نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في روسيا والوطن العربي والعالم
مقالات من إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
- جيوبوليتيكا مأساة ناغورنو كاراباخ
- باكو ويريفان مثل موسكو – كلها وطني
- هل نجح الغرب باشعال الجبهة الثانية في القوقاز؟
- روسيا – دروس وعبر من الحرب في اوكرانيا
✺ ✺ ✺
(1)
جيوبوليتيكا مأساة ناغورنو كاراباخ
يفغيني ساتانوفسكي
عالم إقتصاد ومستشرق روسي
سبتمبر 2023
عندما تتابع ما يحدث في ناغورنو كاراباخ ونزوح الأرمن من هناك، ببساطة تشعر جسديًا كيف يغمر الحزن الرهيب هؤلاء الناس، الذين انقلبت حياتهم كلها رأسًا على عقب.
لقد خسروا الحرب وحدثت خيانة آمالهم في أرمينيا من قبل قيادتها الحالية – تلك الحثالة الحقيرة التي نصبها الأمريكيون هناك.
أضحى الجيش الامريكي في يريفان الآن: لقد حضروا لأخذ الغنائم. وبعد كل شيء، إذا كانت غنائم باكو وأنقرة تنحصر في كاراباخ، فواشنطن – غنمت كل أرمينيا. إنهم يراهنون على تنظيفها الآن من كل شخص مرتبط بطريقة أو بأخرى بروسيا، لتجهيز أرمينيا كجسر لهم في جنوب القوقاز، ولإجلاء القاعدة العسكرية الروسية من هناك، ووضع حلف الناتو مكانها وخلق تهديد من الجنوب لروسيا.
في موازاة ذلك، سيضعون ترانسنيستريا – التي أعلنت استقلالها عن مولدوفيا – نصب أعينهم بمشاركة رومانيا وأوكرانيا ومع الأتراك سيعملوا على كازاخستان وآسيا الوسطى.
من المؤسف أننا بمساعدة سياساتنا الحالية والكوادر الحالية – المسؤولين سياسيين او عسكريين، أولاً وقبل كل شيء (لا يحسب الدبلوماسيين هنا على الإطلاق – دورهم أكثر من ثانوي الآن)، سنخسر هذه المناطق تمامًا، كما خسرنا أرمينيا، والقوقاز بشكل عام، وقبل ذلك – دول البلطيق وأوكرانيا ومولدوفيا وشرق أوروبا.
ومع الولاء القاتل للمبادئ التي أرساها غورباتشوف ويلتسين، والتي لا تزال سلطاتنا تلتزم بها، بإعلان “نهضة روسيا والنمو الاقتصادي الشامل، والدور المتزايد لروسيا في السياسة العالمية” وغير ذلك من الأمور التي تبدو ممتازة، فسوف نخسر نحن وروسيا – وهو ما يبذل الأميركيون والأوروبيون كل ما في وسعهم لتحقيق ذلك.
على خلفية كل ما يحدث، تبدو الجهود المبذولة لمنع هذا النوع من نتائج الأمور وكأنها تقليد للنشاط المحموم، وإحماء بطيء لمقاتل قديم، توقف منذ فترة طويلة عن القتال بجدية، وهو مرشح للفشل، لكنه لا يزال يتذكر الانتصارات السابقة، ويقنع نفسه أنه هذه المرة سيفوز بالمعركة ببساطة لأنه لا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، ويرسم تعبيرًا رهيبًا على وجهه بدلاً من العمل على تدمير العدو قبل فوات الأوان.
ونحن هنا لا نتحدث عن الجيش الأوكراني ولا حتى عن نظام كييف، بل عن أولئك الذين يقفون خلفهم ويستخدمونهم ضدنا. كم من العسكريين والمسؤولين والسياسيين الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم، الذين يعملون ليل نهار لضمان عدم بقاء روسيا على الخريطة، هل قمنا بتدميرهم جسديًا؟ مُطْلَقاً لا؟ تلك هي المشكلة.
نحن لا نستجيب حقًا لأي شيء يفعلونه بنا. ربما لا نستطيع، وربما لا نريد ذلك – لا يهم. إذا لم نرغب في ذلك، فعلينا طرد أولئك الذين لا يريدون ذلك، بغض النظر عمن يكونون، من جميع المناصب والمراكز – كي لا يبحروا بسعادة مع خزائنهم لمسافات طويلة، مباشرة في أحضان أعداء روسيا، الذين عملوا ويعملون لخدمتهم، مثل “اناتولي تشوبايس” وغيره الكثير، الذين خسروا كل ما اكتسبوه في الماضي خلال ثلاثة عقود، واصبحوا معزولين ولم يعد بإمكانهم إلحاق أي ضرر بالبلاد. وإذا لم نتمكن من ذلك، فعلينا أن نخلع الأغنياء والكسالى والعاجزين من جميع المناصب، ونضع في أماكنهم من يستطيع ذلك. ما لم يكن، بالطبع، قد فات الأوان للقيام بذلك، وهو أمر محتمل جدًا أيضًا. مع ملاحظة ان الأمريكان يبلون بلاء حسنا هذه الايام..
نعود للقصة مع خسارة أرمينيا لكاراباخ، وخسارة روسيا لأرمينيا وكاراباخ، وبالتالي مواقعنا في منطقة القوقاز، وفي المستقبل المنظور في جميع أنحاء دول ما بعد الاتحاد السوفياتي
ببساطة لأننا نستطيع أن نكرر لأنفسنا بقدر ما نريد عن “الخطوط الحمراء”، وكذلك عن مدى روعتنا وروحانيتنا العالية والتزامنا بالقيم التقليدية.
وما الفائدة من ذلك؟!
من غير علماء السياسة والساسة الاستراتيجيين ومخترعي هذه الصيغ الفلسفية، يمكن أن يهتم على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن كل شيء يقرره الوضع في ساحة المعركة في أوكرانيا، وماذا ولماذا يحدث هناك، ولماذا يحدث بالضبط بالطريقة التي يحدث بها ومن المسؤول عن سوء الفهم هذا، والذي كان منذ البداية أمرًا بالغ الأهمية كحرب غريبة، لا يمكن فهمه مع نصف لتر (من الكحول)، ولا بدونه.
هناك عيد في تركيا: كاراباخ استسلمت ولم تعد موجودة كدولة، معترف بها أو غير معترف بها. الباب العالي العثماني الجديد يزداد قوة… وفي الولايات المتحدة أيضًا، ويا له من إنجاز! لقد استعادوا أرمينيا منا وعززوا مواقعهم بشكل كبير في تركيا وأذربيجان وفي جميع أنحاء المنطقة.
في بريطانيا، الشعور بالنصر ليس واضحًا جدًا، لكن البريطانيين سيحصلون على حصتهم من الوضع الحالي: لقد كان بحر قزوين دائمًا مثيرًا للاهتمام بالنسبة لهم.
بين دول الاتحاد الأوروبي وكندا وحلفاء أمريكا الآخرين، ارتفعت درجة التفاؤل بشكل ملحوظ، والتي انخفضت إلى حد ما بعد الفشل الواضح لـ “الهجوم المضاد” الأوكراني.
وحتى لو فشلوا في هزيمتنا في أوكرانيا، كما أقسم زيلينسكي لرعاته، فقد فشلوا، لكننا نجلس هناك في موقف دفاعي، ونشن حرب خنادق موضعية بحكم الأمر الواقع، وهي حرب قليلة الفائدة من حيث تحقيق الأهداف – الأهداف التي حددها بوتين قبل بدء الحرب. حسنًا، ليس هناك، ولكن في منطقة القوقاز فعلوا بنا الفاحشة جميعًا…
ومن الواضح أن الأمر لن يقتصر على ناغورنو كاراباخ وأن باشينيان سيطرد جيشنا من أراضي أرمينيا وستترك أرمينيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي وجميع مشاريع التكامل الأخرى بعد الاتحاد السوفياتي والتي يبقى مركزها روسيا.
