السنة الثالثة والعشرون – العدد 6627
في هذا العدد:
الإرث الثوريّ للمفكّر الأممي فرانتز فانون
■ متى نَفي تجربة الجزائر ودور فرانز فانون حقهما، عادل سماره
■ هل تخجلون أمام الجزائر وأمام فرانز فانون! عادل سماره
■ فانون: عن المثّقف قائداً لمتراس، سعيد محمّد
■ قراءة في كتاب: “الاغتراب والحريّة”: اكتمال نصوص القمر الأسود، لمؤلفه فرانتز فانون، مراجعة سعيد محمّد
✺ ✺ ✺
متى نَفي تجربة الجزائر ودور فرانز فانون حقهما
عادل سماره
فرانز فانون، الفدائي المظلوم، في ادبيات الثقافة العربية والفلسطينية خاصة، مظلومية ليست لشخصه وهو لم يكن ليحتج على الشخصنة ولكن المظلومية حاقت بالتجربة والدور ووقعت على من يحق له علينا تعريفه بفانون.
قد لا تجد في نتاجه الفكري عبارات توحي بأنه كان ماركسياً، لكنك تجد بقوة الحضور حالة أممية بجدارة قل نظيرها. هو الأسود من المارتينيك الذي لم تُعيقه بشرته ولا بلده الصغير عن الاشتباك مع إمبريالية بيضاء نووية، وربما لذلك اختار دور المثقف المشتبك. وهو الطبيب في علم النفس الذي نقل عيادته من الغرف والجلسات الأشبه بالتنويم المغنطيسي إلى الكهوف والمغاور فكانت باتساع شبه القارة الجزائرية. وهو المسيحي الذي قاتل بكُليَّته مع العرب المسلمين الأفارقة.
لست أدري من هو المبدع الذي سيدرس ظاهرة الثورة الجزائرية، تلك الحالة المركَّبة والمعقدة. لم تكن الجزائر مجرد مستعمرة بل كانت مستوطنة أيضاً، وهذا لم يكن حال تجربة حرب الغُوار في الصين ولا كوبا ولا فيتنام بل فلسطين. لا وأبعد، في حالة الجزائر قامت فرنسا بجر جغرافيا الجزائر الهائلة لتربطها بجغرافيا المستعمِر حتى لتكاد لا ترى الفاصل المتوسط بينهما. وإلا ما معنى ان يقف الشيوعي الفرنسي والجزائري ضد الثورة متورطين في تجاوز الجغرافيا والطبقية والإمبريالية واللون والثقافة مراهنين على “إنسانية” الفرانكفونية. وهذا حال فلسطين حيث تجرها الإمبريالية والتطبيع إلى ثلاثة آلاف عام من الوهم الخرافات الصهيونية.
وابعد ايضاً، فما تسنَّى لتجربة الصين من حضور شعبي هائل وعمق فكري شيوعي واحتضان سوفييتي في عزِّ قيادة ستالين حتى لما بعد الانتصار، وما تسنى لفيتنام ولكوريا من ظهير سوفييتي صيني، لم يتسنى للجزائر. وهذا يطرح السؤال: إذا كان الظهير العروبي الناصري قد ساهم حقاً في انتصار الجزائر رغم تواضع الإمكانيات ولكن مع توفر القرار والتصميم، فهل يمكن للعمق العربي أن يكون الظهير المقتدر لتحرير فلسطين؟ وهل الاستهانة بهذا الظهير المطعون اليوم هي محقة أم مضمخة باستدخال الهزيمة؟ هذا المصطلح الشقي الذي أقحمته التجربة في راس كاتب هذه السطور.!
فرانز فانون وتجربة ثورة الجزائر، تنتظر بحثاً بقيمتها.
ملاحظة: ذات وقت تمكنت من تحويل باحثة، رغم جامعة محلية تعتمد فوكو والثقافوية، من الاعتماد على ميشيل فوكو إلى الاعتماد على فرانز فانون لكن المطلوب فانون في ثورة الجزائر.
✺ ✺ ✺
هل تخجلون أمام الجزائر وأمام فرانز فانون!
عادل سماره
تساءلت في سؤال حامض 2555 لماذا لم نعط تجربة الجزائر حقها وكذلك فرانز فانون.
بالعكس أنا مع اي نقاش أو نقد أو تحدي لما أطلب ولما أكتب. أنا على الأقل أقوم بالنقد ولذا ليس من حقي رفض حق أي شخص في النقد وفي نقدي تحديداً.
لكن لست مع المماحكات، أو الزعم بوجود مواقف لم توجد وليس لها اساساً سوى رصف الكلام على الفيس! وهذا في الحقيقة لا علاقة له لا بالفكر ولا بالنضال.
