نشرة “كنعان”، 25 يوليو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6597

في هذا العدد:

سحر الاقتصاد السياسي بين الغرب والصين، عادل سماره

مواجهة الاحتلالين التركي والاميركي لأرض سورية، أمين محمد حطيط

بيان من حركه ابناء البلد – حول زيارة رئيس الكيان الصهيوني إلى مدينة ام الفحم

أسباب الحرب الأهلية الأمريكية تعود اليوم للظهور، بيتر تورتشين

✺ ✺ ✺

سحر الاقتصاد السياسي بين الغرب والصين

عادل سماره

لا تمر لحظة إلا ونقرأ أو نسمع ذلك الهجوم المفجوع من كل الغرب الرأسمالي الإمبريالي ضد الصين. ولعل أخطر ما فيه أنه من أجل تنفير/تطفيش بلدان المحيط من النموذج الصيني سواء بالحديث عن الشيوعية (لمهووسي الدين السياسي) أو عن الديمقراطية للمخدوعين بديمقراطية الغرب…الخ.
او حتى انتقاء فشل معين في التبادل بين دولة والصين والتركيز عليه وتضخيمه على طريقة “هوليوود” من بين مآت التجارب الناجحة لإخافة شعوب وأنظمة المحيط من الصين.
لكن الوجع الغربي منبته غربي/راسمالي اصلا، وهذا لا يحتاج لخطاب لغوي أو ثرثرة في الديمقراطية والحريات…الخ​ بل يكشفه مبضع الاقتصاد السياسي.
فمنذ قرابة نصف قرن ذهبت أو مالت بل تركزت استثمارات المركز الغربي في ما تم اختصاره ب: Finance, Insurance and Real Estate FIRE أي التمويل، التامين، العقار بتبني السياسات الاقتصادية الاجتماعية المسماة النيولبرالية، والتي تورطت فيها بلدان عربية تحت اسم اقل فجاجة أي “سياسات السوق الاجتماعي”. وجوهر هذه السياسات وتلك هو الابتعاد عن الاستثمار في قطاعات الانتاج.
لذا ادت في الغرب الرأسمالي مختلف المضاربات في الموجودات المالية والعقارات الى تحقيق ارباح مالية عالية. لكن هذا يعني ان اي انهيار في قطاع البناء وفي اسواق الاسهم سيكشف، بل كشف الطابع المزيف/الهش لهذا التعافي حينما حصل الانهيار العقاري وخاصة 2007-8.
صحيح أن هذه الأموال تراكمت في الملاذات الآمنة لمالكي الشركات الكبرى والمصارف …الخ، لكن المهم أنها لم تعد متداولة في البلد وتحديداً لم يتم استثمارها في قطاعات الإنتاج، لذا يمكننا تسميتها “الأموال الكسولة”
ونظراً لحلم هذا الغرب بأنه يُدير الكوكب حسب مشيئته وسياساته، لم يخطر له، أو تجاهل، أو يزعم أنه لم يعرف، بأن هناك آخرين يعملون اقتصاديا بشكل مغاير.
فالصين هي البلد الرئيسي الذي:
1- ركز على الإنتاج فأصبح المنتج الرئيس على الصعيد العالمي
2- وضع بيد الدولة القرار الاقتصادي والمالي.
3- إنتزع 800 مليون مواطن من الفقر
4-فتح باب الاستثمار للخارج واشترط أخذ التكنولوجيا
5- سمح للقطاع الخاص بالعمل والإثراء إلى جانب قطاع الدولة
وحينما حصلت أزمة 2007-8 في المركز الرأسمالي والعالم توقع الغرب أن تُطال الصين بنفس النسبة، كما حصل عام 1929، لكن ذلك لم يحصل بل اصابت الصين بشكل طفيف.
لكن ما زاد اضطراب المواقف السياسية للغرب هو اضطراره لشراء منتجات الصين التي لم يعد ينتجها وإن حاول فبأسعار عالية لأن شروط الأجور عالية هناك ناهيك عن أن اي توجه استثمار اقتصادي يحتاج إلى إعادة توجيه العمل والتكنولوجيا للنشاط الجديد وهذا يحتاج للتعديل وقتاً. وتفاقمت أزمة الغرب، وتحديدا حاجته للصين إلى جانب عدائه للصين، إثر حدثين هامين عالمياً:
أزمة كورونا/كوفيد 19 و
حرب الدفاع الروسية ضد اوكرانيا
من هنا وقع الغرب في مأزق جوهره بما العمل؟: بعد أن فشل في احتواء تطور الصين: فذهب إلى كيف يقاتل الصين؟
هكذا عزيزي/تي القراء، فإن الخبر اليقين في سحر الاقتصاد السياسي. وإن أقنعك هذا، تذكر ما قالت العرب:


