وثائقي “انقلاب 53” يتعرّض لحصار بريطانيّ، لكنّ الإيرانيّين استوعبوا درس التاريخ جيّداً، سعيد محمّد

August 5, 2023

يخطأ كثيرون باعتقادهم أن العداء الأمريكيّ – البريطانيّ لإيران مرتبط ببنية النّظام الحالي وسياساته في المنطقة، أو أنّه نتاجٌ لحرص الإمبراطوريّة على تمتّع الشعب الإيراني بالديمقراطيّة وسعياً لتحريره من الدّيكتاتوريّة المزعومة. يعرف الإيرانيّون ذلك تماماً، وهم تعلمّوا من درس التّاريخ البليغ في 1953 عندما تواطئت المخابرات الأمريكيّة والبريطانيّة مع عملائها في الدّاخل على تنفيذ انقلاب أطاح بحكومة مصدّق المنتخبة ديمقراطيّاً. تفاصيل ذلك الانقلاب لم تعد سرّاً، فقد أفرجت المخابرات الأمريكيّة عن وثائق من تلك الفترة، ودوّنت عنها عدّة كتب ممتازة، لكّن وثائقي “إنقلاب 53” الذي يحاول البريطانيوّن منع عرضه يمنح جيلنا الذي لا يقرأ كثيراً فرصة استعادة تلك المرحلة من خلال عمل بصريّ مشغول بكثير من العناية والشغف.

سعيد محمّد – لندن

تفتقد التغطية الإعلاميّة التي تهيمن عليها الأجنحة الفكريّة للنخب الرأسماليّة الحاكمة وبشكل متعمّد إلى أي عمق تاريخي، فتقّدم الأحداث على صيغة جزر منعزلة، منفصلة عن سياقاتها والعناصر الفاعلة فيها، وتصاغ بخطاب مجتزأ ومزدوج المعاني – كلمات أو صوراً سيّان -، فيما تستذكر اللّحظات التاريخيّة – عند الحاجة – غريبة مبسترة، كأنها من كوكب آخر حيث فعل أناس غريبو الأطوار الأشياء بشكل مختلف. وتتظافر تلك التغطيّة بالضرورة مع جهود ممنهجة لمختلف الجهات المعنيّة بالتعليم والتنشئة الإجتماعيّة تستهدف تشجيع الجمهور على عدم التفكير بعالمنا تاريخيّاً، والاكتفاء بعيش اللحظة الآن – هنا، لا على حقيقتها بل دائماً كما يُراد لهم أن يروها. كثيرون مثلاً يعتقدون بأن العداء الأمريكيّ – البريطانيّ لإيران مرتبط ببنية النّظام الحالي وسياساته في المنطقة، أو أنّه تَرِكة مرحلة ثورة 1979 وأزمة رهائن السفارة الأمريكيّة بطهران التي استمرت 444 يوماً، أو أنّه نتاجٌ لحرص الإمبراطوريّة على تمتّع الشعب الإيراني بالديمقراطيّة وسعياً لتحريره من “الاستبداد” والدّيكتاتوريّة وحكم “ولاية الفقيه”، ومنح شعوب منطقة الشرق الأوسط الفرصة للتعايش بسلام يقض مضجعه حصراً التسلّح الإيرانيّ.  لكن التاريخ – كما يعلّمنا ماركس – سيرورة دائمة لا تتوقف، وتترابط فيه الأحداث بين الماضي والحاضر وتتشابك الأسباب والنتائج في أنساق تحكمها علاقات وتفاعلات يمكن القبض عليها وتحليلها وإجراء المقارنات بشأنها والبناء عليها لإدارة المستقبل. والحقيقة أنّه تجنّ على الذّات في العالم العربيّ قبل الآخرين أن نقع فريسة سهلة للتغطية المغرضة – أمريكيّة أو متأمركة – عن إيران وشعبها دون بذل ولو أقلّ الجهد لوضع المسألة في سياقها الكليّ – التاريخي -.

