لا يحتاج الدين بطبيعته وطبعته الإيمانية ل “صحوات “، فالصحوات هي طائفية لا تستغرق الدين نفسه بل طائفة معينة. والطائفية مادة متفجرة تصيب من يفجرها وليس الآخرين فقط.
الأديان ليست جديدة على الشرق لذا لا يحتاج لمن يولج فيه الإيمان. ولكن الجديد هو الدين السياسي والذي بدأته الوهابية في الجزيرة عبر آل سعود.
قد يرى البعض بأن ظاهرة الدين السياسي بدأت منذ مارتن لوثر الذي دعى لدولة يهودية لكن التجسيد العملي للدين السياسي اليهودي كمشروع دولاني كان منذ مؤتمر بازل 1897 وقرار إقامة دولة دينية لليهود، دولة لدين واحد والتي تجسدت في اغتصاب فلسطين 1948 وها هي تدفع الثمن في داخلها.
إذا صحَّ أن جماعة الإخوان المسلمين هي صناعة بريطانية في مصر 1928 فهذا يعني أن بريطانيا كانت تقصد استخدام الدين السياسي لمواجهة حركة التحرر القومي العربية، وربما لهذا السبب نفسه وقفت هذه الجماعة ضد العروبة بوضوح مخالفة مواقف مختلف قوى الدين السياسي في العالم حيث هي ملتزمة وطنيا وقوميا وأبرز الأمثلة في عالم الإسلام هي قوى الدين السياسي في تركيا وإيرانً.
على أن الصحوة الشيعية إثر الثورة الإيرانية قد أضافت لقوى الدين السياسي شحنة كبيرة وقوية وخلقت تضاداً بين السنة والشيعة مما أنعش الطائفية في الوطن العربي وعلى صعيد عالمي.
كان ذلك حينما اتخذ الإمام الخميني قرارين خطيرين:
الأول: تصدير الثورة
والثاني: هدر دم سلمان رشدي إثر صدور روايته “آيات شيطانية”.
إن تصدير الثورة، أية ثورة، هو عمل اقتحامي عدواني لأن الطبيعي ان تقوم في البلد الواحد قوة ذاتية ثورية تقود نفسها بنفسها وقد تتقاطع/تتحالف هنا أو هناك.
أدى شعار تصدير الثورة إلى حراك دين سياسي طائفي سُنِّي لمواجهة تصدير الثورة من إيران باسم الإسلام ولكن بجوهر طائفي شيعي. والحقيقة لو أن إيران اكتفت بتديُنها في بلادها، لكان ذلك طبيعيا وفي نطاق وطني وحق كل أمة في وطنها. ولكن تصدير الثورة مقصود به تصديرها إلى الجوار وهي البلدان العربية وهذا ما قاد إلى أمرين خطيرين:
الأول: اشتعال الحرب العراقية الإيرانية.
والثاني: ظهور تيارات سنية متطرفة وحتى إرهابية والتي بدأت بالقاعدة وصولا إلى داعش.
فلم تقتصر دعوة إيران على بلدها بل طرحت نفسها ممثلة للتجمعات الشيعية في كل العالم. وهذا بالطبع نهج طائفي وليس إسلامي عام وبالتالي خلق تحسّساً في كل أمة بين رعاياها قلة او كثرة من الشيعة، اي خلقت حالة صراع مع الأمة، قومية الأمة، هنا أو هناك بمعنى تفكك وتناقض الولاء بين الطائفي والقومي فما بالك بالطبقي.
أما فتوى قتل سلمان رشدي فكانت مثابة تعيين الإمام الخميني نفسه إماماً لكل الإسلام على صعيد معولم الأمر الذي نبَّه قوى الدين السياسي عربياً بل وعلى صعيد عالمي وخاصة المحافظين الجدد في امريكا واليمين الديني في اوروبا والهندوسية في الهند…الخ.
تجدر الإشارة إلى أن العالم بأجمعه كلما أدخلته الرأسمالية في أزمة اقتصادية تلجأ الطبقات الحاكمة المالكة إلى تحويل السخط الطبقي الشعبي نحو صراعات تفتت التماسك الطبقي لدى الطبقات الشعبية وتحولها إما ضد بعضها أو تدفعها لطلب الخلاص من السماء، رغم أن السماء لم تطلب من الناس الهروب من واقعهم.
