نشرة “كنعان”، 22 أكتوبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6653

في هذا العدد:

من قاعدة إلى محمية: لماذا هرول الغرب إلى الكيان؟ حلقة (1)، عادل سماره

الصلح المحرم .. فتوى الأزهر، نص فتوى الأزهر بعـدم جواز الصلح مع (إسرائيل)، محمد سيف الدولة

نافذة على الصحافة الروسية | كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 7، اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

  • من يربح الحرب في غزة ومن خسر بالفعل؟
  • العملية البرية وسيناريوهات تطور الحرب في غزة

✺ ✺ ✺

من قاعدة إلى محمية

 لماذا هرول الغرب إلى الكيان؟

حلقة (1) 

عادل سماره

ليس المحلل متنبئا بالغيب ولا قائدا لجهاز مخابرات يزوده بما يخطط له العدو بل يقوم دوره على قراءة الوقائع والأحداث وقد يصل إلى توقعات معينة ولذا يلجأ المحللون عادة إلى القول: الأمور مفتوحة على عدة إحتمالات، وقد يرجحون هذا الاحتمال أو ذاك. هذا باستثناء المحلل المهرِّج وتفاخره بأن له تواصل كذيل لأصحاب القرار. وربما كان المحلل البعيد أو الرافض التقرُّب من اصحاب القرار أكثر مصداقية.

لكن المهم أن اية دولة او حزب يدخل حرباً لا بد إضافة إلى مجريات الحدث أن يكون في وعيه ومخططه النظر إلى ما بعد الحرب. لنقل بأن الميدان هو الذي يحدد والمحلل يقرأ ويستقرئ.

لذا، يُجمع المحللون على السيناريوهات التالية لما هو قادم في ايام وربما ساعات هي حافة ما سيحصل.

• عدوان بري موسع قد يدفع المحور للدخول الموسع

• عدوان محدود على شمال القطاع قد يدفع المحور لتدخل محدود أعلى من التسخين الحالي

• توحش في الدم ليشفي غليل العدو قد يتحمله المحور بالصمت

• توحش دموي هائل يدفع المحور للتدخل

• تبريد القتال وبدء مفاوضات صعبة.

• مواصلة العدو بعدوانات كلاسيكية سواء على غزة أو ضد سوريا…الخ دون ردود ساخنة من سوريا أو المحور. لذا، ليكن للمحور تقديره للموقف.

لعل المتغير الأساس هو طبيعة التدفق والهرولة الغربية إلى المنطقة وطابعها العلني جدا حد الوقاحة أو إعلان الحرب. ولكن، متى لم يكن الغرب هنا عدواً ! فما المتغير إذن؟

الغرب ضد الوطن العربي بما هو المنطقة الأشد إستهدافا من الغرب منذ 300 سنة واشدها تحوله إلى إستهداف من ثلاثي الثورة المضادة منذ بداية القرن العشرين وخاصة حرب 1948وما بعد.

لكن هذه المرة أعلن الغرب بل الثورة المضادة حالة من التحدي المعلن ! أي:

• عسكريا، جلب الغرب اساطيله من حاملات الطائرات والمدمرات والجنود

• أمنياً جلب فرق الهجوم لتخليص الرهائن

• سياسيا: أتى حكام الغرب بأنفسهم

• وزارياً: جاء وزراء الغرب ليتجولوا في العواصم العربية كأنهم اصدقاء او حكاماً، بل ويجمعون المطبعين مع الكيان في مأتم باسم السلام.

• إقتصاديا: تعهد الغرب بتوفير كل ما يحتاجه الكيان إقتصادياً وسلاحاً حتى أطباء علم النفس…الخ.

• مخابراتياً لا شك انه يتبادل الخبرات والمعلومات مع الكيان والمطبعين

• إعلامياً ونفسياً، إشاعة جو أن الغرب هائل القدرات وأن المقاتلين يغتصبون النساء ويقطعون رؤوس الأطفال فيما يكشف وضاعة الغرب الدائمة وليس تورطه صدفة في وضاعة.

هذه العوامل هي التي تبين أن الغرب أتى هنا ليقود الكيان وتصبح كافة قيادات الكيان وراء القيادات الغربية اي انتقل الكيان من قاعدة للإمبريالية في الوطن العربي إلى محمية، تأتمر بأمره وهذا لا شك سيؤثر على طبيعة اي صراع أو مفاوضات لاحقاً.