يُسائل عن جُهينة كلَّ ركبٍ…وعند جُهينة الخبر اليقينُ

✺ ✺ ✺

مواجهة الاحتلالين التركي والاميركي لأرض سورية 

العميد د. أمين محمد حطيط

خلافاً لما تعمل تركيا وأميركا على إشاعته في العلن من تعارض أو تناقض بين سياستي الدولتين في سورية، فإنّ لكلّ من الطرفين مشروعه المتكامل مع مشروع الطرف الآخر في أهدافه الاستراتيجية وإنْ كان يظهر في بعض الأحيان نوع من التناقض العملاني والتكتي في الميدان التنفيذي، فمن يبحث في حقيقة الأمر يجد أنّ أميركا وتركيا الأطلسيتين تعملان في سورية ضمن استراتيجية ترمي الى تحقيق هدف مركزي أساسي هو شطب سورية القوية الموحّدة من الخريطة الإقليمية وتفتيتها وإقامة الكيانات الواهنة بديلاً منها والتي لا تتمتع بقوة البقاء كدول وتحتاج دائماً للمساعدة الخارجية. ورغم ان الحرب الكونية التي قادتها او ساهمت بها الدولتان فشلت في تحقيق هذا الهدف، فإننا نجد انّ أميركا وتركيا تراوغان وتحاولان تحقيقه بوسائل أخرى ولهذا تتمسكان باحتلالهما لأرض في سورية.

من أجل ذلك تعمد الدولتان الى العمل على مسارات ثلاثة تظنان انها ستمكنهما في نهاية المطاف من تحقيق أهدافهما او هدفهما الاستراتيجي ذاك، ويتمثل المسار الأول بالتغيير الديمغرافي في الداخل السوري والمحيط، يليه تدمير المقومات الاقتصادية والمالية للدولة، وأما المسار الثالث فينفذ تحت عنوان ضرب الثقافة الوطنية والانتماء القومي لشرائح الشعب.

ففي المسار الأول، أي التغيير الديمغرافي تعمد الجهات المعادية لسورية والمنتهكة لسيادة أراضيها الى مراجعة الخريطة الديمغرافية للشعب السوري عبر تهجير داخلي مترافق مع نزوح ولجوء الى الخارج، وتنفذ مشروعها هذا تحت عنوان منع عودة النازحين السوريين الى بيوتهم والدعوة الى دمجهم بالسكان في دول الجوار خاصة لبنان والأردن وتركيا والعراق، وترى تلك الجهات أن نجاح هذا الدمج سيحرم سورية من ستة ملايين على الأقلّ من سكانها أيّ ما يقارب ربع الشعب السوري، الأمر الذي يؤثر حتماً على القوة الوطنية الشاملة لسورية وهي القوة التي تشكل الديمغرافيا أحد عناصرها،