بين جميع شركائنا وحلفائنا الآخرين، تظل بيلاروسيا الدولة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها (وفقط لأن لوكاشينكو لا يستطيع بالتأكيد البقاء بدون بوتين)، فإن الوضع الحالي يثير الكثير من التساؤلات.
لا أحد يراهن على لاعب خاسر، وهنا نكرر أننا خسرنا، وسوف يكون من دواعي سرور الأميركيين والأوروبيين والأتراك أن يشرحوا لكل من يستطيعون سبب استمرار هذا الوضع. وسوف يوضحوا ذلك للمحايدين، بما في ذلك العرب والأفارقة والهند وفيتنام ودول أمريكا اللاتينية!
بينما نحن نلعب “حسب القواعد” التي لم تعد موجودة…
(2)
باكو ويريفان مثل موسكو – كلها وطني
الكسندر بروخانوف
كاتب روائي روسي مخضرم
ناشط سياسي واجتماعي
سبتمبر 2023
ناغورنو كاراباخ إحترقت بالصواريخ الأذربيجانية. الأرمن يطاردون باشينيان مثل الأرنب، وهو يقوم بقفزات مثل الأرانب نحو فرنسا أو أمريكا. يتم إرسال قتلى قوات حفظ السلام الروسية في توابيت من ممر لاتشين. تقوم الشاحنات العسكرية الروسية بنقل النساء الأرمنيات المذهولات مع أطفالهن الرضع من ستيباناكيرت. إن الخبراء رفيعي المستوى في موسكو يزرعون بذور الكراهية: بعضهم ضد الأرمن، والبعض الآخر ضد الأذربيجانيين. و انا؟ ماذا أنا بفاعل؟
أنا الابن “المر” للاتحاد السوفياتي، الذي يعتبر ريازان وكالوغا عزيزة عليه مثل يريفان وباكو. أذربيجان وأرمينيا هما وطني الأم، بغض النظر عن كيفية تقطيعهما بالفؤوس وتفكيكهما بالسكاكين. يريد السياسيون الماكرون، الذين مزقوا البلد الأحمر، أن يؤكدوا لي أن أذربيجان وأرمينيا الآن غريبتان عني. إنهم يعتقدون أنني تخليت عن وطني الأم، وانتهكت قسم الولاء، واعتبرت جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان أراضٍ أجنبية بالنسبة لي. هي ليست غريبة عني. هي محبوبتي.
لقد أعطت أذربيجان المأوى لأجدادي “المولوكان”، وعلى تلال “شيماخي” الرائعة توجد قرى مولوكان الروسية حتى يومنا هذا، هناك موطن أجدادي في “إيفانوفكا”، حيث قام الشعب الروسي على مدى قرون، جنبًا إلى جنب مع الأذربيجانيين، بزراعة الحبوب، وتعبيد الطرق ولم يجرؤ أحد على الإساءة إلى أسلافي الملتحين. أهدى الأذربيجانيون والروس بعضهم البعض قطوف العنب.
كم هي رائعة أرمينيا! ما أجمل بساتين التفاح الجبلية، التي كنت أتنقل بينها، وأنا شاب خفيف القدمين، وتسقط علي بتلات شجرة التفاح، وكان الفلاحون الأرمن ذوو البشرة السمراء ينظفون القنوات، ويقطعون الأغصان القديمة، وعندما يتعبون، يجلسون تحت أشجار التفاح، ويضعون تحتها مفرش المائدة على الأرض، ويأكلون الخبز المسطح والجبن و”التشاشا” الأرمنية الرائعة. وأنا، بينما اتنقل من قرية إلى أخرى، كانت تتم دعوتي من قبل هؤلاء الفلاحين، لقد أطعموني خبزهم، و”تشاشا” الساخنة.
وعندما نزلت من الجبل أحببت العالم كله. كان هذا العالم بالنسبة لي بمثابة أرمينيا، كنائسها الحجرية الرمادية، “بيوراكان”، حيث تتلألأ المجرات الحلزونية البعيدة في التلسكوبات. “سيفان” – هي بحيرة زرقاء لدرجة أن هذا اللون الأزرق في الليل يولد أحلامًا سعيدة.
كان الاتحاد السوفياتي حضارة عظيمة وغير مسبوقة، حيث كان كل شعب، كل لغة، كل معتقد، كل لون، كل صوت، كل تيار، كل قمة جبل، كل طائر يطير، يشكل انسجاما مذهلا وجمالا وعظمة. عاشت هذه الحضارة، وتنفست، وتطورت، وتغلبت على العيوب، ونجت من الأمراض. لقد سعت إلى الجمع بين العديد من المبادئ الأرضية في انسجام كبير، وتوجيهها إلى مستقبل رائع، إلى الجنة الأرضية، حيث كان كل شعب، كل أغنية، كل عامل وشاعر لهذا الوطن الأم العظيمة – تاج جميع الممالك الأرضية.
عندما كان الصراع الأذربيجاني الأرمني على وشك الغليان، عندما فتح جرح دموي صغير، رفض غورباتشوف علاجه وسلمه إلى “المشعوذين” المحليين. وتم العثور على هؤلاء المشعوذين بسهولة.
طرد الأرمن الأذربيجانيين من “كافان”، وهم – أطفال وشيوخ ونساء – تجولوا على طول الممر وسقطوا منهكين وماتوا. جاء الكافانيون المطرودون، المشوهون والمغتصبون، إلى “سومغيت” وارتكبوا مذبحة وحشية بحق الأرمن هناك، بدموية وبلا رحمة، مثل مذابح القرون الوسطى.
استشاطت كاراباخ غضباً، وأنشأت جيشاً جاهزاً للقتال، واستعادت سبع مناطق من أذربيجان، وفتحت ممر لاتشين إلى أرمينيا، واستفادت من ضعف “إلتشيبي” الأذربيجاني، وبدأت في بناء أرمينيا العظيمة. (التشيبي هو أول رئيس لاذربيجان 1992 – 1993)**.
لقد إختفى “إلتشيبي” وتم نسيانه إلى الأبد. وعاد حيدر علييف. وتحول نفط باكو إلى أحدث أنظمة الأسلحة، وجيش مدرب تدريباً جيداً، وبدأت معارك لم تشهدها هذه المنطقة من قبل. ذابت الدبابات واحترقت القرى وتحولت إلى رماد مع جثث السكان المتفحمة. وكانت الكراهية لا حدود لها. وفي ظل هذه الكراهية، تحول حلم أرمينيا العظيمة إلى رماد.
جاءت تركيا إلى أذربيجان مع مستشاريها، بمهاراتها القتالية المكتسبة في ملاعب تدريب الناتو. سلم الأرمن المدن ودعوا روسيا للتدخل في صراع كاراباخ.
روسيا، مع الأراضي والمدن والشعوب العظيمة التي إنفصلت عنها، مع تعرضها للإهانة والخداع والاستنزاف، عملت قدر استطاعتها وهدأت عاصفة الكراهية هذه.
لقد سقطت الجغرافيا السياسية السوفياتية العظيمة، وسقطت المركزية السوفياتية العظيمة، التي عرفت كيف تدير العديد من الأراضي والمساحات والشعوب. لقد حان وقت التفكك الذي يستمر حتى يومنا هذا.
روسيا اليوم – هي قلعة محاصرة ذات تحصينات سيئة البناء. تتكشف الآن دراما جيوسياسية روسية ضخمة. يتم إنشاء مجموعات من الدول المناهضة لروسيا على طول حدود الدولة الروسية، وتنظر إلى روسيا من خلال مشاهد مطالباتها التاريخية. لقد أصبحت شعوب الأمس الشقيقة بمثابة نقاط انطلاق للتوسع المناهض لروسيا. لقد تحول الطلاق السلمي الذي وعدنا به بوريس يلتسين إلى سلسلة من الاشتباكات والحروب الدموية.