كانت هناك مقدمات لتحويل الكيان إلى محمية:

الأولى: حينما أمر الغربُ الكيان بأن لا يدخل إلى جانبه وهو يقود 31 دولة معتدية على عراق البعث رداً على صواريخ العراق التي قتلت 405 وجرحت أكثر من ألفين ، حسب مصادر غربية، وذلك عام 1991 .

والثانية: حينما حاول الكيان وقف عدوانه ضد لبنان في الأسبوع الأول لكن الأمريكي أمره بمواصلة العدوان حتى 32 يوم فحاقت به هزيمة منكرة على يد مقاتلي ذي العمامة.

أما اليوم، فتحويل الكيان إلى محمية بات واضحاً. ويبدو أن هذا قرار التاريخ اي أن الأمور أخذت مستقرها الطبيعي وهذا يجعل مصير الكيان تابعاً كما هو حال المحميات العربية قطر والبحرين والإمارات وعُمان ومعظم الأنظمة العربية التي صغُرت أم كبُرت هي في خيمة جواري الإمبريالي…الخ.

هذا معنى مجيئ الغرب مباشرة إلى الوطن العربي في تأكيد على أن ما يسمى إستقلالات ما بعد الاستعمار مجرد تخيلات مثقفين ناعمين، أو إنتاج أدبي محض لا علاقة له بالواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي التحرري .

ولكن لفهم أكثر لآليات تحول الكيان إلى محمية دعونا نعود أكثر إلى طبيعة حضور الغرب في المنطقة في مرحلة ما يسمى ما بعد الاستقلال. وهنا لن نوسع أن هذا الوطن هو الأكثر إستهدافاً من الغرب منذ 300سنة، وبأن كل الحروب مع الكيان هي عدوان ثلاثي الثورة المضادة ضد العروبة وليست مع الكيان وحده.

إنما نبدأ بتثبيت حقيقة أن هزيمة 1948 وخاصة 1967 قد ثبتتا طبيعة ودور الكيان كقاعدة تحتجز تطور الوطن العربي.

العبوران الأول والثاني حسما التحول:

لكن تطوراً مختلفا حصل وأكد على اهتزاز دور هذه القاعدة سبق ما ذكرنا بعضه أعلاه وأكد دور الغرب في المنطقة أكثر من دور الكيان كاستثمار إستراتيجي للغرب في الوطن العربي (أنظر حلقة لاحقة) وذلك عبر حرب أكتوبر 1973 حيث حصل العبور العربي الأول بالجيوش المصرية والسورية وإلى درجة كبيرة الجزائرية والعراقية وإن كان إلى المحتل1967. هنا إهتز دور القاعدة إلى حد كبير واقتضى خطوتين خطيريتين غربيا:

• قرار منع اي انتصار عربي كما كتب هنري كيسنجر

• وقرار مد جسر تسليح جوي إلى الكيان لم يحصل مثله في التاريخ.

يعني قرار منع الانتصار لأنه كان لو تكرَّس ذلك الانتصار سيكون على حساب الغرب ويكون الكيان بالضرورة جزء أو فصل الهزيمة الأول. وهنا أود التعرض لأمرين هما:

الأمر الأول:إن الصراع في وعلى الوطن العربي بما في ذلك اغتصاب فلسطين ليس صراعا دينيا غيبياً ولا صراع ألوان وأعراق ولا حتى إيديولوجيات. صحيح أن هذه جميعاً حاضرة في الصراع، ولكنها جميعا ثانوية ومساعدة لها دورها في التخديم على العامل الأساسي والحاسم والمقرِّر وهو مصالح الغرب والصهيونية في الوطن العربي ومن هنا معنى أن الكيان هو استثمار استراتيجي للغرب الراسمالي الإمبريالي في هذا الوطن الكبير.

والأمر الثاني: إن التصدي للثورة المضادة، وهو حتمي، ولكن حتمية الانتصار فيه تقتضي تضافر الثلاثي الثوري العربي حتميا وهو :ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة والجيش والشعب، وليس اياً منها وحده.