ولا تكتفي دول مشروع التغيير الديمغرافي بمنع عودة النازحين من الخارج، بل إنها تمارس سياسة الحصار والتعطيش في الداخل خاصة في شمالي شرق الفرات حيث الأكثرية العربية، لحمل هذه الأكثرية على الهجرة ما يؤدّي أيضاً الى تغيير ديموغرافي لصالح الأكراد أصحاب المشروع الانفصالي الذي تحتضنه أميركا،


أما السلوك الثالث على هذا المسار فيتمثل بمنع إطلاق عملية إعادة البناء في سورية. هذه العملية التي إذا تمّت ستنعكس على إعادة توزع المقيمين في الداخل السوري ما يضع حداً لتهجير 6 ملايين سوري وعودتهم إلى منازلهم، الأمر الذي ينتقل بهم من صفة العبء على الاقتصاد الوطني والإخلال الديمغرافي الى حالة تشكيل رافعة وطنية لاستعادة القوة الديمغرافية والاقتصادية للدولة.


وعلى المسار الثاني وهو المسار الاقتصادي تمارس أميرك وتركيا ودول العدوان على سورية الحرب الاقتصادية عليها بعناوين متعدّدة منها مصادرة وسرقات الثروات الوطنية من نفط ومحاصيل زراعية وتعطيل عجلة الصناعة السورية والضغط على الليرة السورية التي باتت تعاني بشكل شديد، هذا فضلاً عما تسميه أميركا عقوبات عنوانها قانون قيصر الذي يشدّد الخناق على الاقتصاد السوري بشكل إجرامي لا أخلاقي ولا مشروع.


اما الحرب النفسية المتعددة العناوين فهي لا زالت قائمة ويحشد فيها أكثر من طرف وجهة ووسيلة إعلامية وهي ترمي إلى ضرب الانتماء الوطني السوري والقومي العربي للشعب السوري ونشر انتماءات دينية وقومية واثنية تصادمية من شأنها ضرب الوحدة الوطنية والانتقال بالشعب من شعب سوري واحد الى كتل عرقية أو دينية أو طائفية تصادمية.


ولأجل ذلك تتمسك أميركا باحتلال الشمال الشرقي السوري وقاعدة التنف وتحتضن المشروع أو الحركة الكردية الانفصالية التي تتخذها تركيا في المقابل ذريعة لاستمرار احتلالها للشمال، شمالي حلب وشمالي غرب سورية من إدلب حتى الحدود، وتضع المشاريع الميدانية لإعادة نشر السكن على أساس مذهبي أو عرقي خدمة للمشروع الأساس، وعليه يجب أن نؤكد على وحدة المشروعين التركي والأميركي وتخادمهما ضدّ المصلحة السورية العليا وضد وحدة الشعب والأرض السورية.


هذه الحقائق تطرح السؤال المهم كيف تواجه سورية هذا العدوان وكيف السبيل لتجنب مخاطره؟


بداية يجب أن ننوّه الى ان العدوان الأميركي – التركي على سورية لا تنحصر مفاعيله فيها ولا يقتصر بسلبياته عليها فقط، بل هو يتخذ من سورية مدخلاً للنيل من المنطقة ومن محور المقاومة وقطع الطريق على الكتلة الأوراسية المتشكلة من الصين وروسيا ومنعها من امتلاك نفوذ أو تأثير غربي آسيا، ولذلك يعتبر هذا العدوان وجهاً من وجوه الصراع الدولي القائم في أكثر من منطقة.


ولأنّ الأمر كذلك فإنّ المواجهة يجب أن لا يقتصر عبؤها علي سورية فقط بل يجب أن تتوزع المسؤولية على جميع من هم مستهدفون مباشرة وغير مباشرة.


