كالبرق الساطع، مضى المفكّر الأممي فرانتز فانون – الحاج إبراهيم كما كان يسمي نفسه – في الحياة. فيلسوف البركسيس (التقاء النظريّة بالممارسة) الثوريّ الأهم منذ أنطونيو غرامشي رحل عن عالمنا بعمر ال36، لكنّه وهو الذي أعلن “إنني رجل متجذّر في زماني” ترك في أيدي الناس العاديين تراثاً ثوريّاً متفجراً يستعاد اليوم بعد أكثر من 58 عاماً على غياب صاحبه، طازجاً غاضباً حالماً، ودليلاً عمليّاً للمثّقفين المعاصرين: دعوا تنظيركم المقعّر، وتفضّلوا مع الناس إلى المتاريس، هناك فقط تخلقون فضاءً “للتنوير والإثراء المتبادل” مع أبطال حقيقيين في المواقع الاجتماعيّة وعلى الجبهات الأماميّة حيث يصنع التاريخ.
سعيد محمّد – لندن
لا أحد ينكر أننا نعيش أوقاتاً استثنائيّة كما لو أنهّا تلك “الأسابيع القليلة” التي قال عنها القائد لينين “تحدث فيها عقود، بعدما مرّت عقود من الزمن لم يحدث فيها ثمّة شيء”. لقد كشف فيروس كورونا بلا مقدّمات عري هذا العالم وحقيقته المغيّبة بالأيديولوجيا البرجوازيّة وأدواتها، فسطاطين متناقضين: أثرياء وأقوياء وبيض يديرون الكوكب لمصالحهم الذاتيّة الضيقة، وفقراء ومهشمون وملونون يدفعون من لحمهم ثمن المواجهة الكبرى. مواجهة بدأت بالاشتعال رويداً رويداً ولم تعد خنادقها الأماميّة أمام متاريسنا التقليديّة في سوريّا وفنزويلا وإيران وكوريّا الشماليّة وكوبا فحسب، بل هي الآن في قلب مينسوتا الأمريكيّة، وشوارع ساوباولو في البرازيل ووسط جوهانسبيرج بجنوب أفريقيا وبالقرب من ميناء مدينة باث الإنجليزيّ. في هذه الأوقات، وفي خضم المواجهة الحتميّة، فإن أخطر ما يواجهه “الملعونون في الأرض” هو أنّهم يقاتلون بلا أيديولوجيّة. كانت تلك تماماً مأساة رفاقنا الفلاحين الإنجليز الذين كسروا جيوش الملك، وأسقطوه، ليذهب وجهاؤهم إلى نبيل آخر متمنين عليه بأن يقبل تولي العرش بدل الملك المخلوع.
لمثل هذه اللّحظة وجد فرانتز فانون (1925 – 1961). المفكّر الثوريّ الأهم في النصف الثاني من القرن العشرين كتب يقول في خضم حروب التحرر في إفريقيا الخمسينيّات:”الكولونيالية (الاستعمارية) ومشتقاتها – المحليّة – لا تشكل فعلياً العدو الأخطر لأفريقيا. في وقت قصير سنحرر هذه القارة ويرحل عنها الاستعمار. لكنيّ – وكلّما زاد احتكاكي بمختلف الثقافات والدوائر السياسيّة تعاظمت قناعتي بأن أخطر ما تواجهه أفريقيا اليوم هو غياب الأيديولوجيا”. لقد سجّل في نصوصه قلقاً تجاه محدوديّة الفكر السياسي لدى الحركات التحرريّة الأفريقيّة في مواجهة الثنائيّة القاهرة التي يفرضها الاستعمار على الناس في فتسحق عقولهم، لتجعل منهم في الفسطاطين كليهما وكأنّهم ضحايا لمرض نفسي: تعساء ملونون متقبلون لدونيتهم وهامشيتهم في – مربع المهمشين -، أو أثرياء صدقوا أسطورة تفوقهم ونبل محتدهم – في المربع الآخر – وكلا الطرفين متورّط بتصديق الأمرين معاً: دونيّة ذاتيّة وتقبّل لتفوّق الأخر، أو نرجسيّة متورّمة واقتناع بدونيّة الآخر. ورحل قبل أن يرى كيف هدأت الحمم الثائرة