وثائقي “إنقلاب 53 – 2019، 120 دقيقة” للمخرج البريطاني / الإيرانيّ الأصل تاجي أميراني يمنح جيلنا الذي لا يقرأ كثيراً فرصة نادرة لفهم لحظتنا الإيرانيّة المعاصرة – إن جاز التعبير – عبر استعادة مرحلة مفصليّة هامّة في تاريخ إيران والمنطقة جاءت ضمن مسار تراكمي مستمرّ للعدوان الإمبريالي الغربيّ إلى لحظتنا الرّاهنة، وإن تغيّرت اليوم بعض تفاصيله الفرعيّة: أي الانقلاب على حكومة رئيس وزراء إيران محمّد مصدّق صيف 1953، ما يعرف في أروقة المخابرات بعمليّة أجاكس Ajax Operation.

انقلاب 53: الحدث

رغم انتصارها، خرجت بريطانيا محطمّة من الحرب العالميّة الثانية (1939 – 1945)، ولذا ازدادت أهميّة الدّخل الذي كان تتحصّل عليه من نفط مستعمراتها في الخليج الفارسيّ لا سيّما إيران التي يهيمن موقعها الإستراتيجي على خطوط الشحن البحري لنقل النفط الرخيص من المنطقة إلى العالم. جنّ جنون الحكومة البريطانيّة عندما أعلن محمّد مصدّق رئيس الحكومة الإيرانيّة المنتخبة ديمقراطيّاً في 1951 عن تأميم صناعة النفط الإيرانيّة. فامتلاك الشعب الإيراني لثروته كان يعني حتماً تدنٍ إضافياً في مستوى عيش الناخبين البريطانيين (في العام 1950 كانت حصّة حكومة صاحبة الجلالة من عوائد شركة النفط الأنغلو-إيرانية حوالي 51 مليون جنيه إسترليني مقابل 16 مليون جنيه تلقتها الحكومة الإيرانيّة هذا سوى خط سريّ لسرقة النفط الإيراني من خلال إرساله إلى مصاف في العراق، والتلاعب بحسابات الشركة لتقليل عوائد أهل البلاد)، ناهيك عن السّابقة التاريخيّة المقلقة التي قد يشكلها انتصار الإيرانيين إن تحقق، وانعكاسات ذلك على مصالحها الإمبراطوريّة الأخرى – وأقربها مصر قناة السويس حيث مفتاح الملاحة العالميّة -. الأمريكيّون المنتشون بانتصارهم السّهل في الحرب العالميّة كانوا بدورهم شرعوا بتعزيز موقعهم المكرّس حديثاً بحكم الواقع الموضوعيّ كقوّة هيمنة إمبريالية عالمية، ووراثة النفوذ البريطاني المتراجع في الشرق الأوسط – وغيره –. وهم عمدوا إلى فرض تواجد لهم على الساحة الإيرانيّة منذ 1945 كجزء من استراتيجيّة كبرى للسيطرة على موارد النفط العالميّة ومنع شعوب المستعمرات الأوروبيّة من التحالف مع الاتحاد السوفياتي في معارك التحرر الوطنيّ، وقد كان تقييمهم سلبياً بشأن وجود مصدّق وحكومته في موقع السلطة بطهران.

لم يكن مصدق شيوعياً ولا معمماً ولا ديكتاتوراً ولا حتى معادياً للغرب. ولكن كما تكرر الأمر مع الرئيس عبد الناصر وتأميم قناة السويس في عام 1956، فإن الإمبريالية العالميّة أقلقتها شعبيته الضخمة وتوجهاته اليساريّة، وتصميمه غير القابل للإفساد على ضمان استخدام موارد بلاده لرفع مستوى معيشة الشعب الإيراني بعد طول هوان على يد المستعمر. وهكذا تقرر إزاحته من السلطة عبر تقنيات انقلابية من إبداع المخابرات البريطانيّة، أصبحت مألوفة اليوم بعدما احتضنتها وعززتها المخابرات المركزيّة الأمريكيّة – حديثة التأسيس -، وخصصت لدعمها ميزانيّات ضخمة، وحوّلتها إلى منهج عمل لإسقاط الانظمة المعادية لهيمنة الولايات المتحدة حول العالم.

