- وقراءة في كتاب: حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل
مثلما الثورة المضادة كتلة واحدة، يبدو أن عالم الثورة كتلة واحدة حتى قبل طوفان الأقصى، وإن كان ذلك مُضمراً.
ومحور الثورة عابر للعقائد والإيديولوجيات، بل تتحالف فيه الشيوعية مع الدين العربي الإسلامي.
قد يبدو هذا الحديث ضرباً في الحصى أو الرمل.
صحيح أن قرار وتوقيت الطوفان لم يعلم به إلا حفنة من الرجال، ولكن التدريب وتبادل الخبرات وتوظيف الإمكانات هي متراكمة ومتحالفة. فلماذا لا يكون في التدريب والتوظيف ايادي ذو العمامة وسوريا وإيران، بل وحتى روسيا والصين كما كان نصر 2006 فيه ايدي فيتنام وكوريا الشمالية.
الأمم التي جربت عدوان الرأسمالية والإمبريالية تحب بعضها وتتعاون لأنها إنسانية بالمعنى الرافض والثوري وليس بمعنى الطراوة التهاون.
أكتفي بهذا، وأعيد أدناه نشر ما نشرناه في كنعان قبل قرابة ست سنوات (كنعان النشرة الإلكترونية، السنة السابعة عشر – العدد 4558، بتاريخ 3 أيلول (سبتمبر) 2017 )
✺ ✺ ✺
قراءة في كتاب: حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل
تأليف مان. م. ماثيو
ورقة صادرة عن مركز الأسلحة المشتركة للجيش الأمريكي.
ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2008
حزب الله: تفوق القائد والمقاتل
والكيان: ارتباك الإثنين
عادل سمارة
تعالج هذه الدراسة الإشكال الكبير الذي وقع فيه الكيان الصهيوني بسبب عدوان 2006 على لبنان مستهدفا اجتثاث حزب الله. فهو لم يصف ذلك بالهزيمة تماما كما لم يصف أعداء السيد تلك الحرب بالانتصار، ولكنه لم ينكر أن التجربة كانت ورطة هائلة.
يمكن تلخيص الكتاب في مرتكزين:
· المستوى الفني العسكري ببعديه أي: دقة التكتيك والممارسة لدى حزب الله، وارباك وتمشكل الطرف الصهيوني
· والمستوى النفسي والإيديولوجي المتعلقين بطبيعة الصراع.
المستوى النفسي:
لقد اثبتت تجرية ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة اللبنانية وخاصة في عامي 2000 و 2006 ، بل أعادت الاعتبار لحرب الغُوار بعد أن راجت دعاية مديدة وغزيرة بأن طائرة الهليوكبتر والأسلحة الذكية والدقيقة ومنها أسلحة وتقنيات التجسس قد جعلت قتال الغوار موضة قديمة. هذا ناهيك عن حرب غوار المدن.
ورغم ان الكتاب لا يقول هذا القول، لكنه في تأكيده على قدرات ح.زب ا.ل.ل.ه كأنما يؤكد ما أشرت إليه أعلاه.
أورد الكاتب كثيرا من الشواهد على ذلك من أقوال الجنود والقادة الصهاينة عن طبيعة القتال المقاوِم.
لكن المؤلف كعسكري امريكي اي عدو للعالم الثالث والعرب وح.ز.ب ا.ل.ل.ه. وال.م.ق.ا.و.م.ة، يبدأ الكتاب بمديح المستوى القتالي للجيش الصهيوني في تمهيد نفسي لتسهيل الوصف المؤلم لهزيمة الكيان في مختلف صفحات الكتاب.
يقتطف الكاتب الإطراء مما كتب مارتن فان كريفيلد عن حرب الأيام الستة:
” حارب الإسرائيليون، النظاميون منهم والاحتياطيون، كالشياطين. اي كما قال النبي يوئيل: “كل الوجوه تجمع حمرة، يجرون كأبطال ، يصعدون السور كرجال الحرب… ولا يغيرون سبلهم … قُدامهم ترتعد الأرض… والرب يعطي صوته أمام جيشه.” ( ص 5 من ماثيو)
نلاحظ هنا الارتكاز على الميثولوجيا الدينية وتسخير الرب في خدمة الجيش الصهيوني.
كما يقتطف الكاتب من جندي إسرائليلي يصف مقاتلي حزب الله ويهزا بالجندي العربي بالمطلق:
” من الواضح أنهم لم يسمعوا قط بان الجندي العربي يُفترض به الهروب بعد اشتباك قصير مع الإسرائيليين” ص 57
طبعاً لا يمكن للمرء الركون إلى هذه الأقوال التي تنم عن العنجهية من جهة وعن هدف الحرب النفسية من جهة ثانية والتي يوظفها الكاتب كأمريكي لصالح الكيان.