ولذا، كان مقرفاً ومفاجئاً تكرار عنتريات أدوات الإعلام قبل انتصار 7 تشرين 2023 وخلاله في شتم وتبخيس الجيوش العربية وذلك بقصد أو بخبث أو بهبل هو في خدمة الكيان ورفع معنوياته، وخدمة الأنظمة التي دورها هو ضد الوطن العربي والعروبة كاملة. وإذا كان هناك من يجهل تضحيات هذه الجيوش، فليقرأ ليصبح من أمة: “إقرأ”.

لذا نقول لهؤلاء أنتم لا تقرؤون التاريخ وعقليتكم ليست تاريخية، لقد خِلنا أنكم تفهمون بأن العبور الثاني هو استكمال العبور الأول، بينما عقلية التبخيسيين هي طمس وتورط في داعشية جديدة بأن هناك فقط فرقة ناجية وحيدة. إن هذا منهج التكفير والذبح وفي النهاية الهزيمة. إن التبخيس هو إقرار بتدمير الحواضر العربية الأربع الأساسية اي القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر أو تدمير العروبة!

لكن ما نقل الكيان بشكل عارٍ وحاسم إلى محمية كان العبور الثاني أي 7 أكتوبر، لأنه عبور إلى المحتل 1948 أي أن بنية الكيان اصبحت في خطر وبأنه اصبح غير قادر على حماية نفسه.

وهذا ما أرعب الغرب ودفعه للهرولة إلى المنطقة واستنفار ادواته التطبيعية كما اشرنا أعلاه. وهذا يعني أن الكيان لم يعد هو الذي يقرر في المنطقة ولا يقرر لوحده حتى لنفسه.

إذن، تغير دمج الكيان في الوطن العربي دمجا أو اندماجا مهيمناً، كي يتضح بأن الهيمنة هي للغرب الرأسمالي الإمبريالي وبأن هيمنة الكيان كانت مسرحية مغطاة بالكثير من روث إسطبلات أوجياس، الروث الذي جرى تكنيسه. وهذا يهز بعنف الأنظمة العربية التي تجد نفسها عارية كتوابع للغرب بل وجزء من ثلاثي الثورة المضادة (الغرب بأجمعه والصهيونية وهذه الأنظمة نفسها).

ولعل إحدى أهم النتائج لهذه التطورات وخاصة عودة أمريكا لقيادة المحمية العبرية هي حلول أمريكا محل دور الكيان، ولنا في هذا شاهدين:

الأول: عدم دعم امريكا لحلفائها في العدوان الثلاثي على مصر 1956 كي تحل محلهما لاستغلال الوطن العربي وقطع الطريق على الدور السوفييتي.

والثاني: عدم دعم أمريكا لتراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا الوسطى لتحل محل فرنسا في مواجهة النفوذ الصيني الروسي هناك، ولذا لم تقاتل النيجر ومالي وغيرهما ، هذا وإن دعمت لا شك الإرهابيين هناك.

✺ ✺ ✺

الصلح المحرم .. فتوى الأزهر

نص فتوى الأزهر بعـدم جواز الصلح مع (إسرائيل)

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

فى ظل المجازر التى يرتكبها العدو الصهيونى لأهالينا فى غزة أمام أعيننا اليوم، أعيد نشر نص فتوى الأزهر بعدم جواز الصلح مع (اسرائيل)، داعيا شعوبنا العربية وكل قواها الوطنية الحية الى بذل الغالى والنفيس من أجل اسقاط كل اتفاقيات الصلح والسلام والتطبيع التى وقعتها أنظمة الحكم العربية مع هذا الاحتلال الارهابى المجرم.

وأهم ما ورد في الفتوى:

·       أن الصلح مع (إسرائيل) لا يجوز شرعا، لما فيه من إقرار بالغصب واعتراف وتمكين للغاصب.

·       يجب عـلي المسلمين جميعا عـلى اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم التعاون لرد هذه البلاد إلى أهلها، وأن يبذلوا كل ما يستطيعـون، حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعـتدين.

·       وأن يعـينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى عـلى الجهاد في هذا السبيل.

·       ومن قصر في ذلك أو فرط فيه وقام بما فيه تشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعـمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العـرب والإسلام وضد هذا القطر العـربي الإسلامي، فهو في حكم الإسلام مفارق جماعة المسلمين، ومقترف أعـظم الآثام.

·       فاليهود يعـتزمون ألا يقفوا عـند حد الاعـتداء عـلى فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات.