كانت أوّل الخطوات بعد تأميم مصدّق صناعة النفط أن سحبت بريطانيا كافة كوادرها الهندسيّة والفنيّة من إيران، وأوقفت تصدير قطع الغيار للمعدات، وفرضت حظراً دوليّاً على النفط الإيراني، فتراجع الإنتاج إلى مستوى 4% فقط من مستويات العام السابق. وقد نجحت من الأزمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عن ذلك في هدفها بإضعاف مصدق من خلال التسبب بمعاناة كبيرة للناس العاديين، ونشر عدم الاستقرار في البلاد. ودبّرت تالياً عمليّة اغتيال الجنرال محمود أفسهارث، قائد الأمن الإيرانيّ الذي عينه مصدق، وكلّفت شقيقة الشاه بتشجيع شقيقها المُتردد للموافقة على خطة الانقلاب ومنح قادته شرعية دستورية. كما تمت رشوة رؤساء تحرير الصحف الإيرانيّة لنشر مقالات وأكاذيب بالغة الضرر بسمعة مصدق وحكومته أعدّت نصوصها وكالة الاستخبارات المركزية، وكانت تنشر يوميّاً بحرفيّتها كما تصل دون أي تعديلات. وطوال ربيع وصيف عام 1953 لم يمر ولا حتى يوم واحد دون أن يندد أحد العملاء صحفيّاً، أو معلقاً إخبارياً، أو سياسياً برئيس الوزراء مصدّق.

البريطانيون والأمريكيون كانوا أسسوا نواة صلبة من النشطاء الإيرانيين ذوي الخبرة والكفاءة العالية الذين أمضوا سنوات في تجميع شبكة سرية من السياسيين اليمينيين المتعاطفين مع الاستعمار وضباط الجيش الطموحين ورجال الدين ومحرري الصحف وقادة عصابات الشوارع والعاهرات كانت مخابرات البلدين تدفع لهم شهريّاً عشرات الآلاف من الدولارات في الشهر. وشملت الرشاوى أيضاً العديد من أعضاء البرلمان، والوجهاء الأثرياء وشخصيات دينية مستقلة ظاهرياً مثل آية الله كاشاني النّافذ (الذي أطلق تصريحات ضد رئيس الوزراء، اتهمه فيها بالخيانة وانتهاك الدستور وعدم طاعة الشاه بعدما تلقى مقابلها 10 آلاف دولار نقداً). وكُلّف عملاء ايرانيون تظاهروا بأنهم شيوعيون مؤيدون لمصدّق بتوجيه إهانات لرجال الدّين وبتهديدهم بعقاب وحشي إن هم عارضوا مصدق، وتعرّض منزل أحد هؤلاء بالفعل لاعتداء، فيما تفجرّت موجة احتجاجات جماهيرية كانت تنظمها مافيات الشوارع وتقودها العاهرات ويتورّط فيها الجهلة والمغفلون، ثم تقدّم للعالم الخارجي على أنّها “ثورة” شعبيّة، و”ربيع” طهران.

بالطبع لم يكن سقوط مصدّق حتمياً، إذ أن أغلبيّة الإيرانيين كانت تثق به والعديد من القطاعات العسكريّة كانت موالية للبلاد لكنّه لم يتصرّف بشكل حاسم، ولم يصدر أوامر لمؤيديه بعزل الانقلابيين، بل ونصحهم بعد تنفيذ الانقلاب العسكريّ بيوم واحد بالعودة إلى منازلهم لتجنّب سفك الدّماء. وهكذا سقطت حكومته، وتعرّض أنصاره للقمع والتصفية والإعدامات وفق قوائم معدّة مسبقاً.

بالطبع لم يكن الانقلاب مجرّد عمل استخباراتي محض، بل شارك فيه بفاعليّة قتلة آخرون: الرئيس الأمريكي دوايت دي أيزنهاور، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ومصالح النفط والشركات، وهيئة الإذاعة البريطانية وغيرها من الجهات الشائنة. دون شكّ كان عملاء المخابرات البريطانيّة الأكثر فخراً بالنتيجة الباهرة لأجاكس (التي اُستوحي اسمها من ماركة سائل التنظيف الشهير)، لكن المخابرات الأمريكيّة حوّلتها إلى دليل عمل تم تطبيق تعليماته بنجاح تالياً في غواتيمالا 1954، وتباهى حينها كيرميت روزفلت – أحد متخصصي هندسة الانقلابات في وكالة المخابرات الأمريكيّة – علناً بأن نظام هوشي منه الشيوعي في فيتنام هو التالي على القائمة.

