيم) يمكن أن يُطرد منها في أي وقت، وفقا لقوانين (دولة اليهود)، ولا عجب!
مفاوضات وفد فلسطين في واشنطن برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي تعطلت عند طرحه وتشبثه بضرورة إيقاف الاستيطان اليهودي في الضفة والقطاع أثناء مرحلة المفاوضات وحتى التوصل لاتفاقات نهائية، ولكن المفاوضين ( الإسرائيليين) رفضوا هذا البند من أساسه لأنهم أرادوا مواصلة الاستيطان (مع) استمرار المفاوضات، وهو ما فضح نوايا، بل مخططات (شريك السلام)، فتشبث الدكتور حيدر عبد الشافي بهذا البند، و(تهرّب المفاوض الإسرائيلي) و..قفز المتلمظون في ( تونس) من القادة الفلسطينيين و..اندفعوا إلى ظلمات أوسلو، و.فتحوا ما سموها (قناة خلفيّة)..أدت بعد مرحلة طويلة إلى ما آلت إليه القضية الفلسطينية، وخسارات الدم والأرض وألوف الأسيرات والأسرى وهدم البيوت، ووضع الفلسطينييون في الضفة والقطاع في السجن الكبير، وقتل القادة الفلسطينيين الذين اندفعوا لمصيدة وهم السلام..وأُقلمت القضية الفلسطينية، وباتت صراعا فلسطينيا (إسرائيليا)، وليست صراعا عربيّا (إسرائيليا).
هذه (التجربة) المرّة الطويلة الثقيلة على شعبنا تقتضي إعادة النظر في (مسيرة )أوسلو، المسيرة وصفت ب(سلام الشجعان)!
رغم سعار سلطة الاحتلال، وافتضاح خطابها، ممثلة بحكومة نتنياهو ومن معه من عتاة الصهاينة فما زالت القيادة الفلسطينية المتحكمة بالقرار تواصل نهجها وخياراتها ورهاناتها على إمكانية الظفر بدولة فلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية ارتضته بنسبة 22% من أرض فلسطين التاريخية، وتسامحت ب78%من أرض فلسطين مؤملة أن تُرضي قادة الكيان الصهيوني بهذا الكرم الذي يُفترض أنه مُحرج، ولكن يبدو أنها رغم كل ما حدث منذ توقيع ( أوسلو) في حدائق البيت الأبيض بتاريخ 13أيلول1993 لم تأخذ الدروس والعبر التي تؤكد أن الصهاينة لن يقبلوا بأقل من وضعهم اليد على (كل) ارض فلسطين، وعلى أن الفلسطينيين ليسوا سوى أغيار غرباء لا مكان لهم في (دولة اليهود)!
واضح أن القيادات الفلسطينية لا تسمع صوت الشعب العربي الفلسطيني وتتعامل معه وكأنه قطيع تابع، رغم خبراته الممتدة، والتجارب الفلسطينية المتراكمة، والتي تؤكد على أنه واجه بريطانيا مؤسسة هذا الكيان، وأمريكا راعيته وممولته ومسلحته التي تخوض كل معاركه وتذود عنه على كل الصعد!
الهجمة الصهيونية في ذروتها، وحكّام الكيان يخططون ويعملون على (حسم) الصراع مع عرب فلسطين ومن يدعمهم، وينهون مقاومة عرب فلسطين نهائيا، وتأكيد سيادتهم على كل فلسطين، وتحكمهم بقلب الوطن العربي، وهذا دورهم في خدمة المشروع الإمبريالي الأمريكي، في هذه اللحظة المفصلية التي يتشكل فيها نظام عالمي جديد ينهي هيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم، والحرب العالمية الدائرة مع روسيا هي العنوان، وما أوكرانيا سوى أداة في هذه الحرب، وأوربة مستخدمة ومستتبعة أمريكيّا.
ما نراه على أرض فلسطين يضع الشعب العربي الفلسطيني، والقضية العربية الفلسطينية، في صدارة المشهد العربي، و..المطبعون العرب التابعون أمريكيا بتآمرهم يؤدون دورهم في خدمة أمريكا و(إسرائيل) بمعرفة، ولذا يعملون على معاونة الكيان الصهيوني في إنهاء القضية الفلسطينية، والإجهاز على المقاومة الفلسطينية واللبنانية ..وهذا دورهم المطلوب منهم، وهم يدركون أنهم بهذا يحمون تبعيتهم، وديمومة أوضاعهم الإقليمية والعائلية، بدون التوقف للحظة للتفكير بمصير الأمة، وأقدس قضاياها.
