نشرة “كنعان”، 8 أكتوبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6645

في هذا العدد:

الفشل المخابراتي أم انتصار البنية، عادل سماره

أرضنا أبقى وأصدق من خرافاتهم، رشاد أبوشاور

كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 1 ، يلينا بانينا، تعريب د. زياد الزبيدي

  • السبب الجذري للصراع بين حماس و”إسرائيل”

الرأسمالية المتوحشة في كتابين لـ نعومي كلاين، موفق محادين

✺ ✺ ✺

الفشل المخابراتي أم انتصار البنية

عادل سماره

متى نكّف عن تصوير العدو بل الأعداء بأنهم فائقو القدرة! حتى في الاستخبارات. وليس هذا سوى إحدى نتائج الهيمنة الثقافية والسياسية والفكرية والنفسية من الغرب ضدنا وضد العالم بأسره. من الغريب استمرار هذا التأثير حتى بعد الانكشاف الغربي في الحرب الدفاعية الروسية في أوكرانيا حيث بانت عيوب الإعلام بل الهرم الثقافي الفكري  الغربي وطبعاً الصهيوني.

المخابرات ليست مجرد ماكينات ومخترعات فائقة التقنية، ولا مجرد التقاط إشارات وفك شيفرات وتصوير تحركات…الخ. بل هي اساساً بشرية، العنصر البشري هو الأهم، فوجود عميل هو الاختراق الهائل والبقايا، رغم تعقيد التكنولوجيا، تفاصيل. أي لنقل بأن الجاسوس لا يزال متقدم على التكنولوجيا بخلاف قطاعات عديدة أخرى في حياة الأمم بل وخاصة في صراعاتها، بمعنى أن حلول الآلة أو الأدوات اللوجستية محل العنصر البشري لا يزال لم يُحسم بعد.

ارفعوا معنويات الشارع العربي كي تستردوه، تسترجعوه من ايدي الأنظمة وقوى الدين السياسي الإرهابية بالقول بان الحذر والسرية كانا سيد الموقف وبأن البنية التي شاركت في المعركة نظيفة.

إن تضخيم قدرات العدو على يدنا أمر يجب أن يتغير. فتجرية هذه المعركة الرائعة توجب القول بأن تنقية دقيقة للبنية قد حصلت، جرى تقليم الشجرة، تنظيف العفن وصولاً غلى بنية سليمة وقوية؟  ذلك لأن تضخيم قدرة العدو تفترض استحالة تنظيف البنية!

لماذا تبخلوا على أنفسكم بالنصر المعنوي والعلمي؟

الأمر ببساطة، لم يعد للعدو عيونا محلية، وعيونه الخاصة عمياء. لذا، يمكن القول: ليس العدو خارق القدرة بل إن الصف ليس مخروقاً. كيف لا! وما من أحدٍ يعلم الغيب، فكيف يتم التخيُّل أن العدو يعلمه؟ فليست للعدو، بل الأعداء قوة عقلية خارقة بخلاف كل البشر.

هل كانت حدود غزة مليئة بالدبابات والمجنزرات حتى نقول لم ترصدها عيون العدو وأقمار التجسس الأمريكية والغربية وحتى أجهزة ومخترعات الكيان، والتي بعد هذه الحرب سوف تخسر مساحة كبيرة من سوقها ولا سيما سوق السعودية والإمارات والمغرب.

تذكروا جيداً: ألم تكن هزيمة 1948 بخيانة الحكام؟ الم يقد الجيش العربي الأردني جنرال إنجليزي هو جلوب/أبو حنيك؟

الم يقم الحسن الثاني بوضع مخابرات العدو في غرفة ملاصقة لمؤتمر القمة العربي 1965؟

ألم يعلن الكيان عن خدمات ملك الأردن 1973 بل قالها الملك بنفسه عن تلك السنة وما قبلها وما بعدها؟

أليس التطبيع إخباريات علنية ثقافية نفسية معنوية للعدو بل ومعلوماتية؟

لكن إذا كان اختراق نظام أمر سهل، فليس سهلاً اختراق منظمات غِوارية.

 دعونا نتذكر مثال محمد فارح عيديد الجنرال الصومالي الذي رصدت أمريكا عام 1991 الملايين للوشاية به بعد أن سحل جنوده جنود أمريكا على الرمال كما حصل في طوفان الأقصى حيث تم سحل جنود الكيان. وحين استعصى أمر معرفة مكانه كتبت إحدى الصحف الأمريكية (ربما واشنطن بوست):

“…  بوسع طائرات التجسس واقمار التجسس التقاط صورة سيارة او بيت ولكن لا يمكنها التقاط شخص، فالتقاط الشخص يحتاج افرادا يراقبونه ويخبرون عنه، ولكن لا يوجد في الصومال مثقفين؟ مفهوم هذا بالطبع، وليست الخيانة محصورة في مثقفين.

تفيد قراءة تاريخ الجاسوسية بأنها لم تكن عِلما للغيب بل اشخاص بعينهم هم عيون للعدو.