إن الهجوم على فانون بدون توثيق هو أيضاً مؤذي للثورة الجزائرية. أنا ركزت على الجزائر نعم من البعد الجزائري والعروبي. نحن كعرب عبر الجزائر هزمنا الإمبريالية مكثفة في الفرنسية. وهذا شرف كبير وتجربة هائلة تحتاج تقديم حقها لها ولنا. واليوم خاصة هناك تكفير بالعروبة ونشر الياس من اي نهوض وذلك يتكرر في: “لماذا تركز على ما ليس موجوداً، لا يوجد مشروع عروبي”. حتى لو فرضنا عدم وجود مشروع عروبي، فما هو دورنا؟
الذين يقولون أن فانون أيد الكيان الصهيوني هم لا يرون الفارق بين المحرقة وبين تضخيم المحرقة مما قاد إلى حرج كثيرين إن لم يرفضوا المحرقة. وهذا لا يعني أنها لم تحصل لكن الجريمة في استثمارها لصالح الاستيطان الصهيوني الاقتلاعي. طبعاً هناك فلسطينيون وعرب ينكرون حصول المحرقة وذلك في مزايدة “قومجية” مخزية أمام اي إنسان واعي وشريف.
لذا، اسأل من كتبوا أن فانون لم يؤيد القضية الفلسطينية وبأنه ايد الصهيونية أو الكيان. أنا اتحدى أن يضع اي شخص هنا صورة صفحة من كتاب من كتبه تقول ذلك وحينها سأكتب: ” شكراً، أنا لم اعرف ذلك، وهنا أنتقد فانون وأنتقد عدم معرفتي لذلك ولكن ايضاً لا أغمط حقه في نضاله”.
هناك من قالوا بأنه كان عميلا للإمبريالية !. ربما لم يركز أو حتى لم يذكر فلسطين، وهذا ليس إدانة له. لا يوجد شخص يعرف كل شيء. كلنا لدينا تقصير هنا أو هناك.
أعتقد أن هؤلاء لا يعرفون أو يتجنبون الاعتراف بأن الإعلام وحتى إيديولوجيا الإمبريالية بها جانب رئيسي هو الكذب المتقن لتدمير رموز مختلف الأمم والثقافات وخاصة في المحيط وأكثر تخصيصاً ضد العرب.
أزعم انني اطلعت على تجربة وكتابات فانون، لكنني لم أجد قط ما يُقال ضده من هؤلاء. هذا لا يعني أنه فوق النقد والخلل، لكن على الأقل ما قاله هؤلاء ليس موثقاً فليوثقوه!
بغير هذا عيب ان يتحول الشخص إلى كافر برموز لها دورها وحضورها.
أرفق صورة مجلد من 800 صفحة هو آخر ما أُنتج عن فانون. أهدتني إياه طالبة ماجستير ثم دكتوراة وتخرجت وكنت قد اثرت عليها بأن تحول اساس اطروحتها من ميشيل فوكو إلى فرانز فانون.
✺ ✺ ✺
فانون: عن المثّقف قائداً لمتراس
سعيد محمّد
كالبرق الساطع، مضى المفكّر الأممي فرانتز فانون – الحاج إبراهيم كما كان يسمي نفسه – في الحياة. فيلسوف البركسيس (التقاء النظريّة بالممارسة) الثوريّ الأهم منذ أنطونيو غرامشي رحل عن عالمنا بعمر ال36، لكنّه وهو الذي أعلن “إنني رجل متجذّر في زماني” ترك في أيدي الناس العاديين تراثاً ثوريّاً متفجراً يستعاد اليوم بعد أكثر من 58 عاماً على غياب صاحبه، طازجاً غاضباً حالماً، ودليلاً عمليّاً للمثّقفين المعاصرين: دعوا تنظيركم المقعّر، وتفضّلوا مع الناس إلى المتاريس، هناك فقط تخلقون فضاءً “للتنوير والإثراء المتبادل” مع أبطال حقيقيين في المواقع الاجتماعيّة وعلى الجبهات الأماميّة حيث يصنع التاريخ.
