السنة الثالثة والعشرون – العدد 6615
في هذا العدد:
■ اندماج الكيان الصهيوني اندماجا مهيمناً، عادل سماره
- من الأمين والمأمون إلى استجداء الامتطاء
- رسالة إلى الرفيق سعيد محمد
■ في رحيل الشاعر أحمد حسين، د. عادل الأسطة
■ “أوبنهايمر” وفق كريستوفر نولان: تزوير التّاريخ، والاحتفاء الجماعيّ بالقتلة، سعيد محمّد
■ بيان صادر عن اهل الجولان السوري المحتل حول احداث السويداء
✺ ✺ ✺
اندماج الكيان اندماجا مهيمناً
عادل سماره
كان الكسائي معلم الأمين والمأمون إبنَي هرون الرشيد ولفرط احترامهما له كانا يتسابقان على تقديم نعلَيه.
دارت القرون، وجرى اجتثاث شأفة العروبة فكان اغتصاب فلسطين وأجزاء أخرى من الوطن الكبير. لكن الأخطر اغتصاب فلسطين ومساهمة أكثر من حاكم ومثقف عربي في بناء الكيان وحتى اليوم.
وضمن بناء الكيان كان التطبيع، وكان التطبيع المُذل. وكما كتبت قبل يومين حاكم المغرب يستجدي الكيان الاعتراف بسيطرته على الصحراء الغربية!
والسؤال: ما علاقة وقيمة اعراف الكيان بهذا؟
وجدت الإجابة عندي وذلك منذ ثلاثين سنة حينما كتبت بأن الاعتراف والتطبيع مع الكيان هو ضمن مشروع:”اندماج الكيان في الوطن العربي إندماجا مهيمنا”. Integration through Domination
بحيث يكون الكيان القيادة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وثقافيا…الخ.
من هنا الاستجداء الملكي المغربي.
ثانياً: أرسل لي الرفيق سعيد محمد أمس بالإنجليزية خبرا مفاده أن بن سلمان يستجدي نتنياهو كي ينتزع ولاية النظام الأردني عن الأقصى ويعطيها ل بن سلمان كثمن شكلي وغطاء على غطس النظام السعودي في التطبيع!
أليس هذا عجب العُجاب! لقد وصل الكيان إلى تدفيع الحكام العرب ثمن التقرب منه والاعتراف به وحتى تعيينهم أوصياء على المقدسات!
نشرت التالي في كتابي:”ثورة مضادة إرهاصات ام ثورة 2012″ وكتابي “في نحت المصطلح وتحرير المعنى 2023” وفي بعض مقالاتي بالإنجليزية.
الاندماج المهيمن للكيان الصهيوني
كانت بداية حديثي في هذا الأمر إثر عقد منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق “إعلان المبادئ مع الكيان، المسمى اتفاقات أوسلو، والذي تعترف بموجبه م.ت.ف. بالكيان على المحتل من فلسطين 1948 بينما يسمح الكيان لهذه المنظمة بأن تنشط في المحتل 1967 كحركة سياسية خاضعة للدولة، للسلطة المركزية الصهيونية في تل أبيب. أي لا دولة فلسطينية ولا سيادة ولا من يحزنون، بل دولة واحدة لكل مستوطنيها والفلسطينيون طارئون إلى يوم محدد ليتم طردهم حين يكون ذلك ممكنًا. وحيث أُلحقت اتفاقات أوسلو ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي أكد تبعية اقتصاد المحتل 1967 للكيان، وبقاء جيش الاحتلال في المحتل 1967، وبقاء السوق المحلية مفتوحة لمنتجات الكيان مع تقييد دخول منتجات المحتل 1967 للكيان، فقد لاحظت أن هذا ربط للبنية التحتية المحلية بالكيان، وهذه المرة بالرضى من القيادة الفلسطينية. وأضفت على هذا بأن هذا هو بداية اندماج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمنًا وأساس هذه الهيمنة اعتراف كل من يعترف بالكيان أن المحتل من فلسطين 1948 هو للكيان.
نقصد هنا تلك الخطط والمحاولات من الثورة المضادة لجعل الكيان الصهيوني كيانًا “طبيعيا” في الوطن العربي. ومن أجل ذلك يتم اعتماد التطبيع والتخلي عن مقاطعة الكيان وعقد اتفاقات تسوية معه، وإشراك الكيان في بنى تحتية مع الأقطار العربية، وخاصة المحيطة بفلسطين المحتلة (دول الطوق) مثل الكهرباء والطرق والاتصالات…الخ.