المناهضة للاستعمار مع توّلي النخب الثوريّة للقيادة وطردها للشعب مجدداً إلى كهوفه وإقصاءه عن التاريخ بدلاً من البناء على وعي القطاع الأعرض من السكان الأصليين – والذي برغم كل مثالبه وقصوره أنجز التحرير -، أو التأسيس لفضاء حرّ لتدفّق الأفكار من مختلف الجهات حول شكل الغد الأفضل ليكون خياراً إنسانياً محضاً بعد طول استعباد للبشر بالأديان والمخلوقات الأسطوريّة ومحض العنف. لذلك أصرّ دائماً على أن الغضب الثوريّ يجب أن يتسم ب”العقلانيّة” بمعنى ضرورة إبقاء جذوة النّضال داخل النّضال لمقاومة أولئك المذعورين من تعدد القراءات داخل الحركة الثوريّة، ويدفعون باتجاه تحويل الحزب الثوريّ إلى أداة في يد زعيم أوحد أو أفراد قلائل يأخذون على عاتقهم “احتكار تعريف وطنيّة شعبهم بالسمع والطاعة”، “وأنّ العقيدة الواحدة الجديرة بالإتّباع هي وحدة الأمة ضد القوى الاستعمارية” وتحت قيادتهم المنزّهة حصراً.
فانون – الفرنسيّ الأسود الذي اختار أن يكون جزائرياً – وقتما كانت قضيّة الجزائر رمزاً عالمياً لكل نضالات شعوب العالم الثالث كما قضيّة فلسطين اليوم -، والبرجوازي المنحدر من طبقة وسطى مرتاحة ماديّاً وانتهى مثقفاً عضوياً ملتحماً بقضايا الطبقات العاملة والفلاحين، المثقّف النخبويّ الرفيع التعليم من الجامعات الغربيّة الذي نسج أفكاره من القتال مع الناس على المتاريس وفي الجبهات، الماركسيّ النّزعة دون أن يسقط في فخ التعالي الثوريّ على الفقراء، طبيب السايكولوجيا الذي وضع علمه وممارسته الطبيّة في خدمة التحرر كاشفاً عن الخراب الهائل الذي يتسبب به الاستعمار للقلوب والعقول معاً.
ديالكتيك الثورة عند فانون يقول بحتميّة تكوّن مقاومة لمواجهة الاضطهاد تتشكّل أساساً حول طبيعة العدوّ والمعركة في كل جبهة. لكن طموحه الثوريّ ألا يتقمّص المستعمَر حينئذ عقل المستعمِر ويقتصر تفكيره على حدود الفكر الاستعماري “المبسّط”: صراع سادة وعبيد، إذ أنّ المسألة التحرريّة ليست تستهدف استبدال نظام بنظام بقدر ما هي بشأن تجاوز ذلك النظّام إلى شيء خلاّق جماعي ومختلف تماماً، فنحن لا نريد بعد كل تلك التضحيّات أن نستبدل مضطهداً أشقر ذي عيون سوداء ب”مضطهد آخر ذي ملامح سوداء، أو سحنة عربيّة”. معركة النّاس هي ضد الاضطهاد كمبدأ.
بالطبع هذا أمر ليس بالسهل، لا سيّما وأنت تقاتل تحت “وهج الأضواء الكاشفة للتاريخ”. لكن كل شيء عنده يبدأ في كسر ثنائيّة السادة / العبيد المثاليّة، المؤسطرة، وغير الواقعيّة، وهي لحظة يتبعها نوع من الظلام وحيرة الوعيّ – يقول فانون – قبل أن تبدأ الأمور بالتشكلّ ببطىء مع مرور الوقت، ومع تطور الصراع، “ليبزغ الوعي على حقائق نسبيّة وجزئيّة ومحدودة وغير مستقرّة تتم إعادة النظر بها بشكل دائم من خلال التجارب على الأرض ومن الحراك الجماعي والمعاداة بلا هوادة للاستعمار”. وهذه في تفاعلها ينبغي أن تنتج “أنماطاً من طرائق التفكير ومنهجيّات التقييم والسلوكيّات أكثر ثراء من تلك التي يمكن الوصول إليها اعتماداً على فكر المستعمرين” المسطّح.
