السنة الثالثة والعشرون – العدد 6622
■ ليبيا مشهد مختلف …. لماذا؟ د. عادل سماره
■ قراءة في كتاب دومينيكو لوسوردو عن أسطورة “ستالين الأسود”: التّرياق ضد سموم التأريخ الغربيّ المؤدلج، سعيد محمّد
■ المحيطات ملك للبشرية جمعاء وليست ملكاً خاصاً لليابان ونفاياتها المشعّة، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
✺ ✺ ✺
ليبيا مشهد مختلف …. لماذا؟
د. عادل سماره
لم يكن لقاء المنقوش مع فريق العدو امرا غريبا ولا جديدا بل طبيعيا في لحظة الهرولة نحو التطبيع بفخر. فبموجب “المبادرة العربية الحكوماتية ” والتي وافق عليها جميع الحكام العرب بل وبناء على اعادة نظام مصر الى الجامعة العربية بعد فصلها اثر كامب ديفيد اصبح اي نظام يعيد العلاقة مع نظام مصر هو تطبيعي بوضوح او باتجاه التطبيع. مع حصول كل هذا لم يتحرك اي شارع عربي فورا وميدانيا بل اكتفت الجماهير في بعض دول التطبيع بالرفض السلبي.
بعد تطبيع مصر النظام لم يتحرك الشارع ولا تطبيع منظمة التحرير ولا نظام الأردن ولا قطر ولا الإمارات ولا البحرين ولا المغرب ولا موريتانيا قبل أن تسحب ذلك ولا لبنان بشير الجميل طبعا ولا السودان.
الرد والرفض كان من القومي السوري الذي هدم معبد التطبيع اللبناني على راس الرئيس المطبع. فعلها الشرتوني ولم يخرج بعده بطلا مثله.
وقبل اشهر توافقت السعودية وايران على’ المبادرة العربية” ولم يتحرك احد ولو حتى بمقالة او تغريدة! بينما كتب الكثير عن ما قبلها من تطبيع.
ومنذ قرابة شهرين والتطبيع العلني السعودي على الشاشات:” ولا حياة لمن تنادي”.
اذا السؤال شرعي ولازم لازم: لماذا فقط في ليبيا والتي في حالة يرثى لها. اتمنى من العروبيين الشرفاء الواعين رايهم.
كل هذا يذكرني بكتابي “التطبيع يسري في دمك” فعل انتقل من دم الحكام وطبقاتهم ومثقفيهم المنشبكين الى الجماهير.
✺ ✺ ✺
قراءة في كتاب:
كتاب دومينيكو لوسوردو عن أسطورة “ستالين الأسود”: التّرياق ضد سموم التأريخ الغربيّ المؤدلج
سعيد محمّد
بعد خمس سنوات على غيابه المبكّر، صدرت أخيراً طبعة انجليزية كاملة مترجمة باحتراف من كتاب المفكّر الإيطالي دومينيكو لوسوردو الفاصل والمثير للجدل: “ستالين: تاريخ ونقد أسطورة سوداء”، الذي يغربل فيه السرديّة الغربيّة المشوهة المنحازة بسفور ضد جوزيف ستالين كما هندستها آلة الدعاية الغربيّة طوال قرن كامل، لترسمه شخصيّة شيطانيّة أسطوريّة. نص استثنائي بكل مقياس، يوفر للقارىء المعاصر تجربة نادرة في ارتياد متاهات أهرامات التأريخ المزوّر التي بنتها أجيال من المؤرخين الليبراليين والتروتسكيين، ويمده بتفسير فلسفي متوازن لحياة الزعيم السوفياتي المعقدة، وقيادته، ومساهماته التاريخيّة في بناء الاشتراكية، وهزيمة الفاشية. كتاب – حدث للماركسيين، وصفعة قاصمة لملفقي الحكايات المرعبة التي تضمنها عمليّة الشيطنة المؤدلجة ضد الشيوعيّة، وترياق شاف من سموم البروبوغاندا الغربيّة المقيتة.