والاندماج المهيمن يعني التوصل إلى استسلام عربي تجاه الكيان؛ أي التخلي عن حق العودة وعن المقاومة وعن شن أيّة حرب تحريرية لتحرير فلسطين.
وفي حين أنه من الطبيعي أن يكون هذا مخطط الكيان والمركز الرأسمالي المعولم من أجل هذا الاندماج، فإن الآليات الخطرة في تنفيذ هذا المخطط هي:
• الأنظمة العربية الحاكمة والتابعة والتي هي جزء من الثورة المضادة.
• القوى السياسية التي اعترفت وتدعو للاعتراف بالكيان الصهيوني وهي:
• كثير من التنظيمات الشيوعية العربية بجناحيها الموسكوفي والتروتسكي.
• كثير من القوى والمثقفين اللبراليين المتغربنين والمتخارجين.
• الكثير من قوى الدين السياسي مثل حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر وليبيا…الخ.
البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية في الوطن العربي.
تقصد الصهيونية من تحقيق هذا الاندماج، أن تصبح دولة طبيعية في الوطن العربي لكي تتغلغل اقتصاديًا في الأسواق العربية فتصبح هي القوة الأقوى عسكريًا واقتصاديًا وخاصة تكنولوجيًا في الوطن العربي.
ويشارك في تحقيق هذا الهدف، إن لم يكن المخطِّط له، المركز الرأسمالي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة التي تعتبر وجود الكيان الصهيوني في فلسطين أداة له وحليفا بينما تعتبر التوابع العرب أدوات من الدرجة الثانية وحلفاء شكليا لذر الرماد في العيون.
لكن تطورات المقاومة والممانعة أرست وجود معسكرين في الوطن العربي بعد أن كان المسيطر فيه فقط معسكر التوابع، أي:
• تمظهر معسكر أو حلف المقاومة بمعزل عن التفصيل في مكوناته
• وتمظهر محور المساومة والتطبيع
وهذا تطور هام في الوطن العربي، ليس حاسما ولا كافيًا بعد ولكنه مهم وتاريخي.
فالمقاومة وضعت الوطن العربي أمام مشهد من ضِدَّيْن، وسحبت من الكيان تفرُّده وسيطرته الحربية، فلم يعد قادرًا على إشعال الحرب أنَّى شاء. ولذا، يزيد تركيزه بدعم من المركز الرأسمالي المعولم على التغلغل الاقتصادي عبر متاجرة واستثمارات مشتركة مع أكثر عدد من البلدان العربية.
لذا يُعوض محور التبعية لجم التوسع الجغرافي الصهيوني بالتطبيع حيث يتوسع الكيان اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ودينيا على حساب الأمة العربية بتواطؤ الأنظمة العربية. وكما أشرنا سابقًا، فإن الإبراهيمية هي إحدى آليات توسع الكيان ثقافيا ودينيا. كما أن تشكيل ناتو عربي بقيادة الكيان، رغم إنكار من أعدُّوا له، هو أيضاَ لتوسيع هيمنة بل سيطرة الكيان وترفيع درجته ودوره كي يملأ بعض الفراغ الذي يُحدثه تخفيف الإمبريالية الأمريكية لاحتلالها الوطن العربي، سواء الاحتلال المباشر أو بالوكالة من أنظمة عربية. وضمن ترفيع دور الكيان وهم وتوهيم التوابع، وخاصة الحكام الخلايجة، بأن الكيان يمكن أن يشكل لهذه الكيانات غطاء حماية من إيران!
إنَّ مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي صممته الولايات المتحدة 1994، ولاحقًا تحوله إلى الشرق الأوسط الجديد والكبير، هي آليات لتحقيق هذا الاندماج المهيمن. ولعل أوضح مثال على ذلك اتفاقات الـ كويز QIZ التي عقدتها الولايات المتحدة مع مصر والأردن بحيث تستقبل الولايات المتحدة منتجات من هذه الدول شريطة أن تحتوي ما لا يقل عن 10 بالمئة من مكونات صادراتها إلى الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني.
تهدف سياسة، أو مخطط، الاندماج المهيمن إلى خلق واقع يشتمل على تشارك مصالح قاعدية مع الكيان الصهيوني بحيث فيما لو قُطعت تتضرر قطاعات مجتمعية مما يدفعها إلى الاعتراض على وقف هذه المصالح المشتركة. فإقامة شركات كهرباء مشتركة أو خطوط اتصالات يقود وقفها في حالة تجدد وجدِّية الصراع إلى احتجاج المتضررين لأن هذا تشريك للبنية التحتية بين البلدان العربية وخاصة المحيطة بالكيان وبين الكيان نفسه. وهذا التشريك هو تشريك الحياة اليومية ومصالح الناس مع الكيان أي تبعيتها له كقطاعات شعبية عربية.