وإلى جانب نقده لمجمل التجربة الكولونياليّة، فإن فانون سجّل أيضاً نقداً لاذعاً للبرجوازيّات الوطنيّة وللمثقفين الأكاديميين. فهو يكشف عن احتكار البرجوازيّات “الجشعة” للدولة كأداة لتمكين هيمنتها على المجتمع و”افتراسه”، كما إساءة توظيفها لتاريخ النضال المجتمعيّ لدعم سلطتها الفاسدة، معتبراً أن بعض نماذج القوميّة الشوفينيّة المعسكرة لا تختلف في طريقة تعاملها مع المضطهدين من أبناء الشعب عن الأساليب الأشد قمعاً التي استخدمها المستعمر، مصرّاً لذلك على أن الوعي الوطني – “تلك الأغنية الرائعة التي جعلت الناس يثورون ضد مضطهديهم ومحتليهم” – لابدّ وتستكمل بالوعي السياسي والاجتماعي لبناء مجتمع حرّ جديد. وهو ما يشبه نبوءة نبيّ لما حدث بالفعل في الجزائر تحديداً وعشرات غيرها من دول العالم الثالث التي كسبت بالفعل استقلالاً ثميناً بدماء الناس قبل أن تنتهي إلى سيطرة أنظمة عسكريّة أو ملكيّة فاسدة فتحت الأبواب لعودة الاستعمار في نسق هيمنة جديد (ما بعد كولونيالي) أكثر تعقيداً وأقل كلفة ماديّة على المستعمرين. أمّا عن المثقفين الأكاديميين النظريين فهو يحذر وبشدّة من “أولئك المتنطعين الذين يريدون أن يعلبوا تجارب الناس في صناديق نظريّات تعلموها في الجامعة ومن الكتب، أو يقررون الانخراط في العمل الثوريّ وفق معادلات مسبقّة مغرقة بالرومانسيّة والتطرّف غير الواقعيّ. عند فانون مكان المثقف (العضوي) المناضل هناك على الأرض في “منطقة عدم التيقّن الغامض حيث يسكن الناس العاديّون، في ذلك الوعاء المملوء بغضبهم والذي من فيضانه نتعلّم شكل المستقبل الممكن” داعياّ المثقف الذي دربته الجامعة إلى أن يتجنب الفشل التقليدي للأكاديميين في خوض نقاشات ثنائيّة الاتجاه مع الممارسين على الأرض، والالتزام بدل ذلك في التأسيس لحوار حقيقي، دون السّقوط بفخ القبول الأعمى بكل ما يأتي به الناس على عواهنه. ولذا فهو يرى بضرورة اندراج المثقفين بقيادة المتاريس مع قادة الناس العاديين بهدف تحقيق “فضاء مشترك للتنوير والإثراء المتبادل”. وهنا لا يقترف فانون مجرّد هيكليّة ديمقراطيّة للنضال الجذري المنبثق من ممارسة حقيقيّة تحترم الناس وتؤكد على كرامتهم الإنسانيّة وحقّهم الطبيعيّ في أن يكونوا إطار النقاش المجتمعي وفي قلب عمليّة اتخاذ القرارات العامّة، بل ويكسر قالباً مستورداً من الغرب عن دور الزعيم الملهم الذي سيتولى مسؤوليّة كل شيء، فالأيدي السحريّة التي ستتولى إنجاز الأمور والدّفاع عن الأوطان هي في النهاية أيدي الناس العاديين فقط.
يقول المفكّر البرازيليّ الشهير باولو فيريري بأنّه كان عام 1968 في المنفى بسينتياغو / تشيلي – فاراً من الديكتاتوريّة العسكريّة المجرمة في بلاده بعد إنقلاب 1964 المدعوم أمريكياً – يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الأشهر “تعليم المقهورين” عندما زوده أحد الرّفاق الذي حضر إلى سنتياغو لنقل رسائل سياسيّة بنسخة من كتاب جديد عنوانه “الملعونون في الأرض” كان آخر ما نشره فانون – بالفرنسيّة – في الأيّام الأخيرة قبل خسارته لمعركته الشخصيّة مع سرطان اللوكيميا (1961) – ترجم إلى الإنجليزيّة في 1963 -. “وبعد أن قرأت فانون”، يضيف فيريري “أيقنت أنّني بحاجة لإعادة كتابة (تعليم المقهورين) من جديد”.