سعيد محمّد – لندن
دومينيكو لوسوردو (1941 – 2018)
يعد نشر الترجمة الإنجليزية الكاملة لكتاب المفكّر الإيطالي دومينيكو لوسوردو (1941 – 2018) “ستالين: تاريخ ونقد أسطورة سوداء، ترجمة هنري هاكاماكي وسالفاتور إنجل دي ماورو، دار إسكرا للنشر بالولايات المتحدة”، حدثا رئيسياً في الدوائر الماركسيّة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، ومكسباً لكل مهتم بتاريخ القرن العشرين عموماً، وبالتجربة السوفيتية تحديداً. وكان هذا النصّ الرصين قد نشر أصلاً باللغة الإيطالية في العام 2008، وأراد مؤلفه دائماً توفيره للقراء بأبعد من فضاء جمهوره المحليّ، فترجم إلى الاسبانية والبرتغاليّة، لكن حصاراً غير معلن من قبل جهات عدّة، يمينية وليبرالية ويساريّة – بمن فيها دار فيرسو ذات التوجهات التروتسكيّة التي نشرت ترجمات لكتب لوسوردو الأخرى – أخّر ظهوره في ترجمة انجليزية معتمدة لخمسة عشر عاماً، توفي خلالها لوسوردو نفسه، فتابعتها شريكة عمره السيدة أوتي بريلماير وابنه فيديريكو مع دار نشر ماركسيّة/لينينية صغيرة في الولايات المتحدة (تحمل اسم “إسكرا” أي الشرارة، تيمناً باسم أول جريدة أصدرها القائد فلاديمير لينين)، لتصدر للتوّ هناك في نسختين مجلّدة وورقية (كما تتوفر من الكتاب نسخة إليكترونية مجانيّة بصيغة بي دي إف على موقع الناشر).
الرّاحل دومينيكو لوسوردو فيلسوف ومؤرخ وباحث أكاديميّ مرجعيّ وضع العديد من الأعمال المهمة في إعادة قراءة الفلسفة الحديثة (هيغل، ونيتشه) خارج الأنساق البرجوازيّة التقليديّة، لكّن أشهر أعماله كانت في التأريخ السياسيّ المضاد كما في “الصراع الطبقي: تاريخ سياسي وفلسفي – 2003″، و”الليبرالية: تاريخ مضاد – 2005″، ولاحقاً النّص الهائل، “ستالين: تاريخ ونقد أسطورة سوداء -2008”. لقد تمحور مشروع لوسوردو الفكري الهام حول دور التاريخ واستخداماته في تحرير مفاهيمنا عن العالم من النظرة الغربيّة الليبرالية التي تتشكل من عمليتين متوازيتين تتقاطعان كما الكماشة للسيطرة على الوعيّ: “محو التاريخ”، و”بناء الأساطير”. ويكفيك اليوم أن تقرأ الصيغ التي يتناول فيها الإعلام الغربيّ (وصداه العربيّ البائس) مسائل مثل الحرب الأمريكيّة على سوريا، والأوضاع في كوريا الشماليّة، والعمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا لتدرك الدينامية التي تلعبها هذه الثنائيّة في خلق سرديات مهيمنة ضمن الصراعات الأيديولوجيّة الأوسع: فمن ناحية، إغفال متعمد للمعلومات السياقية ذات الصلة، ومن ناحية أخرى، تشويه وتلفيق صريح. ويتم تعزيز كليهما بالتوازي من خلال التكرار المستمر، وإعادة التعليب، وتشظي الانتشار في مختلف مجالات الإنتاج الثقافي مكتوبة ومقروءة ومسموعة عبر عدد لا نهائي من العناوين والمحطات والمواقع، في الوقت الذي يتعرّض فيه المفكرون الذين لا يسيرون على هوى تلك السرديّة المهيمنة إلى حرب شعواء، تبدأ من التضييق على الرزق، وقد لا تنتهي بالتصفية الجسديّة.
