نشرة “كنعان”، 13 سبتمبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6628

في هذا العدد:

النقد مزاوجة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة والنظرية أو مواصلة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة إلى النقد النظري 

(1)، عادل سماره

  • التنكُّر لمشروع عربي هو استدخال للهزيمة

مجدداً عن العبقري المثقف المشتبك فرانز فانون، عادل سماره

نقلة روسيّة تجاه كوريا الشماليّة تقلق واشنطن، سعيد محمّد

✺ ✺ ✺

النقد مزاوجة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة والنظرية أو مواصلة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة إلى النقد النظري

(1)

التنكُّر لمشروع عربي

هو استدخال للهزيمة

عادل سماره

قال أحدهم:​

“أرى العنقاء تكبُرُ أن تُصادا………..فعاند من تطيق له عنادا

وما نُهنِهتُ عن طلبٍ ولكن………… هي الأيام لا تُعطي قيادا”

النقد هو رفض والرفض أعلى من تمرُّد أو غضب. الناقد الحقيقي واسع الاطلاع لأن أخلاق النقد أن تعرف ثم تنقد سواء بالإيجاب والرفض أو النسف ومن ثم التجذير. والنسف مهم هنا لأنه يستغرق دور السلاح ودور الفكر. هو نقل وضعٍ من حالة إلى نقيضها الأعلى والأرقى.

والنقد ليس التشكي، وليس ما يسمح به اي نظام لأنه سيكون حينها نقداً مخصياً يندرج في نطاق “حرية التفكير” اي ضمن حدود تفرضها السلطة وليس ضمن التفكير الحر أي الذي لا يتقيد بقرار وزير الثقافة أو التعليم وغالباً ما يكونا موظفَيْن غبيين لأن الغبي هو الذي يرضى لنفسه دوراً شُرطياً على الفكر. لذا، قتَل الفقهاءُ الحلاج. ونجد اليوم سلسلة من الفقهاء يبتلعون تاريخنا ويتقيؤونه طائفياً فلا يفقهون بأنهم مطايا لأعداء العروبة وربما هم هكذا بوعي كمثقفين عضويين للطائفيات السياسية!

إذا صحَّ قولنا بأن : “الأساس أن تبدأ وطنياً” ومن ثم يمكن أن تنحو منحىً قوميا تقدميا، إشتراكيا ، شيوعيا، سلفياً، وجودياً ما بعد حداثي…الخ، ولكن إذا كانت قاعدتك الوطنية صُلبة، حتى لو مررت بالتغربن والتخارج والدين السياسي والشوفينية والوجودية وحتى تغنيج الصهينة…الخ، فإن وطنيتك ستعيدك إلى القاعدة الأصل.

أهمية أن تبدأ وطنياً كامنة في قرار مبكر ب.ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة وقد يكون ذلك قبل وعي عميق فكرياً وبالطبع سياسياً وهذا حال كثيرين. وأن تبدأ وطنياً فهذا يعني أن تبدأ طبقياً في غالب الأحيان بمعنى أن الوطن هو للأكثرية الشعبية صاحبة المصلحة المادية والثقافية والنفسية في التطور والكرامة لأن هذه الأمور هي الترجمة الحقيقية للوطنية. وفي طور ما تجد نفسك أممياً ايضاً. وقد تعي هذه الأمور باكراً أو لا تعيها. فقبيل الوعي تكن كما قال ماركس “موجود في ذاتك” ومع الوعي تغدو “موجودا لذاتك” والذات هنا مقصود بها الطبقة التي أنت منها وتناضل من أجلها، بوعي سياسي، اي الأكثرية الشعبية.

لكن هناك برزخ لا بد من اجتيازه كي لا يبقى المرء كأهل الأعراف اي ما بين الجنة والنار. يتمظهر البرزخ في كيفية وآلية الانتقال من الموجود في ذاته إلى الموجود لذاته؟ ما هي الآلية وهناك عموماً وجهتي نظر:

الأولى: رأى بعض المفكرين بأن الطبقة العاملة أو الطبقات الشعبية تتلمس طريقها للثورة والتغيير معتمدة على تجربتها ووعيها الذاتي دون حاجة للحزب.