إن الهدف من الاندماج المهيمن في التحليل الأخير هو شطب حق العودة، واعتراف العرب بالكيان وكل ذلك لإبقاء السيطرة الرأسمالية الغربية على هذا الوطن وبقائه مجزًّا وبقاء الكيان الصهيوني حارسًا لتأبيد هذه التجزئة.
✺ ✺ ✺
في رحيل الشاعر أحمد حسين
- د. عادل الأسطة
أول مرة التقيت فيها الشاعر أحمد حسين كانت في 70 ق 20 .
كان أدباء فلسطين المحتلة عام 1948 يترددون على مدينة نابلس لطباعة الكتب فيها ومنهم يعقوب حجازي ومحمود عباسي ومحمد حمزة غنايم وعبد الحكيم سمارة ، وفي تلك الأثناء التقيت بالشاعر أحمد حسين و أنفقنا معا بضع ساعات تحدثنا فيها عن الأدب الفلسطيني .
لا أذكر من حديثنا الآن شيئا إلا دفاعه عن أخيه راشد ووقوف الأخير في وجه إميل حبيبي والحزب الشيوعي الإسرائيلي ، وما لا أنساه أبدا رأيه في روايات غسان كنفاني ،وهو رأي أوردته قبل شهر وبضعة أيام في ذكرى غسان.
لم ير أحمد حسين في روايات غسان كنفاني روايات فنية قدر ما هي موضوعات إنشاء.
هل كان الشاعر/ القاص نظر نقديا لرأيه الذي لم أعد أذكر تفاصيله وعلام اعتمد؟
لا أعرف كتابة نقدية مدونة منشورة لأحمد حسين في روايات غسان كنفاني لأعود إليها اقرأها وامعن النظر في صواب رأيه وعدمه.
لأحمد حسين مجموعة قصصية بعنوان “الوجه والعجيزة “يعدها بعض أدباء الأرض المحتلة انضج مجموعة قصصية من ناحية فنية وقد صدرت عن منشورات “الصوت “في الناصرة في 80 ق20 ،ومع هذا لم تجعل منه الصوت القصصي الأبرز الأشهر ،فلم يلتفت إليه قاصا التفات الدارسين لقصص إميل حبيبي ومحمد نفاع ومحمد علي طه .
ألأنه لم يتابع كتابة القصص فمجموعة واحدة لا تكفي أم لأنه لم يكن مباشرا في كتابته ولجأ إلى الرمز وعدم المباشرة أم لابتعاده إلى حد ما عن منابر الحزب الشيوعي الإسرائيلي التي لم يقاطعها ولكنه لم يكن من كتابها؟ لقد نشر أحمد حسين في هذه المنابر باسم مستعار هو أحمد ناظم وغالبا بإلحاح من سميح القاسم، فقد كانت ثمة علاقة تربط بينهما على الرغم من وجهة نظر أحمد السلبية في سميح من حيث حب الأخير الظهور- مؤخرا سمعت قصة طريفة جدا في هذا الشأن-
عرف أحمد حسين شاعرا غاضبا متمردا أيضا في 70 ق20 من خلال مجموعته “زمن الخوف” و”ترنيمة الرب المنتظر ” وكانت لغته فيها صادمة ،بخاصة فيما يخص الموقف من الذات الإلهية. كما لو أن الشاعر خرج في حينه من معطف مظفر النواب.
لم تلفت أشعار أحمد حسين أنظار النقاد فلم يلتفتوا إليه التفاتهم إلى أشعار أخيه راشد حسين. كما لو أن شهرة راشد غطت على احمد وكما لو أنه نظر إليه على أنه يريد أن يشغل الفراغ الذي تركه أخوه. هل كان ضحية أخيه؟
في بداية 90 ق20 التقيت بالشاعر في جامعة النجاح الوطنية مرارا فقد درست فيها كريمتاه وتردد عليها وكلما حضر زارني وتحدثنا معا عن راشد ومحمود درويش وسميح القاسم. وأحيانا كان الحوار يستمر ساعات فقد كان أحمد مثقفا ثقافة واسعة وكانت لديه قدرة على الجدل لافتة. ومنذ تخرجت كريمتاه من الجامعة ما عدنا نلتقي.