اسألونا نحن هنا: هل هناك فلسطيني واحد/ة لم يبتزه العدو كي يصبح عميلاً، سواء تم اعتقاله أم لا؟

لم يكن الانتصار على تكنولوجيا التجسس بل كان أساسا انتصار على الذات بتنقية الذات. 

✺ ✺ ✺

أرضنا أبقى وأصدق من خرافاتهم

رشاد أبوشاور

تلّة عين السلطان التي ترتفع على يمين مدخل أريحا، أو يسارها، وأنت تدخل، أو تخرج من المدينة العريقة التي تقول توراتهم بأن (يوشع) قد أمر بإحراقها، ولم يبق سوى على أدوات الفضّة وما تيسّر من الذهب بعد تدمير أسوارها…

في الأرض المنخفضة، ومن تحت المرتفع، تتذفّق ألّذ وأخّف مياه في العالم، منذ ألوف السنين. ولأن الزراعة لا يمكن أن تخصب وتُطعم بدون الماء، فقد أقام سكّان أريحا القدماء في هذا المكان خصب الأرض، غزير الماء، المحمي طبيعيا بجبل شامخ يحتضنه، وتتشكّل فيه مغاور وكهوف تحمي اللائذين به في أوقات الخطر عندما يداهمهم غزاة طامعون، وتمكنهم من المقاومة بإسقاط الصخور فوقهم، ودحرهم بعيدا عن أرض يخصبونها بدأبهم، وبماء يروونها من نعمة تدفقه.

ليس هذا تغزلاً بمكان عشت قربه سنوات من عمري منذ طفولتي، فقد عرفت تل السلطان في طفولتي، وتأملت ما تبوح به من تراث أريحا العريقة…

يمتد مخيم (عين السلطان) من كتف الوادي الشتوي الذي يفصل بين بلدة النويعمة،بعد اللجوء (مخيّم النويعمة)، و(مخيّم عين السلطان)، اللذين أُنشئا بالخيم بداية، ثم عندما طالت أيام اللجوء انهمك اللاجئون في بناء غرف من الطين، غطّوها بأعواد البوص الجافة وبالطين، وهي غرف مبنية تماما كما كانت غرف سكّان أريحا القدامى يبنون، وذلك يعود إلى دفء الطين شتاء وبرودته صيفا، وبساطة البناء السهلة، وتواضع تكلفتها.

نمشي من مخيمنا، النويعمة، ونمّر بمخيم عين السلطان الممتد من كتف الوادي حتى (تلّة عين السلطان) على يمين الطريق، حيث تستلقي بيوت المخيم على سفح التلّة، وتبدو امتدادا لها، ويطل سكانها على بقايا مساكن تغمرها أكوام التراب، وإذ نُطّل عليها لا نستغرب تشابه أسلوب البناء قبل ألوف السنين وهذه الأيّام.

كنّا ننعطف ونهبط الطريق المائل، وننحني ونغّب من المياه الباردة في عّز الصيف، ونشرب ولا نرتوي فماء عين السلطان خفيف ويتسرّب في الجوف منعشا، ثمّ نغمس رؤوسنا ونبلل أعناقنا، ونشعر أننا جزء من المكان، من الماء، والحصى الناعم اللامع، وظلال النخيل، والتلّة المنتفخة التي تكتنز تاريخا وحضارةً، فهنا وجد أقدم تجمع بشري، وناسه بنوا بيوتا من طين_ من تراب الأرض، وماء الينبوع_ وزرعوا القمح، ودجنوا الحيوانات، وعاشوا وادعين مطمئنين.

كنّا نمر أحيانا فنرى من يحفرون بلطف، ينبشون عمق الأرض باحثين في أسرارها، ونشعر بالفخر بما تركه أسلافنا، وما يجتذب أشخاصا يقرؤون في أرضنا عصورا خلت تكتنز تاريخ تطوّر البشريّة، ويتعرفون على التطوّر الحضاري لمن عمروا هذا المكان، والذي رغمّ ما مرّ به من مُلمات وكوارث ما زال غنيا بالمعلومات التي تقدّم معرفة للبشرية.

أذكر أنني رأيت امرأة ببنطلون أبيض –تلك أول مرة أرى امرأة ترتدي بنطلونا، أنا وغيري، وهو ما أدهشنا، ثم عرفت أنها تقود فريق التنقيب_ ومضت سنوات حتى قرأت شيئا مما كتبته عالمة الآثار تلك، البريطانية كاثلين كينون عن أريحا القديمة.

أن تضع منظمة (اليونسكو) أريحا القديمة العريقة على قائمة التراث العالمي من بين أهم المواقع التاريخيّة فهذا لا يضيف جديدا لها، ولكنه يُنصفها ويكرّمها، ويضعها في موقعها العالي اللائق بها، وبناسها المؤسسين، الذين نحن امتداد لهم، والذين كنت أشعر منذ طفولتي المبكرة أن بيوتنا الطينيّة هي امتداد لبيوتهم، وأن ماءنا هو ماء ينابيع ارتووا منها، هم وأرضنا التي زرعوها فكانوا روّاد الزراعة والاستقرار، وأول تجمع بشري عرف الزراعة والأسرة وتدجين الحيوانات.