وترى الثانية أن الحزب ضروري من أجل وعي ممنهج واختصار للطريق وتقنين الجهد والزمن.

وأعتقد أن تأصيل الوطنية والنظرية والفكر هي أنجح في حالة دور الحزب مما هي في الحالة المنفصلة عن الحزب. وهنا أنتقد الذين يقولون “لا يوجد مشروع عربي” ويتكؤون على هذا ليمحضوا الولاء لمشاريع غير عربية اي ضد عروبية. إنهم بهذا يُعفون أنفسهم من إقامة أو قيام حزب عروبي يناضل من أجل مشروع عروبي. لأن الصحيح هو العمل لإقامة الحزب وليس التوقف عند ما يزعمونه أي عدم وجود مشروع عربي بل عروبي.

ذات يوم قال لي رفيق: “… كنا في الجبهة الشعبية في معتقلات الاحتلال اثناء انتفاضة 1987 وكان معنا شباباً جاهزين للاستشهاد الفوري لكنهم يرفضون قراءة صفحة واحدة”!

وهذا ذكَّرني بتجربة لي مع أحد فصائل اليسار وكنت المسؤول التنظيمي حينها حيث كانت القيادة في الشام تكتب لي نقداً: “أنت تتعامل مع الوضع خارج السجن كأنه مدرسة كما كنت تعمل داخل السجن”!

هذه الشواهد تشير إلى الميل نحو الأداء العملي/الإرادوي فقط، وهذا مهم ولكنه لا يعيش طويلا وخاصة في شروط الهزيمة حيث يصل كثيرون إلى قرار: “أُنجُ سعد هلك سعيد”!

لن آخذك عزيزي انت أو هي إلى ما كتبته عديد المرات عن استدخال الهزيمة، وخاصة في كل من كتابَيْ: “ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة” (2012)، أو كتابي الحديث “في نحت المصطلح وتحرير المعنى” (2023)، ونشرت تعريف هذا المصطلح في صفحتي هذه وفي موقع كنعان الإلكتروني.

وبإيجاز، استدخال الهزيمة يعني أن يفكر المرء وينطق ويكتب ويحاجج بشكل مهزوم اي مستسلم، وطالما يكتب ويحاجج فهو لا يستدخل الهزيمة فقط في ذاته بل يتحول بها إلى ذاته أي إلى الناس فيصبح آلة ترويج للهزيمة. فاستدخال الهزيمة هي نظرية في الثورة وضد الثورة المضادة.

أعترف لكم أنني لست شديد الترتيب، لذا لا أذكر متى صغت هذا المصطلح للمرة الأولى!

لكن ما حفَّزني على الكتابة مجدداً عن هذا المصطلح أمران:

الأول: كنت قد فقدت كتابي “الديمقراطية والإسلام السياسي واليسار” مع أن دار النشر طبعت منه ألف نسخة. وأنا طبعاً في العادة آخذ بعض النسخ للإهداء، أما معظم كتبي فأطبعها على نفقتي ومع ذلك لا أُعوَّض حتى بكلفة الطباعة.

قبل شهرين كتبت في صفحتي من يتوفر لديه كتابي هذا أرجو أن يخبرني وطبعاً ساقوم بنسخه وإعادته له.

كتبت لي د. سوسن مروَّة وهي رفيقة وصديقة وشهدت بالحقيقة لصالحي في المحكمة بخصوص التطبيع وجماعة دولة مع المستوطنين رغم التهديد. فكتبت لي أن هناك نسخة في المكتبة العامة لمدينة البيرة. فاستعرت النسخة أمس وصورتها وسأنشرها بي دي اف.

انتبهت أن الكتاب مطبوع عام 1994 اي بعد بضعة أشهر يصبح عمره ثلاثون سنة. وخلال تصفحي لأرى كم تقدمت أو تراجعت فكريا، وجدت عنوان استدخال الهزيمة في الكتاب (أنظر الصورة” وهذا يعني أنني صغت المصطلح قبل ذلك التاريخ.

ولهذا الكتاب قصة.

