نشرة “كنعان”، 7 أكتوبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6644

في هذا العدد:

حرب تشرين وحروب عليها … من ينكر التاريخ ليس تاريخي، عادل سماره

الخليج العربي: عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض، د. حسين غانم غباش

معادلة العصر الحجري بين الحزب والكيان الإسرائيلي.. أين وكيف؟ عمر معربوني

✺ ✺ ✺

حرب تشرين وحروب عليها

من ينكر التاريخ ليس تاريخي

عادل سماره

ملاحظة: أعدَّ هذا المقال قبل ايام حتى نشرت سلسلة مقالات الاستهداف، واليوم يأتي طوفان الأقصى فجأة تاريخية تشفي القلوب ليؤكد أن المرتعب هو العدو. كل ما نتمناه أن يرى الجميع بأن كل نضال هو امتداد لنضال شعبنا وأمتنا منذ قرن وأكثر.

أمَّا والصراع العربي الصهيوني متواصل على مدار الساعة، فلعل أفضل مايجب أن نذكره على مدار الساعة ايضا :

الأول: الإدراك المبكِّر لعبد الناصر بأن العرب يقاتلون الاستهداف المعولم من قوى الثورة المضادة اي الإمبريالية، والصهيونية والرجعية العربية وأُضيف أنا عليها قوى الدين السياسي. ولذا كان يقول بوضوح لسنا جاهزين لخوض الحرب بعد.

والثاني: أن السعودية كسلطة ونظام هي اشد اعداء القومية العربية.

وبالمقابل، لعل أهم نجاحات الثورة المضادة ضد العروبة هو الزعم بأن الكيان وحده هزم المجاهدين الفلسطينيين حتى 1948، هذا مع أن الكيان نفسه ايضاً لم يُخفي دور الثورة المضادة في خلقه ودعمه ناهيك أن ما كُتب عن تلك الفترة يبين دور بريطانيا في قتال الفلسطينيين بالدبابات والطائرات. بل أعلنت أدبيات الكيان نفسه أنه في حرب 1948 استقبل الالاف من المتطوعين من مختلف بلدان الغرب أي اوروبا وأمريكا والمستوطنات البيضاء بمن فيهم المستوطنون الفرنسيون في الجزائر والذين أسموهم بالعبرية “الماخال” وهم يضمون أطباء عيون وخبراء إطلاق المدفعية وطيارين مقاتلين…الخ (أنظر كتاب عادل سماره: الاقتصاد السياسي للصهيونية: المعجزة والوظيفية )، هذا دون أن نذكر تسليح الكيان الذي فاق في حينه اسلحة وحتى أعداد الجيوش العربية التي شاركت في الحرب بينما خلفها وتحكمها أنظمة حالت بشكل منهجي دون انتصار هذه الجيوش التي غُدر بها.

ومع ذلك تم تكريس أُكذوبة أن الكيان وحده هزم الجيوش العربية حينها. وحتى اليوم، لم يتمكن العروبيون من دحض هذا الزعم لكثرة أوساخ اسطبلات أوجياس التي روكمت لطمس أية قدرة عروبية، إنها مذبحة منهجية ضد العروبة.

وحتى عدوان 1956 الثلاثي ضد مصر، هو ايضاً لم يكشف حقيقة التخندق والصراع رغم أن العدوان كان واضحاً حيث قامت به دولتان عظمتان حينها فرنسا وبريطانيا، ويكفي التذكير بأن فرنسا كانت جاهزة لإعلان الوحدة مع بريطانيا إذا إشترطت ذلك مقابل المشاركة في العدوان لأن فرنسا كانت تعرف دور مصر في ثورة الجزائر فكانت جاهزة لأي ثمن إذا ما أدى الأمر إلى تدمير مصر (The Globalized Politiocal Economy of Israel Nitsan . .تأليف نيتسان وبيخلر.

وحتى حرب تشرين/أكتوبر 1973 التي جرى تبخيسها كانتصار على الثورة المضادة ممثلة في جيش الكيان وهو الانتصار الذي أذهل كيسنجر حيث قال: كنا نعتقد أن العرب لن يجرؤوا على المبادءة بحرب!