أهميّة نص لوسوردو متأتية من حقيقة أن مجمل التاريخ البشري المكتوب لم يشهد اغتيالاً للشخصيّة وشيطنة كما حدث بشأن الزعيم جوزيف ستالين (1878 – 1953). إذ أن الرّجل الذي خلف فلاديمير لينين قائد الثورة البلشفيّة في روسيا (1917) كزعيم للاتحاد السوفياتيّ اعتباراً من العام 1924 كان موضوع جهد غربيّ منظّم وموجه بدقّة لبناء سرديّة أسطوريّة (سوداء – كما يشير عنوان الكتاب) بقصد تشويه سمعة الشيوعيّة ذاتها بوصفها النقيض الموضوعيّ للرأسماليّة البرجوازيّة، والخطر المؤسَسَ على الأرض – متمثلاً في الاتحاد السوفياتيّ – ضد الهيمنة الغربيّة. ونحن نعرف اليوم من وثائق وكالة المخابرات المركزية الامريكيّة – تم الكشف عن تفاصيلها في عام 1975 – كيف شاركت أجهزة الاستخبارات بشكل فاعل عبر واجهات متعددة في إنتاج أكثر من ألف كتاب خلال عقد ونصف من تاريخ تأسيس الوكالة، للدفع بحجج أيديولوجية وجيوسياسية محددة بقصد بناء يسار “متوافق” مع الهيمنة الغربيّة، ووضع الإطارات الفكرية التي يمكن لهكذا يسار أن يعمل ضمنها، وهو أمر لا شكّ نجح نجاحاً باهراً، وما زالت امتداداته مستمرة إلى حد كبير من خلال التكاثر الذاتي، وإعادة التوظيف للتعامل مع الأهداف والأدوات المتغيرة.
لينين وستالين ، سبتمبر 1922 ؛ تصوير ماريا أوليانوفا ، أخت لينين.
“ستالين: تاريخ ونقد أسطورة سوداء” دراسة تقييميّة صارمة لمناهج لكتابة والبحث والتأريخ حول ستالين (و”الستالينية” وفق الاصطلاح التروتسكي التقليدي) بغرض تنقية المعرفة التاريخيّة من التلفيق، والمبالغات، وإخراج الأمور عن سياقاتها، والتشويه المتعمّد، والتزوير، وتقصّد نزع الإنسانيّة، والايهام بالشرور والسوء وتقصّد رسم القائد السوفياتي كديكتاتور متوحش، وشخصيّة قاتمة، غريبة الأطوار، تتفنن في أساليب القهر، وتدير مذابح مليونية. وهذا اتجاه مستمر سارت عليه أجيال متتابعة من المؤرخين والكتاب الغربيين على تنوع تلوينات مرجعيتهم السياسيّة من اليمين الفاشيّ إلى اليسار التروتسكيّ، مروراً بالطبع بالكتلة الليبراليّة (الأهم).
بهذه الصيغة، فإن نصّ لوسوردو ليس سيرة ذاتية (بديلة) لستالين بالمفهوم المتعارف عليه، أو سرد لأحداث مرحلة قيادته للاتحاد السوفياتي، أو تحليل لشخصيته ودوافعه، بقدر ما هو “تأريخ” و”نقد” و”تفكيك” لعمليّة شيطنة ستالين، وفق طريقة علميّة مستندة إلى بحث دقيق وموثق، يكسر تلك الحلقة المفرغة اللانهائيّة من تصنيع الأساطير السياسية وإعادة تصنيعها لخدمة أغراض الهيمنة.
لقد كان ستالين شخصية مركزيّة في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية والنضال للتحرر من الهيمنة الغربيّة المستمرة على العالم منذ ما يقرب من خمسة قرون، وتستحق نظرياته – كمفكّر -، كما ممارساته – كقائد سياسيّ -، دراسة وتحليلاً معمقين، ليس من قبل المتخصصين والمؤرخين فحسب، ولكن أيضاً من قبل الماركسيين – دون الماركسويين المتنفعين من التجارة بالشعارات الماركسيّة -، وكل المعنيين بفلسفة بناء مجتمعات انسانيّة أفضل. ولذلك من الجليّ أن دوافع (تسويد) صفحة ستالين الشخص مرتبطة عضوياً بالمشروع الغربيّ لمناهضة الشيوعيّة، ناهيك عن افتقار كثيرين من العقلاء للشجاعة الأدبيّة للوقوف في وجه التيار الجارف للدعاية السلبيّة عن الرّجل وتجربته، وصعوبة الوصول إلى مادة متوازنة عنه بالنسبة لأغلبية ممن يعيشون في مناخات ثقافية تشكلّها الإمبرياليات الغربيّة. ولذلك فإن صياغة تقييم عادل لمجمل لتجربة الستالينية اليوم ليست بالقضيّة المهمّة فقط لناحية تحرير شخص ستالين نفسه من الأساطير، بل وأيضاً لضرورة توفير مادة خام أقل تلوثاً في قراءة تجربة تأسيس أوّل دكتاتورية للبروليتاريا منذ غياب قائدها التاريخيّ لينين.