·       وإذا كان المسلمون جميعا، وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عـن بيضة الإسلام، فان الواجب شرعا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عـن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين.

·       وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغـية، وتمدها بالمال والعـتاد، وتمكن لها من البقاء في هذه الديار، فهو غـير جائز شرعا، لما فيه من الإعانة لها عـلى هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العـدائي ضد الإسلام ودياره.

·       ولا ريب أن مظاهرة الأعـداء وموادتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة، وبالسلاح والقوة: سرا وعلانية، مباشرة وغـير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم عـلى المسلم مهما تخيل من أعـذار ومبررات.

·       ولا يجوز لأية دولة إسلامية أن تستجيب للأحلاف التي تدعـو لها الدول الاستعـمارية، تلك الدول التى سلمت فلسطين إلى الصهيونية الباغـية، لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعـمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم.

***

نص فتوى الأزهر بعـدم جواز الصلح مع (إسرائيل)

والتعاون مع الدول الداعـمة لها


اجتمعـت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375هـ الموافق أول يناير سنة 1956 برياسة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ “حسنين مخلوف” عـضو جماعة كبار العـلماء ومفتي الديار المصرية سابقا وعـضوية السادة أصحاب الفضيلة الشيخ “عـيسى منون” عـضو جماعة كبار العـلماء وشيخ كلية الشريعة سابقا (شافعي المذهب) والشيخ “محمود شلتوت” عـضو جماعة كبار العـلماء (الحنفي المذهب) والشيخ “محمد الطنيخي” عـضو جماعة كبار العـلماء ومدير الوعـظ والإرشاد (المالكي المذهب) والشيخ “محمد عـبد اللطيف السبكي” عـضو جماعة كبار العـلماء ومدير التفتيش بالأزهر (الحنبلي المذهب) وبحضور الشيخ “زكريا البري” أمين لجنة الفتوى.

ونظرت في الاستفتاء الآتي وأصدرت فتواها التالية:

***

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عـلى سيد المرسلين، سيدنا محمد، وعـلى آله وصحبه أجمعـين.

أما بعـد – فقد أطلعـت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عـلى الاستفتاء المقدم إليها عـن حكم الشريعة الإسلامية في ابرام الصلح مع إسرائيل التي اغـتصبت فلسطين من أهلها، وأخرجتهم من ديارهم، وشردتهم نساء وأطفالا وشيبا وشبانا في آفاق الأرض، واستلبت أموالهم، واقترفت أفظع الآثام في أماكن العـبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة، وعـن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعـمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العـدوان الأثيم، وأمدتها بالعـون السياسي والمادي لإقامتها دولة يهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام، وعـن حكم الأحلاف التي تدعـو إليها دول الاستعـمار، والتي من مراميها تمكين إسرائيل من البقاء في أرض فلسطين لتنفيذ السياسة الاستعـمارية، وعـن واجب المسلمين حيال فلسطين وردها إلى أهلها، وحيال المشروعات التي تحاول إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعـمارية أن توسع بها رقعـتها وتستجلب بها المهاجرين إليها، وفي ذلك تركيز لكيانها، وتقوية لسلطانها، مما يضيق الخناق عـلى جيرانها، ويزيد في تهديدها لهم، ويهيئ للقضاء عـليهم.

***

   وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعـون إليه، لا يجوز شرعا، لما فيه من إقرار الغاصب عـلى الاستمرار في غـصبه، والاعـتراف بحقية يده عـلى ما اغـتصبه، وتمكين المعـتدي من البقاء عـلى عـدوانه. وقد أجمعـت الشرائع السماوية والوضعـية عـلى حرمة الغـصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله، وحثت صاحب الحق عـلى الدفاع والمطالبة بحقه. ففي الحديث الشريف : ( من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عـرضه فهو شهيد ) وفي حديث آخر : (عـلى اليد ما أخذت حتى ترد ) فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغـتصبوا فلسطين، واعـتدوا فيها عـلى أهلها وعـلى أموالهم، عـلى أي وجه يـمكن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة، بل يجب عـليهم أن يتعاونوا جميعا عـلى اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية، من أيدي هؤلاء الغاصبين، وأن يعـينوا المجاهدين بالسلاح  وسائر القوى عـلى الجهاد في هذا السبيل، وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعـون، حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعـتدين ؛ قال تعالى : ” واعـدوا لهم ما استطعـتم من رباط الخيل ترهبون به عـدو الله وعـدوكم وآخرين من دونهم لا تعـلمونهم الله يعـلمهم”. ومن قصر في ذلك، أو فرط فيه، أو خذل المسلمين عـنه، أو دعا إلى من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعـمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العـرب والإسلام وضد هذا القطر العـربي الإسلامي، فهو في حكم الإسلام مفارق جماعة المسلمين، ومقترف أعـظم الآثام. كيف ويعـلم الناس جميعا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد، منذ عهد الرسالة إلى الآن، وأنهم يعـتزمون ألا يقفوا عـند حد الاعـتداء عـلى فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات.