لقد وفرّت الطبيعة للكنعانيين الأوائل، أسلافنا، أبناء هذه الأرض، كل العناصر الكفيلة لتشكُّل بداية الاستقرار البشري، والانتقال من حياة القطعان الهائمة الجاهلة التي تعيش على ما يتوفر في الطبيعة، إلى حياة الاستقرار والاسرة، والتجمع البشري الذي يأكل من جهده في زراعة يبدعها، ويحتمي بالتكاتف وبما يتوفر له من قوّة الجماعة، ومن الاحتماء بمغاور وكهوف الجبل العريق، جبل قرنطل، والذي عرف بعد لجوء السيّد المسيح إليه بجبل (التجربة)، حيث انتصر على (الشيطان).

لا يمكن تزوير الحقائق التي تختزنها الأرض، مُطلق أرض، فهي تبوح للبشر بأسرارها وحقائقها بما تختزنه، وحقائقها لا يمكن أن تقاس على ما تدّعيه التوراة، وعلماء التاريخ ينطلقون من حقائق الأرض وما تقوله، ومن يزورون يريدون أن تقول الأرض ما تدّعيه التوراة، وفي زمننا تناقضت وجهتا النظر، وشنّ الصهاينة والمتصهينون حربا على مؤرخين رفضوا الاحتكام لما يدّعيه التوراتيون ودفعوا الثمن بطردهم من التدريس في جامعات عريقة ضحّت بمصداقيتها إرضاء للهيمنة التوراتية الصهيونيّة، وفي مقدمتهم البروفسور كيث وايتلام صاحب الكتاب التاريخي العظيم( اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني) الذي نسف تلفيقات التوراة وادعاءات الصهاينة والمؤرخين المنحازين لرواية التوراة الملفقة..والذي طرد من عمله الجامعي عقابا له على كتابه المدعّم بالحقائق العلمية.

بعد الاحتلال الصهيوني لكامل فلسطين حضر مؤرخان هولنديان شقيقان إلى منطقة بيسان وحفرا في أرضها، وبعد سنتين غادرا وعقدا مؤتمرا صحفيا وأعلنا أن ما وجداه في طبقات أرض بيسان الفلسطينية يدلل على: طبقة السطح الأثارية هي عربيّة إسلاميّة، وطبقة العمق كنعانية عربيّة، ولا دلائل على وجود أي صلة لمرور عبري في هذه الأرض كما يدّعي التوراتيون.

كان المؤرخ الدكتور شوقي شعث، الفلسطيني، مديرا لمتحف آثار حلب ولقلعة حلب، فدعا عددا من المؤرخين العرب والعالميين للمشاركة في ندوة عقدتها جامعة حلب عام 1981 من بينهم العالمان الهولنديان في حلب، وصدر عن الندوة مجلدان يحويان كل ما طرح في أيامها، وهما غنيان بأبحاثهما.

في تلّة عين السلطان، اريحا القديمة، بيوت طينيّة تغمرها الأتربة ولكنها واضحة بجدرانها رغم تقادم الأزمنة عليها، ولأن الموقع كان يخضع للاحتلال، فقد غُرست لوحات تقول: تأسست أريحا القديمة قبل 12ألف سنة..وفي الألف الثاني قبل الميلاد دخلها يوشع بن نون!

ادعاء وتفاهة وانتحال وتزوير للتاريخ، ومع ذلك لا بُدّ من الأسئلة: من أسسها؟ ومن الذين عاشوا فيها كل تلك القرون؟ ومن أين جاء ذلك اليوشع؟ ولماذا أحرقها وأهلها وحيواناتها واحتفظ بأواني الفضّة والنحاس؟ وأي عقلية هي عقلية أولئك الغزاة الذين يستبيحون وينهبون ما يبنيه الآخرون، ويعاقبونهم على تحضرهم؟ ثمّ: لماذا ينتحلون تاريخا مزورا ويبنون عليه؟!  

طبعا كل ما تدّعيه التوراة لا حقائق تثبته في الأرض، وهذا ما أثبته مؤرخون غربيون تميزوا بنزاهة العقل والضمير أتكاء على ما تفصح عنه الأرض من آثار تركها أقوام ينتمون للأرض، لا من يدّعون.

في هذه الأيام يقاتل شباب أريحا، ويبرز مخيم عقبة جبر جار أريحا،  ويواجهون الاحتلال بما يتوفّر لهم من وسائل مقاومة، ويضيفون لمقاومة شعبهم العربي الفلسطيني العريق.