خارج الأطر الغربيّة الخانقة، فإن منجز ستالين – قبل كتبه – تتحدث عنه: لقد كان المحرّك الجبّار الذي قاد خلال عقود قليلة عمليّة تحويل الاتحاد السوفيتي من دولة متخلفة وشبه إقطاعية إلى قوة صناعيّة عالمية متفوقة في عدّة مجالات على الغرب، وفي عهده أنهى الاتحاد الأمية، وتخلص من البطالة والدّعارة، ووفر لجميع المواطنين الرعاية الشاملة في الصحة والتعليم والإسكان والنقل والتقدمات الاجتماعيّة، ووضع حداً نهائياً لدورات الأزمة الاقتصادية والمجاعات الدوريّة التي ابتليت بها روسيا لقرون قبل الثورة البلشفية. وقد تحققت هذه الإنجازات في ظل ظروف العداء الإمبريالي المستمر، والحرب الأهلية، والمؤامرات التخريبية، ومخاطر الإبادة النووية. ولا ينبغي أن ننسى ولو وهلة أن ستالين قاد أيضاً المواجهة القاسية، كقائد سياسيّ وعسكريّ، ضدّ عدوان ألمانيا النازية، وأنقذ العالم – ولو مؤقتاً – من شرور الفاشيستيات الأوروبية.
بدأ التروتسكيون مبكراً بالنعيق ضد ستالين وإدانة “الستالينية”، على أن لوسوردو يرى أن مشروع شيطنة ستالين في الغرب تبلور بعد ما يسمى ب”الخطاب السري” الذي ألقاه نيكيتا خروتشوف أمام المؤتمر ال20 للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي في عام 1956، “حول عبادة الشخصية وعواقبها”. وينطلق لوسوردو من تفكيك لمجمل ادعاءات خروتشوف في ذلك الخطاب “السريّ” لملاحقة العديد من التهم الموجهة إلى ستالين منذ ذلك الحين إلى وقتنا الراهن بداية القرن الحادي والعشرين، فيضع الأحداث في سياقاتها التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة ككل، كي يمكّن للقارىء، في المحصلة، من التوصل إلى استنتاجات نقديّة متوازنة حول ما حدث بالفعل في الاتحاد السوفيتي تحت قيادة ستالين، وهي حتماً ستكون مختلفة تماماً عن الصورة المزيفة، المنحازة، المجترة، التي تقدمها ماكينة الدّعاية الغربيّة تقليدياً.
ويشير لوسوردو إلى أنّه بفضل توفر وثائق جديدة، وحرفيّة بعض الباحثين فإن مادة الأسطورة السوداء عن ستالين التي رسمها تروتسكي بداية، وتبعه خروتشوف في خطابه السريّ، أصبحت بشكل متزايد أقرب إلى صورة هزليّة لا تتمتع بالمصداقيّة ولا تتوفر لها وثائق يعتد بها لتدعمها، ومع ذلك فإن الإعلام الغربيّ الذي تسيطر عليه وتوجهه النخبة الأمريكيّة ما زال يعتمد على هذه الترهات كحجر رحى في انتاج البروباغاندا ضد الماركسيّة وضد روسيا، وأداة أساس في إفساد اليسار، ومعجنته في شيوعية مهادنة للمشروع الغربيّ ومتماهية معه.
يعلمنا منهج لوسوردو في نصّ “ستالين” على أن استقراء السياقات السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة للأحداث التاريخيّة أمر لا مفرّ منه إن رغب المرء في العمل لتفكيك الأيديولوجيات البرجوازية كمقدّمة لاستعادة مصداقية المشروع الشيوعي الثوري، وتجنب خيبات ومآسي الماضي، وهو في تقييمه للسياسات التي تبنتها القيادة السوفياتية في المراحل المختلفة ربطاً بالظروف الموضوعيّة والسياقات الكليّة كما في هذا الكتاب، يمنح القارئ المعاصر فرصة نادرة لمعاقرة قراءة نقدية في عبور نموذج لما يعرض علينا من الخزعبلات الغربيّة – التي تستهدف بث الخوف من التغيير – بوصفها “تأريخ”.
إن الخضوع الكسول لهذه السرديات التضليليّة المزورة إنما هو تطبيق عملي فرديّ لمعنى الاستلام للهيمنة، وبدون قراءات مضادة على طريقة دومينيكو لوسوردو، فلن نتمكن، لا أفراداً ولا مجتمعات، من فهم الماضي، أو توقع المستقبل، وسنبقى كبشر ضحايا أوضاع قائمة نعتقد، بسبب مطلق الخداع، بأننا عاجزون عن تجاوزها.