سعيد محمّد – لندن
لا أحد ينكر أننا نعيش أوقاتاً استثنائيّة كما لو أنهّا تلك “الأسابيع القليلة” التي قال عنها القائد لينين “تحدث فيها عقود، بعدما مرّت عقود من الزمن لم يحدث فيها ثمّة شيء”. لقد كشف فيروس كورونا بلا مقدّمات عري هذا العالم وحقيقته المغيّبة بالأيديولوجيا البرجوازيّة وأدواتها، فسطاطين متناقضين: أثرياء وأقوياء وبيض يديرون الكوكب لمصالحهم الذاتيّة الضيقة، وفقراء ومهشمون وملونون يدفعون من لحمهم ثمن المواجهة الكبرى. مواجهة بدأت بالاشتعال رويداً رويداً ولم تعد خنادقها الأماميّة أمام متاريسنا التقليديّة في سوريّا وفنزويلا وإيران وكوريّا الشماليّة وكوبا فحسب، بل هي الآن في قلب مينسوتا الأمريكيّة، وشوارع ساوباولو في البرازيل ووسط جوهانسبيرج بجنوب أفريقيا وبالقرب من ميناء مدينة باث الإنجليزيّ. في هذه الأوقات، وفي خضم المواجهة الحتميّة، فإن أخطر ما يواجهه “الملعونون في الأرض” هو أنّهم يقاتلون بلا أيديولوجيّة. كانت تلك تماماً مأساة رفاقنا الفلاحين الإنجليز الذين كسروا جيوش الملك، وأسقطوه، ليذهب وجهاؤهم إلى نبيل آخر متمنين عليه بأن يقبل تولي العرش بدل الملك المخلوع.
لمثل هذه اللّحظة وجد فرانتز فانون (1925 – 1961). المفكّر الثوريّ الأهم في النصف الثاني من القرن العشرين كتب يقول في خضم حروب التحرر في إفريقيا الخمسينيّات:”الكولونيالية (الاستعمارية) ومشتقاتها – المحليّة – لا تشكل فعلياً العدو الأخطر لأفريقيا. في وقت قصير سنحرر هذه القارة ويرحل عنها الاستعمار. لكنيّ – وكلّما زاد احتكاكي بمختلف الثقافات والدوائر السياسيّة تعاظمت قناعتي بأن أخطر ما تواجهه أفريقيا اليوم هو غياب الأيديولوجيا”. لقد سجّل في نصوصه قلقاً تجاه محدوديّة الفكر السياسي لدى الحركات التحرريّة الأفريقيّة في مواجهة الثنائيّة القاهرة التي يفرضها الاستعمار على الناس في فتسحق عقولهم، لتجعل منهم في الفسطاطين كليهما وكأنّهم ضحايا لمرض نفسي: تعساء ملونون متقبلون لدونيتهم وهامشيتهم في – مربع المهمشين -، أو أثرياء صدقوا أسطورة تفوقهم ونبل محتدهم – في المربع الآخر – وكلا الطرفين متورّط بتصديق الأمرين معاً: دونيّة ذاتيّة وتقبّل لتفوّق الأخر، أو نرجسيّة متورّمة واقتناع بدونيّة الآخر. ورحل قبل أن يرى كيف هدأت الحمم الثائرة المناهضة للاستعمار مع توّلي النخب الثوريّة للقيادة وطردها للشعب مجدداً إلى كهوفه وإقصاءه عن التاريخ بدلاً من البناء على وعي القطاع الأعرض من السكان الأصليين – والذي برغم كل مثالبه وقصوره أنجز التحرير -، أو التأسيس لفضاء حرّ لتدفّق الأفكار من مختلف الجهات حول شكل الغد الأفضل ليكون خياراً إنسانياً محضاً بعد طول استعباد للبشر بالأديان والمخلوقات الأسطوريّة ومحض العنف. لذلك أصرّ دائماً على أن الغضب الثوريّ يجب أن يتسم ب”العقلانيّة” بمعنى ضرورة إبقاء جذوة النّضال داخل النّضال لمقاومة أولئك المذعورين من تعدد القراءات داخل الحركة الثوريّة، ويدفعون باتجاه تحويل الحزب الثوريّ إلى أداة في يد زعيم أوحد أو أفراد قلائل يأخذون على عاتقهم “احتكار تعريف وطنيّة شعبهم بالسمع والطاعة”، “وأنّ العقيدة الواحدة الجديرة بالإتّباع هي وحدة الأمة ضد القوى الاستعمارية” وتحت قيادتهم المنزّهة حصراً.
فانون – الفرنسيّ الأسود الذي اختار أن يكون جزائرياً – وقتما كانت قضيّة الجزائر رمزاً عالمياً لكل نضالات شعوب العالم الثالث كما قضيّة فلسطين اليوم -، والبرجوازي المنحدر من طبقة وسطى مرتاحة ماديّاً وانتهى مثقفاً عضوياً ملتحماً بقضايا الطبقات العاملة والفلاحين، المثقّف النخبويّ الرفيع التعليم من الجامعات الغربيّة الذي نسج أفكاره من القتال مع الناس على المتاريس وفي الجبهات، الماركسيّ النّزعة دون أن يسقط في فخ التعالي الثوريّ على الفقراء، طبيب السايكولوجيا الذي وضع علمه وممارسته الطبيّة في خدمة التحرر كاشفاً عن الخراب الهائل الذي يتسبب به الاستعمار للقلوب والعقول معاً.