أفكار فانون ومنهجيته الثوريّة ونظرياته تركت تأثيراً كبيراً على أجيال كثيرة خاضت نضالاتها التحرريّة في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد قُرأت كتبه ونوقشت من قبل الثوريين حول العالم من جنوب أفريقيا إلى الجزائر، ومن فلسطين إلى سيرلانكا، كما نضالات الثوريين السود في الولايات المتحدّة، وما تزال نصوصه قراءة لا بدّ منها لكل من يتصدى للنضالات التحرريّة عبر الجغرافيات والأيّام رغم أن بعض قطاعات اليسار الغربيّ المتهتكة تتلعثم تجاه دعوته الصريحة للعنف الثوري كأداة تطهرّ واستعادة للإنسانية لا بدّ منها في مواجهة الاستعمار والاضطهاد. بالطبع لم تكن تلك بدعوة للعنف المجانيّ، بل اعترافاً صريحاً بحق المضطهدين في حمل أسلحتهم المتواضعة وحجارتهم وسكاكينهم لإقصاء عدّو يقصفهم بالدبابات والطائرات والأسلحة المعقدة الحديثة. فهل كان ممكناً بأي حال دون العنف أن ينتهي الاحتلال الفرنسي وسلطات باريس تعد الجزائر بمثابة فرنسا جنوبيّة؟ هذا وقد صدرت في 2018 ترجمة حديثة إلى الإنجليزيّة جمعت مقالاته وأعماله التي لم تنشر في كتب من قبل – لاسيّما مقالاته في جريدة المجاهد التي كانت تصدرها جبهة التحرير الجزائريّة أثناء الحرب مع فرنسا، ليكون بذلك مجموع أعماله قريباً ومتوفراً بلغات العالم الحيّة كلّها (أنظر مراجعة لهذا المجلّد في مكان آخر من عدد كلمات هذا الأسبوع) مع الانتباه إلى أن كثيراً من الترجمات المختلفة – بالعربيّة مثلاً – أساءت للنصّ الفرنسيّ الأصلي وأغلقته على القطاع الأكبر من القرّاء.
وللحقيقة فإن فرانتز فانون أكثر من مجرّد فيلسوف ومنظّر آخر ترك لنا نصوصاً ثوريّة صاخبة. لقد عاش هذا الرّجل تجربة إنسانيّة مذهلة بكل المقاييس منح من خلالها كلماته المكتوبة صدى وسطوعاً لا يخفت من تعانق الفكر والممارسة وتلازم النظريّة بالسلوك الشخصيّ. والأهم من ذلك، تقديم مثال ملهم عن الالتزام الثوريّ الذي يتجاوز حدودنا المريحة، التي غالباً ما نقبلها كما هي خانعين. فقد تطوّع شاباً صغيراً مهاجراً من المارتنيك (جزر الأنتيل الفرنسيّة بالبحر الكاريبي) مع المقاومة الفرنسيّة للاحتلال الألماني خلال الحرب العالميّة الثانية (وكان عمره وقتها 18 عاماً)، ليصاب بصدمة إثرها من العنصريّة الفرنسيّة المتجذرّة ضد الملونين حتى الذين حملوا السلاح من أجل فرنسا، كما الأوروبيّين السجناء الذين كانوا يفضلون الرقص مع سجانيهم الفاشيست على الاحتفاء مع محرريهم الملونين. حصل بعد الحرب على درجة في الطبّ من جامعة ليون الفرنسيّة وتخصص بالطبّ النفسي لكنّه كان يقرأ بكثافة في موازاة ذلك لهيغل، ونيتشه، وماركس، وفرويد، وكان إبّان أيّامه في البر الأوروبيّ يختلط بكبار المثقفين الفرنسيين والأوروبيين أمثال جان بول سارتر – الذي كتب مقدّمة ممتازة لكتاب فانون الأخير “الملعونون في الأرض” ربما تكون أفضل أعمال سارتر على الإطلاق -، وسيمون دي بوفوار وغيرهم.