ذبح الطاجيك بعضهم البعض في الحرب الأهلية. الدم على شفرات سكاكين قيرغيزستان لم يجف بعد. الطاجيك والأوزبك على استعداد للقتال من أجل المياه النادرة الثمينة. الطاجيك والقيرغيز على استعداد للقتال من أجل الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي. يوجد في كازاخستان المزيد والمزيد من الطرق الصينية والمصانع الصينية، ولغة روسية أقل فأقل، وأسماء جغرافية روسية أقل فأقل.
جورجيا تسعل دما. ويطير لعابها الملطخ بالدماء إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وميناء “بوتي” أصبح أكثر فأكثر ميناءً لحلف الناتو. أوكرانيا هي بمثابة مخلب دموي ضخم أطلقه الناتو على الجسم الروسي. وتقوم دول البلطيق وفنلندا بتشكيل كتائب مماثلة لتلك التي غزت روسيا خلال الحرب الوطنية العظمى، وارتكبت فظائع وحشية فاجأت حتى القوات الألمانية النازية المجرمة.
ومن خلف البحار الجليدية تهدد أمريكا روسيا بكامل قوة صواريخها بعيدة المدى. تنتظر ألمانيا بصبر حتى تعود إلى “كالينينغراد”، بعد أن ابتلعت القطعة الدهنية الدسمة (القصد توحيد ألمانيا)** التي أعطاها لها غورباتشوف، ويظهر شارع “فريدريش شتراسه” وساحة “أدولف بلاتز” في كونيغسبرغ. تزحف اليابان بصبر ودون كلل إلى جزر الكوريل وتضعها على الخرائط اليابانية.
روسيا تمر بأوقات عصيبة. وكان انهيار الاتحاد السوفياتي سبباً في انهيار روسيا، وهو ما تجلى في حربين في الشيشان وفي حماقات السيادة ـ في ياكوتيا، وبشكيريا، وتتارستان. لقد ألبسوهم سترة التقييد ( ملابس خاصة لتثبيت الذراعين، وأحيانًا الذراعين والساقين في مستشفى الأمراض النفسية)**. لقد هدأوا لكنهم لم يتعافوا. الجنون مشتعل، وفي “توبولسك” لا يجرؤون على نطق اسم يرماك (يرماك تيموفيفيتش 1532- 1585 قائد روسي من القوزاق، الفاتح التاريخي لسيبيريا وباسط نفوذ الدولة الروسية عليها في عهد القيصر إيفان الرهيب)**، وفي القوقاز – اسم يرمولوف(أليكسي يرمولوف 1777 -1861 قائد عسكري روسي ورجل دولة ودبلوماسي، شارك في العديد من الحروب الكبرى التي شنتها الإمبراطورية الروسية خاصة في القوقاز)**. أصبح الشعب الروسي في تضاؤل، والروس بصمت، غير مرئيين للعين، يغادرون القوقاز وياكوتيا وتوفا. إننا نجني ضربة الكرة الحديدية (تستعمل لهدم المباني)** التي هزها غورباتشوف وضربها يلتسين فدمرت الحضارة الروسية العظيمة. وتستمر هذه الضربة في التدحرج إلى أعماق روسيا، وفي بيوتنا الروسية نشعر باهتزاز الأرض. يتسبب هذا الاهتزاز في كسر الأطباق في بوفيهات سيفاستوبول، وتمايل الثريات في منازل بيلغورود وبريانسك.
الديك الذهبي الموجود على برج قصر الكرملين لا يتعب أبدًا من الصياح ويرفرف بجناحيه في كل الاتجاهات. روسيا تشرب كأسها المسموم بشفاه محروقة.
الشعب الروسي لديه الدبابات. هناك جنود روس لا يعرفون الخوف. هناك دبلوماسيون ذوو رؤية. وهناك رئيس. كل هذا يضاف إلى المركزية الروسية، التي هي الأساس للحفاظ على روسيا والذود عنها. إن إضعاف وتدمير هذه المركزية هو كارثة.
لم يعد رومان أبراموفيتش وأليشر عثمانوف وميخائيل بروخوروف وبوتانين وديريباسكا أعمدة الدولة التي كانوا عليها في ولاية يلتسين الموالية لأمريكا. بنك فريدمان “ألفا” ليس بنكًا وطنيًا لروسيا. لقد غادرت هذه القبيلة بأكملها روسيا، وكان مصيرها أن تحترق وتتفحم في أتون الحضارات الأجنبية. (أسماء الاوليغارشيين الروس الذين يعيشون في الغرب)**.
روسيا – وحدها مع تاريخها، وحدها مع حلمها الروسي العظيم. ليس لدى روسيا مكانا تتراجع فيه، لأن وراءها – مملكة السماء.
** ملاحظة التوضيحات داخل الاقواس متبوعة بنجمتين** تعود للمترجم
(3)
هل نجح الغرب باشعال الجبهة الثانية في القوقاز؟
هل بدأت أذربيجان حربها ضد ناغورني كاراباخ؟
بوابة lenta.ru الإخبارية
سبتمبر 2023
اشتباكات مع الشرطة في يريفان ودعوات لاستقالة باشينيان – هكذا كان رد فعل الأرمن على العملية العسكرية لأذربيجان في ناغورنو كاراباخ.
في صباح اليوم 19 سبتمبر، أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان “تدابير محلية لمكافحة الإرهاب” في أراضي جمهورية ناغورنو كاراباخ (الأرمنية) غير المعترف بها واندلاع الأعمال الحربية في المنطقة. (الحرب التي بدأتها أذربيجان يطلقون عليها “عملية مكافحة الإرهاب” لذر الرماد على العيون-المترجم).
بعد ذلك، اكتسحت يريفان الاحتجاجات الحاشدة ضد رئيس الوزراء نيكول باشينيان. يعتقد المواطنون الأرمن أن سياسته أدت إلى تدهور آخر في منطقة النزاع.
ماذا يحدث في أرمينيا؟
قام المتظاهرون في يريفان بمحاصرة الساحة المركزية للجمهورية وسدوا مداخلها. الآن يتم تعطيل حركة المرور في وسط العاصمة تقريبًا.
تجمع المتظاهرون قرب مبنى الحكومة ويحاولون اقتحامه. في مساء يوم الثلاثاء الموافق 19 سبتمبر، أصبح واضحا أن اشتباكات المتظاهرين الغاضبين مع الشرطة قد بدأت، والتي لم تسمح للمتظاهرين بالدخول إلى المبنى. وقال موقع RBC أن الحشد ألقى زجاجات بلاستيكية على مبنى الحكومة.
لماذا يحتج الأرمن ضد باشينيان؟
وصف المتظاهرون رئيس الوزراء بأنه خائن وطالبوا باستقالته. يقول المتظاهرون إن سياسة باشينيان هي التي دفعت أذربيجان إلى بدء الأعمال العدائية في كاراباخ مرة أخرى. كما أنهم يريدون تحقيق اعتراف قيادة أرمينيا باستقلال ناغورنو كاراباخ.
قام نيكول باشينيان بتحويل أرمينيا إلى بركان يغلي بالأحداث والمواجهات بين القوى الكبرى في هذا العالم، بعد أن تمكن من تحويل الانتباه حتى عن أوكرانيا.
“اليوم تتأثر المصالح الوطنية لجميع مراكز القرار، والشيء المدهش هو أن الجميع غاضبون ويتوقون إلى تغيير باشينيان بشكل سريع، وتعيين آخر مكانه،”- كما صرح ميكا باداليان زعيم حركة المعارضة الارمنية “Azatagrum” (“التحرير”).
وقد سمعت في أرمينيا انتقادات لسياسة باشينيان تجاه جمهورية ناغورنو كاراباخ واتهامات لرئيس الوزراء بخيانة المصالح الوطنية منذ انتهاء التصعيد الأخير في ناغورنو كاراباخ في نوفمبر 2020. حينها أبرمت أذربيجان وأرمينيا، من خلال وساطة الجانب الروسي، اتفاق وقف إطلاق النار، والذي بموجبه فقدت جمهورية ناغورنو كاراباخ غير المعترف بها أراضي كبيرة ظلت تحت سيطرة باكو.