تصنيف أريحا القديمة، وموقعها، وتلّة عين السلطان، موقعا حضاريا إنسانيا فيه شئ من الإنصاف، ولكن من يعيد لأريحا حقائقها الحضارية هي مقاومة عرب فلسطين، فهم الامتداد الحي للتاريخ، لتراب وماء ونخيل أريحا ولعظمة ما خلّفه أسلافنا في عُمق أرضنا، وهو تراث يخّص البشرية كلها، ونحن عرب فلسطين الأوفياء لصونه وتحريره ثقافيا وتاريخيّا وحضاريّا …  

✺ ✺ ✺

كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 1

اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

  • السبب الجذري للصراع بين حماس و”إسرائيل'”؛هو هجوم رعاة البقر الأميركيين على السعوديين

يلينا بانينا

سياسية روسية

عضو البرلمان الإتحادي

مديرة معهد الدراسات الاستراتيجية في السياسة والاقتصاد

7 أكتوبر 2023

كيف ينبغي لنا أن نفسر عملية “طوفان الأقصى” العسكرية – التي تبدو انتحارية – التي تشنها الجماعات الفلسطينية بقيادة حماس ضد إسرائيل – بالطائرات الشراعية والمسيرات الانتحارية ضد القبة الحديدية ودبابات جيش ‘الدفاع الإسرائيلي”؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نترك التفاصيل جانباً، مثل الجدل حول وضع المسجد الأقصى في القدس، وأن نرتقي إلى مستوى أعلى.

▪ ️في الأسابيع الأخيرة، نشطت واشنطن بشكل متزايد في الشرق الأوسط، حيث روجت لما يسمى بخطة “الاتفاقية الأمنية” مع السعودية.  ووفقا لها، في مقابل ضمانات دفاعية من الولايات المتحدة ومساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني، سيتعين على الرياض أن تنأى بنفسها عن الصين وروسيا، وأن تقيم أيضا، لأول مرة في التاريخ، علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.

 إن التوقيع على مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى ثلاث عواقب بعيدة المدى على الأقل.

 أولا – يتلخص هذا في إضعاف موقف إيران، مع توجيه ضربة متزامنة إلى المكانة الدولية للصين، التي نجحت مؤخراً في التوفيق بين طهران والرياض في المفاوضات الثلاثية.  ولا تخفي وسائل الإعلام الأميركية أن فكرة إنشاء محور «أميركا-إسرائيل-السعودية» تستهدف بالدرجة الأولى مواجهة «الهجوم الدبلوماسي الصيني» في الشرق الأوسط.

ثانيا – إن عودة العربية السعودية، التي انضمت حديثاً إلى البريكس، إلى فلك النفوذ الأمريكي تهدف إلى تعزيز موقف بايدن بشكل حاد عشية انتخابات 2024 – وستكون هذه هي النتيجة الثانية لتوقيع الاتفاقية.  خاصة إذا دفعت واشنطن الرياض إلى زيادة إنتاج النفط بشكل حاد بما يتعارض مع الاتفاقيات داخل أوبك +، والتي يتم بذل كل شيء من أجل تنفيذها.

ثالثا – وأخيرا، فإن اعتراف السعوديين بإسرائيل من شأنه أن يضع حدا فعليا لفكرة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

 ومن الجدير بالذكر هنا أنه على الرغم من مطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية، والتي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع FoxNews  في سبتمبر/أيلول، إلا أن وسائل الإعلام العالمية سرعان ما طرحت “نسخة” جديدة:  زعموا أن بن سلمان عبر عن استعداده لإبرام صفقة مع تل أبيب، حتى لو لم تقدم تنازلات جدية تجاه الفلسطينيين.

▪️ وعلى خلفية هذه المخططات فإنه يمكننا تفسير السلوك “الانتحاري” لحماس.  وهدفه ليس تحقيق النصر العسكري على إسرائيل. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يكون انتصار اسرائيل بمثابة رد فعل عنيف للغاية من جانب تل أبيب على الهجوم الفلسطيني.

 السعوديون، الذين يزعمون أنهم قادة العالم العربي والإسلامي، لن يتمكنوا من تجاهل الإبادة الشاملة لقطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي.  وبعدها سيتبين أن فكرة إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ومعها «معاهدة أمنية» مع الولايات المتحدة، غير مناسبة، بعبارة ملطفة.

إذا لم يكن التصعيد الحالي كافيا، فإن حزب الله سيزيد من حدة التوتر، بعد أن وعد بالفعل بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل في حالة قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في قطاع غزة.

وهكذا، في قلب التصعيد الحالي للصراع بين حماس وإسرائيل تكمن محاولة واشنطن لاستعادة نفوذها في الشرق الأوسط من خلال وجود فيل في معرض الادوات الزجاجية، ومغازلة الرياض، وإنكار تعقيدات الصراع الإقليمي والتناقضات العالمية.

أمامنا – نتيجة مباشرة لعجز الولايات المتحدة التي فشلت منذ فترة طويلة عن القيام بدور المحكم العالمي.  إن رغبتها في استعادة هذه المكانة المفقودة بأي ثمن لن تؤدي إلا إلى زيادة الاضطراب في العالم.

✺ ✺ ✺

الرأسمالية المتوحشة في كتابين لـ نعومي كلاين

موفق محادين

أيلول 2023

تؤرّخ نعومي كلاين الرأسمالية الأميركية المتوحشة.

