منذ هزيمة 1967 دارت عجلة التطبيع عبر خروج أنظمة وقوى من الصراع العربي الصهيوني وهو في جوهره خروجها من المشروع العروبي وانضمامها إلى المحور الضد عروبي في الخليج سواء أُعلن ذلك أم لا.
وفي الحقيقة دارت معركة من طرف واحد هو طرف الهجوم على المشروع العروبي في غياب قوى حقيقية تواجه هذا المشروع وذلك إثر خروج كثير من القوى القومية والشيوعية عن المشروعين:
· العروبي الوحدوي
· والتقدمي أو الاشتراكي.
وكان التطبيق السياسي والإيديولوجي العلني لهذا المشروع المضاد هو عقد النظام المصري اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني بهندسة وإشراف ومصلحة الإمبريالية الأمريكية خاصة.
أما خطر هذا الدور الرسمي المصري فتجلى لاحقاً في إعادة هذا النظام إلى راس النظام الرسمي العربي بأمرين تقويضيين:
· . لقد عاد النظام المصري هابطاً على المستوى المصري الداخلي اي انفتاحياً وتابعاً ويتحرك بموجب التوجيه الأمريكي حتى على مستوى قيادة الجيش المصري، وهذا أقتضى
· إعادته إلى النظام الرسمي العربي الذي بهذه الإعادة مارس تمرير التطبيع وإن غلَّف ذلك بخطاب مختلف فكانت لاحقاُ ولادة “المبادرة العربية” التي وقَّع عليها جميع الحكام العرب والتي تعترف صراحة بالكيان!
أما الثمار العملية لهذا المشروع فكانت الانتقال من إنتزاع القضية الفلسطينية من النظام الرسمي العربي وبعض الحزبي إلى محاولة تقويض المفهوم والمضمون والمشترك القومي العربي حيث تم ذلك باشتراك أنظمة عربية في عدوان معولم ضد العراق بعد استعادته المتسرعة والمخطئة توقيتا لا حقاً لمقاطعة الكويت.
صحيح أن حجم وفعالية الجيوش العربية التي شاركت العدوان كان تافهاً كمواقف الأنظمة، لكن الخطورة في “مبدأ” الركوع التابع والعدواني من نظام عربي ضد دولة عربية.
كانت هذه الحرب والمشاركة الرسمية والعسكرية العربية فيها إعلان مشروع محو العراق كبلد عربي جرى استكماله بجريمتين:
· الحصار الشامل ضد العراق لثلاثة عشرة سنة من جميع بلدان العالم من العرب والجوار وما وراء البحار
· واحتلال العراق عام 2003 وتنصيب نظام أمريكي فيه وعلى يده اُقر التقسيم كما مارس الفساد وجذَر الطائفية ومالىء الاحتلالات.
إضافة إلى مشاركة انظمة عربية العدوان والحصار ضد العراق، تتسابق أنظمة الخليج وخاصة السعودي على تقوية ودعم “وشرعنة” الانفصاليين الكرد في شمال العراق.
طبقاً لهذه الصورة، ليس من باب التجني القول بأن عراق آشور وبابل والرشيد وعراق ما قبل 2003 لم يعد عراقاً.
عرقنة سوريا:
أعلم، وأستغرب من عربٍ لا يطيقون مجرد وضع كلمة عراق إلى جانب سوريا، وهؤلاء في الحقيقة لا يخدمون سوريا قط بل يُجذِّرون التفكيك العربي والعداء البَيْني.
هتف كثير من المثقفين العرب لتدمير وتجويع واحتلال العراق متذرعين برؤيتهم أو شحنهم ضد النظام لبعثي العراقي.
والغريب أنهم لا يربطون أو يقارنون اسباب تدمير العراق بأسباب اجتثاث سوريا. فسوريا على سبيل حتمية المقارنة: لم تقم بحرب على قطر عربي ولم تُتهم بأنها ترعى الإرهاب أو تمتلك النووي، ولكن الحروب عليها أتت حاملة خبرة الوحشية ضد العراق واضافت عليها.
ترى، ألا يفكر هؤلاء المثقفون في هذا؟ أم هم في الحقيقة طابور سادس ثقافي؟
ما جرى ويجري ضد سوريا هو حتى ابعد من “العرقنة”.
فالحرب المسلحة لم تتوقف حقا في سوريا بل الأعداء يحشدون وتدعمهم أمريكا سواء الكرصهاينة أو بعض العشائر التي يبدو أن “مشايخها” ما بين ضيق أفق سياسي أو ارتباط عمالة تاريخي لا يمكنهم فضَّه، أو الطائفيين بما هم كالعشائريين في جيناتهم التبعية للأجنبي.
وحرب الاقتصاد حيث اغتصاب مواقع الثروة السورية لتجويع الناس حتى الفناء.
وحرب الاقتلاع أي دفع أكبر عدد ممكن من الشعب للرحيل، وهذا لم يحصل ضد العراق بل ولم يحصل في التاريخ. صحيح أن عراقيين هاجروا ولكن ليس ضمن مشروع عدواني ممنهج سواء من تركيا أو الغرب.
وبالمناسبة، فإن الخليج الفارغ من الكثافة السكانية والمتخم بالثروة لم يستقبل اي لاجىء سوري، بل صدَّر لسوريا مآت آلاف الإرهابيين.