بل وابعد، اي حتى رغم إعلان هنري كيسنجر نصَّاً بأن الولايات المتحدة خاصة قررت منع أي نصر عربي واقامت ، كما ورد في أحد كتبه مؤخراً، أكبر جسر جوي في التاريخ لدعم الكيان وهذا يعني أن مصر وسوريا معهما العراق والجزائر كانتا تقاتلان على جبهة تمتد من الجولان إلى فلسطين إلى مصر فالولايات المتحدة نفسها اي كامل الثورة المضادة.

رغم كل هذا لم يتوقف الكثيرون عن الزعم بأن تلك الحرب لم تهزم الكيان، وبأنها، اي تلك الحرب، كانت ضد الكيان فقط دون شركاء له بل دون من قاتلوا معه ونيابة عنه.

وراء كل هذا الإنكار أمران:

الأول: الجهل بأن صراعنا هو مع مركز النظام العالمي متجليا في الثورة المضادة أي إستهداف الوطن العربي منهجيا وعمليا واستمراراً.

والثاني: وجود آفات في الوطن العربي دورها تبخيس الجندي العربي وصولا إلى تبخيس العروبة نفسها. وهذا إنكار للتاريخ حتى وهو طازج!

وهذا التبخيس وإنكار التاريخ يطرح السؤال التالي: كيف يحصل هذا؟ ولماذا؟ فليس هذا نهج مختلف الأمم في العالم.

حين كتب ماركس عن الثوار البوليفاريين في أمريكا اللاتينية كتب عنهم باحترام كمناصلين ديمقراطيين، لم يثنه عن ذلك أنهم لم يكونوا شيوعيين أو إشتراكيين، بل وطنيين وطالبي حرية.

وحينما تشاهد حديثا لفلاديمير بوتين يذكر الثورة البلشفية وأمجاد الاتحاد السوفييتي رغم أن بوتين ليس شيوعيا ولا إشتراكيا، أو كان وغيَّر مواقفه لكنه لم يُبخِّس التاريخ. وحتى الفيلسوف الروسي دوجين، كثيرا ما يشيد بمنجزات الاتحاد السوفييتي. كما أن الماوية لم تشجب تاريخ الكومنتانج إلا بعد أن اغتصبه تشان كاي شيك، ولم تشجب الكنفوشوسية.

هل سبب التبخيس في الحالة العربية هو تضخيم الهزيمة لتكبير كلٍّ طرف لدوره؟

ففي مصر مثلاً، إذا كان النظام الحالي ضد الإخوان، فما معنى تنكره للثورة المصرية أو تجاهله لدور عبد الناصر حتى ولو بالمفهوم المعنوي بل تماهيه مع الموقف الإخواني ضد مصر الناصرية.

والأمثلة كثيرة في كل قطر عربي حيث ينفي النظام القائم تاريخ من سبقه ولذا كثيراً من نجد مصطلح: “النظام البائد”، أو وصف زعيم سابق ب “المقبور”، هذا إذا لم نشاهد وصف مناضلين بالخيانة!

هنا استذكر حدثاً صغير، يفتح على حدث كبير:

يوم 17 ديسمر 1967 قام الكيان بنسف بيتنا بعد اعتقالي، ومن مجموعتنا في الجبهةبعد ضرب مجموعة من لمطار اللد/بن غوريون. ومن بين كل الرفاق المعتقلين لم يُنسف سوى بيتنا. أعطى (بيرن) الحاكم العسكري لأمي ربع ساعة لإخلاء البيت وكان إخوتي صغاراً واخي محمود الذي كان المختار لكن يده مكسوره وكافحت أمي لأخذ ملابس وحرامات …الخ محكومة بالوقت بينما اهل القرية يقفون بعيدا في ذهول ومذعورين. كان أحد اقاربنا هو الأقرب للمكان وحين رأى أمي تحاول إخلاء ما أمكن قال للرجل: يخرب بيتك، ساعدها. طبعا امي كانت جامدة لا تبكي لا تولول. كان أخي محمود هو المختار لكن كانت يده مكسورة (طبعا لاحقاً عزله الاحتلال عن المخترة) وبقيت أمي مع إخوتي واخواتي اسبوعا في المسجد حتى تجرَّأ أحد اقاربها السيد مرشد حمد الله على إسكانهم في غرفة من بيته المكون من غرفتين.

ما اقصده أن من آثار هزيمة 1967 وقوع الرعب في نفسية الناس.