وإذا كان المسلمون جميعا، وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عـن بيضة الإسلام، فأن الواجب شرعا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عـن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين، قال تعالى: “واعـتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” وقال تعالى: ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعـدا عـليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعـكم الذي بايعـتم به وذلك هو الفوز العـظيم “. وقال تعالى: ” الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغـوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعـيفا” .

وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغـية، وتمدها بالمال والعـتاد، وتمكن لها من البقاء في هذه الديار، فهو غـير جائز شرعا، لما فيه من الإعانة لها عـلى هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العـدائي ضد الإسلام ودياره. قال تعالى: ” إنما ينهاكم الله عـن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا عـلى إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”. وقال تعالى: ” لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عـشيرتهم، أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عـنهم ورضوا عـنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون” .

وقد جمع الله سبحانه في آية واحدة جميع ما تخيله الإنسان من دوافع الحرص عـلى قراباته وصلاته وعـلى تجارته التي يخشى كسادها بمقاطعة الأعـداء، وحذر المؤمنين من التأثر بشيء من ذلك واتخاذه سببا لموالاتهم فقال تعالى: ” قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعـشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” .

ولا ريب أن مظاهرة الأعـداء وموادتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة، وبالسلاح والقوة: سرا وعلانية، مباشرة وغـير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم عـلى المسلم مهما تخيل من أعـذار ومبررات.

ومن ذلك يعـلم أن هذه الأحلاف ? التي تدعـو لها الدول الاستعـمارية، وتعـمل جاهدة لعـقدها بين الدول الإسلامية، ابتغاء الفتنة، وتفريق الكلمة، والتمكين لها في البلاد الإسلامية، والمضي في تنفيذ سياستها حيال شعـوبها، لا يجوز لأية دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها، لما في ذلك من الخطر العـظيم عـلى البلاد الإسلامية، وبخاصة فلسطين الشهيدة التي سلمتها هذه الدول الاستعـمارية إلى الصهيونية الباغـية نكاية في الإسلام وأهله وسعـيا لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلامية، لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعـمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم، وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عـنها والتي قال الله تعالى فيها : ” ومن يتولهم منكم فأنه منهم “. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعـداء إنما تنشأ عـن مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التي تظهر بموالاة الأعـداء فقال تعالى: ” فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعـون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعـسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عـنده فيصبحوا عـلى ما أسروا في أنفسهم نادمين” .

وكذلك يحرم شرعا عـلى المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعـمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء، من تنفيذ تلك المشروعات التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغـد العـيش وخصوبة في الأرض، حتى تعـيش كدولة تناوئ العـرب والإسلام في أعـز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب عـلى المسلمين أن يحولوا بكل قوة دون تنفيذها، ويقفوا صفا واحدا في الدفاع عـن حوزة الإسلام؛ وفي إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها هذه المشروعات الضارة. ومن قصر في ذلك أو ساعـد عـلى تنفيذها أو وقف موقفا سلبيا منها، فقد ارتكب إثما عـظيما.

وعـلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عـليه وسلم، ويقتدوا به، وهو القدوة الحسنة، في موقفه من أهل مكة وطغـيانهم بعـد أن أخرجوه منها ومعه أصحابه رضوان الله عـليهم من ديارهم وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم، ودنسوا البيت الحرام بعـبادة الأوثان والأصنام، فقد أمره الله تعالى أن يعـد العـدة لإنقاذ حرمه من المعـتدين، وأن يضيق عـليهم سبل الحياة التي بها يستظهرون، فأخذ عـليه الصلاة والسلام يضيق عـليهم في اقتصادياتهم التي عـليها يعـتمدون، حتى نشبت بينه وبينهم الحروب، واستمرت رحا القتال بين جيش الهدى وجيوش الضلال، حتى أتم الله عـليه النعـمة، وفتح عـلى يديه مكة، وقد كانت معـقل المشركين، فأنقذ المستضعـفين من الرجال والنساء والولدان  وطهر بيته الحرام من رجس الأوثان، وقلم أظافر الشرك والطغـيان.