إن الاقتلاع السكاني/الديمغرافي هو:
· تقويض القدرة الإنتاجية ومن ثم المعيشية للبلد
· تحويل سوريا إلى فضاء فارغ يمكن لأي عدو اقتحامه
· تقويض قدرة الدولة على بسط سيطرتها على الوطن مما يجعل الانفصال والتجزئة واقعا وحتى سهلاً.
· ثم منع اللاجئين من العودة إلى بلدهم رغم تعرضهم للقمع والتمييز
مؤامرة عودة أو أعادة سوريا:
رغم أكثر من عقد من العدوان الرسمي من أنظمة عربية ضد سوريا وأنظمة إسلامية وإشراف غربي، إلا أن الإعلام المنشبك أي المأجور اثار ضجة هائلة عن عودة سوريا إلى الحضن العربي أو إعادتها. وبهذا فإن هذا الإعلام تجاهل أن في الحضن أفعى فهو لم يخدم سوريا بل شطف اسطبلات أوجياس التي راكمتها أنظمة عربية وإسلامية ودولية.
تمت المتاجرة بالسماح الأمريكي بدخول طائرات عربية تحمل أدوات الإسعاف وبعض الغذاء، ثم ما لبثت أمريكا أن هزت الحبل فأقعى هؤلاء جميعاً.
نعم لأن الانفتاح على سوريا في حده الأدني وجوب غسل الجريمة الارهابية التي مارسوها ضد سوريا وذلك بقتال الإرهابيين.
إن ما حصل بعد الزلزال هو “همروجة” إعلامية لا أكثر. قاتل الله ممولي ومدراء وحتى مذيعي هذه الفضائيات الذين كانوا في انتخابات العدو التركي يستحثون الموتى لانتخاب الأفعى أردوغان وقاتل الله كل نظام دعم أردوغان أو غير أردوغان سواء بالضخ المالي من ثلاثي الخليج السعودية والإمارات وقطر، وأنظمة قومية باسم الإسلام دعمت أردوغان وهو يحتل ارضا في سوريا وفي العراق وفي ليبيا ويحتل أدمغة ملايين العرب البسطاء حيث يتخيلون أن “الخليفة ” الطوراني سيُعيد مجد الرسول.
باختصار لا العرب ولا المسلمين ترفعوا عن خدمة التركي ولكنهم تراجعوا عن خدمة سوريا، بل واصلوا حصار سوريا. فكل نظام لا ينفتح بقوة على سوريا هو مع الحصار. وحبذا لو يعرف كل هؤلاء إذا كانوا صادقين بأن الخسارة من عدوان أمريكي ضدهم إذا وقفوا حقاً مع سوريا هي أقل خسارة من صمتهم حتى تُذبح سوريا ثم يأتي دورهم هذا إذا كان لديهم تناقض حقيقي مع امريكا والغرب.
قد يقفز البعض من مقعده حين نقول بأن القذافي كان على حق حين قرر دفع مليار دولار لإنقاذ الرئيس صدام من الأسر، على الأقل لأن القذافي كان يعلم ما يُجهَّز له ولسوريا بما هما في تناقض مع الغرب العدو المتعدد. فليقفز هؤلاء من مقاعدهم وذلك أفضل لهم فإن تحتهم ما تحتهم.
هذه الأنظمة دفعت ترليونات لتخريب سوريا ولم ولن تتوقف.
تسعير الحرب ضد سوريا:
شهدت الأيام الماضية حشودات أمريكية تم اجتلابها من مواقعها الرئيسية في العراق وأُدخلت الأراضي السورية لدعم قسد والعشائر المعادية للدولة السورية. ومن جهتها غضت تركيا الطرف عن ذلك لأن تركيا وإن كانت تُعلن أنها تحتل أراضٍ سورية بسبب وجود قسد وحزب العمال الكردستاني خلفها وهو المتمركز في العراق، إلا أن تركيا ترى سوريا العدو الرئيسي بمعنى أن سقوط سوريا لا يعني مكاسب للكرد التابعين ولا يعني خطرا على تركيا.
بل إن سقوط سوريا قد يساعد على تقوية تركيا وبالتالي عدم تفككها بما هي دولة غير متجانسة مجنسيها قوميا، فهم كرد وعرب وطورانيين وغيرهم.
إن موقف الأنظمة العربية من سوريا هو الخطر الحقيقي ليس فقط لما قامت به هذه الأنظمة حتى حينه، بل ايضاً لأن الصراع التاريخي مع التركي هو عروبي.
والآن، سيقفز الموالون لغير العرب من مقاعدهم، وسيقولون: اين العروبة. ونقول لهم ثانية إقفزوا عن الخوازيق.
وليتذكر العروبيون أن الدافع المباشر للوحدة الفورية بين مصر وسوريا 22 شباط 1958 كان حماية لسوريا من التهديد التركي باحتلالها حيث تركيا كانت ولا تزال مدعومة من الغرب والكيان الصهيوني.
وبالمناسبة، فإن كل الذين نقدوا تلك الوحدة من باب أنها فورية وغير مدروسة، لم يأخذوا بالاعتبار انها كانت ضرورة وحبذا لو يفهموا اليوم ما معنى غياب العمق العربي بل حتى تآمر الأنظمة الرسمية العربية ضد سوريا دعما لتقسيمها اي تدميرها.
خلاصة القول، فإن من لا يصطف حقا مع سوريا هو حقاً مع عرقنتها واقتلاعها من العمق العربي كما جرى لفلسطين والعراق وليبيا.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….