ولكن المقاومة التي بدأناها فورا أقصد من جميع الفصائل خلقت مناخاً آخر أسقط اسطورة الجيش الذي لا يُقهر عبر تحدي شعبي مقاوم وسرِّي وفاعل. وكانت العمليات العديدة للنضال الوطني، وهو ما كُتب عنه الكثير ومنها كتاب عبد القادر ياسين “الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين ” الذي صدر مؤخرا.

هذا النضال الذي نهض رغم انهيار الأنظمة والجيوش التي غُدر بها كان استمرارا للجهاد المقدس قبيل 1948.

من هنا أعتقد أن قراءة حرب تشرين/أكتوبر أمر ضروري من باب انها انتصار جرى إغتياله وبانها اسست لتقويض الكيان وبأن هزيمة جيش العدو حصلت قبيل عام 2000 و2006 وأن هزائمه الأخيرة أتت نتيجة للسابقات.

✺ ✺ ✺

عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض

د. حسين غانم غباش

يتأكد يوما بعد يوم أن المجتمعات الخليجية الصغيرة قد دخلت، بسبب من تعاظم الوجود الآسيوي فيها، في أتون مأزق تاريخي يصعب تصور امكانية الخروج منه.

لم يعد الأمر يهدد الهوية الثقافية التي همشت، والثوابت الوطنية التي اهتزت، بل يشكل خطرا مستقبليا على ما تبقى من الوجود البشري العربي ذاته.

بعيداً عن المشهد الخارجي المبهر، فإن الصورة من الداخل تثير القلق، بل الريبة!

الشوارع تعج بكل الجنسيات، إلا بالمواطنين، وبشكل خاص في الإمارات وقطر.

الأغلبية هندية، تليها الباكستانية، البنغالية، الأفغانية، الفيليبينية، والإيرانية، ولحقتها مؤخرا الهجرة الصينية.

هناك اليوم 16 مليون آسيوي تقريبا في بلدان مجلس التعاون الستة، ومن المرشح أن يصل إلى 30 مليونا في عام 2025.

تبين الاحصائيات الرسمية وشبه الرسمية لعام 2006 ـ 2007، الخارطة الديموغرافية كالآتي:

تصل نسبة العمالة الأجنبية في الكويت إلى 60%.. البحرين 50%.. السعودية 40 إلى 50%.. عمان 30%.. أما في قطر فتصل إلى 85%.. وتصل نسبة المهاجرين في الإمارات إلى 90!!%.

هناك اليوم قرابة سبعة ملايين آسيوي في الإمارات وحدها!

تشكل نسبة الهنود 60% من مجموع تعداد السكان، أي قرابة أربعة ملايين، مقابل 800 ألف مواطن فقط!!

يتبين من هذه الأرقام الناطقة، إذاً، أن خلف المباني الشاهقة وبريق الثراء ثمة مأساة وطنية وقومية في طور التحقق.

إذ لم تعد المسألة، كما جرى وصفها سابقا، مسألة “خلل” في التركيبة السكانية، بل تحولت، بعد ثلاثة عقود من الوجود الفاعل، النشط، إلى مسألة استيطان آسيوي واضح وطاغٍ.

لا جدال في أننا أمام مشهد مقلق جدا. إن الهجرة الأجنبية تهدد وجودنا .. وإذا لم يتحقق هذا التهديد اليوم فسيتحقق في “الجيل القادم”. والجيل القادم يعيش بيننا الآن. إذاً، لم يعد التغيير السياسي إلا مسألة وقت قصير. إنه داهم على الأبواب..

تمثل الإمارات وقطر أضعف حلقتين في المنطقة، تليهما الكويت والبحرين. على الأقل توجد في الكويت جالية عربية كبيرة.

هناك استثناء ان عُمان تبدو محصنة بثقافتها وتاريخها العريق، وربما يحمي (المملكة السعودية) بلاد الحرمين، مركزها الديني المميز من المصير المجهول.

بيد أن الوجود الأجنبي ينخر في الجسم العربي الخليجي، وأي تغيير سياسي في أي بلد من بلدان المنطقة سيكون له تداعيات كبيرة على الأقطار الأخرى، لن يسلم الخليج كله من ذلك.

