أصبحت مقولة بالمرستون أحد ضواري الإمبريالية في اربعينيات القرن التاسع عشر بأن: “لا صداقة دائمة بل مصالح دائمة” أي لا تحالفات دائمة كإحدى مسلمات التحليل السياسي/الاقتصادي وحتى في سياق تاريخي طويل وليس لحدث ما في وقت ما.
لكن علينا التنبه لأمر آخر هو أن علاقات الدول هي علاقات قوة أيضاً وليست فقط علاقات مصالح بمعنى أن الأقوى يمكن أن يحقق مصالحه أحيانا بالتلويح بها اي يمكنه ترجمة القوة إلى مصلحة مادية عموما واقتصادية على نطاق أضيق. كما أن بوسع المتبوع أن يحقق مصالحه على حساب شعب التابع حين تتقاطع مصالح نظام تابع متهالك عميل مع مصالح المتبوع وهذا حال معظم الأنظمة العربية، كما أنه كثيرا ما تتعادل المصالح نظراً لتعادل القوة.
على مستوى الغرب الرأسمالي/الناتو
تعجُّ المسألة الأوكرانية بدروس ربما لم تحصل في حدث واحد بعينه بل في عدة احداث وتجارب. فهي:
· اوضحت طبيعة العلاقة المصلحية بين مختلف بلدان الغرب الرأسمالي بمعنى تماسك محور راس المال/الإمبريالية رغم تناقضاته الداخلية، أي “تآخي اللصوص_ماركس”.
· أوضحت مدى ارتشاء الشارع الغربي عموما من النهب التاريخي والجاري لبلدان المحيط لذا استقبل اللجوء الأوكراني بينما تصرف عنصريا مع اللجوء العربي والإفريقي والأفغاني…الخ
· وأوضحت أن الشارع الغربي أخذ في التململ بعد أن قدم لأوكرانيا الأسلحة والذخائر كما أضطر لدفع فواتير عالية ثمناً لمقاطعة المنتجات الروسية وشرائها من يدٍ ثانية بأسعار أعلى وكذلك شراء الطاقة من أمريكا بأسعار أعلى ايضا حيث اجبرته امريكا على الركوع.
· وهنا تداخلت مصالح الأولغارشية الأوروبية مع الأمريكية ، وهي بين تابع وشريك للأمريكية، على حساب الطبقات الشعبية والعاملة في أوروبا.
لاحظنا في هذا اعلاه تقاطع المصلحي مع القوة أي المصلحي مع القووي داخل البلد الواحد أو بين بلد وآخر.
ويبقى السؤال، هل شدة الضغط على الحياة اليومية في أوروبا سوف تدفع الشارع للتمرد على هذا التحالف الإخضاعي! هذا برسم القوى التقدمية هناك.
روسيا تقلبات تحالفات/التناقض
أولاً: مع تركيا
رغم ميل كثيرين لوضع كتلة بريكس مقابل كتلة السبعة الكبار G7 فإن حدود تحالف بريكس أقل بكثير من تحالف الطرف الآخر، حتى الآن على الأقل، بل إن العلاقات بين الصين والهند وهما عضوان في بريكس هي علاقات حذرة وحتى هشة ويمكن أن تصبح زلقة.
بوسعك الجزم بأن الصين داعمة لروسيا في الحرب الجارية، لكن درجة ذلك لا ترقى إلى المشاركة الفعلية العسكرية أو حتى التسليحية مقارنة بالحلف الغربي ودور ناتو.
وإذا كانت صورة العلاقة الروسية الصينية واضحة إلى حد ما، فإن تحالفات روسيا مع بلدان أخرى يشوبها الكثير من الضباب والغباش والتقدم وحتى التناقض.
ففي العلاقات الروسية التركية تحاول روسيا جاهدة استمالة تركيا لصالحها وفي هذا المجال قدمت روسيا الكثير:
· تمرير إسقاط طائرة روسية
· الدور القيادي للعدوان التركي ضد سوريا رغم أن سوريا تشكل واقع الحضور الروسي في المياه الدافئة
· تمرير الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا
· تدفق السياحة الروسية على تركيا
· بيع اس 400 لتركيا
· مساعدة اردوغان حينما حصلت محاولة الانقلاب الأمريكي ضده بقيادة “غولين” هذا مع الشك بأن ذلك الانقلاب كان لفرك اذن أردوغان وليس إسقاط حكمه.
· لا ندري إن كانت روسيا دعمت أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مع ان ذلك متوقعاً حيث أعلنت المعارضة التركية انحيازها للغرب، إضافة إلى معرفة روسيا، وهنا المفارقة، أن أردوغان غربي في النهاية.
· وهنا لا بد من ذكر معترضة وهي أن العديد من الأنظمة العربية وقوى الدين السياسي قد اصطفت خلف أردوغان رغم احتلاله أراض سورية وعراقية وعدم إخفائه إعادة الاستعمار التركي ضد الوطن العربي بمجموعه. ومؤخراً منحت سلطة الدين السياسي الليبية أردوغان ميناء وقاعدة عسكرية على أراضيها.
· كما وقفت مع أردوغان العديد من مؤسسات إعلام الأنظمة العربية.
· وإيران كذلك دعمت أردوغان
ورغم ذلك:
· واصلت تركيا احتلال أراض سورية رغم موقف روسيا ضد ذلك، ولو شكليا على الأقل.
· واصلت الإصرار على شراء طائرات إف35 من أمريكا
· أرسلت مسيرات تركية إلى أوكرانيا والتي يجري استخدامها ضد الجيش الروسي.
· واصلت دعم نظام اذربيجان لخلق إشكال لروسيا في منطقة تشكل إزعاجاً لها.
· واصلت تمرير تهريب النفط السوري ومنها إلى كردستان العراق وصولا إلى السوق الدولي والكيان الصهيوني وهذا أخطر مساهمة في حصار أمريكا لسوريا.
· رغم وجود التفتيش والرقابة المشتركة بين تركيا والأمم المتحدة على شحنات الحبوب عند مضيق البوسفور، إلا أنّ المسؤولين الروس صرّحوا مراراً بأنه يجري تمرير أسلحة إلى أوكرانيا تحت ستار صفقة الحبوب، وتحت ستار الخط الإنساني للمساعدات عبر البحر الأسود. وإذا افترضنا أنّ تركيا والأمم المتحدة تقومان بدور نزيه في عمليات التفتيش، فإنّ ذلك لا يلغي احتمالات شحن أسلحة بعد مضيق البوسفور!
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….