من قاعدة إلى محمية: لماذا هرول الغرب إلى الكيان؟ حلقة (1)، عادل سماره

ليس المحلل متنبئا بالغيب ولا قائدا لجهاز مخابرات يزوده بما يخطط له العدو بل يقوم دوره على قراءة الوقائع والأحداث وقد يصل إلى توقعات معينة ولذا يلجأ المحللون عادة إلى القول: الأمور مفتوحة على عدة إحتمالات، وقد يرجحون هذا الاحتمال أو ذاك. هذا باستثناء المحلل المهرِّج وتفاخره بأن له تواصل كذيل لأصحاب القرار. وربما كان المحلل البعيد أو الرافض التقرُّب من اصحاب القرار أكثر مصداقية.

لكن المهم أن اية دولة او حزب يدخل حرباً لا بد إضافة إلى مجريات الحدث أن يكون في وعيه ومخططه النظر إلى ما بعد الحرب. لنقل بأن الميدان هو الذي يحدد والمحلل يقرأ ويستقرئ.

لذا، يُجمع المحللون على السيناريوهات التالية لما هو قادم في ايام وربما ساعات هي حافة ما سيحصل.

• عدوان بري موسع قد يدفع المحور للدخول الموسع

• عدوان محدود على شمال القطاع قد يدفع المحور لتدخل محدود أعلى من التسخين الحالي

• توحش في الدم ليشفي غليل العدو قد يتحمله المحور بالصمت

• توحش دموي هائل يدفع المحور للتدخل

• تبريد القتال وبدء مفاوضات صعبة.

• مواصلة العدو بعدوانات كلاسيكية سواء على غزة أو ضد سوريا…الخ دون ردود ساخنة من سوريا أو المحور. لذا، ليكن للمحور تقديره للموقف.

لعل المتغير الأساس هو طبيعة التدفق والهرولة الغربية إلى المنطقة وطابعها العلني جدا حد الوقاحة أو إعلان الحرب. ولكن، متى لم يكن الغرب هنا عدواً ! فما المتغير إذن؟

الغرب ضد الوطن العربي بما هو المنطقة الأشد إستهدافا من الغرب منذ 300 سنة واشدها تحوله إلى إستهداف من ثلاثي الثورة المضادة منذ بداية القرن العشرين وخاصة حرب 1948وما بعد.

لكن هذه المرة أعلن الغرب بل الثورة المضادة حالة من التحدي المعلن ! أي:

• عسكريا، جلب الغرب اساطيله من حاملات الطائرات والمدمرات والجنود

• أمنياً جلب فرق الهجوم لتخليص الرهائن

• سياسيا: أتى حكام الغرب بأنفسهم

• وزارياً: جاء وزراء الغرب ليتجولوا في العواصم العربية كأنهم اصدقاء او حكاماً، بل ويجمعون المطبعين مع الكيان في مأتم باسم السلام.

• إقتصاديا: تعهد الغرب بتوفير كل ما يحتاجه الكيان إقتصادياً وسلاحاً حتى أطباء علم النفس…الخ.

• مخابراتياً لا شك انه يتبادل الخبرات والمعلومات مع الكيان والمطبعين

• إعلامياً ونفسياً، إشاعة جو أن الغرب هائل القدرات وأن المقاتلين يغتصبون النساء ويقطعون رؤوس الأطفال فيما يكشف وضاعة الغرب الدائمة وليس تورطه صدفة في وضاعة.

هذه العوامل هي التي تبين أن الغرب أتى هنا ليقود الكيان وتصبح كافة قيادات الكيان وراء القيادات الغربية اي انتقل الكيان من قاعدة للإمبريالية في الوطن العربي إلى محمية، تأتمر بأمره وهذا لا شك سيؤثر على طبيعة اي صراع أو مفاوضات لاحقاً.

كانت هناك مقدمات لتحويل الكيان إلى محمية:

الأولى: حينما أمر الغربُ الكيان بأن لا يدخل إلى جانبه وهو يقود 31 دولة معتدية على عراق البعث رداً على صواريخ العراق التي قتلت 405 وجرحت أكثر من ألفين ، حسب مصادر غربية، وذلك عام 1991 .

والثانية: حينما حاول الكيان وقف عدوانه ضد لبنان في الأسبوع الأول لكن الأمريكي أمره بمواصلة العدوان حتى 32 يوم فحاقت به هزيمة منكرة على يد مقاتلي ذي العمامة.

أما اليوم، فتحويل الكيان إلى محمية بات واضحاً. ويبدو أن هذا قرار التاريخ اي أن الأمور أخذت مستقرها الطبيعي وهذا يجعل مصير الكيان تابعاً كما هو حال المحميات العربية قطر والبحرين والإمارات وعُمان ومعظم الأنظمة العربية التي صغُرت أم كبُرت هي في خيمة جواري الإمبريالي…الخ.

هذا معنى مجيئ الغرب مباشرة إلى الوطن العربي في تأكيد على أن ما يسمى إستقلالات ما بعد الاستعمار مجرد تخيلات مثقفين ناعمين، أو إنتاج أدبي محض لا علاقة له بالواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي التحرري .

ولكن لفهم أكثر لآليات تحول الكيان إلى محمية دعونا نعود أكثر إلى طبيعة حضور الغرب في المنطقة في مرحلة ما يسمى ما بعد الاستقلال. وهنا لن نوسع أن هذا الوطن هو الأكثر إستهدافاً من الغرب منذ 300سنة، وبأن كل الحروب مع الكيان هي عدوان ثلاثي الثورة المضادة ضد العروبة وليست مع الكيان وحده.