لكن الفيتناميين لم يكونوا بلهاء، إذ تعلّموا من دروس إيران 53 وغواتيمالا 54 وكسروا العدوان الأمريكي العسكريّ بعد أن أفشلوا تقنيّات المخابرات الانقلابيّة وتصدوا للعملاء، وكذلك فعلت كوبا. ومن المؤسف أن هذه التّقنيات التي لم تعد سريّة، كما تطبيقاتها الأحدث بالاستفادة من التكنولوجيات الحديثة في الاتصال والإعلام لا تزال فاعلة ومستخدمة للإطاحة بالحكومات الوطنيّة كما أظهرت الأحداث الأقرب في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان وهونغ كونغ وفنزويلا وبوليفيا وحاليّاً في روسيا، ولا تزال قادرة على التأثير في جمهور عريض يعتقد كسلاً أن أيّ وصف لما يجري أمامه بالعمل الاستخباراتيّ المدبّر “نظريّة مؤامرة”. لكن الإيرانيين استوعبوا دروس انقلاب 1953 جيّداً، وخبروا كذبة الديمقراطيّة التي يغلّف بها الغرب طموحاته الإمبرياليّة، وهم سددوا الحساب للأمريكي والبريطاني بإسقاطهم حكم الشاه ربيبهم في 1979 وتأسيسهم جمهوريّة مستقلّة صار عمرها اليوم أربعين عاماً ونيّف، وتزداد صموداً منعة كلّ يوم حتى صارت عقدة المشروع الأمريكيّ في الشرق الأوسط برمته.

انقلاب 53: الوثائقيّ

هاجر والد أميراني إثر انقلاب 1953 إلى المملكة المتحدة حيث كبر ابنه تاجي ودرس الفيزياء بالجامعة. وقد دفعه هوسه بالسينما لاحتراف صناعة الوثائقيّات لكّن بقي عالقاُ في ذهنه دائماً ذلك الحدث المفصليّ الهائل الذي على نحو ما صنع قدره الشخصي كما أقدار بلاده الاصليّة، وحتماً انتهى إلى تتويج مهنته بعمل وثائقي عنه مشغول بكثير من العناية والشغف أنفق في إنتاجه 13 عاماً كاملة.

يستند الشريط إلى مادة أرشيفيّة كثيفة وأفلام وثائقيّة سابقة لسرد الحكاية، لكنّه يضيف ملمساً شخصّاً ذاتياً أيضاً عبر حضور صانع الفيلم كراو رئيس، كما وشهادات إيرانيين عاصروا مرحلة الانقلاب من الدائرة المقرّبة لمصدّق، وخبراء أمريكيّين وبريطانيين متخصصين مثل ستيفن كينزر مؤلف كتاب “كل رجال الشاه – عام 2003″، وكذلك عملاء سابقين في المخابرات البريطانيّة والأمريكيّة عثر أميراني على سلسلة مقابلات منهم أعدت لمصلحة فيلم وثائقي تلفزيونيّ قبل 35 عاماً “نهاية الإمبراطوريّة – 1985” وكانت مدفونة في أرشيف معهد السينما بمن فيهم الجاسوس البريطاني الرّاحل نورمان داربيشاير – يؤدي دوره في الشريط الممثل رالف فينيس الذي كان قدّم دور مدير المخابرات البريطانيّة في سلسلة أفلام جيمس بوند -. ويعتقد أنّ داربيشاير نسّق المساهمة البريطانيّة في الانقلاب، وأكّدّ في شهادته – عثر أميراني على نسخة مكتوبة مهملة منها لم تنشر بالكامل سابقاً – على تورط مخابرات بلاده، رغم صمت الاخيرة الرسميّ المطبق بشأن دورها إلى اليوم – بينما سمحت المخابرات الأمريكيّة بنشر بعض الوثائق بشكل جزئي ونشرت تفاصيل الانقلاب صحيفة نيو يورك تايمز وتحدّث بشأنه الرئيس أوباما علناً -. ثروة المقابلات والغرافيكس المذهلة، مع الاهتمام غير العادي بالتفاصيل شارك في صنعها والتر مورتش، الذي فاز بجائزة أوسكار تحرير الصوت عن فيلم “القيامة الآن”، وتحرير الصوت والأفلام عن فيلم “المريض الإنجليزي” ، ولذا كانت النتيجة مثيرة للإعجاب.