يعتبر الأرمن ناغورنو كاراباخ أرضًا أرمنية في الأصل، ووفقًا لبروتوكول “بيشكيك” لعام 1994 بشأن نهاية حرب كاراباخ الأولى، فإن أرمينيا هي الضامن لأمن الجمهورية غير المعترف بها.
بالإضافة إلى ذلك، اعتبارًا من 12 ديسمبر 2022، بدأت القوات الأذربيجانية حصارًا للنقل ومرور الغذاء الى جمهورية ناغورني كاراباخ، مما أدى إلى إغلاق ممر لاتشين – قناة الاتصال الوحيدة بين الجمهورية وأراضي أرمينيا. وكان سبب استياء الأرمن هو عدم تحرك باشينيان لإنهاء الحصار.
ماذا يحدث في ناغورنو كاراباخ؟
في غضون ذلك، قال مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف إن أهداف إجراءات “مكافحة الإرهاب” التي نفذتها القوات الأذربيجانية في ناغورنو كاراباخ غير المعترف بها تقترب من نهايتها. ووعد بأن إجراءات مكافحة الإرهاب “ستستمر بطريقة مستهدفة وعلى نطاق أضيق”.
كما وافقت إدارة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على لقاء الأرمن الذين يعيشون في ناغورنو كاراباخ. وقد حددوا الشروط لمثل هذا الاجتماع. وحذرت إدارة علييف من أنه إذا لم يفعل معارضو القوات الأذربيجانية ذلك فإن المواجهة المسلحة ستستمر.
ولإنهاء تدابير “مكافحة الإرهاب”، يتعين على الجماعات الأرمينية المسلحة غير الشرعية أن تسلم جميع أسلحتها، ويجب حل النظام غير القانوني في ناغورنو كاراباخ، كما أعلنت إدارة رئيس أذربيجان.
وبالإضافة إلى ذلك، جدير بالذكر ان خسائر وقعت في صفوف السكان المدنيين في أرمينيا. ويذكر أن الأطباء لم يتمكنوا من إنقاذ شخص بالغ وطفل، زُعم أنهما تعرضا لإطلاق نار من القوات الأذربيجانية، كما أصيب أكثر من 20 شخصًا.
(4)
روسيا – دروس وعبر من الحرب في اوكرانيا
أندريه من تشيليابينسك
خبير ومحلل عسكري روسي يكتب تحت إسم مستعار
- سبتمبر 2023
مر على الحرب أكثر من عام ونصف. وليس من المستغرب على الإطلاق ظهور المزيد والمزيد من المقالات التحليلية المخصصة لدروسها . لكن قبل أن نبدأ…
فاصل هام
أود أن أشير بشكل خاص إلى أن كل ما أقوله أدناه لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على طيارينا الشجعان في قواتنا الجوية، الذين يقومون بمهام قتالية في الحرب بشرف ويخاطرون بحياتهم. وبالطبع الضباط الذين تتمثل مهمتهم في دعم الطلعات القتالية لنسورنا البواسل ودعمهم بشكل مباشر.
الأسئلة التي أطرحها في هذا المقال موجهة إلى سلطات وشخصيات عليا: أولئك الذين حددوا استراتيجية القوات الجوية للاتحاد الروسي وشكلوا برامج أسلحة الدولة وفقًا لذلك.
فهم واستيعاب الخبرة القتالية
من الواضح أن الخبرة القتالية لا تقدر بثمن. لكن أي معارف جديدة تكون مفيدة تمامًا فقط عندما يتم تعميمها وتفسيرها بشكل صحيح. وإلا فإن الدروس التي علمتنا إياها الحياة لن نستوعبها بالكامل، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى ارتكاب أخطاء جديدة ومتكررة.
اليوم، سواء في مجلة Military review بالروسية أو في المنشورات الأخرى، من السهل العثور على الكثير من المواد التحليلية المخصصة لتجربة الحرب في اوكرانيا. يتم تقييم ومراجعة وجهات نظر ما قبل الحرب حول دور وتكتيكات استخدام كل من الأنواع القديمة نسبيًا من الأسلحة، مثل الدبابات والمدفعية، والأحدث، مثل الطائرات بدون طيار الهجومية “لانسيت”. ومن المستحيل حساب عدد الآراء التي يتم التعبير عنها في التعليقات على مثل هذه المقالات.
لسوء الحظ، يرتكب العديد من المحللين والمعلقين خطأً كبيراً للغاية: فهم ينظرون إلى العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة الروسية ضد الجيش الأوكراني كنموذج للحرب الحديثة ونموذج أولي للصراعات العسكرية المستقبلية.
ولكن هل هذا صحيح؟
قليلا من التاريخ
منذ القدم، كانت المناورة إحدى أكثر الوسائل فعالية لتحقيق النصر في الحرب. وكان هذا هو الحال، على سبيل المثال، خلال الحروب النابليونية. هناك قصة معروفة عندما قام أحد رجال البلاط بالثناء على الإمبراطور الفرنسي في حضوره لقدرته على هزيمة عدو متفوق بعدة مرات عدة وعديدة.
عند ذلك، ذكر نابليون أنه لم يفعل شيئًا كهذا أبدًا، وأن انتصاراته كانت دائمًا مبنية على التفوق العددي: إذا كان جيش العدو متفوقًا على الفرنسيين في القوة، فإن نابليون إما انه عمل على هزيمة العدو على مراحل، أو عمل على تحقيق تفوق عددي موضعي في النقاط الرئيسية للجبهة، وفاز إعتمادا على هذا.
كما فاز سوفوروف بالمناورة (1730-1800). لقد ظهر حيث لم يكن متوقعًا، وكان بامكانه بسهولة مهاجمة قوات العدو المتفوقة، معتمداً على المفاجأة والضغط، مما لم يترك للعدو وقتا لتحقيق تفوقه العددي. الحرب العالمية الأولى تصورها المتحاربون وبدأوها كحرب مناورة، لكنها تحولت إلى جحيم موضعي – اي حرب خنادق. لكن ماذا حدث بعد ذلك؟
اعتمد الفرنسيون المنتصرون على تجربة الحرب المعهودة وأعدوا جيشهم خصيصًا للحرب الموضعية والدفاع. لقد استعدوا جيدًا وجديًا، واستثمروا في بناء خط “ماجينو”. على العكس من ذلك، بحث الألمان الخاسرون عن طريقة للخروج من المأزق الموضعي – ووجدوه. إن نتيجة تصادم هذين المفهومين معروفة جيدا: فاز الرهان الألماني على المناورة، وهزم الجيش الأنجلو – فرنسي الموحد بالكامل وفقد فعاليته القتالية في غضون شهر.
كانت الحرب الخاطفة الألمانية مبنية على المناورة. خلق التفوق العددي في مناطق الاختراق (لم تكن هناك حاجة إلى ذلك على طول الجبهة بأكملها)، وإدخال تشكيلات ميكانيكية في الاختراق، وتطويق العدو، وعزله عن طرق الإمداد والتعزيز، ومن ثم إجباره على الاستسلام، أو تدميره في المحاولات غير المثمرة لكسر حلقات الحصار – هي “ألفا وأوميغا” فنون القتال في النصف الثاني من القرن العشرين.
لكن في حرب اوكرانيا لا نرى شيئاً من هذا القبيل. والعكس صحيح! لقد أفسحت حرب المناورة المجال لحرب الخنادق، وعمليتنا العسكرية الخاصة تذكرنا بشكل مؤلم بتاريخ الحرب العالمية الأولى. كانت المحاولة الأولية لشن حرب مناورة: هجوم للجيش الروسي، وقع أكثر من 20% من مساحة أوكرانيا تحت سيطرتنا، لكنها فشلت في هزيمة القوة الرئيسية للجيش الأوكراني. هنا كان الانتقال اللاحق إلى الدفاع الاستراتيجي. وهنا المحاولات اليائسة للقوات المسلحة الأوكرانية لاقتحام هذا الدفاع، مما أدى إلى خسائر فادحة بأقل قدر من التقدم.