نشر هذا المقال في ملحق كلمات بجريدة الأخبار عدد السبت 2 سبتمبر 2023
:::::
المصدر: الثّقافة المضادّة
✺ ✺ ✺
المحيطات ملك للبشرية جمعاء وليست
ملكاً خاصاً لليابان ونفاياتها المشعّة
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
زلزال عنيف هزّ الساحل الشرقي لليابان يوم 11 آذار/مارس 2011، بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، تلاه موجات تسونامي ضخمة دمّرت 3 مفاعلات في محطة فوكوشيما داييتشي النووية. أودت الحادثة بحياة نحو 18 ألف شخص، وانهار في إثرها الجدار الإسمنتي الخارجي للمفاعل “نتيجة انفجار الهيدروجين الناجم عن انخفاض مستوى مياه التبريد”، بحسب التصريحات الرسمية اليابانية.
وأخطرت اليابان العالم مؤخراً بنياتها تصريف “المياه المُعالجة” في المحيط الهاديء. نحو مليون طن من المياه الملوثة بالإشعاع، على 3 دفعات، تمتد لنحو 3 عقود، ستصرف في المحيط، مستندة إلى إجراءات تم الاتفاق عليها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية التي “ستدرس عناصر الأمان الرئيسية” في الخطة المعدة.
وستضطلع الوكالة الدولية أيضاً بمراقبة المصادر والبيئة ورصدها للتيقن من البيانات التي تنشرها اليابان وضمان تطابقها مع معايير الأمان الصادرة عنها.
توقيت إعلان اليابان، بالتزامن مع الذكرى ألـ 78 لمأساة هيروشيما، واكبه تنامي تحذيرات دولية متعددة بشأن القلق من انزلاق الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى دخول السلاح النووي مسرح العمليات، وما قد ينطوي عليه من دمار شامل للحضارة البشرية.
وجدّدت الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، تحذيراتها من أهوال الطاقة النووية، إذ قال في رسالة أمام نصب السلام التذكاري في هيروشيما: “شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد. وتهدد بعض الدول، بشكل متهور، باستخدام أدوات الإبادة هذه من جديد”.
ارتفع منسوب الجدل الدولي والإدانة أيضاَ لإعلان اليابان وتداعيات إطلاق المياه المشعّة على الثروة السمكية في المحيط الهادئ بالدرجة الأولى، وما ينطوي عليها من انتشار الإشعاعات في المياه الدولية الأخرى. أكبر خطورة ، كما يصفها المختصون، تكمن في توفر عنصر التريتيوم بعد إجراءات المعالجة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت تقييمها للمسألة المثارة، فحواها “أن المياه سيكون لها تأثير إشعاعي ضئيل في الإنسان والبيئة. وتبرر اليابان إجراءاتها بحاجتها إلى المساحة الجغرافية التي تشغلها الخزانات الحالية لبناء منشآت جديدة لإخراج المحطة من الخدمة بأمان، لكنها، وبالتوافق مع الوكالة الدولية، غير قادرة على إزالة جميع العناصر المشعة قبل ضخها عبر الأنابيب إلى المحيط.
علمياً، التريتيوم الذي يعرف أيضا بالهيدروجين الثقيل، هو نظير مشعّ للهيدروجين “ونظير مستقل لا يتحلل”، تحتوي نواته على بروتون وإثنين من النيوترونات، وتبلغ وزن كتلته 3 أضعاف وزن الهيدروجين العادي “المستقر”. ويستخدم في استخراج الطاقة النووية بواسطة الاندماج النووي.
تكمن أخطار التعامل معه في عدم توفر وسائل تقنية لإزالته من المياه الملوّثة حالياَ وخطر تسربه. يتفكك التريتيوم عن طريق انبعاث جسيمات بيتا، بعمر نصف يبلغ 12.3 سنة، أي لا يتبقى سوى نصف كمية من التريتيوم بعد انقضاء 12.3 سنة بسبب الاضمحلال الإشعاعي.
لا تجمع الأوساط العلمية والمختصة بدراسات النواة على رأي موحّد بهذا الشأن. بعض علماء الجيولوجيا يؤكد: “نظرياً، يمكنك شرب هذه المياه”، نظراً إلى معالجتها عند تخزينها وتخفيف تركيزها عبر مزجها بمياه المحيط قبل اطلاقها.