انقلاب 53: الحصار  

لقي الفيلم لدى تقديمه في مهرجانات سينمائيّة عالميّة مع نهاية ترحيباً واسعاً من النقّاد واعتبره كثيرون بمثابة عمل أساسي لفهم علاقة بريطانيا بالشرق الأوسط وتاريخ إيران والمنطقة. لكّن جهات في بريطانيا تحرّكت نهاية العام الماضي قانونياً لمنع عرض الفيلم بعدما اشتكى صانعو وثائقي “نهاية الإمبراطوريّة” بأن ادعاءات الشريط تقوّض سمعتهم باقتراح أنهم تآمروا مع الحكومة البريطانيّة لإخفاء شهادة داربيشاير، في الوقت الذي سارع تلفزيون آي تي في، مالك حقوق المادة إلى سحب إذنه بعرض الأجزاء التي استعارها “انقلاب 53″، وهو مما قد يعني منع الفيلم من التّداول ما لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب، ويضع أميراني وموريش أمام خيار خوض معركة قانونية طويلة أو تعديل الفيلم بشكل جذري. 

وكان باحثون من طاقم وثائقي “نهاية الإمبراطوريّة” أجروا في 1985 مقابلة مع نورمان داربيشاير وهو ضابط استخبارات بريطاني سابق ادعى إدارته للانقلاب وقدّم تفاصيل ومنها أنّه  كجزء من “عملية التمهيد” أنفق “مبالغ طائلة من المال أكثر بكثير من مليون ونصف جنيه استرليني” لشراء الذمم، وكان شخصياً “يعطي الأوامر ويوجه انتفاضة الشارع” واعترف بمسؤولية مخابرات بلاده عن حادثة خطف قائد الامن الإيراني وقتله. ولم يوافق وقتها داربيشاير على تصويره بحسب الباحثين لكن أميراني يعتقد أن المقابلة صوّرت بالفعل لكنّها أُخفيت. ومع ذلك، فقد تم تسجيل نصّها في نسخة مكتوبة وجدت طريقها إلى الصحفي في الأوبزرفر نايجل هوكس قبل أسبوع من بث الحلقة في عام 1985، الذي نشر معطياتها دون الإشارة إلى اسم داربيشاير، لكن السلطات البريطانيّة فرضت طوقاً حديداً غير معلن لمنع إعادة نشرها، وفرضت تعديل حلقة “نهاية الإمبراطوريّة” لإسقاط مقابلة داربيشاير حتى نسيت تماماً. وقد توفي داربيشاير في 1993.

وبعض النظر عن نتيجة المفاوضات، فمن الواضح أن البريطانيين يبذلون جهوداً من وراء الكواليس لمنع عرض الفيلم على نطاق جماهيري، ولم تتقدّم أيّ من شركات الستريمنغ الأمريكيّة أو البريطانية بأيّة عروض لشرائه حتى الآن. ويبدو أن هذه النوعيّة من الأفلام لا يتوقعها الغرب من مخرج إيراني في الاغتراب، إذ هم يفضلون أفلاماً تغمز من طرف النظام الإيراني الحالي، وتخفي دور الغرب المتأصل التآمر على الشعب الإيراني في المئة سنة الأخيرة.

قد ينجح البريطانيّون في مسعاهم، لكن إخفاء الفيلم لن يكون كافياً الآن لتجميل الوجه البشع للإمبرياليات الغربيّة الذي صارت تعرفه شعوب الجنوب جيّداً، وعلى رأسهم الإيرانيّون الذين لا يسمحوا للتاريخ بإعادة نفسه، ولن يكون هناك انقلاب 53 في بلادهم مرّة أخرى. 

نشر هذا المقال في صفحة الثقافة بجريدة الأخبار اللبنانية عدد الخميس 4 شباط 2021

:::::

موقع “الثقافة المضادة”

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….