وما أشبه الاعـتداء بالاعـتداء، مع فارق لا بد من رعايته، وهو أن مكة كان بلدا مشتركا بين المؤمنين والمشركين، ووطنا لهم أجمعـين، بخلاف أرض فلسطين، فإنها ملك للمسلمين، وليس لليهود فيها حكم ولا دولة، ومع ذلك أبى الله تعالى إلا أن يظهر في مكة الحق ويخذل الباطل ويردها إلى المؤمنين، ويقمع الشرك فيها والمشركين، فأمر سبحانه وتعالى نبيه ـ  صلى الله عـليه وسلم  ـ بقتال المعـتدين . فقال تعالى : ” واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم “. والله سبحانه وتعالى نبه المسلمين عـلى رد الاعـتداء بقوله تعالى: ” فمن اعـتدى عـليكم فاعـتدوا عـليه بمثل ما اعـتدى عـليكم “. ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر يضر بالعـباد والبلاد، وإذا كانت إزالته واجبة في كل حال، فهي في حالة هذا العـدوان أوجب وألزم، فإن هولاء المعـتدين لم يقف اعـتداؤهم عـند إخراج المسلمين من ديارهم وسلب أموالهم وتشريدهم في البلاد، بل تجاوز ذلك إلى أمور تقدسها الأديان السماوية كلها وهي احترام المساجد وأماكن العـبادة. وقد جاء في ذلك قوله تعالى: ” ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عـذاب عـظيم” .

***

أما بعـد، فهذا حكم الإسلام في قضية فلسطين، وفي شأن إسرائيل والمناصرين لها من دول الاستعـمار وغيرها، وفيما تريده إسرائيل ومناصروها من مشروعات ترفع من شأنها، وفي واجب المسلمين حيال ذلك، تنبيه لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وتهيب بالمسلمين عامة أن يعـتصموا بحبل الله المتين، وأن ينهضوا بما يحقق لهم العـزة والكرامة، وأن يقدروا عـواقب الوهن والاستكانة أمام اعـتداء الباغـين، وتدبير الكائدين، وأن يجمعـوا أمرهم عـلى القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك، إعـزازا لدينه القويم.

نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبهم عـلى الإيمان به، وعـلى نصرة دينه، وعـلى العـمل بما يرضيه.

والله أعلم.

*****

القاهرة فى 21 أكتوبر 2023

✺ ✺ ✺

نافذة على الصحافة الروسية | كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا

طوفان الأقصى7

اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

  • من يربح الحرب في غزة ومن خسر بالفعل؟
  • العملية البرية وسيناريوهات تطور الحرب في غزة

✺ ✺ ✺

(1)

من يربح الحرب في غزة ومن خسر بالفعل؟

فلاديسلاف إيسايف

عالم سياسي روسي

 19 أكتوبر 2023

 الخيار الأسوأ بالنسبة لإسرائيل هو ما يطالب به المتعصبون المحليون الغاضبون: محو غزة بالكامل من على وجه الأرض.  الأمر لا يمس فقط سمعة اسرائيل السيئة في جميع أنحاء العالم، بل هناك أيضًا في غزة أكبر غيتو في التاريخ، وهذه المرة عربي.

أدى الصراع العربي الفلسطيني –  الإسرائيلي الأخير إلى ظهور عدد غير مسبوق من نظريات المؤامرة حول الجهة التي بدأت الصراع الحالي وما هي الفوائد التي يحاولون استخلاصها منه.  بالإضافة إلى السلطات اليهودية نفسها و”الحكومة العالمية السرية”، التي يمكن إلقاء اللوم عليها في كل شيء في العالم دون الوقوع في الخطأ، فإن المشتبه بهم يشملون تقليديًا الولايات المتحدة الأمريكية (كما لو أنها مختلفة عن الأولين!) ، اليد الإنجليزية حسب ذاكرتنا القديمة، وعلى الطريقة الدارجة في السنوات الأخيرة وبما يتفق تمامًا مع الأساطير الأوكرانية – روسيا، وكذلك إيران وتركيا ومصر وقطر والسعوديين وحتى الصين.  واعتذر إذا فاتني أي شخص اخر.