شعب فلسطين ينطلق عليه المثل(جمل المحامل) وهو سيحمل قضيته رغم ثقلها، وسينتظر شرفاء أمته ليهبوا لنجدته، وعدم تركه وحيدا في الميدان…
الصراع يعود الآن لجذوره : قضية فلسطين هي قضية الأمة العربية كلّها، والصراع صراع وجود لا صراع حدود، وفلسطين كاملة وقلبها القدس الواحدة هي قضية كل المقاومين في الوطن العربي الكبير…
✺ ✺ ✺
ويحرق المصحف الشريف مره اخرى
يوسف ابوديه
وها هي الأمه المؤمنة الذي لا يجب “أن تلدغ من الجحر مرتين”، تلدغ للمرة الألف، من ذات الجحر وبذات التفاهة والخيبة.
وان كان واضحاً من المرات السابقة ان هذه الامه “المؤمنة” هي ليست كذلك أو أن مفهومها للإيمان لا شك مقلوبا رأساً على عقب، إلا أننا لا زلنا نأمل ان تكون احدى هذه اللدغات المتتالية هي “القشة” التي ستقسم ظهر البعير وتخرجنا من هذا السبات وهذا الهبل الذي لا زلنا نعيشه منذ عقود وعهود وتؤدي الى التخلص من الذين يتلاعبون بحياة وعقول وشعور الشعوب.
لا يجب على أحد ان يقلل من اهميه القرآن الكريم لنا كشعب وكأمه، او ان يقلل من اهميه دور ألدين الحنيف في حياتنا ومن ضرورة الحفاظ عليهما، ولكن السؤال الأهم يجب ان يكون هو مدى فهمنا للدين وما معنى حفاظنا على القرآن وهل يمكن لنا ان نعيش الى الابد حياه مفصومه كالتي نعيش الان يكون فيها الإنسان والفهم والواقع لا يتعايشون مع بعض الا هامشياً و”للاستهلاك المحلي”، نهب بغضب وجنون عندما تريد قياداتنا الروحية (والسياسية) ان نهب ونبقى في غياب كامل وقت يريدوننا ان نكون؟
وكيف لنا ان نبرر لأنفسنا ولأجيالنا هذا الانفصام وهذه الازدواجية أو أكثر، في قضايا مثل قضية الدين؟
الم يخطر ببالنا ان نسأل الشيوخ عن طريقه اختيارهم للأمور التي يرونها ضرورة لإثاره غضبنا؟
هل إحراق نسخه من المصحف الشريف أهم من تدمير دوله من دول الامه؟ او قتل وسحق وتجويع شعب من شعوبنا؟ أو تدنيس الاقصى او الكعبة؟
الم نتعلم منذ البدايات ان نفكر وأن نحكم العقل؟
الا نخشى ماذا سيفعل الله بنا بسبب هذه البلاهة وهذا الإجحاف وهذه التصرفات او عدمها؟
ان لم نتحرك ونقف مع من يجوع ويقتل من ابناء شعبنا ونقف في وجه تهديم بيوتنا ومقدساتنا في وضح النهار وعلى شاشات الفضائيات ونتجاهل من يدافع ليل نهار ولعشرات السنين عن شرف هذه الامه بدماء ابناءه الزكية التي تهدر بدعم وتغاض لا بل بتآمر من رؤساء من المفترض ان يكونوا عرب ومسلمين، مدعومين بدعاء شيوخ المساجد التي تبنى بالعشرات بدلاً من المدارس والمستشفيات فلا فينا ولا في غضبنا.