هل هذا يعني أن حرب المناورة أصبحت قديمة وعفا عليها الزمن؟ أم أن الانتقال إلى الحرب الموضعية كان نتيجة أخطاء وحسابات خاطئة أثناء بناء القوات المسلحة للاتحاد الروسي؟ وإذا كان الأمر كذلك، أي منها بالضبط أقرب الى الواقع؟
عمليتنا العسكرية الخاصة في اوكرانيا مقارنة ب”عاصفة الصحراء”
إذا تذكرنا صراعا عسكريا هو الأحدث والمشابه، فإن “عاصفة الصحراء” تتبادر إلى ذهني حتماً، حيث تمكن تحالف من القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الأمريكان من إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي. هنا يمكن استخلاص العديد من أوجه التشابه.
أولاً – كانت قوات صدام حسين التي حاربت ضد قوات التحالف تتمتع بخبرة قتالية لا بأس بها اكتسبتها في الحرب الإيرانية العراقية، التي استمرت 8 سنوات، (1980-1988)وأصبحت في بعض الأحيان “ساخنة” للغاية ولكنها لم تتمكن من منح الأطراف مهارات الحرب الحديثة لقدم ونقص التسليح عدا عن التكتيكات البالية للقوات المسلحة، سواء في العراق، وكذلك إيران.
اكتسبت القوات المسلحة الأوكرانية تجربة مماثلة أثناء القتال في مناطق الدونباس لمدة 8 سنوات أيضآ (2014-2022).
ثانياً – حققت قوات التحالف الامريكي تفوقاً كمياً ونوعياً في الجو. وبطبيعة الحال، فإن القوات الجوية الروسية أكثر تواضعا من حيث العدد مقارنة مع طائرات التحالف التي شاركت في “عاصفة الصحراء” والتي بلغ عددها حوالي 2000 طائرة، ولكنها (القوات الجوية الروسية) بلا شك أكثر عددا وأحدث من سلاح الجو الأوكراني، علما بأن الطيارين الروس مدربون بشكل أفضل.
ثالثًا – كان لدى العراق نظام دفاع جوي متطور للغاية، ولكنه قديم إلى حد ما، يعتمد على أنظمة الدفاع الجوي S-75 وS-125، والتي من الواضح أنها لم تعد في عام 1990 في طليعة التقدم التكنولوجي. ويمكن قول الشيء نفسه عن أوكرانيا: بحلول عام 2022، حتى أحدث أنظمة الدفاع الجوي لديها كانت عبارة عن مجمعات تم إنتاجها في العهد السوفياتي. في حين تم تحديث نفس S-300 في الاتحاد الروسي باستمرار، بينما لم يكن هناك أموال لذلك في أوكرانيا.
وبطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن ننسى أن الجيش الروسي، ابتداء من عام 2010، تلقى تمويلا أكبر بكثير، وكان ينبغي (على الأقل من الناحية النظرية) أن يكون متفوقا بشكل كبير في المعدات على الجيش الأوكراني.
بشكل عام، يمكن رسم العديد من أوجه التشابه بين حرب أوكرانيا وعاصفة الصحراء. لكن “عاصفة الصحراء” انتهت بانتصار مقنع لقوات التحالف بعد أقل من شهر ونصف من بدايتها، وأصبحت القوات المسلحة الروسية، بعد عام ونصف من العمليات الحربية، في موقع الدفاع الاستراتيجي. لماذا؟
ضربة قاصمة
في 17 يناير 1991، شن طيران التحالف الامريكي ب 600 طائرة مقاتلة هجومًا واسع النطاق على أراضي الكويت والعراق.
قامت القوات الجوية الأمريكية وحلفاؤها باستغلال كامل قدراتهم دون أن يفوتهم أي شيء. وحيثما كان ذلك مبررا، تم استخدام المروحيات التي “تسللت” على ارتفاع منخفض لقمع الدفاع الجوي. كانت مواقع أنظمة الدفاع الجوي العراقية ومحطات الرادار عرضة استطلاع إضافي من قبل مجموعات الطيران المشكلة خصيصًا، والتي استخدمت أفخاخ TALD لمحاكاة إطلاق الصواريخ. وهذا، بطبيعة الحال، أجبر الطواقم العراقية على تشغيل الرادار والقتال، وبذلك كشفوا أنفسهم بالكامل.
لكن رادارات الدفاع الجوي العراقي تم قمعها بطائرات الحرب الإلكترونية مما تسبب في تشويش كبير واستخدمت الكثير من الصواريخ المضادة للرادار، كما تم تدمير منظومات الدفاع الجوي الصاروخية بأسلحة عالية الدقة. واستخدم الأمريكيون أيضًا صواريخ كروز توماهوك، ولكن بكميات صغيرة نسبيًا. المهم هو أن استخدامها تم بالتنسيق في الوقت المناسب مع تحركات الطائرات الهجومية التابعة لقوات التحالف.
والنتيجة – هي تدمير قوات الدفاع الجوي العراقية الرئيسية خلال الضربة الأولى، نعم الأولى!
مما لا شك فيه، كان لدى العراق عدد معين من أنظمة الدفاع الجوي العاملة حتى نهاية الحرب، فقد قاتلت وحتى أسقطت طائرات التحالف. لقد خسر الدفاع الجوي العراقي، بالطبع، ليس بالكامل، ولكن بشكل بائس: لم يتمكن العراقيون من حماية القوات المسلحة البرية والبنية التحتية من التدمير المنهجي من الجو.
بالمقارنة، للأسف، لم تكن القوات الجوية الروسية قادرة على تدمير، بل فشلت أيضًا في خدش الدفاع الجوي الأوكراني. وحتى يومنا هذا، فهم مجبرون على تجنب المجال الجوي فوق الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلحة الأوكرانية.
لماذا؟
السؤال الأول – الاستخبارات والدعم
كان انتصار القوات الجوية للتحالف على الدفاع الجوي العراقي محددًا مسبقًا قبل وقت طويل من بدء الحرب. مباشرة بعد استيلاء العراق على الكويت، نشر الأمريكيون مجموعة قوية من طائرات الاستطلاع على حدود العراق، والتي شملت TR-1، U-2، RC-135، وبالطبع رادارات الطيران E-3 المنتشرة في كل مكان. وعقبهم، طائرة استطلاع تكتيكية من طراز RF-4C إلى المملكة العربية السعودية.
وبعد ذلك تم تنظيم استطلاع على مدار الساعة لأراضي العراق والكويت باستخدام جميع أجهزة الراديو المتاحة للأمريكيين وبالطبع كوكبة الأقمار الصناعية للولايات المتحدة وحلف الناتو. خلال “البحث” الذي استمر قرابة ستة أشهر (أغسطس 1990 – يناير 1991)، تمكنت قوات التحالف من الحصول على صورة واضحة إلى حد ما عن انتشار القوات المسلحة العراقية في منطقة النزاع، والأهم من ذلك، كشفت عن مواقع الدفاع الجوي. .
وفي الوقت نفسه، يمكننا القول بثقة أنه في الواقع تم الكشف عن نشر القوات العراقية قبل ذلك بكثير، لأنه قبل ثلاثة أشهر من بدء الحرب، بدأت قوات التحالف مناورات منتظمة للقوات البرية والجوية، لوضع تفاصيل العملية القادمة. لم يكن الأمريكيون كسالى وقاموا في ساحات التدريب في قاعدة نيليس الجوية (نيفادا) ببناء يقلد تشكيلات الدفاع الجوي العراقية في الكويت وفي العراق نفسه. تم بعد ذلك “تدريب” معظم طياري القوات الأمريكية والتحالف في مناطق التدريب هذه خلال تمرين سمي”علم الصحراء”.
أي أنه قبل بدء الحرب، كان طيارو التحالف يعرفون بالضبط من وأين وكيف سيضربون، بل ومارسوا ذلك في التدريبات.