لم أره منذ 20 عاما ومنذ عام أقامت جامعة القدس المفتوحة في نابلس ندوة/ مؤتمرا لذكرى المرحوم راشد وقد سألت عن أحمد فأخبرت أن حالته الصحية صعبة وأنه ما عاد قادرا على المشي. ولقد حزنت لما آل إليه حزني لعدم رؤيته.
هل كان الشاعر أحمد حسين مفكرا وصاحب ايديولوجية أكثر منه أدبيا؟
ايا كان الأمر فإنه شخصية مؤثرة لا تنسى بسهولة.
في وداعه ليس لي إلا أن أبدي احترامي له وأنشد له الرحمة.
لقد رحل أيضا في شهر آب شهر رحيل ناجي العلي ومحمود درويش وسميح القاسم وعبد اللطيف عقل وسميرة عزام.
أحمد حسين وداعا.
23/ 8/2017
✺ ✺ ✺
“أوبنهايمر” وفق كريستوفر نولان:
تزوير التّاريخ، والاحتفاء الجماعيّ بالقتلة
سعيد محمّد
هل يمكن انتاج الترفيه عن حدث بشع للغاية؟ ذلك تحديداً ما يقوم به المخرج الأنجلوأمريكي كريستوفر نولان في “اوبنهايمر”، فيلمه الملحمي الهائل الذي يستعيد سيرة “أبو القنبلة النووية”. بالطبع لا يمكن أن يكون الخيال السينمائي مجرد نزهة بريئة في حديقة التاريخ، لكن الإشكالية التي من أجلها يلوي نولان عنق الأحداث فيتجاهل الضحايا، ويتناسى الدّوافع ويمجّد التركيبة وذلك السيكوباث العبقري في قلبها أكبر من أن تغطيها فخامة الصورة ونقاء الصوت بتقنية آي ماكس، ولذلك فإن المشاهدة تصبح ضروريّة من أجل قراءة مضادة لهذا التلوث الكارثي الذي اسمه النخبة الأمريكيّة، وطريقته في توظيف الوثيقة السينمائيّة كأداة للهيمنة على السرديّة، والتاريخ (بما فيه الحاضر).
سعيد محمّد – لندن
ربمّا من المفيد التذكير عند مقاربة فيلم أوبنهايمر (سيناريو وإخراج كريستوفر نولان) بأن السينما طالما كانت واحدة من أهم الأدوات التي توظفها الإمبراطورية الأمريكيّة للسيطرة على السرديّات التاريخيّة وتوجيهها في أذهان المستهلك الأمريكيّ والعالمي لخدمة مصالح الأمن القومي لواشنطن وديمومة هيمنتها على عقل وثقافة العالم. وتتبجح وكالة المخابرات المركزيّة (الأمريكيّة)، ووزارة الخارجيّة ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الدّفاع (البنتاغون)، وقطاعات الجيش الأمريكي المختلفة بامتلاكها ما تطلق عليه تسمية مكاتب ارتباط مع صناعة الترفيه، والتي تتولى في الواقع الإشراف الدقيق على هندسة محتوى الأفلام السينمائيّة والوثائقيّة والمسلسلات والبرامج التلفزيونيّة لضمان ألا تجدّف خارج المسار الإمبريالي للنخبة الأمريكيّة. ولذلك فمن السذاجة بمكان افتراض أن فلماً ضخماً (تكلّف أكثر من 100 مليون دولار) يعالج نقطة مفصليّة في تاريخ الحرب العالمية الثانية مثل “أوبنهايمر” سيكون أيّ شيء سوى نسخة مرسومة بحذق للتاريخ الماضي وارتباطاته بالحاضر، تماماً وفق مرامي السرديّة اليمينيّة التي ترغب لانغلي (مقر المخابرات الأمريكيّة الرئيس بولاية فرجينيا) في تمريرها للجمهور العالمي.