علاوة على ذلك، يقدم مؤيدو جميع الخيارات مبررات خطيرة للغاية لسبب كون هذا الصراع أكثر فائدة لهذا الجانب أو ذاك.  يبقى فقط أن نذكر أنه، وفقا لأغلبية الكتاب، تمكنت إسرائيل من بناء دولتها وعلاقاتها مع العالم أجمع بطريقة تجعل الحفاظ على الوضع الراهن لا يناسب سوى عدد قليل من الناس. وتجدر الإشارة إلى أنه، على الرغم من الأدلة الواضحة تمامًا، لا أحد يعتقد حقًا أن حماس نفسها كان بإمكانها أن تبدأ الصراع بمبادرة منها واسترشادًا بمصالحها الخاصة.

ما لم نأخذ في الاعتبار بالطبع الدوافع من مجال التصوف، والتي تفسر كل شيء بخطط اليهود لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث في النهاية، الذي تم تشتيت بنائه بشيء ما آخر 75 سنة.  ولكن بعد ذلك يتعين علينا أن نفترض أن كلاً من حماس والدولة اليهودية يحكمهما متعصبون دينيون، الذين لا تركز مصالحهم في أغلب الأحيان على عالمنا، بل في الحياة الآخرة.

 وما يصعب تصديقه إلى حد ما في بداية الألفية الثالثة هو كيف أن مثل هؤلاء الأشخاص يبقون على قيد الحياة في السياسة.  علاوة على ذلك، لا يبدو أن هناك مرشح للمشيح ( المشيح أو المسيا في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود (النبي داود في الإسلام)، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته) بعد، وبدونه، كما هو الحال بدون رئيس عمال جيد foreman، من الأفضل عدم البدء.

علاوة على ذلك، فإن العديد من المعلقين يبدأون بهذا على وجه التحديد – فهم يقولون: ما حاجة حماس نفسها إلى هذا الصراع؟  وبشكل عام، كان كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة لحماس، ولكن بحسب الإجماع العام، فإنها ستخسر الحرب بالتأكيد.  ولأن إسرائيل أقوى اقتصاديا وتقنيا بعدة مرات، ولديها عدد أكبر من السكان وجيش حديث مدرب، فإنها تحظى بأوسع دعم من أغنى البلدان، والأهم من ذلك، أنها لم تخجل أبدا في أساليبها الحربية وليست أقل قسوة من عتاة  الإرهابيين.  ولذلك، كالعادة، ستقتل من الفلسطينيين أكثر بكثير من القتلى الإسرائيليين.  وإذا لم يضعوا حدا لاسرائيل، فستقتل الجميع، على الأقل في غزة.

المعلقون، في رأيي المتواضع، لا يفهمون تماماً أن معايير انتصار أطراف الصراع يمكن أن تختلف كثيراً عن بعضها البعض وعن أولئك كما يراها المعلقون.  لا، هذه ليست حضارات مختلفة (شرف كبير، وعمرها منذ عام 1947 متواضع)، ولكن يبدو أن هذه المجتمعات تنتمي إلى عصور مختلفة.  ومن المستحيل تحديد أيهما أكثر حداثة وأيهما أقدم.  ومن يدري ما الذي قد يكون أكثر ملاءمة في مستقبلنا المشترك: خيال “الفاشيين” الذين يجسدهم اليهود، أم المجتمع الذي نشأ في غزة، المنعزل في منطقة صغيرة لا تتمتع إلا بالحد الأدنى من الموارد والاتصالات الخارجية.  وقد اجتذب كلاهما أكثر من مرة اهتمام كتاب الخيال العلمي وعلماء المستقبل.

لذا، ونظراً لمدى اختلاف نماذج مجتمعي إسرائيل وقطاع غزة وعقلية المواطنين عن بعضها البعض، وعن غالبية البشرية، يمكننا القول إن معايير النصر هذه تقع على مستويات مختلفة.  لدرجة أنهم يجلسون على نفس الطاولة ويلعبون في نفس الوقت ألعابًا مختلفة بنفس اوراق اللعب.  على سبيل المثال، أحدهما يلعب “الطرنيب”، والآخر “هاند”.  وفي نفس الوقت أحدهما من أجل المال والآخر من أجل المتعة فقط.