في كتابين مهمّين، تؤرّخ نعومي كلاين الرأسمالية الأميركية المتوحشة، وتقدّم معطيات ووقائع تؤشر على أن هذه الإمبريالية باتت تستنفد قدرتها على تجاوز أزماتها البنيوية التي تم تعد دورية فحسب، بل دخلت أيضاً في حالة استنفاد تاريخي، تدفعها إلى مزيد من التوحش وتوتير العالم كله. 

في كتابها الأول، “عقيدة الصدمة ورأسمالية الكوارث”، تُظهر كيف قامت الإمبريالية الأميركية بتكريس مهندس التوحش الرأسمالي، ملتون فريدمان، مؤسس مدرسة شيكاغو، واحداً من أبطال أميركا (قرار للكونغرس)، والذي شكل مع مواطنه سوروس، مهندس الثورات الملونة وفيلسوف البورصات (وهما يهوديان من أصول مجرية) أخطر ثنائي ضد قوى حركة التحرر في العالم كله. 

ارتبط اسم فريدمان أولاً بجامعة شيكاغو، قسم العلوم الاقتصادية، الذي تولّى إعداد موجات من خبراء الاقتصاد وصندوق النقد الدولي لفرض الخصخصة وفلسفة السوق المطلقة المتوحشة، الغابة بمعنى الداروينية الاجتماعية والاختيار الطبيعي للأقوى. كما ارتبط هو وأستاذه وشريكه، فريدريك فون هايك من المدرسة النمساوية ثانياً، بتيارات مماثلة في جامعة هارفارد، وخصوصاً دانيال بيل. 

ونالا، كلاهما، جائزة نوبل بعد عام واحد من تأييدهما المذبحة الدموية التي قادها الانقلاب العسكري عام 1978 في تشيلي، بدعم وتدبيرمن الاستخبارات الأميركية وعدد من الشركات هناك. 

كثف فريدمان أفكاره في كتابه الشهير “الرأسمالية والحرية”، الذي استُخدم كعنوان أيديولوجي في الحرب الباردة ضد الاشتراكية وضد مدرسة فك التبعية المعروفة بمدرسة التنمية، وكانت في بداياتها مزيجاً من الرهان على التصنيع كأساس للتقدم ومن الكينزية.

بدأت مدرسة التنمية نشاطاتها في تشيلي عام 1950 باسم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية في أميركا اللاتينية، وتركت تأثيرات واسعة في مشاريع وطنية، مثل مشروع بيرون في الأرجنتين، وانتهى عدد من مفكريها إلى خيارات اشتراكية جذرية، مثل جوندر فرانك. 

ساعد على انتشار مدرسة شيكاغو وأفكار فريدمان، تبني الرئيس الأميركي، آيزنهاور، لها في مواجهة الاشتراكية والكينزية معاً، وتحويلها إلى سلاح أيديولوجي في أيدي الأخوين دلاس، وزير الخارجية ومدير الاستخبارات الأميركية. 

منذ ذلك الوقت، صارت مدرسة شيكاغو عاملاً أساسياً من عوامل السياسات الأميركية، إلى درجة وصفت فيها إدارة نيكسون بأنها شيكاغوية أو فريدمانية، وهي الإدارة التي نفذت أكثر من انقلاب دموي في أميركا اللاتينية والعالم. ووفّر صعود غورباتشوف في موسكو بيئة ملائمة لتوحش السياسات الأميركية المعتمدة على مدرسة شيكاغو، ومن ذلك ما يعرف بتفاهمات واشنطن عام 1989.

وهي التفاهمات التي كرست سياسات السوق المتوحشة وأدواتها الليبرالية السياسية والاقتصادية، ممثلة بالبنك وصندوق النقد الدوليين. وليس بلا معنى أن الخطاب الذي ألقاه فوكوياما عن نهاية التاريخ، كان بحضور فريدمان نفسه وممثلي المحافظين الجدد، ومن ذلك أيضاً أنه، بحلول عام 1999، كانت لجنة قدامى شيكاغو تتضمن وزراء ومحافظين للبنوك المركزية في عشرات البلدان، منها بولندا وروسيا. 

سياسيو أميركا، رجال شركات

من المفهوم أن رجال السياسة في أغلبية البلدان الرأسمالية هم امتداد لمجتمع الشركات، تماماً كما أن السياسة امتداد للاقتصاد، كما يقول كلاوفتز. وتتأكد هذه الظاهرة في الولايات المتحدة، حيث يتجلى الاقتصاد المتوحش لفلسفة السوق – الغابة: 

– مع صعود الولايات المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية، صعد ممثلو الشركات إلى القمة السياسية في واشنطن، مثل الأخوين دلاس في وزارة الخارجية وإدارة الاستخبارات. وكانا يديران مكاتب محاماة كبرى لشركات، مثل النيكل ومورغان وسوليفان. 

– إذا كان كسينجر الأبرز في تاريخ الخارجية الأميركية، في ملفات الصين والتحضير لكامب ديفيد والإشراف على أكثر من انقلاب عسكري دموي، كما حدث في تشيلي، فكان، في الوقت نفسه، يملك عدداً من الشركات، مثل شركة كسينجر أسوشيتس، ويمتلك حصصاً كبيرة في شركات كوكا كولا، وفيليور لإعادة الإعمار، وتريريم للخدمات الأمنية، وآي تي تي التي شاركت في انقلاب تشيلي المذكور. 