كانت الأسئلة المؤرقة للإنسان الخليجي، هي: كيف وصلت بلدان الخليج العربي إلى هذا المأزق التاريخي؟

من هو المستفيد الأول من هذا التحول الديموغرافي الدراماتيكي؟ كيف تم كل ذلك بصمت محير؟ هل الأمر نتاج تطور طبيعي أم إن ثمة محركا خارجيا؟ لكن تلك كانت أسئلة الأمس، سؤال اليوم هو: هل ثمة مخرج؟

تُساق جملة من العوامل تسببت، في مجملها، في إيصال المجتمعات الخليجية إلى هذا المأزق التاريخي.

أهمها، كما قيل، تعداد السكان الصغير، والثروة الهائلة. بيد أن هذه الادعاءات، على حقيقتها، لا يمكن ان تمثل عوامل سلبية، بل على النقيض، هي عوامل إيجابية لتحقيق التنمية الوطنية. هي عوامل تضمن، منذ البدء، نجاح التنمية.

ستكون الإشكالية حقيقية لو كان العكس صحيحا. كما ان الثروة الوطنية لا يجب، في الظروف الطبيعية، ان تتسبب في تهميش المجتمعات الصغيرة وتلغي هويتها.

لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في التوجهات التنموية، في الفكر التنموي ذاته. إذ شكلت السياسات التنموية، التي طبقتها الحكومات الخليجية طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى نحو متفاوت، الإطار العام الذي أحدث هذا التحول الكبير.

فالتركيز الكلي على قطاع البناء والإعمار وتشجيع الاقتصاد الريعي والحداثة الزائفة، أهمل حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ.

لم تأخذ هذه “التنمية” في حساباتها حاجات المجتمعات المحدودة في المنطقة. فتنمية هذه المجتمعات الصغيرة لا تحتاج إلى هذه الملايين من العمالة الأجنبية!

فضلا عن ذلك، لم ترافق هذه السياسات “التنموية” رؤية تنموية اجتماعية وثقافية. لم تراعَ مسألة الهوية الوطنية والثقافية. لم تأخذ في الحسبان مسألة الأمن الوطني والاستراتيجي للمنطقة ككل. والنتيجة، اليوم، نرى هذا التراجع في الحضور العربي والتهديد الجاد والماثل للمستقبل العربي في المنطقة بأكملها.

المستقبل بطبيعته مجهول، مشحون بالتحديات، وفي عالمنا العربي، ملغم بكل صنوف العثرات. ومن أهم أهداف التنمية هو أن تؤسس لمستقبل آمن ومستقر. يبقى ان أي “تنمية” لن تكون تنمية وطنية ما لم تتمحور حول الإنسان كوجود وقيمة.

المفترض منها ان تبني الذات الوطنية، ان تثبت حضور الإنسان على أرضه، أن تعزز لغته وهويته، تصون تراثه وثقافته. وأخيرا، تحصن السيادة وتحمي الاستقلال الوطني ذاته. والتنمية، كما يقال، خطوة في الحرية.

بالطبع، لم تقتصر الهجرة على العمال، بل شملت مهنيين وحرفيين في مختلف المجالات. كما ضمت التجار من كل المستويات.

وقد تمكنت شرائح واسعة من الهنود والباكستانيين من الإمساك بمفاصل الاقتصاد!

فهم اليوم مدراء البنوك وشركات التأمين، وهم التجار المتربعون على كل أنواع التجارة الكبيرة منها والصغيرة، ومنها تجارة الأغذية والأدوية والملابس والالكترونيات وغيرها. وأخيرا، فتح لهم مجال لتملك العقاري في بعض الإمارات الخليجية!!

هذه إجراءات نوعية تفتح على دعوتهم للاستيطان، ووضع الأسس لضمان مستقبل أجيالهم القادمة. ونعلم، ان الاقتصاد والتجارة هما من شرايين الحياة، ولهما منطقهما القاهر. فمن بيده مفاتيح الاقتصاد يملك، بالضرورة، تأثيرا مباشرا على القرار السياسي، وهو بالتأكيد قادر على تحديد مسار المستقبل.

بالطبع، لكل وجود استحقاقاته. وإذا أخذنا الإمارات وقطر كنموذج، فسنجد أن التغيير الاجتماعي قد تم، ولا زال يتثبت ويقنن يوما بعد يوم.

الثقافة الآسيوية سادت. والفضاء الثقافي العربي تراجع كثيرا.

لم يبقَ من الثقافة إلا الفولكلور للسياح.