ديالكتيك الثورة عند فانون يقول بحتميّة تكوّن مقاومة لمواجهة الاضطهاد تتشكّل أساساً حول طبيعة العدوّ والمعركة في كل جبهة. لكن طموحه الثوريّ ألا يتقمّص المستعمَر حينئذ عقل المستعمِر ويقتصر تفكيره على حدود الفكر الاستعماري “المبسّط”: صراع سادة وعبيد، إذ أنّ المسألة التحرريّة ليست تستهدف استبدال نظام بنظام بقدر ما هي بشأن تجاوز ذلك النظّام إلى شيء خلاّق جماعي ومختلف تماماً، فنحن لا نريد بعد كل تلك التضحيّات أن نستبدل مضطهداً أشقر ذي عيون سوداء ب”مضطهد آخر ذي ملامح سوداء، أو سحنة عربيّة”. معركة النّاس هي ضد الاضطهاد كمبدأ.
بالطبع هذا أمر ليس بالسهل، لا سيّما وأنت تقاتل تحت “وهج الأضواء الكاشفة للتاريخ”. لكن كل شيء عنده يبدأ في كسر ثنائيّة السادة / العبيد المثاليّة، المؤسطرة، وغير الواقعيّة، وهي لحظة يتبعها نوع من الظلام وحيرة الوعيّ – يقول فانون – قبل أن تبدأ الأمور بالتشكلّ ببطىء مع مرور الوقت، ومع تطور الصراع، “ليبزغ الوعي على حقائق نسبيّة وجزئيّة ومحدودة وغير مستقرّة تتم إعادة النظر بها بشكل دائم من خلال التجارب على الأرض ومن الحراك الجماعي والمعاداة بلا هوادة للاستعمار”. وهذه في تفاعلها ينبغي أن تنتج “أنماطاً من طرائق التفكير ومنهجيّات التقييم والسلوكيّات أكثر ثراء من تلك التي يمكن الوصول إليها اعتماداً على فكر المستعمرين” المسطّح.
وإلى جانب نقده لمجمل التجربة الكولونياليّة، فإن فانون سجّل أيضاً نقداً لاذعاً للبرجوازيّات الوطنيّة وللمثقفين الأكاديميين. فهو يكشف عن احتكار البرجوازيّات “الجشعة” للدولة كأداة لتمكين هيمنتها على المجتمع و”افتراسه”، كما إساءة توظيفها لتاريخ النضال المجتمعيّ لدعم سلطتها الفاسدة، معتبراً أن بعض نماذج القوميّة الشوفينيّة المعسكرة لا تختلف في طريقة تعاملها مع المضطهدين من أبناء الشعب عن الأساليب الأشد قمعاً التي استخدمها المستعمر، مصرّاً لذلك على أن الوعي الوطني – “تلك الأغنية الرائعة التي جعلت الناس يثورون ضد مضطهديهم ومحتليهم” – لابدّ وتستكمل بالوعي السياسي والاجتماعي لبناء مجتمع حرّ جديد. وهو ما يشبه نبوءة نبيّ لما حدث بالفعل في الجزائر تحديداً وعشرات غيرها من دول العالم الثالث التي كسبت بالفعل استقلالاً ثميناً بدماء الناس قبل أن تنتهي إلى سيطرة أنظمة عسكريّة أو ملكيّة فاسدة فتحت الأبواب لعودة الاستعمار في نسق هيمنة جديد (ما بعد كولونيالي) أكثر تعقيداً وأقل كلفة ماديّة على المستعمرين. أمّا عن المثقفين الأكاديميين النظريين فهو يحذر وبشدّة من “أولئك المتنطعين الذين يريدون أن يعلبوا تجارب الناس في صناديق نظريّات تعلموها في الجامعة ومن الكتب، أو يقررون الانخراط في العمل الثوريّ وفق معادلات مسبقّة مغرقة بالرومانسيّة والتطرّف غير الواقعيّ. عند فانون مكان المثقف (العضوي) المناضل هناك على الأرض في “منطقة عدم التيقّن الغامض حيث يسكن الناس العاديّون، في ذلك الوعاء المملوء بغضبهم والذي من فيضانه نتعلّم شكل المستقبل الممكن” داعياّ المثقف الذي دربته الجامعة إلى أن يتجنب الفشل التقليدي للأكاديميين في خوض نقاشات ثنائيّة الاتجاه مع الممارسين على الأرض، والالتزام بدل ذلك في التأسيس لحوار حقيقي، دون السّقوط بفخ القبول الأعمى بكل ما يأتي به الناس على عواهنه. ولذا فهو يرى بضرورة اندراج المثقفين بقيادة المتاريس مع قادة الناس العاديين بهدف تحقيق “فضاء مشترك للتنوير والإثراء المتبادل”. وهنا لا يقترف فانون مجرّد هيكليّة ديمقراطيّة للنضال الجذري المنبثق من ممارسة حقيقيّة تحترم الناس وتؤكد على كرامتهم الإنسانيّة وحقّهم الطبيعيّ في أن يكونوا إطار النقاش المجتمعي وفي قلب عمليّة اتخاذ القرارات العامّة، بل ويكسر قالباً مستورداً من الغرب عن دور الزعيم الملهم الذي سيتولى مسؤوليّة كل شيء، فالأيدي السحريّة التي ستتولى إنجاز الأمور والدّفاع عن الأوطان هي في النهاية أيدي الناس العاديين فقط.