ففي عام 1993 عُقد مؤتمر عن الديمقراطية في جامعة بيت لحم وطُلب مني تقديم ورقة كوني من خارج الجامعة، واعتقد أن د. مناويل حساسيان هو الذي نظَّم المؤتمر.

وبعد أن قدمت ورقتي جاءت إحدى المحاضِرات، لا أذكر اسمها وهي من إحدى عائلات بيت لحم، لكن اذكر انها أنيقة وجميلة جداً:

قالت: لماذا لا تقدم طلباً للعمل عندنا؟

قلت: بابتسامة خفيفة، وهل تَموني على ذلك؟

قالت: طبعاً، هذا لصالح الجامعة.

وعدتها أن أفعل دون أن اشرح فقد تعبت من شرح الاضطهاد وصرت حريصاً على أن لا أُتهم بأنني أمثِّل دور الشهيد. ولكن لفت نظري بجانبها امرأة جميلة ايضاً تخلل شعرها شعر ابيض لا أدري هو بداية مرحلة عمرية جديدة أم “تونيس من مُونَّس أو صبغة مِيْش” للشعر كما يسمونه في علم التجميل وطبعاً عناية خبيرة تجميل.

ومباشرة فهق في ذهني من هي:

قلت: أنت ديانا!

قالت: والله ذاكرتك قوية.

ديانا رايتها مرة واحدة عام 1973 حيث أحضرت لي البرنامج السياسي لإحدى الفصائل مكتوب على ملحفة لحاف بيضاء على الوجهين وهي كانت لففتها على جسمها عند دخول الجسر من الأردن.

أما الأمر والثاني: وهو الأهم والجاري اليوم حيث ينتشر “استدخال الهزيمة” بين كثير من المثقفين والمناضلين العرب والفلسطينيين وخاصة اليسار بأنه: لا يوجد مشروع عربي.

وكثيرون منهم يقصدون الرد على تركيزي: على وجود ووجوب إيجاد مشروع عروبي. أما دفاعي بأنه لا فخر ابداً غياب هذا المشروع.

أنا بدوري أعتبر تمترسهم وراء هذا التبرير سواء دقيقاً كان أم زائفاً أحد أنماط استدخال الهزيمة.

بل إن البعض منهم ليس حيادياً في استدخال الهزيمة بل يذهب إلى البحث عن ولاء إقليمي أو دولي!

لذا، هناك ولاء عرب ومنهم فلسطينيون لأمريكا، وللكيان ولتركيا وللصين ولإيران ولروسيا … الخ ولكن يتضاءل الولاء العروبي بهدف أن يغيب!

وهنا تكون المعضلة بمعنى أن هذه الانتماءات حتى لو شكلية ولفظية هي إيكال أمر الوطن الكبير لهذا السيد أو ذاك. وبالطبع يدفع كل سيد باتجاه أن يكون هو السائد اعتمادا على من ولَّوه عليهم.

والسؤال: ألا يعلم هؤلاء جميعاً بأننا نعيش عصر الدولة القومية، اي الدولة التي تمثل مصالح أمتها بوضوح وفي أفضل الأحوال تتفضَّل على حليفها الضعيف بما تراه مناسباً له أو ما تتعفف عنه لصالحه على أن يبقى هو الأدنى. وهذا وحده كافٍ لنقد كافة الأنظمة القطرية العربية لأنها تضع كل قطر ملحقاً بسيد أجنبي. لا توجد ترجمة للولاء السياسي والثقافي المتخارجين سوى هذه.

ولذا، أركِّزُ على وجوب التصدي لهؤلاء بدحض الفكرة بالفكر والموقف بالموقف.

وبالطبع، يكون الفضاء مفتوحاً لمن يجادل، وليس شرطاً أن نرد على من يجادل سواء بالحكمة أو بالحقد أو بالصراخ.