أما سورية التي حققت الانتصارات الكبرى في مواجهة الحرب الكونية، فإنها مستمرة في المواجهة وعلى اتجاهات ثلاثة وهي مطمئنة إلى حد بعيد من تحقيق النتائج المرجوة خاصة إذا توفر لها الدعم الشامل المناسب من الأطراف الأخرى، فسورية نجحت في نشر بذور المقاومة الشعبية الواعدة بوجه الاحتلال الأميركي مقاومة بدأت تربك المحتل وأجبرته على مراجعة انتشاره غير المشروع وتعزيز قواته واتخاذ إجراءات دفاعية متطورة، كما نجحت سورية في إبراز الصوت الشعبي السوري والموقف العشائري العالي الرافض للاحتلال ولمشروعه الانفصالي.


وفي مواجهة الاحتلال التركي، فقد أكدت سورية أن لا عودة لعلاقات طبيعية مع تركيا أو لقاء مع رئيسها قبل وضع خطط إنهاء الاحتلال والبدء بتنفيذ الانسحاب، فإنْ استمرت تركيا بالمراوغة والتفلت من مخرجات استانة وسوتشي المؤكدة على تصفية الإرهاب والاحتلال على الأرض السورية، فستكون فصائلها الإرهابية أولاً وتشكيلاتها العسكرية المحتلة ثانياً عرضة للعمل العسكري السوري والحليف لتطهير الأرض السورية منهما.


هذا في السياسة والميدان، أما في الاقتصاد والحرب النفسية فإن هناك مسؤولية كبرى على الدول العربية الى جانب حلفاء سورية لمواجهة الضغوط العدوانية في هذا المجال، خاصة بعد أن تمّت تسوية العلاقات البينية بين سورية ومعظم الدول العربية بالشكل الذي يحترم خيارات سورية وحقوقها السيادية.

:::::

“البناء”، بيروت 2023‏-7‏-25

التشديد من محرر “كنعان”

✺ ✺ ✺

بيان من حركه ابناء البلد

حول زيارة رئيس الكيان الصهيوني إلى مدينة ام الفحم

لا اهلاً ولا سهلاً برئيس دولة اليهود هرتسوغ 

كنا نتوخى من جميع مركبات اللجنة الشعبية ان تتبنى موقفنا وان نعمل معاً، الامر الذي لم يحصل للأسف! 

يا جماهير ام الفحم الوطنية،

علمنا أمس بشكل مفاجئ عن زيارة سيقوم بها رئيس دولة اليهود هرتسوغ الى مدينة ام الفحم، يوم الأربعاء القادم، دون اعلامنا كيفية ترتيب هذه الزيارة ومن يقف خلفها وما هي الأسباب والاهداف التي تقف خلف هذه الزيارة المرفوضة، من كل الوطنيين في ام الفحم. 

من المعلوم ان رئيس دولة إسرائيل يمثل رمزاً لهذه الدولة التي اتخذت قانون أساس بانها لليهود داخل إسرائيل وخارجها، وان باقي من يقطنها من العرب بكل طوائفهم الإسلامية والمسيحية والدرزية والشركسية هم رعايا لا توجد لهم صبغة قانونية في دولة اليهود حتى الآن، وتستطيع الدولة تشريدهم إذا ما نشأت ظروف إقليمية تسمح لها بذلك! 

لقد شكل قانون القومية اليهودية تراجعاً حتى عما يسمى وثيقة الاستقلال لدولة إسرائيل التي قامت على أنقاض شعبنا الذي شرد ته واحتلت ارضه وتمارس التمييز العنصري حيال كل الفلسطينيين الذين بقوا تحت سيطرتها، سواء بعد احتلال 1948 او بعد احتلال عام 1967..  وقد أكد يهودية الدولة في خطابه الأخير بالكنغرس الأمريكي.