ففي حرب اكتوبر 1973 اقتحم المصريون خط بارليف بسرعة فائقة واندحر جيش الكيان أمامهم بسرعة فائقة ايضا، وكانت المبررات الصهيونية، بعدم التنبه والاسترخاء…الخ. بل إن قائد الجبهة الجنوبية آنذاك، نسيت اسمه، كان قد قال في اليوم الأول للحرب بعنجهية هائلة” …سندك عظامهم”.ومعروف طبعا الجسر الجوي المسلح الذي أمدت به أمريكا الكيان في تلك الحرب.
وفي نفس الحرب، كتب ضباط صهاينة بأن الفدائيين الفلسطينيين قاتلوا بشراسة مدهشة على السفوح الثلجية لجبل الشيخ وبأن فرق الدبابات السورية كانت تتدفق عليهم بموجات بجرأة هائلة وكلما ضُربت فرقة انقضَّت عليهم أخرى كما لو كانت فرقا ألمانية على حد تعبيره. (ترجمها لي الصديق مصطفى أبو مبدا حينما كان يعمل في جمعية الدراسات العربية 1974).
في حرب عام 2006، انقلبت العنجهية والغرور النفسي تماما:
أما تيمور غوكسيل مستشار رئيسي سابق في قوات اليوتيفيل فكتب:
” اي شخص يبلغ من الحمق حداً يدفعه إلى إرسال رتل من الدبابات لاجتياز وادي السلوقي، لا يجدر به ان يكون قائد لواء مدرع، بل طباخا” ( ماثيو ص 57)
لم يتطرق الكاتب قطعاً لمشكلة الأنظمة العربية ودورها في الهزائم ولا إلى بطولة الجنود والضباط حين تكون على الأقل فرصة أخذ القرار بايديهم.
المستوى الفني العسكري:
ليس لي قول في هذا المستوى، ولكن مجمل الكتاب هو وصف وتفنيد الاختلالات في التجهيز والتدريب وحتى في نقص الذخيرة للجيش الصهيوني. حتى ما يتعلق بعقيدة حزب الله والإصرار على القتال، لم يعطها الكاتب حقها، بل حاول تغطيتها بنقد التقصير السياسي والعسكري في الجانب الصهيوني دون أن يمس إطلاقاً ضعف العقيدة القتالية للجيش الصهيوني.
لقد تحدث مطولاً، عن تناقض القرارات سواء في القيادة العليا او على الأرض.
ولكن بالإجمال عزا الهزيمة إلى :
1- سيطرة عقيدة رئيس اركان الجيش الصهيوني حينها دان حالوتس الذي اعتمد حتى نهاية العدوان على دور سلاح الجو في حسم المعركة عبر تقطيع أوصال العدو مستفيداً من المدرسة الأمريكية في هذا المجال.
2- الدور الموضعي للقوات البرية. وليس الاحتلال الموسع الشامل لكل الجنوب اللبناني.
يمكن القول بأن الكاتب راوح على امتداد البحث في تقييم بل نقد نظرية حالوتس بين حرب برية شاملة وحرب موضعية مغطاة بالطيران كانت هي ما قاد العدوان الصهيوني طوال الوقت على لبنان 2006.بل يكاد الكاتب يضع كل الهزيمة على حالوتس ربما بأكثر من تخطيط والتزام وبطولة حزب الله.
وبالطبع، فات الكاتب او قصد ان لا يعقد مقارنة بين قيادة حزب الله وخاصة السيد حسن نصر الله وبين قيادة الكيان العسكرية والسياسية.
يدافع الكاتب عن الالتحام المباشر بالغزو البري الشامل، دون أن يأخذ بالاعتبار بأن الإلتحام المباشر سيكون لصالح حزب الله كما حصل في مارون الراس ووادي السلوقي وغيرها وهو كما يبدو ما كان يخشاه حالوتس. وهذا يعني أن هزيمة العدو كانت مؤكدة فيما لو تم تطبيق اياً من السناريوهين.
عوامل النصر:
في تبريره لهزيمة العدو/ مع انه لا يسميها هزيمة، فقد أبرز، عن غير قصد عوامل نصر حزب الله وهي:
أولاً، العامل الأساسي: الإعداد والاستعداد الدقيق والمناسب والمدرك لكل من المعركة والأرض والهدف في صراعه مع العدو. وهذا أشار إليه الكاتب في معظم صفحات الكتاب. ورغم أنه ذكر ذي العمامة في عدة مواقع لكنه لم يوفيه حقه من حيث الكاريزما القيادية التي اثرت حتى على الشارع الصهيوني.
ثاياً: أشار الكاتب إلى دور الانتفاضة الثانية في خلخلة الجندية او العسكرية الصهيونية، وهذا يعني بالنسبة لنا أهمية اي حراك شعبي في الأرض المحتلة لأنه يهز بنية الكيان من الداخل سواء في حالة الحرب أو الهدنة. وهذا يعني أن نتفهم أهمية الانتفاضة الجارية أو الهبة الحالية حتى وإن كانت كما وصفتها مراراً موضعية وموقعية فقط.