الأستاذة الجامعية إميلي هاموند والخبيرة في قانون الطاقة والبيئة في جامعة جورج واشنطن تؤكّد: ” التحدي الذي نواجهه مع النويدات المشعة (مثل التريتيوم) هو أنها تطرح سؤالاً لا يستطيع العلم الإجابة عليه بشكل كامل: عند التعرض لمستويات منخفضة للغاية منه، ما الحد الذي يمكن اعتباره “آمناً”؟
مختبر البحث والتطوير التابع لسلاح البحرية الأميركية U.S. Naval Research أصدر بياناً في كانون الأول/ ديسمبر 2022، أكّد فيه “عدم اقتناعه” بالبيانات اليابانية المتداولة (موقع شبكة “بي بي سي”، 22 آب/أغسطس 2023).
ربما العامل الأخطر في جهود اليابان لمعالجة المياه المشعّة وتصريفها هو أن “النتائج والاستنتاجات التي يخلص إليها استعراض الوكالة ليست ملزمة قانوناً للحكومة اليابانية، لكنها ستساعد على تزويد المجتمع الدولي بالمعلومات ودعم الهدف العام المتمثِّل في تعزيز الشفافية”.
كما أن “معايير الأمان الصادرة عن الوكالة توضع بالتشاور مع جميع الدول الأعضاء في الوكالة، وتجسِّد توافقاً دوليًّا في الآراء حول ما يشكِّل مستوى عالياً من الأمان لحماية الناس والبيئة من الآثار الضارة للإشعاعات المؤيِّنة”. (موقع الوكالة الدولية للطاقة النووية).
تباين تصريحات مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما ذكرنا أعلاه، لا تبعث على الارتياح بل تعزّز الاتهامات ضدها بأن قراراتها “مسيّسة”، و”تحابي السياسة الأميركية” في المجمل العام، وتنحاز ضد الدول والمجتمعات غير النووية.
على الرغم من عدم تطابق إعلان اليابان تصريف المياه الملوّثة مع هول الأسلحة النووية، فإن الولايات المتحدة “تخشى” من تطور تقنية “الذكاء الاصطناعي” إلى شن هجمات نووية “بصورة مستقلة”.
وطالب عدد من أعضاء الكونغرس بإدخال تعديل إلى قرار تفويض الحرب يشترط على البنتاغون بلورة إجراءات من شأنها إيلاء أولوية قرار إطلاق الأسلحة النووية إلى تدخل من العنصر البشري (نشرة “ميليتاري تايمز – Military Times، 4 آب/أغسطس 2023).
الترسانة النووية الأميركية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا تضم “أكثر من 5 آلاف قنبلة نووية، بينها نحو 1700 رأس نووي في وضع الإطلاق الاستراتيجي على متن صواريخ باليستية عابرة للقارات وقاذفات ثقيلة”، بلغت ذروتها عام 1968 بامتلاك أكثر من 31 ألف رأس نووي (بيانات “اتحاد العلماء الأميركيين”، 31 آذار/مارس 2023).
في هذا الشأن، لفت مركز أبحاث أميركي مرموق الأنظار إلى “خطر وقوع صراع نووي غير متعمّد بين الولايات المتحدة وروسيا ؛ صراع يبدأ حين يخطئ أحد البلدين في تأويل ما حدث على أنه مؤشر استفزاز أو هجوم نووي” (دراسة بعنوان “الإنذارات الكاذبة، أخطار حقيقية؟”، موقع مؤسسة “راند”، 2016).
حديثاً، جددت واشنطن، ومعها طوكيو ودول أخرى، تحذيراتها من تنامي القدرات النووية الصينية، واعتبار الأمر تهديداً يستدعي التعامل معه، مع العلم ان كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية “تتمتعان بحماية المظلة النووية الأميركية” كمصدر حماية لهما يعززانه بوجود عدة قواعد عسكرية أميركية في أراضيهما.
موافقة واشنطن الضمنية حليفتها اليابان لتصريف المياه الملوّثة إشعاعياَ تأتي في سياق استراتيجيتها العليا لـ “محاصرة” الصين واحتوائها ، والإضرار باقتصادها بكل السبل. ويمكن اعتباره امتداداً لسياسة “العقوبات الاقتصادية” الأميركية ضد مناوئيها وخصومها الدوليين.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org