يسير “أوبنهايمر” المخرج الأنجلوأمريكي كريستوفر نولان في تزوير التاريخ والاحتفاء بالقتلة على نهج مخرجين موهوبين أمثال ليني ريفنستال (المخرجة التي مجدت النازية الألمانية – أنظر مثلاً فيلمها انتصار الإرادة – 1935)، وروبيرتو روزولليني (الذي أخرج بين 1941 و1943 ثلاثية في تمجيد الفاشية الإيطالية)، وأيضاً كاثرين بيغلو (المتخصصة في انتاج أفلام تمجّد بطولات الجيش الأمريكيّ)، فيروي سيرة ذاتية ليوليوس روبرت أوبنهايمر (لعب الدّور الممثل الإيرلندي سيليان ميرفي) عالم الفيزياء النّظرية اليهوديّ الأمريكي ذي الأصول الألمانيّة والمدير العلميّ لعمليّة تطوير القنبلة النووية كجزء من مشروع مانهاتن العسكريّ السريّ الذي كلّف دافع الضرائب الأمريكي 2.2 مليار دولار – بأسعار تلك الأيّام – وجهود 130 ألفاً من المستخدمين، وبالتالي كان شريكاً أساسياً لنخبة واشنطن في التمكين لاقتراف جرائم الإبادة الشاملة التي تعرضت لها مدينتا هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في أغسطس 1945، والتأسيس لنهج استخدام الولايات المتحدة أسلحة الدّمار الشامل كأداة لفرض هيمنتها العسكرية والاقتصاديّة والثقافيّة على العالم (قبل أن يتمكن الاتحاد السوفياتي من بناء قنبلته النووية كأداة ردع بعد أربع سنوات).
بالطبع اشتغلت ماكينة الدعاية الأمريكيّة الهائلة للترويج للفيلم، لكنّه أثار جدلاً في اليابان، وانتقده البعض لفشله (المتعمد) في نقل الرعب الكارثي للقنابل الأمريكية وتجهيله للضحايا (قتل ربع مليون شخص أغلبيتهم الساحقة من المدنيين على الفور، سوى 400 ألف آخرين تعرضوا للإشعاعات المسرطنة) ، في مقابل تعظيمه شخص أوبنهايمر المنفصم، وتحويله حملة واشنطن الآثمة لتسخير القوة التدميرية للتفجير النووي إلى رواية بطولية بنفس هوليوودي في السباق ضد الزمن، وتحدي كل الصعاب، فيما تجنّب طرح الإشكاليات الفلسفية والأخلاقية الأساسيّة التي تترتب على استخدام سلاح دمار شامل إلا عندما يكتمل مسعى التمكين للقتل المروع بالنجاح وحصراً في إطار صراع شخصي الطابع داخل النخبة الأمريكيّة في أجواء المكارثيّة – نظراً لارتباطات أوبنهايمر الشكليّة بالحزب الشيوعي الأمريكي -، وصراعاً ذاتياً مع ضميره الذي ظهر فجأة لحظة احتفاء الأمريكيين الحماسيّ الجماعيّ بالمأساة المفجعة، بينما لم يكن على السمع حينما كان يعوهر علمه ويكسب رزقه من تصنيع أدوات القتل، لينتهي الفيلم في متاهة معنوية بلا قيمة تتمحور حول سؤال هل يستحق هذا اليهودي الألماني الأصل القريب من منتسبي الحزب الشيوعي والذي منح الولايات المتحدة أمضى أسلحتها للقتل الجماعيّ تلك المعاملة السيئة التي تلقاها من السلطات لاحقاً ومن ثم سحب تصريحه الأمنيّ لانعدام ثقة المؤسسة الأمنية الأمريكية به؟
على أن الأسوأ من هذا الاحتفاء المبتذل بالقتلة وألاعيب العمليّة السياسيّة فيما بينهم فقد كان نزوع نولان الظاهر إلى ارتكاب جريمة تزور التاريخ فيما يتعلّق بسياق مشروع مانهاتن، ودواعي إبادة هيروشيما وناغازاكي، ودور أوبنهايمر في هذا المسرح المظلم، لا سيّما وأن الكتاب الذي استند إليه في صياغة سيناريو الفيلم (بروميثيوس الأمريكي: انتصار ومأساة جيه روبرت أوبنهايمر، كاي بيرد ومارتن جيه شيروين – 2005) يتطرق – وإن بشكل عابر – إلى ملابسات ومفارقات تاريخيّة لا بدّ من معرفتها إذا كان لنا – كمشاهدين مستهلكين لهذا المنتج الثقافي الترفيهي – أن نتخذ موقفاً أخلاقياً من المشروع الحكوميّ لإنتاج أدوات الإبادة، والقرار بالإبادة، والشخص الذي مكّن لتلك الإبادة.