رئيس الدولة هذا يرمز ويمثل كل ما ذكرناه أعلاه، وهو حتى ليس وزيراً له مهام وصلاحيات المصادقة على مشاريع جاء ” ليحتفل” بتنفيذها (يا حسرة)  او أي مهمة تنفيذية ، أو يملك صلاحيات لعرض قضايانا عليه ليحلها ، كالعنف والعنصرية في دولة اليهود   …

 ان زيارته هذه لا تزيد عن كونها التأكيد ان رئيس دولة اليهود هو رئيسنا (أي اننا تحت الاحتلال)، الامر الذي ينسجم مع المشروع الصهيوني الاحتلالي استيطاني عنصري، والامر الذي لا يتناقض مع قانون الدولة اليهودية إياه. ولربما يحتسبه البعض، تأكيداً على اننا جزء من معركة اليسار الصهيوني في معركته ضد ما يسمى الانقلاب القانوني لحكومة نتنياهو، والعرب كلهم ليسوا في هذا الوارد، لان كلا الطرفين مر وعلقم. 

لذلك نحن في أبناء البلد لا نرى مبرراً لهذه الزيارة ولربما توقيتها قبيل الانتخابات المحلية كي تقول لنا ما هي الهوية السياسية لرئيس البلدية الذي سيستقبله قبل الانتخابات!!! 

لذلك نحن نرفض الزيارة ونقول لكم سلفاً اننا نعرف ماهية البلدية ولمن تنتمي ولو كان الرئيس ينتمي للحركة الوطنية، لما تعاطى مع هذه الزيارة. فليأت هرتسوغ ليذكرنا بأيام الحكم العسكري.

وعليه فإننا نؤكد رفضنا لهذه الزيارة انسجاماً مع مفاهيمنا ومواقفنا فقط.

تسقط زيارة هرتسوغ لام الفحم بكل ابعادها واطرافها . 

ام الفحم بريئة من هذه الزيارة 

   23 يوليو 2023             معاً على الدرب                حركة أبناء البلد – ام الفحم

✺ ✺ ✺

أسباب الحرب الأهلية الأمريكية تعود اليوم للظهور

بيتر تورتشين

18 يونيو 2023

قمت مع فريقي البحثي ببناء قاعدة بيانات كبيرة لتحليل الأزمات السياسية المتكررة، وخرجنا بأنّ هناك سببين بارزين لعدم الاستقرار أهمّ من جميع الأسباب، الأول، انتشار الحرمان الاجتماعي الناجم عن تناقص الثروة في مناطق سكنية واسعة، والثاني هو فرط إنتاج «النخبة»، أي عندما ينتج مجتمع ما عدداً كبيراً جداً من المتعلمين تعليماً عالياً ولا يوجد ما يكفي من وظائف لتلبية طموحاتهم. في الولايات المتحدة وعلى مدى الخمسين عاماً بات هذان العاملان شديدَي الوضوح، حيث أصبح الأثرياء أكثر ثراء، بينما ركدت الدخول والأجور لدى الأسر الأمريكية من الطبقة الوسطى. نتيجة لذلك أصبح الهرم الاجتماعي الأمريكي مثقلاً في القمة، حيث بات لدى الولايات المتحدة وفرة من الخريجين الحاصلين على درجات علمية متقدمة. يتطلّع المزيد من الناس إلى مناصب السلطة والتنافس على عدد ثابت نسبياً من الوظائف، وهذه المنافسة تقوّض الأعراف والمؤسسات الاجتماعية التي تحكم المجتمع الأمريكي. مرّت الولايات المتحدة قبل ذلك مرتين بمواقف مماثلة، أحدها انتهى بالحرب الأهلية، والآخر بالحرب العالمية.

