ثانياً: روسيا: إيران والخليج
المفترض أن روسيا وإيران على توافق لصالح علاقتهما بسوريا، وهي علاقة يفهمها البعض تحالفاً ويفهمها البعض الآخر كدور روسي غامض يرفض إسقاط الدولة السورية لكنه لا يقاتل من أجلها إلا في حدود، ويحاول لعب دور الوسيط أكثر مما هو طرف ضد الطرف الآخر. وهذا يبرر شعور كثيرين بأن دور روسيا في سوريا ملتبس. وقد يجوز لنا الاعتقاد بأن هذه هي قدرات روسيا في مواجهة العدو الغربي الذي لا يزال قوياً. وعلى العموم، فإن روسيا لن تضحي بسوريا ولكن دون أن تكون هي المقاتل الأول دفاعاً عن سوريا، وهذا عيب الأنظمة العربية ليس في تخاذلها بل في عدوانها ضد سوريا.
بالمقابل، فإن توجهات إيران شرقاً كما يروج لها كثيرا الإعلام، والحديث عن انضمامها ل بريكس يكتنفه تذبذب واضح، بينما بالمقابل تقدمت الجزائر ومصر والإمارات والسعودية بطلبات الانضمام ويبدو حسب وزير خارجية روسيا أن انضمام هذه الأربع له الأولوية.
وبعيدا عن ساحة سوريا، فإن ما ليس مفهوماً هو بيع إيران طائرات دون طيار والتي تستخدمها أوكرانيا ضد روسيا حتى ضد موسكو. هل طائرات إيران من هذا النوع متميزة؟ لا ندري، لأن المهم هو الصفقة ضد حليف أو صديق ولصالح عدو الحليف أو عدو الصديق!
بدورها فإن روسيا وكذلك الصين تدخلان دول الخليج من باب حق الدول في بناء علاقاتها. فهل هذا أمر موجه كردٍ ضد إيران؟ ربما نعم. ولكنه مغطىً بحق الدول في بناء علاقاتها وبالتالي نتيجته ليست لصالح إيران.
يمكن لكم مشاهدة الفيديو المرفق لوزير خارجية إيران وهو اعتراض إيران على مشاركة روسيا والصين في بيان بخصوص الجزر الإماراتية الثلاثة التي تحتلها إيران.
يقول وزير خارجية إيران عبد اللهيان تعليقاً على مشاركة روسيا والصين في البيان المذكور:
” نحن نحافظ على علاقاتنا الثابتة من جميع الجوانب، ولن نسمح لروسيا والصين أن تكونا الخيار الوحيد أمامنا، وإذا اقتضت المصالح سوف نتعاون مع المانيا وفرنسا”.
ولكن، طبقاً للخطاب الإيديولوجي الإيراني فإن المانيا وفرنسا ليستا أقل خطراً وسوءاً وكفراً من أمريكا! ومن يدعو إلى عالم مختلف يجب أن لا يتجه إلى هذه الضواري الإمبريالية والأكثر دعماً للكيان الصهيوني.
لا يمكن للمرء الحكم على نظرة الصين وروسيا إلى إيران من حيث توجهها الإيديولوجي الذي وصل لما هو أبعد من حجم إيران نفسها ولا شك أن الصين وروسيا تأخذان هذا الأمر أو التوجه الإيديولوجي أو الدين سياسي بالحسبان.
فقد ورد في صفحة السيد خامنئي:
“هناك صراع بين جبهتين في العالم اليوم: الأولى هي النظام الإسلامي، والأخرى الجبهة الكاذبة التي تطلق على نفسها اسم الديمقراطية الليبرالية، في حين أنها ليست ليبرالية ولا ديمقراطية”. https://twitter.com/ar_khamenei/status/1679079593284698113?s=46 |
هل يُقسم العالم على هذا الأساس وحسب؟ وهل هناك نظام إسلامي، ومن الذين يضمهم؟ أم أن هناك إيديولوجيا الدين السياسي الإسلامي وهذه متعددة، من إيران إلى تركيا إلى الإخوان المسلمين إلى السلفيين فالوهابيين وصولاً إلى داعش.
ونفي خامنئي لوجود لبرالية ديمقراطية في الغرب لا يعني أنها ليست موجودة، أو ليست كما يراها.
وحيث يستثني أو لا يذكر الرجل بقية العالم أي الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل والعديد من دول العالم يكون ما طرحه مجتزءا إما بغفلة أو بقصد!
وهنا يحضرني السؤال أو التساؤل: ترى ماذا يقول قادة ومفكرو الصين وروسيا حين يقرؤوا هذه التغريدة وشبيهاتها؟ وهل يصل الأمر بإيران إلى تحريض المسلمين فيهما وخاصة الأقليات الشيعية التي تعتبر إيران نفسها ممثلتها. بل إن بعض المثقفين الشيعة يدعون الشيعة العرب للانضمام إلى إيران.