ارجو الانتباه لسؤالي التالي –
ماذا فعلت القوات الجوية الروسية من كل هذا قبل بدء الحرب؟
في الواقع، كان هناك ما يكفي من الوقت للتحضير، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الجانب الروسي هو الذي حدد لحظة بدء الحرب. وكانت هناك أيضًا تجربة تشير إلى أهمية الاستطلاع – فقد تمت دراسة وتحليل نجاحات التحالف في عاصفة الصحراء من قبل جيشنا، وألمحت العملية الجوية في سوريا إلى الكثير.
للأسف، ليس لدي إجابة على سؤال حول كيفية استعداد القوات الجوية الروسية للحرب – لأسباب واضحة، لا يتم الكشف عن الأهداف والتوقيت والتفاصيل الأخرى لهذا التدريب لعامة الناس. لكن ليس من الصعب تخمينه – فقط نذكر التركيبة بشكل تقريبي (البيانات الدقيقة سرية) لقوات الجو الروسية من حيث طيران الاستطلاع.
بينما استخدم الأميركيون العشرات من طائرات الاستطلاع المتخصصة لاستطلاع العراق، يمكننا أن نستخدم … ماذا؟ أربع طائرات An-30، آخرها تم إنتاجها عام 1980؟
ما الذي يمكن أن تكشفه هذه “النوادر” الطائرة من الحقبة الاشتراكية التي انتهت فعاليتها منذ فترة طويلة؟
حسنًا، بالطبع، لدينا أيضًا طائرات حديثة، مثل Tu-214R. هناك نسختان أو ربما ما يصل إلى أربع نسخ، والتي حتى من الناحية النظرية من المستحيل ان تقوم بتوفير استطلاع على مدار الساعة…
الأمور أفضل قليلاً مع التحكم في المجال الجوي. بعد كل شيء، منذ عام 2011، تم تسليم سبع طائرات من طراز A-50U إلى قواتنا، ولكن هل كانت جميعًا “جاهزة” بحلول فبراير 2022؟ إن عدد الطائرات لدى اي بلد لا يساوي أبداً عدد الطائرات الجاهزة للقيام بعمليات قتالية.
في ذلك الوقت، أحضر الأمريكيون لعاصفة الصحراء أربعين طائرة أواكس حديثة كانت تعمل بكامل طاقتها. بالمناسبة، تقوم الطائرات من هذه الفئة ذات الرادارات الحديثة بعمل جيد في الاستطلاع ليس فقط للأهداف الجوية، بما في ذلك الأهداف التي تحلق على ارتفاع منخفض، ولكن أيضًا للأهداف الأرضية.
من الواضح تمامًا أن دفاعاتنا الجوية ستدمر الدفاع الجوي الأوكراني إذا أتيحت لها هذه الفرصة. في الوقت نفسه، لدينا وسائل كافية لتدمير أنظمة الدفاع الجوي، ومواقعها معروفة. حتى دون الأخذ في الاعتبار الطائرات المأهولة بصواريخها المضادة للرادار، أشير إلى أنه بالنسبة لنفس S-300 من السلسلة الأولى، يعد كل من صاروخي “كاليبر” و”كينجال” أهدافًا صعبة للغاية.
ومرة أخرى، يمكننا القول أن نظام S-300 – هو مجمع متقدم للغاية في وقته. لكن عليك أن تفهم أنه من حيث المبدأ لا يوجد شيء اسمه سلاح مطلق، وكانت لدينا ميزة كبيرة هنا – تصميم S-300 معروف لنا جيدًا. وهذا يعني أنه يمكننا بسهولة تعديل المعدات وفقًا لذلك واختيار التكتيكات اللازمة لتدميرها.
يشير هذا إلى افتراض: أحد أسباب بقاء الدفاع الجوي الأوكراني على قيد الحياة وبصحة جيدة هو أن وسائل الاستطلاع الفضائية والجوية المتاحة للقوات الجوية الفضائية الروسية غير كافية على الإطلاق للكشف عن مواقع الدفاع الجوي للقوات المسلحة الأوكرانية.
السؤال الثاني – تغطية العمليات الجوية
يجب أن أقول إن خصومنا (الولايات المتحدة وحلف الناتو) لديهم تجربة غنية جدًا في الحرب الجوية في ظروف الدفاع الجوي للعدو المقموع بشكل غير كامل، او لم يكن مقموعا ابدا.
في هذه الحالة، شكل الأمريكيون مجموعات تغطية خاصة للطائرات الهجومية. وشملت مهام هذه المجموعات أعمالاً توضيحية من أجل تحديد مواقع أنظمة الدفاع الجوي للعدو والقمع الإلكتروني وتدمير هذه الأخيرة. وكان التركيز على أنظمة الحرب الإلكترونية وأجهزة محاكاة الأهداف الجوية والصواريخ المضادة للرادار.
وفي الوقت نفسه، أولت الولايات المتحدة دورًا خاصًا لطائرات الحرب الإلكترونية: حيث تم نشر أكثر من 60 طائرة من هذا النوع في العراق. نحن لدينا… عدد من “المروحيات”.
ومرة أخرى، لا يعني ذلك أن الاتحاد الروسي لا يعمل على الحرب الإلكترونية. لكن تركيزنا كان على تعليق “الحاويات” للمقاتلات وقاذفات القنابل متعددة الوظائف. وهذا أمر مهم وضروري، ولكن من وجهة نظر الكفاءة، عادة ما يكون التخصص أفضل من العام.
ومن غير المرجح أن نتوقع فعالية متساوية من طيار مقاتلة ذات مقعد واحد، أو طاقم قاذفة مجهزة بحاويات الحرب الإلكترونية، وطائرة متخصصة مصممة لمهمات الحرب الإلكترونية مع طاقم مدرب على جميع التفاصيل الدقيقة.
وبطبيعة الحال، لم يتم الكشف عن قدرات الحرب الإلكترونية لدينا ولدى الأمريكان في الصحافة بشكل واسع، ويمكن للمرء أن يجادل حتى يصبح صوته أجشا حول أيهما أفضل، ولكن هناك حقيقة – قواتنا الجوية تتجنب بكل طريقة ممكنة الدخول إلى نطاق أنظمة الدفاع الجوي للعدو، بينما بالنسبة للقوات الجوية الأمريكية وحلف الناتو، فإن هذا على الرغم من أنه ليس هو القاعدة، إلا أنه وضع عملي تمامًا. وبناء على ذلك، يمكن الافتراض أن تكتيكات المجموعات الاستعراضية، عندما تقوم طائرات مخصصة لذلك باستفزاز العدو ليطلق النار عليها، مما يجبر رادار العدو على التشغيل – هذا التكتيك لا يمكن أن تستخدمه القوات الجوية الروسية بسبب عدم كفاية الدعم في الحرب الإلكترونية.
حول المزايا التي توفرها للقوات الجوية هزيمة الدفاعات الجوية للعدو
بمجرد أن استقر الأمريكيون على ارتفاعات متوسطة وعالية فوق العراق ( الارتفاعات المنخفضة كانت دائمًا وستكون خطيرة بسبب المدافع المضادة للطائرات ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة، والتي لا يمكن قمعها بالكامل)، حصلوا على الفرص والمزايا التالية:
أولا – القدرة على تدمير سلاح الجو للعدو بشكل فعال في المعارك الجوية. ويجب القول أنه من الصعب للغاية تدمير حتى قوة جوية أصغر بكثير على الأرض: وكما هو معروف، فإن القوة الهائلة للقوات الجوية للتحالف لا يمكن أن تشل عمل شبكة المطارات العراقية بشكل كامل.
ولكن ما مدى استفادة العراقيين من المطارات الباقية والمقاتلات المرابطة عليها؟ رصدت طائرات الأواكس الأمريكية الطائرات العراقية بعد وقت قصير من إقلاعها واعترضتها بالقوة الكافية لتدميرها. بينما أُجبر العراقيون (واليوغسلافيون لاحقًا) على القتال “بشكل أعمى”، معتمدين فقط على المعدات المتوفرة في طائراتهم.