ترجمة: أوديت الحسين

لنحاول فهم الأسباب الجذرية للمشكلة: في 1983 كانت 66 أسرة أمريكية تمتلك ثروة تزيد عن عشرة ملايين دولار، ثمّ في عام 2019 ازدادت ثروة هؤلاء عشرة أضعاف، وازداد عدد الأسر التي تبلغ ثروتها 5 ملايين دولار أو أكثر سبعة أضعاف. في ظاهر الأمر لا يبدو وجود المزيد من الأثرياء أمراً سيئاً، لكن على حساب من راكمت النخبة الثروة في السنوات الأخيرة؟
ابتداءً من السبعينات، ورغم أنّ الاقتصاد الكلي استمرّ بالنمو، بدأ متوسط نصيب العامل من المكاسب في التقلّص، وركدت الأجور الحقيقية. ليس من قبيل الصدفة أنّ مؤشّر طول الإنسان في الولايات المتحدة، وهو مؤشر مفيد للرفاهية والاقتصاد، قد أصيب بدوره بالركود خلال الفترة ذاتها، حتى مع استمرار ارتفاع معدلاته في معظم أنحاء أوروبا. بين بداية الألفية و2010 انخفضت الأجور النسبية للعمّال غير المهرة إلى النصف تقريباً مقارنة بمنتصف القرن العشرين. بالنسبة لـ 64٪ من الأمريكيين الذين لم يحصلوا على شهادة جامعية لمدى أربعة أعوام، تقلصت الأجور الحقيقية في العقود الأربعة الماضية التي سبقت عام 2016. ومع تضاؤل الأجور ترتفع تكلفة امتلاك منزل والذهاب إلى الكلية. من أجل شراء منزل كان على العامل متوسط الأجر في 2016 أن يعمل ساعات أكثر بنسبة 40٪ مقارنة بعام 1976، ويتعين على الآباء أن يعملوا أربع مرات أطول لدفع مصاريف الجامعة لأبنائهم.
حتّى الأمريكيون الحاصلون على تعليم جامعي لم يكن الأمر سهلاً عليهم. كان أداؤهم جيداً حتى خمسينيات القرن الماضي عندما التحق أقلّ من 15٪ من الطلاب بالجامعة. لكن اليوم ومع أكثر من 60٪ من خريجي الثانوية مسجلون في الجامعات، باتت المنافسة على الوظائف التي لم يتغيّر عددها نسبياً أشدّ بكثير ممّا كان عليه الحال قبل خمسين عاماً. المنافسة المعتدلة في المجتمع تفضي إلى التنمية، لكنّ المنافسة بين النخب الأمريكية المتعلمة اليوم تتجاوز بكثير حدود ما هو مناسب. إنّه الجانب المظلم من «الجدارة» التي تخلق أغلبية من الخاسرين الحانقين، والتي تؤدي إلى عمل جاد أقل وطرق ملتوية أكبر. كلّ هذا يجعلنا أمام مجموعة كبيرة من النخب المتعلمة المحبطة المصممة على تسلّق السلم، ومجموعة كبيرة أخرى من العمّال الذين لا يستطيعون بناء حياة أفضل بأيديهم.