أمثلة:

 1- كتبت مؤخراً تغريدة صغيرة عن الشاعر المذيع زاهي وهبه، بمعنى جيد أنك عُدت لبرنامجك، لأن برنامجه كما افهمه تأكيد الثقافة العروبية من باب الفن والغناء والموسيقى…الخ فانبرى البعض يهاجمه من باب انه هاجم الرئيس اللبناني الوطني إميل لحُّود. وبالطبع وطنياً هذا خطئ، ولكن لا ندري في اي سياق. فربما كان ذلك كي يحافظ على وظيفته. وما أكثر من هاجموا الرئيس اللبناني الأخير ميشيل عون لأنه كان قريباً أو حليفاً من عراق الشهيد صدام حسين، ثم أيدوه جداً بعد أن تحالف مع حزب ذي العمامة! ولم يُسائلوا انفسهم!

وهنا أتحدى كل محترف المزايدات: هل تفعلها وتخسر وظيفتك؟ الواجب أن نفعلها، ولكن ليس شرطاً أن يفعلها الجميع. أنا فعلتها طوال عمري لكنني لا أُزايد على أحد.

2- كتبت مقالة قصيرة عن المناضل/المفكر الأسمر من مارتينيك فرانز فانون، فانبرى كثيرون يشككون فيه من باب أنه تعاطف مع اليهود. وهو لم يفعل بل تعاطف مع ضحايا المحرقة واستنتج البعض: بما أنه تعاطف مع المحرقة، فهو إذن ضد الفلسطينيين! عجيب، أتعرف يا هذا عدد الفلسطينيين الذين انحازوا علانية بالموقف والصوت والصورة والكتابة لصالح الكيان!

3- كتبت قبل عامين مقالاً عنوانه: “كيف لو انتصرت عائشة على عليْ”. ومضمونه واضح من باب لو حصل هذا كيف سيكون تأثيره على وضع المرأة العربية. وهنا اشتعلت الهجمة وذهبت حد الإسفاف من باب: كيف يمكن مقارنة عائشة بعلي؟ يا لطيف! ولِمَ لا! بل من حقنا مقارنة اي شخص عادي بعلي أو بماركس أو بناصر أو تشافيز…الخ. ومعظم هؤلاء ماركسيين، اي يفترض أن يكونوا مع حق المرأة في التمكين والمساواة وحتى التحرر.

ذلك كي أكتشف بأن شيوعية هؤلاء هي شيعية طائفية سياسية متذيِّلة لأنها لا تناضل كما أنها ليست علوية فعلي والحسين لم يكونا شيعيين قط ولا عائشة سُنية.

وأترك للقراء هم/هنَّ استنتاج ما يرون.

ومن حيث النقد، تربيت على النقد وإن سبق ذلك أنني وُلدت وعشت مناخ ا.ل.م.ق.ا.و.م. ة، ولا تكبُّرا بل شرفا وتشرُّفاً.

✺ ✺ ✺

مجدداً عن العبقري المثقف المشتبك فرانز فانون

عادل سماره

بداية أتسائل: لماذا يستخدم كثيرون مصطلحاتي مثل “المثقف المشتبك، أو استدخال الهزيمة” ولا يذكرون صاحبها، وهذا السؤال ليس عن ثمن بل عن أخلاق علمية، فحتى البرجوازيين يذكرون صاحب الفكرة! إذا رد البعض بأنها ليست هامة، فلا باس، عليه أن لا يستخدمها وبغير هذا هو يسرقها.

شاهدت وسمعت كثيراً من الهجوم ضد فرانز فانون بأنه مؤيد للصهيونية وبأنه ضد فلسطين. وحين عجز بعضهم عن توفير اي نص للرجل كما زعم تحول للقول: ” لأنه لم يتحدث عن فلسطين، فهو ضدها!​

لا داع للرد على هذه وتلك سوى بكلمة أن وراء هؤلاء حقداً على عادل سماره، فبعضهم لم يسمع اصلاً عن فانون. إن الحقد سموم وليس شهداً!

 ولكن،

تذكرت منتصف السبعينات حينما كنت أُدعى لمحاضرات في بعض الجامعات من مجالس الطلبة أو أحد النوادي جمًّعت فصائل وأحزاب فلسطينية مجموعة من الشباب المعبىء بالكراهية كي يسألوا أسئلة تافهة.

مضت الأيام وكبر الشباب وتعلموا ووصل بعضهم الدكتوراة.