لذا، ربما تركز روسيا والصين العلاقة مع انظمة الخليج كي تخفف وبالطبع لن تفك ارتباطها بأمريكا ولأن ذلك يحقق لهن مصالح أفضل مما هي مع إيران التي ربما ذات وقت تخلق لهما مشاكل دينسياسي حيث فيهما عشرات ملايين المسلمين، بل ربما تلعب هذه اللعبة كل من السعودية وإيران سواء تنافسهما على مسلمي روسيا والصين أو تأثير كل منهما طائفيا على مسلمي البلدين كون السعودية/مركز السنة وإيران مركز الشيعة.
صحيح أن التوافق السعودي الإيراني برعاية الصين قد خفف العداء بين النظامين، ولكن كونهما يقومان على إيديولوجيا طائفية الدين السياسي فإن توافقهما زلق لا شك لأن تركيز الطائفية هو وقود بقاء محركات الأنظمة فعالة.
كما تدرك روسيا والصين أن علاقة تركيا مع روسيا رجراجة والأمر نفسه مع الصين.
لا أحد يجهل أن اللبرالية والديمقراطية الغربيتين وُلدتا في فرنسا وألمانيا وبريطانيا…الخ قبل أمريكا. وهنا نذكِّر القارئ بأن إيران في الحرب العراقية الإيرانية تعاونت مع الكيان بشراء اسلحة فلماذا لا تقبل ببراجماتية غيرها في تعميق متاجرتهما مع الخليج وتأييد حق الخليج في الجزر الثلاثة سواء بتوقيع وزير خارجية روسيا على البيان أو تاييد الإمارات في مسألة الجزر من قبل الرئيس الصيني..؟
وهنا نذكر أن بعض الصحف قد نشرت منذ سنوات أن الإمارات باعت الجزر لإيران. ولا نعلم مدى دقة الخبر ومصداقيته.
ثم يقطع السيد عبد اللهيان بالقول:
“إن روسيا لن تكون حليفاً مستقبليا لإيران، وتأكيد إيران على وحدة أوكرانيا!”.
وبهذا تتخندق إيران في الطرف الغربي بإرسال درونز سياسية هذه المرة؟
قد يضئ على تحليلنا هذا ترطيب العلاقات بين إيران وامريكا، فيما يخص تبادل السجناء والإفراج عن أموال إيرانية مغتصبة من قبل أمريكا وأدوات لها ومنها البرتغال وكوريا الجنوبية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، هل تدرك روسيا أنه لا إيران ولا تركيا حليف ثابت بل نسبيا، ولذا التحالف مع اي منهما زلق؟ وهذا في الواقع ينطبق على مختلف التحالفات مما يؤكد أن مصالح اي بلد في قوته.
فتركيا لم ولن تقطع مع امريكا والغرب عموماً، وقد يكون الحدث التالي مؤشر على ذلك بل على تحالف نظام الدين السياسي التركي مع راس المال الإمبريالي حيث جرى تأجير ميناء نفطي ليبي لتركيا لمدة تسع وتسعون سنة كما أشرنا أعلاه. وهذا لا يمكن أن يحصل دون موافقة أمريكية. فالناتو لم يقم بتدمير ليبيا ومحو النظام الليبي لكي يقدم هدايا في ليبيا لتركيا.
ومعلوم بأن الناتو طبق نظرية الاستشراق الإرهابي في سوريا من خلال تركيا وأنظمة الخليج وفي ليبيا ايضا حيث تحالف مع إرهابيي الدين السياسي ليحكموا ليبيا، ولذا طبيعي أن يمنح الغرب تركيا موطئ قدم في ليبيا عربوناً لعلاقات بل تحالف تركيا مع الناتو ومع الكيان وهو تحالف في معظمه موجه ضد الأمة العربية حيث مصالح الطرفين ضد اي نهوض عربي.
كما أن أنظمة الخليج ومصر لم تقطعا لا مع أمريكا ولا مع تركيا، وقد تكون تحالفاتها مباشرة أو ضمناً ضد إيران وخاصة لأن إيران تصر على التمسك بالجزر الإماراتية وحتى تطالب ضم البحرين!
وهنا يجب الإشارة إلى أن مختلف الدول من امريكا الى الصين إلى روسيا إلى تركيا كل منها يقيم تحالفات مع هذه الجزء أو ذاك من الوطن العربي وهي تحالفات مضمونها تبعية هذه الدول العربية هنا وهناك وهذا يعني بشكل واضح شكلاً جديدا وخطيراً من سايكس-بيكو أي تخليد تجزئة وتبعية البلدان العربية بدل تماسكها الداخلي والبيني.
ولنختم بأوضح العلاقات زلاقة وهي الإندلاق الشكلي للأنظمة العربية على سوريا بعد الزلزال، ثم انحسار ذلك بشكل سافر. ورغم إغتباط التحليل المنشبك بهذا الانفتاح، فإن هؤلاء ركزوا على الزلزال وتجاهلوا الخطر الحقيقي ضد سوريا وهو “إرهاب ثورة الدين السياسي الطائفي” الذي كانوا ولا يزالون هم من مولوه وجندوا له.
وأخيراً، فإن الوطن العربي ليس سوى حالة تناهُش بين بريكس والغرب من جهة، فهل يصبح ايضا حالة تناهش أو تقاسم بين تركيا وإيران من جهة ثانية وهو تقاسم قومي مغطى بتنافس طائفي!
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….