يقول المفكّر البرازيليّ الشهير باولو فيريري بأنّه كان عام 1968 في المنفى بسينتياغو / تشيلي – فاراً من الديكتاتوريّة العسكريّة المجرمة في بلاده بعد إنقلاب 1964 المدعوم أمريكياً – يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الأشهر “تعليم المقهورين” عندما زوده أحد الرّفاق الذي حضر إلى سنتياغو لنقل رسائل سياسيّة بنسخة من كتاب جديد عنوانه “الملعونون في الأرض” كان آخر ما نشره فانون – بالفرنسيّة – في الأيّام الأخيرة قبل خسارته لمعركته الشخصيّة مع سرطان اللوكيميا (1961) – ترجم إلى الإنجليزيّة في 1963 -. “وبعد أن قرأت فانون”، يضيف فيريري “أيقنت أنّني بحاجة لإعادة كتابة (تعليم المقهورين) من جديد”.
أفكار فانون ومنهجيته الثوريّة ونظرياته تركت تأثيراً كبيراً على أجيال كثيرة خاضت نضالاتها التحرريّة في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد قُرأت كتبه ونوقشت من قبل الثوريين حول العالم من جنوب أفريقيا إلى الجزائر، ومن فلسطين إلى سيرلانكا، كما نضالات الثوريين السود في الولايات المتحدّة، وما تزال نصوصه قراءة لا بدّ منها لكل من يتصدى للنضالات التحرريّة عبر الجغرافيات والأيّام رغم أن بعض قطاعات اليسار الغربيّ المتهتكة تتلعثم تجاه دعوته الصريحة للعنف الثوري كأداة تطهرّ واستعادة للإنسانية لا بدّ منها في مواجهة الاستعمار والاضطهاد. بالطبع لم تكن تلك بدعوة للعنف المجانيّ، بل اعترافاً صريحاً بحق المضطهدين في حمل أسلحتهم المتواضعة وحجارتهم وسكاكينهم لإقصاء عدّو يقصفهم بالدبابات والطائرات والأسلحة المعقدة الحديثة. فهل كان ممكناً بأي حال دون العنف أن ينتهي الاحتلال الفرنسي وسلطات باريس تعد الجزائر بمثابة فرنسا جنوبيّة؟ هذا وقد صدرت في 2018 ترجمة حديثة إلى الإنجليزيّة جمعت مقالاته وأعماله التي لم تنشر في كتب من قبل – لاسيّما مقالاته في جريدة المجاهد التي كانت تصدرها جبهة التحرير الجزائريّة أثناء الحرب مع فرنسا، ليكون بذلك مجموع أعماله قريباً ومتوفراً بلغات العالم الحيّة كلّها (أنظر مراجعة لهذا المجلّد في مكان آخر من عدد كلمات هذا الأسبوع) مع الانتباه إلى أن كثيراً من الترجمات المختلفة – بالعربيّة مثلاً – أساءت للنصّ الفرنسيّ الأصلي وأغلقته على القطاع الأكبر من القرّاء.