ذات يوم التقيت مع أحدهم محاضر في الفلسفة في جامعة بير زيت، وقال: “والله يا دكتور كانوا يرسلوننا فقط للتنكيد عليك”.

وماذا بعد! خدمة فلسطين لا تتأتى بالحقد والكذب والجهل ومحاولة التعالُم ولا سيما في عمر متأخر.

فرانز فانون جزء اساسي من تجربة الجزائر جوهرة القتال والتحرر العروبيين. من ينكر هذا عليه أن يعلم أنه:

·        يقوم بحجب الاستفادة من تجربة الجزائر بغشاوة من الكذب

·       والأخطر هو يخدم تيار جديد في ثوب تقدمي والذي وصل إلى قناعة “لا يوجد مشروع عروبي “

·       أي لنعتمد على حلفاء وأصدقاء.

أختم بالتذكير بأن هؤلاء يكررون ما كتبه الراحل محمد حسنين هيكل بأن: العرب عبر تاريخهم وحاضرهم لم يحاربوا ولذا يبحثون عن من يحارب عنهم.  في كتابه الانفجار قصة حرب يونيو 1967 القاهرة مركز الاهرام للترجمه والنشر 1990 ص 803.

وقد رددت عليه في كتابي “دفاعاً عن دولة الوحدة: إفلاس الدولة القطرية ” الذي خصصته عام 2004 للرد على محمد جابر الأنصاري الذي خصص كتاباً لتبرير الدولة القطرية ونشره مركز دراسات الوحدة العربية/بيروت. ورد ردي على هيكل في ص ص 161،62،63.

وقد نشره الرفيق سعيد سيف/عبد الرحمن النعيمي في بيروت عن دار الكنوز الأدبية.

طبعاً أهديت الكتاب للعراق الذي جرى ذبحه عام 2003

✺ ✺ ✺

نقلة روسيّة تجاه كوريا الشماليّة تقلق واشنطن

سعيد محمّد

يبدو أن رقعة لعبة الشطرنج التي افتتحها الأمريكيّ في أوكرانيا آخذة بالتوسع، فبعد الخطوة الأمريكيّة الأخيرة في اجبار حليفها في المحيط الهادىء اليابان وكوريا الجنوبية على الشروع في خطوات للتّعاون العسكريّ تحت المظلّة الأمريكيّة، جاءت النّقلة الروسيّة باتجاه جمهوريّة كوريا الشعبيّة الديمقراطيّة (الشماليّة)، حيث يتوقع أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الكوريّ كيم جونغ أون على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك – أقصى شرق روسيا – الذي يبدأ الأحد، لإجراء مباحثات حول سبل توسيع آفاق التعاون العسكريّ والاقتصاديّ بين البلدين، وفتح السوق الروسيّة أمام المنتجات الكوريّة من الأسلحة.

استبق رئيس جمهوريّة كوريا الشعبيّة الديمقراطيّة كيم جونغ أون لقاءه المتوقع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي السنويّ في فلاديفوستوك – أقصى شرق روسيا – الذي يبدأ الأحد بسلسلة زيارات تفقديّة له شملت خمسة مصانع تنتج الأسلحة في بلاده وذلك خلال أسبوع واحد الشهر الماضي. واغتنم الزعيم الشاب لقاءاته بالمهندسين والعمال لحثّهم على تعظيم الجهود لزيادة طاقة مصانعهم الانتاجيّة، وتحديث منتجاتها دوريّاً. وشملت الجولة التي استعرضها وسائل الإعلام المحليّة بكثافة لافتة مصانع تنتج الصواريخ الباليستية، ومحركات الدرونات، كما القذائف الصاروخيّة، ودشن غواصة قادرة على إطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية. ومن المعروف أن كوريا الديمقراطيّة أسست رغم الحصار الغربيّ الخانق قاعدة صناعيّة رفيعة المستوى تنتج إلى جانب المواد الاستهلاكيّة والصناعيّة مروحة عريضة من معدات القتال التي تبدأ من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ولا تنتهي بالبنادق الهجومية، ناهيك عن تطويرها قدرات نووية من شأنها حماية البلاد من التهديد الأمريكيّ المستمر عبر الحدود مع الكيان الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة جنوب شبه القارة الكوريّة، كما ذلك التواجد العدوانيّ المكثّف للبحرية الأمريكيّة في الإقليم.