اضعفت اللغة العربية الركيكة اصلا، وأصبحت الرابعة أو الخامسة. وهمشت الثقافة العربية الضامرة، ومزق النسيج الاجتماعي الهش هو الآخر. حطمت ثوابت المجتمع ومناعته، وبدأت مرحلة الانقراض.

ألا تمثل نسبة المواطنين، التي تتراوح بين 2 و 3 و 4%، أو قل حتى 10%، في بعض الإمارات سوى بقايا عرب؟!

أما عن السياسة فهي مسوقة، بحكم قوة الواقع، بأن تتبع التحول الاجتماعي والاقتصادي. أليست السياسة تعبيرا عن الواقع؟

الواقع السياسي يتبع الواقع الديموغرافي. والتغيير السياسي هنا ليس الا تحصيلا حاصلا، ذلك انه عندما تتغير القاعدة البشرية للسلطة تضعف السلطة ذاتها وتكون عرضة للسقوط.

من يهمش قاعدته يُهمش. ومن يُضعف شعبه يضعف معه. أليست قوة النظم والحكومات من قوة وتماسك شعوبها؟ أم إن هذه المعادلة قد تغيرت؟ إذا كانت الشعوب قد تم استبدالها في غضون ثلاثة عقود سريعة، كم سيحتاج تغيير الحكومات؟ عقدا أم عقدين؟

العقد القادم هو إذاً، عقد الهوية. عقد أن نكون أو لا نكون!

إنه آخر عقد لعرب الخليج!!

إما ان يعود الخليج عربيا كما كان، أو أن يكون آسيويا. بعض مراكز الأبحاث الأوروبية، والفرنسية تحديدا، تتوقع ان يتم التغيير خلال العقد القادم، وتوحي بأن بعض الحكام العرب المعاصرين هم آخر حكام عرب للمنطقة!

وقد وضعت فعلا السيناريوهات التي يمكن ان يتم من خلالها تحويل المسألة الديموغرافية إلى مسألة سياسية. وعناوين التغيير حاضرة. أهمها حقوق العمال والمهاجرين. وفعلا لقد طرحت الهند ذلك في أكثر من مناسبة. فإعطاء المهاجرين حق التجنس ومن ثم فرض الديموقراطية، سيفضي حتما إلى حكم الأغلبية. إنها معادلة حسابية لا تقبل المكابرة أو الإنكار.

وإن شاءت الولايات المتحدة وقدرت أن الوقت قد حان لاستبدال المشهد السياسي، فستجد ان الأرضية البشرية والثقافية جاهزة ومهيأة.

المسألة هنا مسألة توقيت وحسابات استراتيجية دقيقة.

فعندما نضجت الأمور في سنغافورة عام 1964، فصلت عن ماليزيا وسلمت للغالبية الصينية المهاجرة إليها. وهكذا الأمر في دولة فيجي، التي يحكمها اليوم هنود جلبتهم بريطانيا للعمل فيها، وهم للمناسبة لا يشكلون إلا 50% من تعداد السكان الأصليين. أي أقل من هنود الخليج!

لا شك أبداً بأن ضرب الهوية العربية في هذه المنطقة الهامة كان هدفاً في ذاته. هو مؤشر على مخطط إستراتيجية واضحة يهدف إلى السيطرة الكاملة على مخزون النفط الخليجي!

فحكم أقليات آسيوية يلغي الوحدة الخليجية العربية، ويسحب قرار النفط إن كان لا يزال مستقلا. باسم الديموقراطية، إذاً تمزق العراق وباسم التنمية، وفي غفلة من الزمن، وبصمت محير، يتحول الخليج العربي إلى خليج هندي!!

الخليج أمام أزمة تاريخية مركبة ومعقدة. والمعالجة أضحت أكثر من ملحة. أولها، بالطبع تغيير التوجهات التنموية. ومن ثم فتح الباب واسعا للعمال والمهنيين العرب، فهم كثر وعاطلون، وبشكل خاص من عمان واليمن، مخزن الخليج البشري، ومصر. وسيمثلون جميعاً خشبة نجاة لعروبة الخليج وأمنه.

ثم لماذا لا يجنس العرب المقيمون في الخليج، والذين خدموا المجتمعات الخليجية منذ عقود وفي أكثر من مجال. الجيل الأول الذي شيد دويلات الخليج تخرج من الجامعات المصرية والعراقية، وكان تعليمهم مجاناً.