تأسس مشروع مانهاتن في العام 1942 أثناء الحرب العالميّة الثانية بهدف مواجهة سعي ألمانيا النّازية للحصول على سلاح نووي. وهو الأمر الذي لم يتحقق في النهاية وسقطت برلين نفسها في مايو 1945، فيما لم يشكّل المشروع النووي الياباني أي خطر حقيقيّ على الحلفاء بحكم أنّه كان لا يزال في مراحل جنينيّة. ومع ذلك، وتحت ضغط سياسي شديد من قبل واشنطن استمر العمل حثيثاً في مختبر لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو على انتاج القنبلة الذريّة بتوجيه الجنرال ليزلي غروفز (لعب الدّور مات ديمون)، لينجح أوبنهايمر وفريقه – الذين لم يجبر أحد منهم على الانخراط في المشروع – بتنفيذ أول اختبار لتفجير نووي أطلق عليه اسم “ترينيتي” وذلك في في 16 يوليو 1945، وأعلن عن توفر السلاح النووي كأمر واقع في مؤتمر الحلفاء (بوتسدام من 17 يوليو إلى 2 أغسطس 1945) بحضور قادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي. وتساءل البعض في لوس ألاموس بعد توقف القتال في أوروبا عن الداعي بالاستمرار في انتاج قنبلة نووية، لكن أوبنهايمر – المدير العلميّ للمشروع – رفض تلك المخاوف، وأصر على استمرار العمل تحضيراً لحسم الحرب مع اليابان، كما أبلغه العسكريّون، إذ صُوّر له بأن تفجيرات نووية من شأنها أن تجبر الإمبراطور هيروهيتو على الاستسلام، مما يجعل غزواً أمريكياً واسع النطاق لليابان غير ضروري، وربما ينقذ أرواح الملايين من الجانبين، على الرّغم من أن الحقيقة كانت توجه اليابان نحو الاستسلام بالفعل (وفق رسائل متعددة تبادلها القادة اليابانيون اعترضتها وفكت شيفرتها المخابرات الأمريكيّة وأظهرت قناعتهم بأنهم قد خسروا الحرب وعزمهم السعي للحصول على شروط تسليم مقبولة)، وهو ما أقلق الأمريكيين بالنظر إلى أن الجيش الأحمر السوفياتي كان قد هدد اليابان بإعلان الحرب في 15 أغسطس إذا لم يوافق الإمبراطور على الاستسلام، وبدت قواته على وشك اجتياح الجزر اليابانية بعد التّقدم السريع في منشوريا (الصين) ومنغوليا، بينما لم تكن لدى الأمريكيين قوات بريّة كافية لاقتحام اليابان قبل وصول السوفييت إليها. ولذلك قررت إدارة الرئيس ترومان استخدام القنابل النووية لفرض استسلام ياباني عاجل للقوات الأمريكية على نحو يمنع تحوّل ذلك البلد إلى منطقة نفوذ سوفياتية، وتعليم موسكو درساً في الدّمار الي يمكن أن يحدثه السلاح الأمريكيّ الجديد.
ولذلك، فإن الجريمة التي ارتكبت يومي 6و9 أغسطس 1945 لم تك حتى مبررة بالمنطق العسكريّ البحت، ولم تمس على الإطلاق بقدرات الجيش الياباني، ونفذت مع إدراك القيادات الأمريكيّة بأن أعداداً هائلة من المدنيين ستسقط ضحايا مجانيّة للتفجير والاشعاع. وهذه بالطبع لم تكن ممارسة مستجدة عند نخبة واشنطن، التي ارتكبت مذبحة قبلها عبر قصف الأحياء المدنية في طوكيو ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن مائة ألف شهيد، فيما مسحت مدينة توباما عن الوجود كليّة بالقنابل الحارقة، ومثلها دمرت مدينة دريسدن في ألمانيا وقتل 25 ألف من سكانها دون أيّ داع عسكريّ أو استراتيجيّ سوى استعراض قدرة الوحش الأمريكي على التدمير. ولا يكتفي الأمريكيّون – بمن فيهم المخرج نولان – بتجاهل هذه الحقائق التاريخيّة الموثقة، بل حاولوا دائما التقليل من عدد ضحايا هيروشيما وناغازاكي ويقتصرونها على 100 ألف نسمة فقط. وفوق ذلك كلّه فإن الوقائع التاريخية المثبتة تظهر أن مساهمة البريطانيين في انجاز أول تفجير نووي كانت أهم مما أظهره الفيلم، لكنّها قزّمت لمصلحة نفخ مساهمة أوبنهايمر.