– وزير خارجية آخر، هو جيمس بيكر، الذي يملك شركة كبرى للمحاماة وتمثيل مصالح العائلة السعودية وشركة هاليبرتون، بالإضافة إلى حصص كبيرة في مجموعة كارلايل للأنظمة والاتصالات الدفاعية. 

– الفريق الأميركي لغزو العراق من وزراء خارجية ودفاع:

o شولتز، رئيس لجنة تحرير العراق، عضو مجلس إدارة في شركة بكتل.

o ديك تشيني، رئيس مجلس إدارة هاليبرتون، التي وقعت مع الجيش الأميركي عقودا للبنية التحتية واللوجستية وتأمين الأسلحة والجنود والمرتزقة. 

o رامسفيلد، رئيس شركة بيوتكنولوجية، هي شركة جلياد ساينسز، من نتاجها براءة اختراع أدوية تسبب الهلوسة ونزعة الانتحار. كما هو معروف أن رامسفيلد هو مهندس خصخصة الجيوش لمصلحة الشركات الخاصة، حتى أنه ألغى الدعم الصحي العسكري للجيش الأميركي نفسه. 

o بول بريمر، مساعد سابق لكيسنجر، وصاحب شركات للخدمات الأمنية. 

o جيمس ستيل، قائد أكبر جماعات المرتزقة ومؤسس الخيار السلفادوري للترويع عبر القتل المعلن، وهو نائب رئيس شركة إنرون، ومساعد لبريمر. 

الصدمة والترويع

بحسب كتاب “الانقلاب”، لـ سيتفن كينزر، الصادر عام 2006، يقوم الأميركيون بالتحضير لمسرح الجريمة والصدمة والترويع، وفق سيناريو مكشوف ومعلن، عبّر عنه الفيلم الشهير “ذيل الكلب”: تحويل حادث مع شركة أميركية في البلد المستهدف من موضوع اقتصادي خاص ومحدود إلى حافز سياسي (يهدد أمن الأمة الأميركية)، ويتلو ذلك شيطنة النظام المستهدف (شمولي، ديكتاتوري وجزء من محور الشر)، مع حملة إعلامية لـ”إنقاذ شعبه” من القمع والفقر. 

بعد ذلك، تأتي سياسة الصدمة الأولى مع أشكال مروعة من القصف واستخدام أقصى القوى عند التدخل العسكري، وبهدف الاستثمار في الخوف واليأس وتعميم ثقافة الاستسلام، تحضيراً للصدمة الثانية (في العراق أطلق 20 ألف صاروخ كروز في الضربة الأولى، بالإضافة إلى ما عُرف بأم القنابل: 9500 كيلوغرام). 

والأكثر بشاعة إطلاق ما يسمونه “كلاب الصيد”، المستمدة من قاموس الخيار السلفادوري: القتل البشع المعلن والتمثيل بالجثث وتركها عند قارعة الطريق.

وفي كل ذلك، تنطلق سياسة الصدمة من اختلاق الأزمات أو توظيفها وتحويلها إلى فرصة من أجل إحداث التغيير المطلوب في فلسفة التوحش الرأسمالية، بالاعتماد على فكرة ميكافيلية تقوم على ارتكاب الفظائع دفعة واحدة، وعلى إضافات لمدرسة شيكاغو وفيلسوفها فريدمان، الذي دعا إلى أن تكون الصدمة علنية ووقحة وبالتفصيل الممل. 

من أدوات الصدمة، المختبرات والتعذيب. فعبر برامج تمويل من جانب الاستخبارات الأميركية، أُجريت التجارب على أطفال ومتسولي شوارع مختطفين (يشار هنا إلى أفلام أميركية تناولت ذلك، مثل “جزيرة شاتر” للمخرج سكورسيزي).

كما طورت مجموعة من البرامج الأخرى، مثل برنامج كوبارك للصدمات الكهربائية والأصوات والإضاءة القوية واللعب في أوقات النوم والوجبات، ومثل برنامج خبير التعذيب، كاميرون، للسيطرة على الذاكرة والبيانات الحسية، التي ترد إلى الشخص باستمرار وشطبها، وكان يشمل ذلك العزل التام واستخدام العقاقير والكيميائيات ومشروع “الأرضي شوكي”، الذي عُرف أيضاً بـ “مشروع العصفور الأزرق”، أو “ألترا”، والذي استُخدم لتحطيم معنويات السجناء. 

بحسب الكتاب أيضاً، لم يقتصر التعذيب وتحويل السجناء أو المختطفين من الشوارع، من الأطفال والمتسولين، إلى فئران تجارب، بل إن الشركات الرأسمالية نفسها ساهمت في ذلك، كما حدث في البرازيل والأرجنتين بعد استيلاء جنرالات مرتبطين بالاستخبارات الأميركية على السلطة، ومن تلك الشركات: فورد، جنرال موتورز، حتى أصبحت سيارات السيدان الخضراء وفورد فالكون رمزاً للخطف وعمليات الاغتيال. 