بمعنى آخر، وبشكل واضح تحولت المواجهة الجوية إلى معارك فردية لا طائل منها ضد نظام محكم لطيران التحالف. وكثيرًا ما حدث أن طيارين منفردين أدركوا أنهم تعرضوا للهجوم فقط في اللحظة التي انفجر فيها الصاروخ بطائرتهم… نعم، حتى في مثل هذه الظروف، كان لدى العراقيين طلعات جوية فعالة ونجاح في القتال الجوي، لكننا لا نتحدث عن نوع من المقاومة طويلة الأمد والفعالة في مثل هذه الظروف.
لو كان لدى القوات الجوية الفضائية الروسية مستوى مماثل من السيطرة على المجال الجوي الأوكراني، فسوف تنخفض أنشطة سلاح الجو الأوكراني بسرعة إلى الصفر، وسيفقد نقل صواريخ Storm Shadow من لندن والصواريخ المماثلة طويلة المدى التي تطلق من الجو أي معنى.
ثانيا – عزل منطقة القتال، مما يعني انخفاضًا كبيرًا في الإمدادات وتجديد المجموعات العسكرية المعادية. من ناحية، يتم تحقيق ذلك من خلال تدمير البنية التحتية – تقاطعات السكك الحديدية والجسور وما إلى ذلك. من الناحية النظرية، يمكن تحقيق ذلك بمساعدة أسلحة عالية الدقة – صواريخ كروز طويلة المدى، ولكن لا يمكن استخدام أي صواريخ عمليًا لهذا الغرض: من الضروري استخدام ذخيرة أكثر قوة ولكن أقل تكلفة، مثل القنابل المنزلقة.
من ناحية أخرى ، يعطي التفوق الجوي زيادة هائلة في المعرفة بموقع وحركة قوات العدو. إن معدات الاستطلاع الجوية الحديثة ، مع أقوى البصريات ، والرؤية الليلية، والرادارات ذات الفتحة المركبة ، مما يتيح لك الحصول على “صورة” مشابهة للصور الجوية ، وما إلى ذلك ، مما يجعل من الصعب للغاية التمويه على حركة الوحدات العسكرية ونشرها. وبالطبع ، على المركبات التي تقوم بمهمة الدعم والتزويد.
وفقًا لذلك ، فإن أي مناورة ، وأي نقل لاحتياطيات العدو سوف يكون مصحوبًا بخسائر حساسة. لأن وقت رد الفعل قصير نسبياً على الطائرات الهجومية والمروحيات الموجودة في الهواء أو مستعدة للإقلاع فورا وتتيح لك القيام بضربات ساحقة على الوحدات العسكرية قبل وصولها. كل هذا تجلى بشكل مقنع من قبل سلاح الجو للتحالف الامريكي في “عاصفة الصحراء”.
الآن في حقول الألغام لخطوطنا الدفاعية تحترق “ليوبارد” و “برادلي” وغيرها من معدات العدو. لكنهم يهاجمون ويهاجمون – يطلقون النار ويقتلون جنودنا قبل موتهم. في الوقت نفسه ، لو كان سلاحنا الجوي يسيطر على المجال الجوي لأوكرانيا ، فلن يصل جزء كبير من “حديقة الحيوان” الأجنبية ببساطة إلى خط المواجهة.
ثالثًا – تدمير أفراد ومعدات المجموعات العسكرية للعدو
مرة أخرى ، طبقت هذه الأطروحة تمامًا من قبل الأميركيين خلال “عاصفة الصحراء” ، “تبديد” بعض الفرق العراقية بنسبة تصل إلى 50-60 ٪ من المقاتلين (من الإنصاف بالنسبة للمؤلف ، الفول انه من غير المعروف عدد افراد الفرق في بداية الحرب). وحتى مع الأخذ في الاعتبار العد المكرر (يمكن قصف المركبات من الجو أكثر من مرة) ، يجب أن نتحدث عن مئات الدبابات المدمرة ، دون حساب الآليات الأخرى.
هذا ليس مفاجئًا – حيث سيطر الأمريكيون على الارتفاعات المتوسطة والعالية ، أنشأ الأمريكيون استطلاعًا جويًا فعالًا للغاية ودمروا العدو فور اكتشافه. كما أن القصف الشديد والمركز carpet bombing للقاذفات الإستراتيجية ، والذي ألقت منه على رؤوس العراقيين ما يقرب من 30 ٪ من إجمالي عدد الذخيرة الجوية المستعملة طوال الحرب، سببت أيضآ ضربة رهيبة للروح المعنوية للقوات العراقية. (أطلق المحللون الغربيون إسم ” الصدمة والرعب” على القصف الامريكي – المترجم).
نعم، الصحراء شيء، لكن أوكرانيا شيء مختلف تمامًا. نعم هناك خبرة ممتازة للجيش اليوغوسلافي الذي لم يتكبد خسائر كبيرة خلال عدوان الناتو وعمليته الجوية 24 مارس – 10 يونيو 1999. التمويه مهم للغاية وضروري للغاية. لكن علينا أن نفهم أن الجيش البري اليوغوسلافي كان متخفيًا ولم يقم بعمليات قتالية – فقد كان يستعد لصد غزو بري لم يحدث أبدًا. لكن القتال يتطلب المناورة والحركة، وهنا كان اليوغوسلافيون عرضة للخطر.
حتى في الدفاع. لذلك، لو سيطر طيراننا على الاجواء، فإن نفس معركة القصف المدفعي ، المرتبطة بالحاجة إلى تغيير مواقع المدفعية باستمرار، ستصبح صداعًا رهيبًا للجيش الأوكراني، وستكون خسائر المدفعية الأوكرانية أعلى بكثير مما هو عليه الحال.
وأخيرًا، رابعًا – التفوق الجوي يضمن قدرة الجيش على المناورة. على سبيل المثال، خذ بعين الاعتبار تصرفات فرقة الهجوم الجوي رقم 101 الأمريكية.
أراد الأمريكيون قطع طريق الاتصال الاستراتيجي رقم 8 السماوة – البصرة، الذي يتم من خلاله إمداد مجموعة القوات العراقية في الكويت، ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة – حيث يقع الطريق السريع على بعد 200 كيلومتر من خط الجبهة.
وبما أن التفوق الجوي كان من نصيب قوات التحالف دون قيد أو شرط، فقد أنزل الأمريكيون، خلال اليوم الأول من العملية البرية، بهدوء تام قوة هجومية بطائرات الهليكوبتر على بعد 80 كيلومترًا خلف خط المواجهة: 2000 جندي مع 50 مركبة قتالية ومدفعية 105 ملم. وبحلول صباح اليوم الثاني وصلت إلى موقع الهبوط 700 (!) شاحنة محملة بالذخيرة والوقود و 2000 جندي إضافي و 30 مركبة مدرعة. بدا الأمر وكأنه عمل محفوف بالمخاطر للغاية، لكن الأميركيين كانوا يعرفون بوضوح أين تقع مراكز الدفاع للقوات العراقية. ومروا بجانبها.
نتيجة لمثل هذه الإجراءات، تمكنت الفرقة 101 المحمولة جواً من نشر قاعدة عمليات أمامية (تسمى “كوبرا”) خلف خطوط العدو، والتي يمكن أن تتمركز عليها طائرات النقل والمروحيات القتالية. وبدأت هذه المروحيات على الفور بمهاجمة الطريق السريع رقم 8، حيث قامت مروحيات النقل بإنزال قوة هجومية صغيرة (ثلاث سرايا مضادة للدبابات) مباشرة على شريان النقل المهم استراتيجيًا.
علاوة على ذلك، تحت غطاء طائرات الهليكوبتر القتالية من كوبرا، تم تعزيز فريق الإنزال أولاً إلى كتيبة، ثم إلى لواء جوي كامل، والذي “سيطر” على الطريق السريع حتى نهاية العمليات الحربية.
من الواضح تمامًا أن قاعدة “كوبرا” لم تكن على الإطلاق معقلًا منيعًا، وكان من الممكن أن يتم تدميرها بهجوم شنه شيء مثل فرقة دبابات. كل ما في الأمر أن العراقيين لم يتمكنوا من التركيز ونقل فرقة الدبابات هذه إلى خطوط الهجوم في ظل ظروف هيمنة طيران التحالف حتى خلف خط الجبهة.