وللحقيقة فإن فرانتز فانون أكثر من مجرّد فيلسوف ومنظّر آخر ترك لنا نصوصاً ثوريّة صاخبة. لقد عاش هذا الرّجل تجربة إنسانيّة مذهلة بكل المقاييس منح من خلالها كلماته المكتوبة صدى وسطوعاً لا يخفت من تعانق الفكر والممارسة وتلازم النظريّة بالسلوك الشخصيّ. والأهم من ذلك، تقديم مثال ملهم عن الالتزام الثوريّ الذي يتجاوز حدودنا المريحة، التي غالباً ما نقبلها كما هي خانعين. فقد تطوّع شاباً صغيراً مهاجراً من المارتنيك (جزر الأنتيل الفرنسيّة بالبحر الكاريبي) مع المقاومة الفرنسيّة للاحتلال الألماني خلال الحرب العالميّة الثانية (وكان عمره وقتها 18 عاماً)، ليصاب بصدمة إثرها من العنصريّة الفرنسيّة المتجذرّة ضد الملونين حتى الذين حملوا السلاح من أجل فرنسا، كما الأوروبيّين السجناء الذين كانوا يفضلون الرقص مع سجانيهم الفاشيست على الاحتفاء مع محرريهم الملونين. حصل بعد الحرب على درجة في الطبّ من جامعة ليون الفرنسيّة وتخصص بالطبّ النفسي لكنّه كان يقرأ بكثافة في موازاة ذلك لهيغل، ونيتشه، وماركس، وفرويد، وكان إبّان أيّامه في البر الأوروبيّ يختلط بكبار المثقفين الفرنسيين والأوروبيين أمثال جان بول سارتر – الذي كتب مقدّمة ممتازة لكتاب فانون الأخير “الملعونون في الأرض” ربما تكون أفضل أعمال سارتر على الإطلاق -، وسيمون دي بوفوار وغيرهم.
مارس فانون الطبّ النفسي لاحقاً في الجزائر وتونس، فاطلع عن كثب على الظلم الذي يحيق بالبشر – محتلين ومحتلون – جراء المشروع الاستعماري الذي يكسر إنسانيّة الإنسان. تلك الخبرة الأولى دوّنها في (بشرة سوداء، أقنعة بيضاء – 1952)، فيما نشر كتابه الثاني (استعمار يضمحّل) عام 1959 ثم (الملعونون في الأرض – 1961)، ونُشر بعد وفاته (نحو ثورة أفريقيّة – 1964).
لدى انطلاق حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي في نوفمبر 1954 التحق مبكراً بجبهة التحرير الجزائريّة التنظيم الثوريّ الذي قاد النضال العسكريّ. وصار وجهاً معروفاً في أوساط الثوريين الأفارقة لا سيّما باتريس لومومبا الذي كان صديقاً شخصيّاً له. وفي 1959، أصيب بجروح بالغة عندما انفجر لغم بسيارة جيب كان يستقلها بالقرب من الحدود التونسية / الجزائرية. وقد تم ارساله بجواز سفر ليبيّ مستعار الى روما للعلاج الطبي، وهناك نجا بأعجوبة من الاغتيال على يد منظمة متطرفين مرتبطة بالدولة الفرنسية.
وفي آذار/مارس 1960، أُرسل فانون إلى أكرا – غانا ليصبح سفيراً للحكومة الجزائريّة المؤقتة التي كانت تديرها جبهة التحرير الوطني. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1960، كان جزءا من فريق مكلف بمهمة استطلاعية تهدف إلى فتح جبهة جنوبية على الحدود مع مالي، مع خطوط إمداد تمتد من باماكو عبر الصحراء الكبرى. وفي اللحظة الأخيرة، اشتبه الفريق الجزائريّ بوجود اختراق لتحركهم، فتخلوا عن خطتهم للسفر جواً وقادوا مسافة ألفي كيلومتر من مونروفيا إلى باماكو بالسيارة. وبالفعل فإن الطائرة التي كان من المقرر أن يستقلها فانون إلى أبيدجان، أجبرت على الهبوط وقام الجيش الفرنسي بتفتيشها بلا طائل.
لاحظ فانون تراجع صحته، فأجرى فحوصاً للدم شخّص على إثرها نفسه بسرطان اللوكيميا. وبينما كان ملقى على سرير مستشفى بتونس كان يخط الصفحات الأخيرة من “الملعونون في الأرض”. وقد حاول رفاقه في جبهة التحرير الجزائريّة إنقاذ حياته فتدبروا أمر إرساله إلى موسكو، لكن الرّفاق السوفييت هناك لم يقدّموا له شيئاً بعدما اعتبروا حالته متقدّمة. ولاحقاً رتبّ له مكتب جبهة التحرير الجزائريّة في الولايات المتحدّة رحلة للعلاج هناك في ولاية ميرلاند – وتبجحت المخابرات الأمريكيّة لاحقاً بأنها سهلّت سفره إلى هناك رغم معرفتها بخطورة تأثيره السياسيّ ومعاداته الشديدة للإمبرياليّة الأمريكيّة، وقد يكون ذلك صحيحاً بالطبع، لا سيّما وأن الأمريكيين تواصلوا في غير مناسبة مع الثوار الجزائريين بغرض معرفة ماذا يجرى على الأرض في المستعمرة الفرنسيّة السابقة -، لكن حالته كانت ساءت، فلم يطل المقام به ومات غريباً وحيداً في قلب الإمبراطوريّة الإمبرياليّة الأعتى، مفتقداً لمكتبه في مقر الحكومة الجزائريّة المؤقتة بتونس، ولرفاقه المقاتلين بالجزائر. وقد نقل جثمانه فيما بعد إلى مقبرة للشهداء هناك بعد التحرير.