السوق الأمنية وشركاته

من العوامل التابعة لفلسفة السوق المتوحشة وسياسات الصدمة والترويع المرتبطة بها، عالم السوق الأمنية وشركاتها وأشكال الاستجواب والقتل والتعذيب التي تخترعها أو تديرها. فمن الكاميرات وأجهزة التعقب وبرامج تحليل التقارير والدراسات المتعددة، إلى أدوات التعذيب والخطف والقتل وأساليبها، ومشاهيرها من المجرمين الكبار، أمثال جيمس ستيل، الذي خدم في السلفادور، قبل أن يصبح شريكاً في شركة إنرون ومساعداً لبريمر في العراق، وأمثال دان ميتريون، قبل أن يعتقله ثوار منظمة توباماروس وينفذون فيه حكم الإعدام.

ومن اللافت للانتباه اتساع دور المرتزقة في كل مكان، مثل شركة بلاك ووتر، التي كانت تتخذ كارولينا الشمالية مقراً لها، وتوقيع قوات الغزو الأميركية للعراق أكثر من 3500 عقد مع شركات أمنية، حتى وصلت إلى معادلة متعاقد في مقابل 10 جنود.

في هذا الحقل من العمل الأمني ودور الشركات فيه، يُلاحظ الدور الخطر والكبير للشركات “الإسرائيلية”، بحيث وصل عددها حتى عام 2006 إلى 4 آلاف شركة، بالإضافة إلى استضافة مؤتمرات دورية في “تل أبيب”، بحضور ممثلين عن شركات عالمية وتركية وعربية. 

ومن الشركات “الإسرائيلية” المذكورة: 

– شركة ماغال: تصميم أمن قصر باكينغهام في بريطانيا.

– شركة ألبت: شريكة لبوينغ في مشاريع السياجات الحدودية الأميركية وغيرها.

– نايس سيستمز: الإشراف على اتصالات شرطة لوس أنجلوس ومطار ريغان. 

– فرينت، مستخدمة في البنتاغون. 

– سوبر كوم: الإشراف على البطاقات الذكية في عديد من المدن الأميركية، مثل لوس أنجلوس.

– شك بوينت: وظيفتها حماية برامج الكمبيوتر في أكثر من مؤسسة وشركة أميركية. 

– نيو أيج سيكيوريتي سوليوشينز: دورها التعرّف إلى أنماط التصرف والسلوك لفئات مستهدفة. 

– مجموعة الجولان: شركة متعددة الأغراض، تشمل التدريب ورصد الأسلحة والمعادن، ومن زبائنها: إكسون موبايل، شل، سيتي غروب.

الرفض ليس كافياً

عنوان كتاب آخر لـ نعومي كلاين، يُعَدّ امتداداً لكتابها السابق، “عقيدة الصدمة”، لكن في زمن ترامب هذه المرة. 

يتوقف الكتاب عند عشرات المحطات التي تكشف الطابع الوحشي للرأسمالية الأميركية وتجليات مدرسة شيكاغو في كل تفاصيلها، ابتداءً من الطابع العرقي لهذه الرأسمالية في مواجهة السكان الأصليين من الهنود الحمر، كما في مواجهة الأفارقة وكل الشعوب التي ابتُليت بهذه الرأسمالية، ومن ذلك: 

– الاستحواذ على الأغلبية العظمى من الثروة العالمية، بل استحواذ نسبة ضئيلة جداً من الأميركيين على هذه الثروة، التي تقدَّر بـ 256 تريليون دولار. 

– تقسيم البلدان، التي خضعت للغزو الرأسمالي الأميركي، بين مناطق خضراء مسيجة داخل هذه العاصمة أو تلك، مثل بغداد، وبين محيط من المناطق الفقيرة والمهمشة في طول البلاد وعرضها. 

– العلاقة القوية بين عالم الشركات والحكومات والإدارات الأميركية منذ “الاستقلال”، عام 1776، بحيث استولى المزارعون الكبار وتجار العبيد على إدارة الدولة من تلك اللحظة (بالإضافة إلى المصرفيين اليهود)، حتى إن الشاعر تروديل، عندما اتُّهم بالسعي لإطاحة الحكومة، قال: لقد سبقتني الشركات بذلك منذ زمن طويل. 

– ازدراء الإنسان والطبيعة معاً، على حد قول مارتن لوثر كينغ، قبل اغتياله، حين تُعَدّ التكنولوجيا أهم من الناس، وتهيمن نزعات العسكرة والبطش والاستغلال والتمييز العنصري. 

– ويكشف الكتاب إنفاق الشركات الكبرى، الملوِّثة للبيئة والطبيعة، مبالغ طائلة على الإعلام للتقليل من ذلك، ليس عند الجمهوريين فقط، بل عند الحزب الديموقراطي أيضاً، بما في ذلك الأكثر ثرثرة ضد التلوث، مثل أوباما وهيلاري كلينتون، التي تلقت رِشىً من هذه الشركات. 