وتقول مصادر استخباراتية أمريكيّة أن السجاد الأحمر قد فرش في المحطة على الحدود بين روسيا وكوريا، وقد يصل القطار الرئاسي للزعيم كيم إلى فلاديفوستوك يوم الإثنين أو الثلاثاء على أبعد تقدير، لكن المصادر الروسيّة والكوريّة ما زالت تتكتم عن التفاصيل. وكان الرئيس الكوري قد استقل القطار ذاته في رحلته الشهيرة عام 2019 إلى فيتنام، حين التقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الشطر الجنوبي من كوريا حينئذ مون جاي إين. ونادراً ما يغادر الزعيم الشيوعيّ بلاده، لكنّه عندما يفعل فإنّه يلتقي قادة دول عظمى. 

وإذا تحقق هذا اللقاء مع الرئيس بوتين فسيكون بمثابة تتويج لمسار انطلق منذ بعض الوقت في أعقاب زيارة قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى العاصمة الكوريّة بيونغ يانغ في يوليو/ تموز الماضي، زار خلالها بمعية الرئيس كيم معرضاً للأسلحة شمل درونات قتالية، وطائرات استطلاع، وأحدث جيل من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ولاحظت وسائل الإعلام أن شويغو اصطحب معه إلى هذه الزيارة الجنرال أليكسي كريفوروتشكو، نائب وزير الدفاع الروسي المسؤول عن المشتريات العسكرية. وتعهد شويغو في ختام زيارته تلك “بتعزيز التعاون” بين البلدين، كما صرّح الأسبوع الماضي بأن موسكو تدرس ضمّ كوريا الديمقراطيّة إلى مناورات بحريّة مشتركة مع الصين، وهو أمر غير مسبوق.

وكان الرئيسان بوتين وكيم قد التقيا سابقاً – في مدينة فلاديفوستوك أيضاً – قبل أربع سنوات (2019)، ولقاءهما الحالي هو الثاني فحسب. ودعم الاتحاد السوفياتي السابق كوريا تقليدياً، وأصبحت روسيا في عهد بوتين حليفاً موضوعيّاً، لكن الصراع الروسي الأمريكي الأخير على الأرض الأوكرانية، والعقوبات الواسعة المفروضة على البلدين قربت بين القيادتين.

واستقبلت أنباء هذا اللقاء بقلق بالغ في الولايات المتحدة التي تخشى من تعمّق التحالف الثلاثي الروسي الصيني الكوري على نحو يقول الأمريكيون أنّه “يعقّد الوضع الأمني ليس في شبه الجزيرة الكوريّة والجوار، بل وأيضاً في أوكرانيا” حيث مواجهة عسكريّة مستمرة منذ أكثر من سنة ونصف بين روسيا ونظام كييف دمية حلف شمال الأطلسي (النّاتو).

ولم تفصح المصادر الروسيّة أو الكوريّة بعد عمّا يمكن أن يترتب عليه هذا التقارب المتعاظم تحديداً، لكن الخبراء يقولون بأن هنالك فرصاً عديدة لتبادل اقتصادي وعسكريّ واسع بين البلدين. ويمكن مثلاً لبيونغ يانغ أن تقدم الذّخيرة بأنواعها، لا سيما قذائف المدفعيّة، وقاذفات صواريخ متعددة المدى، والصواريخ الباليستية القصيرة المدى، بالإضافة إلى محركات الدرونات، وهي أسلحة تستهلك منها القوات الروسيّة كميّات هائلة خلال عملياتها ضد القوات الأوكرانيّة. وفي المقابل، يمكن أن تتوسع موسكو في تصدير الحبوب والنفط والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة إلى بيونغ يانغ، فضلاً عن إمكانية الدّفع لها بالعملات الصعبة.