لن نقلل ابداً من اهميه وقوف الشعوب واخذ دورها النضالي المطلوب والمنشود في القضايا الهامه ولا يمكن ان ننسى الصمود الاسطوري لأهلنا في اليمن وسوريا ولبنان ووقوفهم الثابت مع فلسطين وضد الاضطهاد والعنصرية والفاشية التي طالت الانسان والدين ليس في وطننا فقط بل في العالم كله إلا أن التطبيل والتزمير الذي نراه مره اخرى في الكثير من عواصم بلادنا تلبيه لدعاه نسوا او تناسوا تلبيه لرغبات اسيادهم، ما يحل بالإنسان والدين والارض عندهم وعندنا، يتطلب منا ان ندق ناقوس الخطر وننبه للمرة الألف بل اكثر، للخطر الذي يشكله هؤلاء الدعاة على الوطن والانسان والدين الحنيف.
✺ ✺ ✺
هل الحرب الأهلية في “اسرائيل” سيناريو محتمل؟
بلسانهم ومصطلحاتهم
ليئور أكرمان
معهد السياسات والإستراتيجيا
لقد عرف العالم الحديث وما قبل الحداثة عددًا لا بأس به من الحروب الأهلية والانقلابات الأهلية في الماضي، في بعض الحالات كانت الحروب والانقلابات هي التي غيرت الوضع وأدخلته إلى الوضع القائم اليوم، هكذا في أمريكا، وفي إنجلترا وإسبانيا وفرنسا والعديد من البلدان الأخرى.
يميل التاريخ إلى التمييز بين “الحرب الأهلية” و”الانقلاب المدني”، ويميل المؤرخون إلى عزو مفهوم الحرب الأهلية إلى الحالة التي يشن فيها طبقات سكانية مختلفة من الشعب نفسه، الذين يمتلك كل منهم قوته العسكرية الخاصة حربًا من أجل السيطرة على البلاد، أما الانقلاب المدني فهو مفهوم يشير إلى قوة مدنية ليس لها قدرات عسكرية تنجح في إسقاط الحكومة واستبدالها بالاحتجاج والإغلاق والتمرد ونحو ذلك. تعتبر الانقلابات من هذا النوع أكثر سمات حقبة ما قبل الحداثة، وقد حدثت في إيطاليا وفرنسا على سبيل المثال من قبل أفراد الطبقة الوسطى الذين شعروا بالأذى من قبل أعضاء الطبقة الحاكمة.
في الأسابيع القليلة الماضية وعلى خلفية التطرف الذي تشهده “إسرائيل” في ظل تحركات حكومة “نتنياهو” أحادية الجانب في خطة التعديلات القضائية، بدأت أصواتٌ تؤيد أو تعارض العصيان المدني وكذلك أصوات تعبر عن خوفهما من حرب وشيكة بين “الأشقاء”، سنحاول أن نفهم ما إذا كان أحد هذه السيناريوهات قد يحدث في “إسرائيل” وما هي الآثار المترتبة على الوضع الذي سينشأ في أي احتمال من هذا القبيل.
كما ذكرنا، في العصر الحديث نسبيًا، وقع عدد من الأحداث التي يمكن تعريفها على أنها حرب أهلية، في الحرب الأهلية الإنجليزية التي وقعت في القرن السابع عشر تمرد البرلمان الإنجليزي على الملك “تشارلز الأول”، في أمريكا ما قبل الاتحاد كانت هناك حرب بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية التي انسحبت من الاتحاد وأرادت اتباع سياسات مختلفة، استخدمت الأطراف الجيوش المسلحة بكل ما تعنيه الكلمة لمدة أربع سنوات تقريبًا. اندلعت الحرب الأهلية في روسيا في بداية القرن العشرين عندما حارب الشيوعيون ضد الجيش الأبيض، وهكذا كانت أيضًا الحرب الأهلية الفنلندية التي دارت في عام 1918 بين “الحمر” الشيوعيين الذين دعموا الاتحاد السوفيتي، و”البيض” القوميين.
وقعت الحرب الأهلية في إسبانيا قبل الحرب العالمية الثانية ودارت بين قوى اليمين القومي تحت قيادة الجنرال فرانكو وقوى اليسار الاشتراكي، وكذلك الحرب الأهلية الإيطالية التي دارت بين الديمقراطيين والشيوعيين (بدعم من الحلفاء) والفاشيين والنازيين (بدعم من دول المحور) في إيطاليا الفاشية، مثل تلك التي درات بالتوازي معها في اليونان.