كل هذا التاريخ الصاخب والملتبس لم يعن نولان إطلاقاً، بل أضاع ثلاث ساعات كاملة في التنقل تردداً بين المراحل الزمنية، وبين الألوان (الذاتي) والأسود/أبيض (الموضوعي)، وأحياناً استدعاء نساء أوبنهايمر الشيوعيات – عشيقته جان تاتلوك (فلورنس بوغ) وزوجته كاثرين “كيتي” بونينج (إميلي بلانت) – مع مشاهد عري وجنس استعراضي غير ضروريّة بالمرّة سوى لإبقاء الجمهور مسمراً في المقاعد، علماً بأن الحزب الشيوعي الأمريكي الذي تعرّض بالفعل للمطاردة في أجواء البارانويا المكارثيّة خلال الخمسينيات كان أقرب لنادي ثقافيّ للشبان البرجوازيين وطاقم حشد وتأييد يساري اللون لحكومة روزفلت، منه تنظيماً شيوعياً حقيقيّاً.
دعونا لا ننسى أبدا ونحن نتأمل محاولة نولان المخجلة لاستجلاب التعاطف مع دموع التماسيح التي ذرفها أوبنهايمر أن السلطات الأمريكيّة لم تجبر أيّاً من العلماء على العمل في مشروع مانهاتن، واستمر علماء آخرون عديدون بالعمل على تطبيقات الفيزياء النووية للأغراض المدنيّة في عدة مؤسسات خارج الجيش الأمريكيّ. ولم يعتذر أوبنهايمر أبداً عن دوره في التفجيرات، ولكن في أعقاب الحرب مباشرة ، حاول – وفشل – في الدّفع نحو تنظيم دولي للأسلحة الذرية، واكتفى بإصدار تحذيرات للجمهور حول مخاطر سباق التسلح النووي. وهو إن كان رفض المشاركة في بناء القنبلة الهيدروجينية – كما يظهر الفيلم -، إلا أن ذلك كان لاعتقاده الحاسم بأن الموارد الأمريكية يجب أن تكرّس لبناء أسلحة نووية تقليدية، وربما أسلحة نووية “تكتيكية” لاستخدامها في ساحة المعركة تماماً كما اقترح بعد أقل من عام من نشوب الحرب الكورية عام 1950. كما أن امتلاك الولايات المتحدة للأسلحة النوويّة لم يكن كافياً لإشباع هوس الإمبرياليّة الأمريكيّة الدائم إلى الدّمار، حيث لا يزال الإنفاق (الدفاعيّ) على تطوير وتكديس الأسلحة – النووية والهيدروجينية والمغناطيسية – مقاساً بأرقام فلكيّة سنوياً إلى اليوم وأكثر من ميزانيات الدفاع لدى بقيّة الدّول الكبرى مجتمعة، ولم ننس في المشرق – إن نسي اليابانيون – كيف لم يتردد العسكر الأمريكي في استخدام ذخائر وأسلحة تكتيكية نووية ضد الجيش العراقيّ خلال غزوها الإجرامي في 2003، ما أوقع عدداً هائلاً من الضحايا في معركة عدوانية غير متكافئة شنت بناء لأكاذيب وخزعبلات أيديولوجية، وتستمر آثارها الاشعاعية على المواليد الجدد حتى بعد مرور عقدين.
“أوبنهايمر” من الناحية الفنية المحض إنجاز ضخم آخر يضاف لسجل نولان، وسيحقق عوائد فلكيّة بسبب الإقبال الشديد على مشاهدته حول العالم، والثناء النّقدي السخيّ له في الصحافة الأمريكية، كما الجوائز المتوقع أن يظفر بها (جوائز الأوسكار على الأرجح لكل من مورفي وروبرت داوني جونيور) ، ولكن على الرغم من التفاصيل المعتني بها جيداً، فإن الفيلم على المستوى الفكري والجدل لا يقدّم أي طرح قد يعقد الفكرة الشديدة السذاجة والتسطيح عن أوبنهايمر كرجل عظيم في التاريخ وشخصيّة تليق بالميثولوجيا الإغريقيّة.