ثالثاً: التقاطع بين الإستراتيجية العسكرية ل.ح.ز.ب. .ا.ل.ل.ه. والاستراتيجية الشيوعية ممثلة في العلاقة مع كوريا الشمالية /الديمقراطية. حيث يقتطف:
“ومع ان الاستخبارات الإسرائيلية كانت تعتقد ان منظومة ح.ز.ب. .ا.ل.ل.ه الدفاعية كانت تعتمد على اساس العقيدة العسكرية الإيرانية، فقد رأت مصادر اخرى ان تلك المنظومة المعقدة أُنشئت على غرار منظومة حرب العصابات الدفاعية القائمة على امتداد حدود كوريا الشمالية …بإشراف عناصر من كوريا الشمالية …فقد ورد في التقرير تصريحات لمسؤول كبير في الحرس الثوري الإيراني تفيد يان مستشارين من كوريا الشمالية ساعدوا ح.ز.ب. .ا.ل..له”(ماثيو ص 29) عن
North Koreans Assisted Hizbullah with Tunnel Construction” Terrorism Focus, vol, 3, issue 30 (1 August 2006) p1.
واضاف: “إن هذا النموذج الجديد لحزب الله … من نواح عدة نسخة عن المنهجية التي اتبعها الفيتناميون الشماليون والفيتكونغ”(ماثيو ص 31 ) عن
Captin Daniel Helmer, “Not Quite Counterinsurgency: A Cautionary Tale for the USForces Based on Israel’s Operatio Change of Direction” Armor Ianuary-February 2007 , p, 8
رابعاً: تطويع الصواريخ لحرب الغوار: فقد أثبتت تجرية هذه الحرب أن فاعلية الصواريخ لا تشلها غارات سلاح الجو الصهيوني رغم غزارتها وتطورها التقني بمعنى أن الصاروخ كما المقاتل الفرد حامل البندقية من الصعب التقاطه أو الإمساك به. فيقتطف: ” عندما يسقط صاروخ كاتيوشا على منزل أحدهم يصعب إقناعه بأن كل سشئى على ما يرام” (الملازم أو إيتمار، آبو، الجيشالإسرائيلي ) ص 45 من ماثيو.
خامساً: كما أثبتت تجربة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة في لبنان منذ 1982 وحرب 2006، والعدوانات الثلاثة على غزة، أن حرب الغوار ممكنة وقادرة على الانتصار حيث دمجت بين الشكل التقليدي لهذه الحرب وتشكيل قوات شبه نظامية معاً.
سادساً: أثبت انتصار 2006 بأن التعاون ممكن بين قوى المقاومة وحرب الغوار بغض النظر عن الإيديولوجيا، بمعنى أن الشيوعية الحقيقية والجهاد الحقيقي يمكنهما التحالف في مواجهة الإمبريالية. تماما كما هي التبعية وقوى الدين السياسي حليفة وضيعة للإمبريالية.
سابعاً: لقد كشفت هذه الحرب ان الاستراتيجية الشرقية قادرة على التفوق على الاستراتجية الجوية التدميرية التي اخذها رئيس اركان الكيان الصهيوني عن المدرسة الأمريكية.
نختم بلبمقتطف التالي:
” يصف احد شهود العيان الفوضى التي عمت مقر قياد لواء جولاني قائلا: …اخذ الجنود يتراكضون جيئة وذهابا وهم يحملون الخرائط ، وبدا ان الضباط يزعقون في الهواتف الخليوية المشفرة لتنسيق اعمال اجلاء الجرحى” .
من الذي هرب إذن؟
يكفي ان ننظر إلى التدرُّج التالي لنتأكد بأن زمن الانتصارات قد أتى كما قال ذو العمامة:
عام 1967 كان العدوان نزهة كما يزعم الكيان.
حرب الاستنزاف التي تلت 1967 والتي شنها عبد الناصر ردت الاعتبار للمقاتل المصري
حرب 1973 حققت على الأقل نصف انتصار لولا خيانة القيادة المصرية
عدوان 1982 صمدت ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة في بيروت 81 يوما وكان خروجها من لبنان بضغط البرجوازية اللبنانية
عام 1985 انسحب العدو من محيط بيروت تحت ضغط المقاومة
عام 2000 هربت قوات العدو وقوات العملاء
عام 2006 هُزم العدو
واعوام 2008-9 و 2012 و2024 هُزم العدو على الأسوار البشرية في غزة.
واليوم، يفكر العدو كثيرا قبل العدوان وقد ينتهي إلى … لاحرب من جانبه.
ملاحظة: شاهد الفيديو التالي:
“حسين مرتضى بمعطيات تكشف للمرة الاولى: المقاومين خضعوا لتدريبات نوعية خارج فلسطين
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….