المشتركات مع الحرب الأهلية

تشترك العقود التي أدّت إلى الأزمة الاجتماعية الحالية في أوجه تشابه مهمة مع العقود التي أدّت إلى الحرب الأهلية. في ذلك الوقت أدّى الاقتصاد المتنامي إلى جعل الأغنياء أكثر ثراء، والفقراء أعدادهم أكبر. يزيد الفقر المنتشر من حدة التوترات الاجتماعية. بين عامي 1820 و1825 عندما كان الاقتصاد جيداً، كان هناك اضطراب واحد فقط أدى إلى وفاة شخص واحد على الأقل. لكن في السنوات الخمسة التي سبقت الحرب الأهلية، بين 1855 و1860 شهدت المدن الأمريكية ما لا يقل عن ثمانية وثلاثين اضطراباً من هذا القبيل. نرى نمطاً مشابهاً للتطور اليوم. عشية الحرب الأهلية تجلى الإحباط السياسي بشكل جزئي في شكل شعبوية معادية للمهاجرين.
كما تتصاعد أيضاً الاشتباكات بين النخب الاقتصادية. جنى المليونيرات الجدد في القرن التاسع عشر أموالهم من خلال التصنيع بدلاً من المزارع أو التجارة الخارجية. انزعجوا من القواعد التي وضعتها طبقة ملاك العبيد في الجنوب بسبب مصالحهم الاقتصادية المنقسمة. لحماية صناعاتهم الوليدة، أرادت الشركات تعرفات جمركية عالية ودعماً من الدولة لمشاريع البنية التحتية. عارضت نخبة المال القديم- الذين كانوا يزرعون ويصدرون القطن ويستوردون السلع المصنعة من الخارج- هذه الإجراءات بشدة. كانت سيطرة مالكي العبيد الجنوبيين على الحكومة الفدرالية قد منعت الإصلاحات المطلوبة في أنظمة البنوك والنقل، ما أدّى إلى تهديد رفاهم الاقتصادي. وكما هو الحال اليوم، انتقل تشابك المصالح هذا بشكل عنيف إلى مؤسسات الحكم، سواء عبر الاتهامات ومحاولة التصفية السياسية، وصولاً إلى العنف الذي نأخذ منه المثال الأكثر شهرة حين قام نائب عن ساوث كارولينا بضرب سناتور من ماساتشوستس في مجلس الشيوخ، أو توجيه المسدسات في وجه بعضهم البعض. أنذر الاشتباك والعنف داخل دوائر النخب الاقتصادية بالعنف الأوسع والأكثر دموية في التاريخ الأمريكي.
«المترجم: في قصور لدى المؤلف اعتبر بأنّ فترة منتصف الخمسينيات من القرن الماضي هي نهاية جيدة للأزمة الأمريكية خلافاً للحرب الأهلية بشكل منفصل تماماً عن الحرب العالمية الثانية، وقد سمّاها (فترة الازدهار)، متجنباً الحديث عن الحرب وتأثيراتها الإيجابية على النمو الاقتصادي الأمريكي، وانتقال الرأسمالية من طور إلى آخر وانتقال مركز الثقل الرأسمالي إلى الولايات المتحدة بشكل كلي، ولكن سنورد بعض ما قاله لأهميته في توصيف الصراع بين النخب والعمّال وقدرة العمّال على انتزاع المكاسب في فترة ما بعد الحرب كجزء من الصراع الطبقي القائم».
في 1929 جاء انهيار بورصة نيويورك والكساد العظيم مع تأثيرات مشابهة لتلك التي خلفتها الحرب الأهلية. لكن هناك اختلافات بين الحقبتين، فعلى عكس حقبة ما بعد الحرب الأهلية ارتفعت الأجور الحقيقية بشكل مطرد في منتصف القرن العشرين، وبلغت معدلات الضرائب على سلم الدخل الأعلى ذروتها عند 94٪ خلال الحرب العالمية الثانية وظلت أعلى من 90٪ حتى منتصف الستينيات. نما المواطن الأمريكي العادي بارتفاع بطول ثلاث بوصات، ما يعكس الرفاه.
كانت الطبقة الحاكمة نفسها في الجزء الأكبر منها قادرة على فهم مدى أهميّة الرضوخ للإصلاحات التقدمية في تلك الحقبة. قال رئيس غرفة التجارة الأمريكية «وهي التي تروج اليوم لأشد أشكال أصولية السوق النيوليبرالية»: «فقط أولئك الذين يتظاهرون بعدم الرؤية لا يمكنهم رؤية اختفاء الرأسمالية القديمة والبدائية الحرة». كتب الرئيس إيزنهاور وهو الذي كان يعتبر محافظاً مالياً في منصبه، إلى شقيقه قائلاً: «إذا حاول أي حزب سياسي تفكيك الضمان الاجتماعي والتأمين ضدّ البطالة وقوانين العمل والبرامج الزراعية، فلن تسمع عن هذا الحزب مرة أخرى في تاريخ السياسة. بالطبع هناك مجموعة صغيرة منشقة تعتقد أنّه يمكنك القيام بهذه الأشياء، لكن أعدادهم لا تذكر وهم أغبياء».

بتصرّف عن:
America Is Headed Toward Collapse

:::::

موقع “قاسيون”

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org