وكما يستشف من تصريحات مسؤولين وخبراء أمريكيين فإن واشنطن قلقة بالفعل من إقدام الرّوس، في إطار المنازلة المتسعة لحظياً مع حلف الناتو، إلى تزويد الكوريين بتقنيات عسكريّة متقدمة تتجاوز نطاق صفقات الأسلحة التقليديّة والغذاء والطاقة، لتشمل تكنولوجيات نوعيّة مثل أقمار الاستطلاع العسكريّة، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، والطائرات المقاتلة.

ولا يخفي الكوريّون رغبتهم في توحيد بلادهم بطرق سلميّة، ولا يمنع ذلك سوى الوجود العسكري الأمريكيّ المكثّف في الجزء الجنوبيّ من شبه الجزيرة منذ التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الكوريّة عام 1953، وهيمنة المخابرات الامريكيّة على النّخبة التي تدير شؤون الكيان الجنوبي في سيئول. ولا شكّ أن مزيداً من المنعة الاقتصادية والعسكريّة التي يمكن بناؤها عبر التعاون مع موسكو ستقوي أوراق بيونغ يانغ الاستراتيجيّة في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والدّول التي تدور في فلكها في تلك المنطقة من العالم، وبالذات كوريا الجنوبية، واليابان.

وعلى خلاف بقية حلفاء موسكو، فإن بيونغ يانغ صريحة في تأييدها العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا، واعترفت بالجمهوريات الشعبيّة في لوهانسك ودونيتسك، وأيضاً بانضمامهما لاحقاً للاتحاد الروسيّ، ويعتقد أنها شحنت أسلحة تضمنت صواريخ محمولة من المشاة وصواريخ قصيرة المدى إلى قوات مجموعة فاغنر التي كانت تمشط مدينة باخموت الاستراتيجية قبل تحريرها بالكامل من القوات الأوكرانيّة.

وكانت الولايات المتحدة قد استدعت في أغسطس/ آب الماضي كلاً من رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول إلى قمة ثلاثية في منتجع كامب ديفيد على هامش الذكرى السبعين لتوقف العمليات العسكريّة في الحرب الكوريّة، ودفعتهم إلى الموافقة على إعلان مشترك للنوايا تضمن فتح أبواب التعاون العسكريّ بين الجانبين بعد عقود طويلة من المرارة المتبادلة بسبب الجرائم التي ارتكبها الجيش الياباني إبّان احتلاله لكوريا خلال النصف الأوّل من القرن العشرين. وتتواجد قوات أمريكيّة في قواعد متعددة عبر أرخبيل الجزر اليابانية والشطر الجنوبي من شبه القارة الكوريّة، وشرعت واشنطن مؤخراً بإجراء مشاورات مع الطرفين بغرض نقل أسلحة نووية إلى أراضيهما.

وتعليقاً على اللقاء المرتقب للزعيمين بوتين وكيم، نقلت وسائل إعلام أمريكيّة عن أدريان واتسون، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكيّ، حثّه الجانب الكوري على “وقف مفاوضات الأسلحة مع روسيا”. وزعم جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي بإن “(الزعيمين) بوتين وكيم تبادلا رسائل قبل هذا اللقاء تعهدا فيها بالعمل على تمتين أصر التعاون بين البلدين”. وقال المسؤول الأمريكي المطلع على تقارير الاستخبارات للصحافة إنه يعتقد بأن “الروس بحاجة ماسّة إلى إمدادات ضخمة ومتكررة من ذخائر المدفعية والصواريخ قصيرة المدى لاستخدامها في أوكرانيا، أضافة إلى مكونات صناعية ومواد خام تحتاجها بشدة الصناعات الدفاعية الروسية.”

على أن تقارب موسكو – بيونغ يانغ المتعاظم هذا لا يبدو مرحباً به بحرارة في بكين. ويقول مراقبون غربيّون إن الصين التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كلا الطرفين الروسي والكوري لا ترغب في أن يكون إقليم شرق آسيا مسرحاً لمزيد من التّصعيد ضد الغرب. ويحاول الصينيون الاحتفاظ بعلاقات وديّة قدر الإمكان مع الدّول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي لضمان استمرار التبادلات التجارية المجزية، وهم منفتحون على مبادرات أمريكيّة لتجاوز التأزم في العلاقات الثنائيّة.

::::

“الأخبار”

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org