إبراهيم – فرانتز فانون، كأنّك معنا.
✺ ✺ ✺
قراءة في كتاب:
“الاغتراب والحريّة”: اكتمال نصوص القمر الأسود
سعيد محمّد
كتب المفكر الثوريّ الماركسيّ فرانتز فانون (1925 – 1961) نصوصه المنشورة كتباً ومقالات باللغة الفرنسيّة، وكانت تجربته الفكريّة والشخصيّة والنضاليّة في أجواء العالم الفرنكوفوني حصراً، ولذا لم يحظ المتحدثون باللغة الإنجليزيّة بداية بالفرصة للاطلاع على مقالاته، وصدرت بعض ترجمات رديئة لكتبه المنشورة، ولذا فإن كثيرين من تلاميذ فانون وقرائه في بريطانيا والولايات المتحدّة كانوا سعداء بصدور مجلّد “الاغتراب والحريّة – تحرير جان خلفا وروبرت جي سي يونغلندن: بلومزبري، 2018″ المعدّ بكثير من الحبّ والعناية والدقّة جامعاً كافة النصوص التي خطّها فانون ولم تنشر في كتب بعد – لا سيّما مقالاته الكثيرة في جريدة المجاهد التي كانت تصدرها الحكومة الجزائريّة المؤقتة – جبهة التحرير الوطني الجزائري خلال حرب 1954 -1962 التي أنهت الاحتلال الفرنسي للبلاد بعدما طال لأكثر من 132 عاماً.
ويقدّم مجموع نصوص الكتاب صورة بانوراميّة عن فكر فانون وتطور كتاباته عبر سنواته الثوريّة الفائرة، ويضعها من خلال مقدّمة محترفة في سياقها التاريخيّ والاجتماعيّ. ورغم أصالة ظاهرة في نصوص فانون فإن الرّجل كان أثناء دراسته الجامعية في الطبّ النفسيّ قد تشرّب أعمال هيغل، نيتشه، ماركس، فرويد ولاكان وسارتر، وتظهر آثارها جليّة في طريقة تحليلة ونظرته إلى طبيعة الصراعات البشريّة بل وحتى طريقة التعبير. وقد تفاعل فانون بنشاط فائر مع الجماعات اليسارية والمناهضة للعنصرية وتأثر بأفكار الحركة الوجودية. وقد كتب أيضاً ثلاث مسرحيات، اثنتان منها بقيتا على قيد الحياة واسترجعا في هذا الكتاب باسم “العين الغارقة” و”الأيدي المتوازية” وفيهما روح وجوديّة ظاهرة.
وإذا كان مجلّد “الاغتراب والحريّة” لا يكشف جوانب جديدة بشأن فانون يمكن أن تعيد تصنيف الرّجل أو تدفعنا لقراءته في سياق جديد، فإنّه مع ذلك يوفر نوعاً من اكتمال لتجربة هذا الثوري الشجاع – قمر الحريّة الأسود الجميل الذي رحل باكراً، ويقدّم وحدة فكره وتماسك نظريته الثوريّة.
ويضمّ المجلد ثبتاً بقائمة الكتب التي وجدت في حوزته، وفيها إشارات تظهر اهتمام المتعطش بالماركسية والتحليل النفسي والفلسفة الوجودية والأدب الغربي إلى حد كبير. وفي المجلّد أيضاً تسجيل للأجزاء التي أبرزها فانون في هذه الكتب وتعليقاته الخاصة عليها، الأمر الذي يطرح ربطاً مثيراً بين أفكاره ومصادر تكوينه الفكري والأيديولوجيّ.
يرفض فانون البهلوانيّات الليبرالية الفرنسية لتجميل وتلطيف الحكم الاستعماري باعتبارها محاولة عبثيّة محكوم عليها بالفشل، ويدين اليسار الغربيّ – وبخاصة الفرنسي – لتقاعسه عن دعم استقلال الجزائر دون قيد أو شرط، ويتهمه بالترويج لـ “الحلول الوهمية” الخادعة بينما بالنسبة للشعب الجزائري فإن “النظام مدان في كتلة واحدة”. ومع ذلك، فقد وقف فانون ضد أي “كراهية مستقبلية للرجل الأبيض”، والقوميّات الضيقة وسياسات الهوية القائمة على الاستياء والكراهية، وحث رفاقه الجزائريين دائماً على “إبعاد كل العنصرية عن أرضنا، وكل أشكال القمع ودعاهم للعمل من أجل الإنسان وإثراء الإنسانية”.