هذه القائمة لا تزال طويلة لكن خصائصها متشابهة وتتضمن صراعًا أيديولوجيًا أو دينيًا أو اجتماعيًا عميقًا على طبيعة وسلوك الدولة باستخدام القوة العسكرية التي تمارسها او تستخدمها مختلف الأطراف، من الصعب للغاية في هذه المرحلة تقييم مدى تطور الاحتجاجات العامة في “إسرائيل” وإلى أي مدى ستذهب الحكومة في محاولاتها لإحداث تغيير نظامي وحكومي في “إسرائيل” دون موافقة، ربما سيعرف التاريخ كيف يفعل ذلك بشكل أفضل في المستقبل، ومع ذلك، إذا فهمنا الخصائص والعوامل المختلفة التي تخلق الانقلابات والحروب الأهلية، فلا يمكننا تجنب الاستنتاج الواضح بأن هذه تحدث بوضوح في “إسرائيل” اليوم.
هكذا على سبيل المثال، الفجوة الأيديولوجية العميقة والصراع الواسع بين وجهات النظر العلمانية والتعددية والآراء الدينية والمسيحانية التي تسعى إلى تغيير صورة الدولة، والفجوة بين الشكل الذي ينظر فيه إلى جهات إنفاذ القانون من مختلف الأطراف، والفجوة الهائلة في فهم وإدراك جوهر النظام الديمقراطي ودور مؤسساته وسلطاته المختلفة، كل هذه الأمور تخلق اليوم بلا شك أرضية ناضجة لتطور ونشوء حرب أهلية في إسرائيل، بالنظر إلى حالة اللامبالاة الكاملة من جانب الحكومة وعدم اتخاذ إجراءات التهدئة والوحدة من المتوقع أن تتفاقم الاحتجاجات وتتسع الانقسامات وتتصاعد ردود الفعل والعنف من الجانبين.
الشيء الذي يمنع على ما يبدو التطور الكامل لحرب أهلية اليوم هو الافتقار إلى القوة العسكرية تحت تصرف جميع الأطراف. ولكن هل هذا هو الحال فعلا؟
إن “الجيش الإسرائيلي” الذي تم تعريفه منذ قيام كيان “اسرائيل” على أنه “جيش الشعب” كان بالفعل فوق أي نقاش أو جدل أو خلاف اجتماعي وسياسي منذ قيام “الدولة”، ولكن يبدو أن شيئًا ما قد تغير في هذا المجال أيضًا، ظاهرة رفض الخدمة وردود الفعل عليها وتفاقم الجدل العام حول موضوع إعفاء لطلاب المدارس الدينية من التجنيد، والنقاشات لدى أو بين الجمهور اليهودي المتدين حول وجوب الانصياع لأوامر إخلاء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية وغيرها، كل هذا يهدد سلطة الجيش ومكانته كـ”جيش شعب” ويدخله في الخلاف السياسي على الأقل على مستوى المواطنين، الجيش الإسرائيلي مبني على تسلسل قيادي واسع للغاية يشمل عدد كبير من القادة المتدينين، في الانتخابات الأخيرة صوت جزء كبير من الجنود لحزب “بن غفير” اليميني المتطرف ويبدو أنه حتى داخل الجيش هناك انقسامات سياسية تتعلق بعمله في حالات الطوارئ وفي المواقف التي لا يوجد إجماع بشأنها في “المجتمع الإسرائيلي”.
عند أخذ جميع المعطيات الموجودة وعلى خلفية تحليل الوضع الحالي، تظهر صورة مقلقة للغاية قد تؤدي بـ “دولة إسرائيل” إلى صراع مدني عنيف قد يتحول إلى حرب أهلية يشارك فيها بقرار منهم عناصر تخدم في الجيش.
هذا بالفعل سيناريو متطرف، لكنه ليس مستحيلًا في الوضع الحالي، يجب على “حكومة إسرائيل” أن تدرك على الفور حساسية الوضع السياسي والاجتماعي المتنامي بين مواطني الدولة وأن تتصرف بحزم لتهدئة المشاعر، وتعزيز الرسائل الموحدة ووقف التشريعات المتطرفة والأحادية الجانب، وقبل كل شيء السعي للحوار والاتفاق الواسع في سياق القضايا التي تهم جميع مواطني الدولة.
ترجمة عين على العدو
:::::
موقع ” الراية“، 20 يوليو 2023
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org