– سيطرة فلسفة العلامات التجارية في مقابل لاشيء، الأمر الذي يذكّر أيضاً بالتوريق، أو إصدار طبعات هائلة من الدولارات في الولايات المتحدة. 

– نظام الهيئة الانتخابية في أميركا، المصمَّم أصلاً لسلطة مُلّاك العبيد وتجّارهم، وبالمثل عوالم رؤساء الولايات المتحدة وكيف يُنتخبون، سواء عبر الخلفيات المعلنة والسرية للشركات الكبرى التي تدير الحزبين، أو عبر ما سماه ترامب العلامة التجارية، وخلطها بالمنصب السياسي، كما وفق رد ريغان على سؤال عن تحوله من ممثل في السينما إلى رئيس (كيف يمكن للرئيس ألّا يكون ممثلاً). 

– ليس بعيداً عن ذلك المقاربة الذكية للكتاب لعالم الرؤساء والصراعات السياسية بعالم المصارعة، وما عرف بـ تلفزيون الواقع وبرامجه، التي تحولت من نصوص معدة وشخصيات مكررة إلى نصوص حية مباشرة واستعداد البشر لإيذاء الآخرين أو تقبل ذلك وسط جو من الترفيه. ومن ذلك برنامج المتدرب، كيفية البقاء حياً في البرية (الغابة) عبر استخدام أبشع الأشكال و ولخيارات والأنانية المفرطة. 

فتحول عالم البيض الأبيض والرؤساء الجدد في كل مرة إلى عالم من الغابات المتوحشة ضد العراق وسوريا وليبيا واليمن. 

العالم السابق في عصر ترامب

– تأكيداً للعلاقة الوثيقة بين الإدارات السياسية الأميركية والشركات الكبرى، كرست إدارة ترامب (تاجر فنادق وعقارات وكازينوهات) كما غيرها العلاقة السابقة باختياره وزراء ومسؤولين من عالم الأثرياء الكبار، الذين كانوا يمثلون شركات إكسون موبيل في وزارة الخارجية، وجنرال داينمايكس وبوينغ في وزارة الدفاع، ورجال غولدمان ساسكس في أكثر من وزارة، مثل الخزانة والمجلس الاقتصادي، بالإضافة إلى نائبه مايك بينس، من رجال الأعمال المنتفعين من تداعيات العاصفة كاترينا، التي ضربت نيو اورلينانز.

كل شيء في الجحيم

تحت هذا العنوان، الذي أطلقه ترامب، خلال المناظرة مع هيلاري كلينتون، أصبحت أميركا تقترب إلى نبوءات المؤرخة الأميركية، كيم فيليبس، في كتابها “مدينة الخوف”، المكرس لمدينة نيويورك والآفاق التي تنتظرها بسبب الليبرالية المتوحشة المطلقة، وتداعيات الثورة الرابعة، وانعكاساتها على هندسة الجينات.

فالرأس الأميركي، المتضخم بالثورة التقنية ولعبة المصارف والتوريق الدولاري، راح يفقد قدميه الاصطناعيتين الثابتتين، واللتين بدأتا التحول إلى نطاقات الصدأ؛ عدد كبير ومتزايد من المصانع القديمة المهجورة. ولم يكن بلا معنى محاولة ترامب سرقة أصوات من الحزب الديموقراطي عبر تقديم وعود إلى العمال والصناعيين.

من تداعيات الجحيم ومظاهره الأخرى التفسخ المتسارع للطبقة الوسطى، والارتفاع الملحوظ في معدلات الانتحار والموت بسبب الإدمان عند البيض، وتراجع المستوى التعليمي، بل تراجع القدرة على استكمال الدراسة الجامعية، الأمر الذي يفسّر ازدياد الجماعات المعارضة المنظمة، مثل: حركة احتلوا وول ستريت؛ دريمرز؛ حياة السود مهمة. 

آفاق مسدودة

بالإضافة إلى أعمالها المنشورة، “عقيدة الصدمة” و”الرفض ليس كافياً”، إلا أنها، عبر مقاربات خجولة وذات طابع نقدي في الوقت نفسه للمحاولات المضادة المتواضعة، تؤكد موضوعياً انسداد الآفاق أمام أي إصلاح من داخل المنظومة الرأسمالية.

فلا المقاربات الكينزية (نسبة إلى عالم الاقتصاد البريطاني كينز الذي يدعو إلى أشكال من التدخل الحكومي لإنقاذ النموذج الرأسمالي)، ولا قرارات الرئيس روزفلت، خلال الحرب العالمية الثانية، والذي حاول فرض بعض السياسيات الاجتماعية، أسست خيارات مغايرة بالنظر إلى طبيعة الرأسمالية المتوحشة، بل إن ساندرز، المرشح الذي ساندته الكاتبة لمنافسة هيلاري كلينتون في ترشيح الحزب الديموقراطي، كان مثقلا بالعيوب الكثيرة، على حد قولها، ومن ذلك مواقفه تجاه النساء والسود.

:::::

“الميادين”

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org