يقول بعض من عمل مع أوبنهايمر أنّه عندما تمت تجربة التفجير صاح “لقد نجحت” وهو حاول لاحقاً في مقابلة صحافية أن يضيف نوعاً من العمق الفلسفي إلى سلوكه النرجسيّ عند تلك اللحظة بادعائه أنّه قال “الآن أصبحت الموت ، محطم العوالم”. لا شكّ عندي أن الرّجل كان على عبقريته مضطرباً عقلياً، وأقرب إلى وصف كارل يونغ للفلاسفة بأنّهم سايكوباث في صراع تناقضي مع ذواتهم، وأن نولان – الذي لا خلاف على عبقريته كمخرج سينمائي – يشبه أوبنهايمر، وأحس بالتماهي معه، فوصفه ب”أهم شخص عاش على الإطلاق” وجعل من نفسه مؤهلاً بشكل فريد لأن يصوغ بصرياً السيرة النهائيّة لأبي القنبلة النووية في ملحمة معقدة متقنة تقنياً، تتجوّل في الأزمنة ذهاباً وإياباً عبر ثلاثة عقود، ويختلط فيها حائزو نوبل بنجوم الفيزياء النظريّة وأساتذة الجامعات والرؤساء والجنرالات والبيروقراطيون والمحامون والمحققون وأعضاء الكونغرس والسائقون والصحافيون والشيوعيون والعشيقات والزوجات المخدوعات كي نشتري في النهاية حكاية ملفقة ليست مخلصة للتاريخ، وتتوقع منا، نحن الضحايا المحتملين، أن نقف إجلالاً لمجرم الحرب العبقريّ. أف له ما أوقحه.
:::::
“الأخبار”
موقع “الثقافة المضادة”
✺ ✺ ✺
بيان صادر عن اهل الجولان السوري المحتل حول احداث السويداء
23 أغسطس، 2023
وصلنا البيان التالي من اهلنا في الجولان السوري المحتل موجه الى أبناء جبل العرب في سوريا، جاء فيه
:
اهلنا الاوفياء في جبل العرب الاشم . . .جبل الثائر الكبير سلطان باشا الاطرش . . . اتوجه اليكم من على ارض الجولان العربي السوري المحتل . . . الجولان المنتفض بوجه الاحتلال الاسرائيلي . . . الجولان المتمسك بهويته وبوطنه الام سوريه . . . شعبا وجيشا وقيادة . . . اتوجه باصدق التحيات وانبل مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الجبل الشامخ . . . وبهذا التاريخ المشرف المليئ بالبطولات والكرامه والعنفوان .
اهلنا الاوفياء . . . انتم من علم العالم كله معنى الوطنيه والدفاع عن الوطن , والتضحيه لاجله . . . وامام بطولات ابناء الجبل يركع المجد وتنحني الهامات .
ايها الاحبه . . . اننا نتابع بألم وقلق شديدين الاوضاع التي تمر بها محافظة السويداء من فوضى وشعارات وهتافات تذكرنا بالعام 2011 وبداية العدوان على الوطن .
كلنا ندرك ان الاوضاع المعيشيه التي تمر بها المحافظه كما باقي محافظات الوطن صعبه للغايه , ولا انفي ان هناك مطالب محقه , فهذا شيء لا يختلف عليه اثنان , اما ان يتم استغلال هذه الاوضاع المعيشيه الصعبه لخلق حاله من الفوضى والفتنه وظهور مشاريع قديمه جديده مرتبطه بأجندات معاديه , فهذا لن يقبل به أحد .
لذا اتوجه الى اهلنا الشرفاء في جبلنا الاشم بالحفاظ على وحدة الكلمه والموقف ورفض الفوضى والفتنه , ونبذ كل مثيري الشغب والفلتان , وتحكيم العقل والحكمه , وعدم الانجرار وراء مثيري الفوضى المرتبطين بأجندات خارجيه معاديه .
ايها الاهل في سويداء العرب . . . ليس امامنا اي خيار سوى خيار التمسك بالدوله الوطنيه السوريه . . . لذا نهيب بالجميع بالالتفاف حول الدوله السوريه ومؤسسات الدوله وفي مقدمتها جيشنا العربي السوري البطل , وعلمنا , علم الجمهوريه العربيه السوريه , ونبذ اي مشاريع طائفيه او مناطقيه تمس وحدة الوطن , وفي ذات الوقت معالجة الاوضاع المعيشيه الصعبه والمطالب المحقه المرتبطه بحياة الناس ومعيشتهم , معالجتها فقط عبر الحوار والتفاهم مع الدوله .
ايها الاحبه . . . يا احفاد سلطان باشا الاطرش . . . حافظوا على جبلنا الغالي وعلى تاريخه المشرف الذي شكل عبر التاريخ مقبرة للغزاة
ولنا بكم كل الثقه والامل
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صدقي المقت
الجولان العربي السوري المحتل
بيان صادر عن اهل الجولان السوري المحتل حول احداث السويداء https://www.alraya.news/بيان-صادر-عن-اهل-الجولان-السوري-المحتل/
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org