ولماذا لا يستفاد من الطاقات العربية المميزة والمشتتة في كل أصقاع الأرض؟

في الختام، إن الاصرار على النهج والتوجه التنموي ذاته، الذي شوه الروح العربية للمنطقة، لن يبقي المنطقة امام مفترق الطرق، بل يفرغها مما تبقى من هويتها الوطنية والثقافية، وينتزعها بالتالي من عالمها العربي!

بعد قراءة المقال هل تستطيع الإجابة على سؤال … عل نحن في الخليج الهندي أو الخليج العربي؟

:::::

المصدر: موقع “جامعة الأمة العربية”

د. حسين غانم غباش، كاتب الإماراتي ومؤلف كتاب: “عمان الديمقراطية الإسلامية، تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث”.

✺ ✺ ✺

معادلة العصر الحجري بين الحزب والكيان الإسرائيلي.. أين وكيف؟

عمر معربوني

خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية 

ليس خافياً على احد حجم القدرات العسكرية لكيان العدو الإسرائيلي، وقدرته على إحداث دمار كبير في البنية التحتية اللبنانية، سواء عبر سلاح الجو الإسرائيلي او عبر وسائل التدمير الأخرى، كالقدرات النارية لقطع الأسطول البحري او حتى بما يرتبط بقدرات سلاح المدفعية والصواريخ.
ففي أكثر من مواجهة وعدوان في غزة ولبنان أحدثت أسلحة العدو مستوىً غير مسبوق من الدمار والقتل وهي أمور لا جدال فيها.

بالنظر الى التهديدات المتكررة من قادة العدو بإرجاع لبنان الى العصر الحجري وهو تعبير شديد التوحش  ان تعمد قوة عسكرية الى تدمير كل شيء يرتبط بحاجات الحياة اليومية من ماء وكهرباء ومصادر طاقة مختلفة وصولاً حتى شبكة الجسور وعقد المواصلات والإتصالات المختلفة،  وربما هذه المرّة مراكز الدولة الحكومية المدنية والعسكرية.

لكن الذي يحتاج مقاربة دقيقة ويحتاج الى الإجابة عن سؤال مركزي: “هل بمقدور العدو ارجاع لبنان الى العصر الحجري دون ان يدفع ثمناً مماثلاً؟”.

بالنظر الى وقائع الوضعية الحالية، فلبنان بحكم إمعان الطبقة السياسية فساداً ونهباً، هو اقرب ما يكون الى وضعية العصر الحجري على مستوى الخدمات والبنية التحتية القائمة غير الفاعلة بالنسبة المطلوبة، وعليه فإن الأضرار التي ستلحق بلبنان ستكون كارثية على مستوى استهداف البنى التحتية الأساسية من كهرباء وماء واتصالات، ولكنها لن تؤثر آنيا، وخلال المواجهة على حجم الخدمات الضئيل المقدّم للمواطنين بسبب مشاكل التشغيل لمعظم البنى التحتية.

الخسائر الأكبر في لبنان ستحصل بنسبة عالية في الجسور ومحطات الاتصالات المركزية ومعامل الكهرباء اذا ما سلكت الأمور الطريق نحو المواجهة الشاملة.

واذا ما كان جيش العدو فعلاً قادراً على تدمير كل مكامن الحياة في لبنان، فماذا تملك المقاومة من قدرات لإرجاع كيان العدو الى العصر الحجري، وهو ما جاء على لسان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة في السنوية الـ 17 لنصر تموز 2006 .

والجواب بتقديري لا يحتاج الى الكثير من العناء للإجابة عليه، انطلاقاً من قدرات المقاومة والتي تخطت بامكانياتها معادلات الردع، لتصل مع قوى المحور الى مستوى معادلات النصر، وهي بنتيجتها النهائية تعني زوال الكيان، وهو ما يشكل هاجساً مستمراً لدى قيادة العدو السياسية والعسكرية، ومعهما كامل منظومة مراكز الدراسات والخبراء والمحللين.