مارس فانون الطبّ النفسي لاحقاً في الجزائر وتونس، فاطلع عن كثب على الظلم الذي يحيق بالبشر – محتلين ومحتلون – جراء المشروع الاستعماري الذي يكسر إنسانيّة الإنسان. تلك الخبرة الأولى دوّنها في (بشرة سوداء، أقنعة بيضاء – 1952)، فيما نشر كتابه الثاني (استعمار يضمحّل) عام 1959 ثم (الملعونون في الأرض – 1961)، ونُشر بعد وفاته (نحو ثورة أفريقيّة – 1964).
لدى انطلاق حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي في نوفمبر 1954 التحق مبكراً بجبهة التحرير الجزائريّة التنظيم الثوريّ الذي قاد النضال العسكريّ. وصار وجهاً معروفاً في أوساط الثوريين الأفارقة لا سيّما باتريس لومومبا الذي كان صديقاً شخصيّاً له. وفي 1959، أصيب بجروح بالغة عندما انفجر لغم بسيارة جيب كان يستقلها بالقرب من الحدود التونسية / الجزائرية. وقد تم ارساله بجواز سفر ليبيّ مستعار الى روما للعلاج الطبي، وهناك نجا بأعجوبة من الاغتيال على يد منظمة متطرفين مرتبطة بالدولة الفرنسية.
وفي آذار/مارس 1960، أُرسل فانون إلى أكرا – غانا ليصبح سفيراً للحكومة الجزائريّة المؤقتة التي كانت تديرها جبهة التحرير الوطني. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1960، كان جزءا من فريق مكلف بمهمة استطلاعية تهدف إلى فتح جبهة جنوبية على الحدود مع مالي، مع خطوط إمداد تمتد من باماكو عبر الصحراء الكبرى. وفي اللحظة الأخيرة، اشتبه الفريق الجزائريّ بوجود اختراق لتحركهم، فتخلوا عن خطتهم للسفر جواً وقادوا مسافة ألفي كيلومتر من مونروفيا إلى باماكو بالسيارة. وبالفعل فإن الطائرة التي كان من المقرر أن يستقلها فانون إلى أبيدجان، أجبرت على الهبوط وقام الجيش الفرنسي بتفتيشها بلا طائل.
لاحظ فانون تراجع صحته، فأجرى فحوصاً للدم شخّص على إثرها نفسه بسرطان اللوكيميا. وبينما كان ملقى على سرير مستشفى بتونس كان يخط الصفحات الأخيرة من “الملعونون في الأرض”. وقد حاول رفاقه في جبهة التحرير الجزائريّة إنقاذ حياته فتدبروا أمر إرساله إلى موسكو، لكن الرّفاق السوفييت هناك لم يقدّموا له شيئاً بعدما اعتبروا حالته متقدّمة. ولاحقاً رتبّ له مكتب جبهة التحرير الجزائريّة في الولايات المتحدّة رحلة للعلاج هناك في ولاية ميرلاند – وتبجحت المخابرات الأمريكيّة لاحقاً بأنها سهلّت سفره إلى هناك رغم معرفتها بخطورة تأثيره السياسيّ ومعاداته الشديدة للإمبرياليّة الأمريكيّة، وقد يكون ذلك صحيحاً بالطبع، لا سيّما وأن الأمريكيين تواصلوا في غير مناسبة مع الثوار الجزائريين بغرض معرفة ماذا يجرى على الأرض في المستعمرة الفرنسيّة السابقة -، لكن حالته كانت ساءت، فلم يطل المقام به ومات غريباً وحيداً في قلب الإمبراطوريّة الإمبرياليّة الأعتى، مفتقداً لمكتبه في مقر الحكومة الجزائريّة المؤقتة بتونس، ولرفاقه المقاتلين بالجزائر. وقد نقل جثمانه فيما بعد إلى مقبرة للشهداء هناك بعد التحرير.
إبراهيم – فرانتز فانون، كأنّك معنا.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….