وهكذا، اتخذ الرد على دعوتَيْ الإمام الخميني تعبيرات طبقاً لجغرافيا وثقافة هذا البلد أو الدين او ذاك.
على الصعيد العربي اشتعلت نار الفتنة الطائفية داخل كل قطر عربي على حدة الأمر الذي خدم الأنظمة العربية التابعة لتقوية سيطرتها على المواطنين. فالطائفية يتم الرد عليها بمثلها وكان العراق وسوريا ثم ليبيا ميدان الدين السياسي السني الذي هدم هذه الدول إن أردنا قول أو وصف الأمر أو الحدث بحقيقته.
أما على الصعيد العالمي فقد استثمرت المخابرات الغربية وأنظمتها في مسألة سلمان رشدي لتخلق تيارا عريضا ضد الإسلام نفسه وليس ضد الدين السياسي الإسلامي وهذا ما قاد حثالات بشرية في الغرب إلى تدنيس القرآن الكريم بما هو كتاب كل المسلمين وليس كتاب هذه الطائفة أو تلك.
ويبدو أن أنظمة الغرب كعنصرية ومضادة للعرب خاصة قد فتحت وربما حركت بعض هؤلاء الشواذ لإهانة المصحف الشريف بهدف إشغال الشارع العربي والإسلامي في صراع ديني.
وخطورة هذا الصراع في أنه يخدم الأنظمة الحاكمة في الغرب وفي البلدان الإسلامية حيث يمتص السخط الطبقي ويحوله إلى انفجارات في الشوارع لا تقدم ولا تؤخر.
لذا، دافعت الأنظمة الغربية عن هذه الحثالات بحجة التعبير عن الرأي!
ومتى كان الشذوذ رأياً!
ولم تكتفي الدول الغربية بتبني سلمان رشدي واعتبار فتوى قتله جريمة منسوبة للإسلام فجندت شواذا بين عام وآخر لإهانة الإسلام ولاحقاً رمت أوباش التعصب الدين سياسي من المسلمين لديها كي تقتُل وتُقتل في سوريا والعراق وليبيا.
أما على صعيد داخل الوطن العربي فقد خلقت الأنظمة الحاكمة في الغرب ظاهرة “الاستشراق الإرهابي” في أوساط الطائفة السنية والتي دمرت الجمهوريات العربية وكلفت ملايين الضحايا من الأبرياء ولم تتوقف بعد. وكما أشرنا كان الثمن المدفوع بشكل خاص في سوريا والعراق وليبيا.
وهكذا، قام أحد الشواذ في هولندا بتمزيق المصحف الشريف، ولن يكون هذا الأخير. وعليه، ليت من يدبجون شعارات الثأر للإسلام كتمسك بخطأ الإمام الخميني أن يتوقفوا عن هذا التحشيد كي تُصب جهود الناس ضد واقعهم المزرى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فالحل هو في النضال لتغيير هذه الأنظمة، وحينها لا يضطر عربي أو مسلم للهجرة إلى الغرب ليعاني التمييز والإهانة والدونية.
إن موجة الصحوات الدينية في ثوب الدين السياسي هي أفيون الشعوب فعلاً حيث يتم حرف الوعي من وجوب النضال الأرضي إلى الابتهال للسماء، وهذا لا يجدي بل يُريح الأنظمة الرأسمالية الحاكمة سواء رأسمالية الكمبرادور في المحيط أو الرأسمالية الإمبريالية في المركز.
قد يتساءل البعض: لماذا يتخذ الدين السياسي في الوطن العربي والعالم الإسلامي وربما العالم الثالث هذا الشكل العنيف والأعمى بينما لا يتخذ الدين السياسي في الغرب المسار نفسه؟
وهذا سؤال منطقي وطبيعي نلخص الإجابة عليه في أن الغرب الرأسمالي وبلدان مثل الصين قد أنجزت أنظمتها مستوى من البناء وحقوق المواطن وحتى رفاهيته إلى الدرجة التي يشعر معها أن هناك في وطنه ما يخاف عليه، بينما في الوطن العربي والعالم الإسلامي هناك ما يُخيف المواطن ويروعه فيدفعه للقتل والانتحار.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….