وتزيل رسالة فانون الموثّقة الكتاب إلى المفكر الإيراني علي شريعتي شبهة طالما ألقيت عليه باعتباره من أنصار الأسلامويّة، لكنّه يقول بشكل قاطع بأن إحياء العقليات الطائفيّة والدينيّة يعوّق آفاق التحرر الإنساني ووحدة الشعب المضطهد، ذلك رغم تفهمه للدّور الإيجابي الذي لعبه الإسلام تحديداً في حماية الهويّة الوطنيّة للجزائريين في مواجهات سياسات الفرنسة القاسية.
يتم ترتيب كتابات فانون في هذا المجلّد (حوالي 800 صفحة) في ثلاثة أجزاء، بدءا من أعماله المسرحية في وقت مبكر — وبعضها كان يعتقد حتى الآن أن تضيع إلى الأبد. ويلي هذه كتاباته النفسية ثم كتاباته السياسية، التي تركز بالطبع بشكل رئيسي على الحرب في الجزائر. والأخيرة كانت لا تزال تتمتع بسطوتها وعلّو صوتها في وجه المحتلين.
لقد تغير العالم كثيرا منذ عام 1962، فسقط جدار برلين وانهار الاتحاد السوفياتي، وتنافس الصين اليوم على مرتبة أكبر اقتصاد في العالم، وظهرت بوادر قويّة لتفكك الاتحاد الأوروبي أو تحوّله تدريجيّاً إلى ناد ألمانيّ بعدما ألقيت باليونان إلى سجن القروض المؤجلّة وقررت بريطانيا التوجه غرباً عبر الأطلسي، فيما أثارت تحركات الأقليّة السوداء في الولايات المتحدة قلق الجميع. ومع ذلك لا تزال نظريات فانون الثورية وتطبيقاتها في (ما بعد الكولونياليّة) تتردد صداها اليوم، ليس فقط في المستعمرات السابقة حيث تشكل النّدوب العميقة لفترة الاحتلال والعنف المستمر للاستعمار و الكولونيالية الجديدة والديكتاتورية والاغتراب والفقر، والبطالة والأمية وانحلال البنية التحتية والعداوة بين الأعراق والتعصب الديني صراعا يومياً، ولكن أيضا في قلب الإمبراطوريّة الأمريكية، حيث هذه القوى والديناميات نفسها تدفع الأجندة الإمبريالية العالمية لإثراء النخب المهيمنة على حساب الأكثريّة.
كانت الماركسية جزءًا كبيرًا من الهواء الذي تنفسه فانون خلال سنوات تكوينه في مسقط رأسه في المارتينيك في صحبة أشخاص مثل الشاعر الثوريّ إيمي سيزير، وكذلك خلال السنوات التي قضاها في فرنسا وارتباطه بأشخاص مثل هنري جانسون، وجان بول سارتر، وكذلك بعض تيارات اليسار داخل جبهة التحرير الوطني الجزائرية. ويقتبس فانون ويعيد صياغة ماركس بحرية في كتاباته، وحتى عنوان كتابه الأسطوري الأخير “الملعونون في الأرض” الذي أملاه عندما عرف أنه على موعد مبكّر مع الموت قد أخذ من مقطع في النشيد البروليتاري للأممية الشيوعية العالمية. ومع ذلك، فإن الماركسية لم تكن لتمنعه عن التفاوض بفاعليّة مع مفكرين آخرين ويربط ممارسته الثوريّة بهم لا سيّما هيغل. وقد مال فانون كذلك إلى الاعتقاد بأولويّة فئة الأمة في السياق السياسي للاستعمار على فئة الطبقة، وأن الفلاحين قد يكونون الأكثر ثورية من البروليتاريا في حد ذاتها في إطار الهيكل الاجتماعي الاقتصادي للمجتمعات الأفريقية/الكاريبية. ولذا يمكن الزّعم بأن فانون كان لا يزال يبحث عن صياغة متماسكة لماركسيّة ترتبط بظروف الاستعمار الكولونيالي قبل أن يقطع الموت سعيه النبيل، وأن مشروعه ما زال مفتوحاً وينظر العقول الثوريّة والإرادات الحاسمة لتأخذه إلى منتهاه.
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org