ماذا يعني إرجاع الكيان المؤقت إلى العصر الحجري؟

ارجاع كيان العدو الى العصر الحجري يعني ببساطة حرمانه من مقومات العصر كالكهرباء والطاقة وغيرها، وهنا وعلى عجالة سنورد للقراء اهم الأهداف الإستراتيجية في كيان العدو في كافة المجالات، والتي بحسب سيناريوهات العدو يمكن للمقاومة استهدافها وتدميرها، والتي بتدميرها سيعود كيان العدو الى العصر الحجري بكل ما تعنيه الكلمة من معاني:

اولاً | المطارات :

ــ في الكيان المؤقت 48 مدرجاً قيد الاستخدام، وهي ليست بمواصفات المطارات التقليدية المعروفة، إنما منشآت جوية صغيرة منتشرة لإقلاع وهبوط الطائرات الحربية.
وهذه قائمة بمطارات العدو المدنية والعسكرية والتي تحتوي 48 مدرجاً 
1ـ ـتل أبيب ــ مطار بن غوريون الدولي
2ــ إيلات ــ مطار رامون
3ــ حيفا ــ مطار حيفا
4ــ أفيق ــ مطار فيك1
5ــ كريات شمونةـ ـ مطار كريات شمونه
6ــ بئر السبع ــ مطار بئر السبع
7ــ هرتسليا ــ مطار هرتسيليا
8ــ روش بينا ــ مطار روش بينا
9ــ عين ياهف ــ مطار سبير
10ــ متسادا ــ مطار بر يهودا
11ــ متسبي ريمون ــ مطار متسبي رمون
12ــ يوتوفاتا ــ مهبط يوتوفاتا
13ــ عوفدا ــ مطار عوفدا
14ــ بئر السبع ــ قاعدة حتسريم الجوية
15ــ عين شيمر ــ مطار عين شيمر
16ــ حاتسور ــ قاعدة حتسور الجوية
17ــ إيلات ــ مطار مجدو
18ــ مجدوــ قاعدة رمات ديفيد الجوية
19ــ متسبي رمون ــ قاعدة رامون الجوية
20ــ نيفاتيم  ــ قاعدة نفاتيم الجوية
21ــ تل نوف ــ قاعدة تل نوف الجوية
22ــ بالماخيم ــ قاعدة بلماخيم الجوية
23ــ القدس ــ مطار القدس الدولي1
24ــ إيلات ــ مطار إيلات
25ــ تل أبيب ــ مطار سدي دوف

الموانىء 

عددها 5 موانيء وتستخدم في الأغراض المدنية والعسكرية:
1ــ ميناء اشدود 
2ــ ميناء ايلات 
3ــ ميناء حيفا
4ــ ميناء عكا
5ــ ميناء يافا 

محطات الكهرباء 

1ــ  أوروت رابين الخضيرة 2590  ميغاوات
2ــ محطة روتنبرغ للطاقة عسقلان 2250   ميغاوات
3ــ محطة روتنبرغ للطاقة عسقلان عنفة غازية ديزل40 ميغاوات
4ــ محطة أشكول للطاقة أسدود 912 ميغاوط
5ــ محطة أشكول للطاقة 771 ميغاواط
6ــ محطة أشكول للطاقة أسدود 10 ميغاواط
7ــ محطة ريدنج للطاقة تل أبيب  428  ميغاواط
8ــ محطة حيفا للطاقة 282 ميغاواط 
9ــ محطة حيفا للطاقة حيفا 748 ميغاواط
10ــ محطة حيفا للطاقة  80 ميغاواط 
11ــ محطة إيلات للطاقة 34 ميغاواط 
12ــ محطة كهرباء ايتان  58 ميغاواط
13ــ محطة ألون تافور 220 ميغاواط
14ــ محطة ألون تافور 363 ميغاواط
15ــ محطة كهرباء جيزر  الرملة 592 ميغاواط
16ــ محطة كهرباء جيزر الرملة 744 ميغاواط
17ــ محطة كهرباء هارتوف عنفة غازية ديزل40 ميغاواط
18ــ محطة كهرباء هاجيتالياكيم 1394 ميغاواط
19ــ محطة كهرباء كيناروت 80 ميغاواط
20ــ محطة كهرباء عطاروت  68 ميغاواط
21ــ محطة تزافيت للطاقةكريات ملاخي 580 ميغاواط
22ــ محطة كهرباء قيصرية 130 ميغاواط
23ــ محطة رمات هوفاف للكهرباء 1,137 ميغاواط
24ــ محطة كهرباء رعنانا 11 ميغاواط

محطات تحلية المياه 

ـ يتم إنتاج نحو 90% من المياه المحلاة في خمس محطات لتحلية مياه البحر في محطات: عسقلان، بالماخيم، الخضيرة، سوريك،  وأشدود.