اليوم هناك الكثير من التكهنات حول الهبوط في غوستوميل، ولكن من غير المرجح أن يدحض أي شخص حقيقة أن قواتنا تمكنت من وضع قوة إنزال كبيرة خلف خطوط العدو من خلال “عين الإبرة” للدفاع الجوي غير المدمر، ثم قادت أيضًا رتل عسكري إلى هناك. (غوستوميل هي قاعدة جوية قرب كييف سيطر عليها الجيش الروسي في بداية الحرب عن طريق إنزال جوي ناجح ومفاجيء )
وما فعله الأميركيون في ظل التفوق الجوي الكامل، فعله جنودنا من دون هذه الهيمنة. هذه العملية وحدها تدحض تمامًا أسطورة “الطيارين الروس غير المدربين”.
لكن الشجاعة والتحضير ليسا كل شيء، فأنت بحاجة إلى المعدات المناسبة. دون قمع الدفاع الجوي للعدو وعدم القدرة على العمل بحرية في منطقة غوستوميل، لم تتمكن القوات الجوية من دعم القوات المنتشرة هناك بشكل صحيح ولم تتمكن من قمع القوات الأوكرانية التي تتقدم إلى خطوط الهجوم بالنار.
الطيران – دبابة القرن الحادي والعشرين؟
في بداية القرن العشرين، خلال الحرب العالمية الأولى، نشأ وضع متناقض. أصبحت الجيوش ضخمة حقًا، وتم تجنيد الملايين فيها، ولهذا السبب امتدت التشكيلات القتالية للعدو “من البحر إلى البحر” – ولم تعد الأجنحة التي يمكن تجاوزها موجودة. وبناءً على ذلك، من أجل سحب قواتك خلف خطوط العدو، كان من الضروري اختراق تشكيلاته القتالية، وهو ما يمكن القيام به عن طريق الهجوم بالمشاة أو سلاح الفرسان.
لكن الأسلحة الرشاشة والمدفعية السريعة جعلت من هجمات المشاة شكلاً من أشكال الانتحار الجماعي. محاولات تحويل التشكيلات الدفاعية للمدافعين إلى شكل هلال من خلال التعرض لفترات طويلة للمدفعية كانت محكوم عليها بالفشل أيضًا – فقد أدرك العدو أن عدة أيام من القصف المدفعي كانت مقدمة للهجوم، فقام بسحب الاحتياطيات وبناء تشكيلات دفاعية خلف المواقع التي يتم إطلاق النار عليها.
بمعنى آخر، من الناحية الفنية، حقق الدفاع، كنوع من القتال، انتصارًا مقنعًا على الهجوم.
كان المخرج من المأزق انئذ عبارة عن “دبابة” كانت قادرة على اختراق أي دفاع للعدو تقريبًا عند استخدامها بشكل صحيح (أي مع المشاة والمدفعية وما إلى ذلك). ومع ذلك، بعد 100 عام، في بداية القرن 21، أدى تطوير الأسلحة المضادة للدبابات إلى حقيقة أن الدبابة فقدت هذه القدرة. هذا لا يعني أن الدبابة عفا عليها الزمن، ولكن، فقط، وظائفها في ساحة المعركة تحتاج إلى تصحيح.
في رأيي أن دور “المدمر للدفاعات” اليوم ينتمي إلى الطيران. وفي الوقت نفسه، يتمتع طيارونا بالمؤهلات والموارد المادية الكافية لحل هذه المشكلة. ولكن – فقط شرط توفير المعلومات الاستخباراتية والدعم اللازمين، والذي كانت تمتلكه كل طائرات F-15 وF-16 و F/A-18 أثناء “عاصفة الصحراء”. ويبدو أن لدينا “حضور الغياب”: لأننا، بعد أن أنشأنا طائرات مقاتلة من الدرجة الأولى، لم نكلف أنفسنا عناء إنشاء أدوات للحصول على هذه المعلومات وتقديم الدعم.
اليوم هناك الكثير من الحديث عن حقيقة أن القوات الجوية الروسية ليس لديها أعداد كافية، وأنه يتم إنتاج عدد قليل من المقاتلات متعددة الوظائف والطائرات الهجومية وما إلى ذلك، وأنا أتفق تماما مع هذا. ولكن، في رأيي، حتى لو كان لدينا ضعف عدد طائرات Su-35 وSu-30 وSu-34 وما إلى ذلك، فإن هذا لن يؤثر بشكل جذري على فعالية القوات الجوية الفضائية في حرب أوكرانيا. لأن العمل المنهجي يفوز في الحرب، والذي لا يمكن تعويض غيابه بخصائص الأداء المتميز للوحدات القتالية.
إذا شبهنا القوة الجوية بالرمح، فإن عمودها سيكون كل طائرات الاستطلاع والأواكس وطائرات الحرب الإلكترونية والناقلات وما إلى ذلك. القاذفات وحاملات الصواريخ والمقاتلات متعددة المهام – هي رأس الرمح. هو الذي سيضرب في النهاية، هو الذي سيضرب العدو، لكن بدون العمود، برأسه فقط، لن تذهب بعيداً.
للأسف، يتكون لدى المرء انطباع بأن القوات الجوية الفضائية الروسية يتم تزويدها بأفضل الطائرات المقاتلة والمروحيات، لكن لا يوجد من يضمن عملها، لأنه لا توجد عملياً أنظمة استطلاع/أواكس/ وحرب إلكترونية حديثة في الخدمة.
الاستنتاجات
إنها مخيفة.
ونتيجة لحقيقة أن القوات الجوية الفضائية الروسية لا تملك الموارد اللازمة لتدمير الدفاع الجوي لأوكرانيا، فإنها لا تستطيع السيطرة على الجو فوق الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الأوكراني، ولا تستطيع عزل مناطق القتال، لا تستطيع…
نعم، تقريبًا لا شيء مما ينبغي أن تكون الأسلحة الحديثة قادرة على تحقيقه.
ولو كان بوسعهم ذلك، فإن الجيش الأوكراني لم يكن لينجح ببساطة في “الهجوم المضاد” العام الماضي أو حتى “الهجوم المضاد” الحالي: وكانت القوات المتمركزة قد “دمرت” قبل وقت طويل من بدايته.
وبعد ذلك لن يكون هناك أي معنى لتنظيم “مفرمة لحم” في باخموت، لأنه يمكن إلحاق نفس الخسائر، وحتى أكبر بكثير، بالعدو من خلال عزل مواقع الجيش الأوكراني من الجو. ليس هناك شك في أن الإطار الزمني لتنفيذ عملية عسكرية خاصة سيكون أقصر بكثير في هذه الحالة، وكانت خسائر الجيش الروسي والشركات العسكرية الخاصة والمتطوعين أقل بكثير من الخسائر الحالية.
حسنًا، مع ما لدينا – فإن الجيش الروسي مجبر على القتال مع الجيش الأوكراني “من الجدار إلى الجدار”، قوة نظامية ضد أخرى. لقد حقق الأمريكيون نجاحا سريعا خلال المرحلة البرية من عملية عاصفة الصحراء على وجه التحديد لأنه بحلول الوقت الذي بدأت فيه، كانت جملة المركبات القتالية للقوات البرية العراقية قد تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها بسبب جهود القوات الجوية التابعة للتحالف. ولم تهزم القوات البرية الأمريكية الجيش العراقي – بل قضت عليه فحسب.
لذلك، في رأيي، فإن أهم دروس حرب اوكرانيا اليوم هي ضعف عنصر الاستطلاع في قواتنا الجوية – في الفضاء والجو، فضلاً عن عدم وجود طائرات حربية إلكترونية متخصصة. ونتيجة لهذا، تُظهر قوات الفضاء الروسية اليوم بالكاد 10-15% من إمكاناتها الحقيقية، مما اوصل العمليات القتالية إلى طريق مسدود كما حدث خلال الحرب العالمية الأولى.
:::::
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….