إنما نبدأ بتثبيت حقيقة أن هزيمة 1948 وخاصة 1967 قد ثبتتا طبيعة ودور الكيان كقاعدة تحتجز تطور الوطن العربي.

العبوران الأول والثاني حسما التحول:

لكن تطوراً مختلفا حصل وأكد على اهتزاز دور هذه القاعدة سبق ما ذكرنا بعضه أعلاه وأكد دور الغرب في المنطقة أكثر من دور الكيان كاستثمار إستراتيجي للغرب في الوطن العربي (أنظر حلقة لاحقة) وذلك عبر حرب أكتوبر 1973 حيث حصل العبور العربي الأول بالجيوش المصرية والسورية وإلى درجة كبيرة الجزائرية والعراقية وإن كان إلى المحتل1967. هنا إهتز دور القاعدة إلى حد كبير واقتضى خطوتين خطيريتين غربيا:

• قرار منع اي انتصار عربي كما كتب هنري كيسنجر

• وقرار مد جسر تسليح جوي إلى الكيان لم يحصل مثله في التاريخ.

يعني قرار منع الانتصار لأنه كان لو تكرَّس ذلك الانتصار سيكون على حساب الغرب ويكون الكيان بالضرورة جزء أو فصل الهزيمة الأول. وهنا أود التعرض لأمرين هما:

الأمر الأول:إن الصراع في وعلى الوطن العربي بما في ذلك اغتصاب فلسطين ليس صراعا دينيا غيبياً ولا صراع ألوان وأعراق ولا حتى إيديولوجيات. صحيح أن هذه جميعاً حاضرة في الصراع، ولكنها جميعا ثانوية ومساعدة لها دورها في التخديم على العامل الأساسي والحاسم والمقرِّر وهو مصالح الغرب والصهيونية في الوطن العربي ومن هنا معنى أن الكيان هو استثمار استراتيجي للغرب الراسمالي الإمبريالي في هذا الوطن الكبير.

والأمر الثاني: إن التصدي للثورة المضادة، وهو حتمي، ولكن حتمية الانتصار فيه تقتضي تضافر الثلاثي الثوري العربي حتميا وهو :ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة والجيش والشعب، وليس اياً منها وحده.

ولذا، كان مقرفاً ومفاجئاً تكرار عنتريات أدوات الإعلام قبل انتصار 7 تشرين 2023 وخلاله في شتم وتبخيس الجيوش العربية وذلك بقصد أو بخبث أو بهبل هو في خدمة الكيان ورفع معنوياته، وخدمة الأنظمة التي دورها هو ضد الوطن العربي والعروبة كاملة. وإذا كان هناك من يجهل تضحيات هذه الجيوش، فليقرأ ليصبح من أمة: “إقرأ”.

لذا نقول لهؤلاء أنتم لا تقرؤون التاريخ وعقليتكم ليست تاريخية، لقد خِلنا أنكم تفهمون بأن العبور الثاني هو استكمال العبور الأول، بينما عقلية التبخيسيين هي طمس وتورط في داعشية جديدة بأن هناك فقط فرقة ناجية وحيدة. إن هذا منهج التكفير والذبح وفي النهاية الهزيمة. إن التبخيس هو إقرار بتدمير الحواضر العربية الأربع الأساسية اي القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر أو تدمير العروبة!

لكن ما نقل الكيان بشكل عارٍ وحاسم إلى محمية كان العبور الثاني أي 7 أكتوبر، لأنه عبور إلى المحتل 1948 أي أن بنية الكيان اصبحت في خطر وبأنه اصبح غير قادر على حماية نفسه.

وهذا ما أرعب الغرب ودفعه للهرولة إلى المنطقة واستنفار ادواته التطبيعية كما اشرنا أعلاه. وهذا يعني أن الكيان لم يعد هو الذي يقرر في المنطقة ولا يقرر لوحده حتى لنفسه.

إذن، تغير دمج الكيان في الوطن العربي دمجا أو اندماجا مهيمناً، كي يتضح بأن الهيمنة هي للغرب الرأسمالي الإمبريالي وبأن هيمنة الكيان كانت مسرحية مغطاة بالكثير من روث إسطبلات أوجياس، الروث الذي جرى تكنيسه. وهذا يهز بعنف الأنظمة العربية التي تجد نفسها عارية كتوابع للغرب بل وجزء من ثلاثي الثورة المضادة (الغرب بأجمعه والصهيونية وهذه الأنظمة نفسها).

ولعل إحدى أهم النتائج لهذه التطورات وخاصة عودة أمريكا لقيادة المحمية العبرية هي حلول أمريكا محل دور الكيان، ولنا في هذا شاهدين:

الأول: عدم دعم امريكا لحلفائها في العدوان الثلاثي على مصر 1956 كي تحل محلهما لاستغلال الوطن العربي وقطع الطريق على الدور السوفييتي.

والثاني: عدم دعم أمريكا لتراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا الوسطى لتحل محل فرنسا في مواجهة النفوذ الصيني الروسي هناك، ولذا لم تقاتل النيجر ومالي وغيرهما ، هذا وإن دعمت لا شك الإرهابيين هناك.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/