المجمعات البتروكيميائية 

مجمع حيفا البتروكيميائي:
ــ يعتبر واحدا من أهم المراكز الاقتصادية في الكيان المؤقت وأكثرها حساسية، لكونه يضم العديد من المنشآت التي تعالج وتخزن المواد البتروكيميائية، بالإضافة إلى الميناء التجاري على ساحل المتوسط.
ـــ الخط الشمالي: ويقع إلى الشمال من منطقة كيشون على أرض أعدت خصيصا لهذا الغرض، بسبب بعدها عن المناطق المأهولة بالسكان وقربها من مراكز الصناعات البتروكيميائية.
ــ يضم هذا الجزء من المجمع نظاما من الأنابيب تحت الأرض لنقل الميثانول ومواد بتروكيميائية أخرى، ومستودعات لتخزين الأمونيا والإيثيلين، بالإضافة إلى العديد من منشآت الخدمة المساندة لتوفير النتروجين (الأزوت) ومياه الشرب، والهواء المضغوط، وأنظمة مكافحة الحرائق وجسر الوزن.
ــ الخط الجنوبي: يقع في نهاية رصيف الشحن العام في منطقة كيشون، ويضم سبعين خزانا موصولا بأنابيب إلى منصة لتخديم سفينة واحدة.
ــ  المنشآت النفطية: والمقصود بها المنشآت المتخصصة بالمواد المشتقة من تكرير النفط سواء للاستيراد أو التصدير التي يتم تحميلها أو تفريغها عبر صهاريج وقود خاصة، وتشمل هذه المواد وقود الطائرات والغازولين، وزيت الديزل، والكيروسين، ووقود الديزل البحري، والنفط الخام بنوعيه الثقيل والخفيف.

الخزانات:


تقع في منطقة كيريات حاييم بواقع 41 خزانا، تبلغ سعتها الإجمالية 937 ألف متر مكعب من النفط الخام بالإضافة إلى 17 خزانا بسعة 157 ألف متر مكعب موجودة في الميناء الرئيسي، مخصصة لتخزين النفط الخام الثقيل والخفيف والديزل والكيروسين والغازولين.

ــ المصفاة: تؤمن كافة احتياجات الكيان المؤقت من المواد البترولية ومنها الغاز الصناعي والمنزلي، والبارافين، وتتمتع بطاقة تكرير تصل إلى 13 مليون طن من النفط الخام سنويا. وتتصل مصفاة حيفا بواسطة الأنابيب بمصفاة أشدود، التي تعتبر من أكبر مصافي النفط في العالم، وتقع جنوبا على ساحل المتوسط.
ــ ميشور روتيم:

وهي شركة لاستخراج الفوسفات في صحراء النقب، تقع إلى جانب مفاعل ديمونة بالقرب من منطقة بئر السبع، ولا يقف عملها بحسب بعض التقارير عند استخراج الفوسفات بل يتعدى ذلك إلى استخراج خام اليورانيوم الذي يمكن العثور عليه في طبقات الفوسفات، وتشير بعض التقارير إلى أن إسرائيل تستخرج ما يقارب عشرة أطنان من اليورانيوم الذي يتم نقله إلى مفاعل ديمونة.

إضافة الى هذه الأهداف الحيوية تطول القائمة لتشمل مراكز الوزارات وعلى رأسها وزارة الحرب ومراكز الاتصالات والجسور ومحطات القطار وغيرها من الأهداف التي اذا تم استهدافها لا تحتاج اكثر من 1000 صاروخ من طراز فاتح – 110 وزلزال وفجر – 5 وعشرات الطائرات المسيّرة الإنتحارية.

علماً بأن هذا السيناريو هو سيناريو واقعي لكنه مرتبط باندلاع المواجهة الشاملة وليس المواجهات المحدودة حيث ستنطلق في بداية المواجهة الآف الصواريخ التي ستُخرج منظومات الدفاع الجوي من الخدمة، والتي ستحتاج الى إعادة تعمير يتراوح زمنها بين 45 الى 60 دقيقة وهو الوقت القاتل الذي ستنهمر فيه الصواريخ الدقيقة على أهدافها.

:::::

موقع العهد الاخباري، 19 أغسطس 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org