دعونا نترك جانباً الآن حقيقة أنه بالنسبة لحماس ذاتها، فإن النضال الذي لا هوادة فيه ضد إسرائيل من أجل إنشاء دولة فلسطينية هو الشعار الرئيسي وجوهر برنامجها السياسي، والذي بدونه تفقد بشكل عام معنى وجودها.  وأن الرفض الفعلي لهذه الحرب من قبل حركة فتح، التي دخلت في دائرة الاتفاقات مع تل أبيب، هو الذي أدى إلى نمو شعبية حماس وسمح لها بابعاد منافسيها.  ناهيك عن أن لا أحد مهتم برعاية تنظيم يرقد بهدوء على أمجاده، ولن يجذب مرشحين جدد للأبطال والشهداء.

سننطلق من التعريف الكلاسيكي للنصر الذي قدمه “ليدل-هارت” Liddell Hart باعتباره أفضل حالة في العالم بعد الحرب، على الأقل من وجهة نظرك.  وفي هذا السياق، فإن مسألة عدد سكان غزة الذين سيتمكن الإسرائيليون من قتلهم نتيجة للحرب لا ترتبط بشكل مباشر بانتصار حماس.

 وكلما زاد عدد القتلى، كلما تم تحرير المزيد من فرص العمل، وقل عدد الأفواه التي يتعين تقسيم المساعدات الإنسانية الواردة عليهم.  بل إن أحجام هذه المساعدات قد تتزايد نظراً لحجم المأساة والحاجة إلى ترميم ما تم تدميره.  وسيكون هناك المزيد من المرشحين للاستشهاد الذين يحلمون بالانتقام لأقاربهم وضمان وجود أسرهم.  حسنًا، معدل المواليد بين سكان غزة لا يزال أعلى منه بين الإسرائيليين، حتى دون الأخذ في الاعتبار حقيقة أن معدل المواليد الرئيسي لليهود يتم توفيره من قبل المتدينين، الذين لا يخدمون في الجيش، ولا يعملون ويجلسون عالة على الدولة.  لذلك يتم تعويض أي خسائر بسرعة على الجانب الفلسطيني.

 لكن بالنسبة لإسرائيل، فإن الخسائر البشرية تشكل عاملاً أكثر أهمية بكثير.  ولا يتعلق الأمر بالتركيبة السكانية فحسب، وبالتأكيد ليس بالأخلاق.  كان الدافع الرئيسي لتطور البلاد دائمًا هو التدفق المكثف للمهاجرين، الذين زودوا الاقتصاد بالعمالة الرخيصة والجيش – بجنود متحمسين، على استعداد لتحمل المصاعب من أجل الحصول على بعض الآفاق المهنية على الأقل، خاصة وأن المخاطرة بالموت كان بالنسبة لهم صغيرا.  سيكون هناك عدد أقل بكثير من الأشخاص المستعدين للانتقال إلى بلد يُذبح فيه السكان، خاصة إذا تبين أنه سيتعين عليهم القتال بضراوة، وليس مجرد إطلاق النار على المدنيين من مسافة آمنة.

 وفي هذا الصدد، خسرت إسرائيل بالفعل – فلن يكون هناك عدد أقل من القتلى من جانبها، بغض النظر عن عدد الآلاف من الفلسطينيين الذين قتلوا وبغض النظر عن مدى فعالية العملية البرية في غزة.  وحتى لو دمرت حماس بالكامل فإن مكانها لن يبقى خاليا، وسوف يزداد عدد المتطوعين والداعمين.

 لكن إسرائيل قد تخسر المستثمرين، خاصة إذا طال أمد العملية وارتبطت صورتها بجبال جديدة من الجثث الفلسطينية، بما في ذلك جثث النساء والأطفال.

 الخيار الأسوأ بالنسبة لإسرائيل هو ما يطالب به المتعصبون المحليون الغاضبون: محو غزة بالكامل من على وجه الأرض.  الأمر لا يمس فقط سمعة اسرائيل السيئة في جميع أنحاء العالم، بل هناك أيضًا في غزة أكبر غيتو في التاريخ، وهذه المرة عربي.  كما ترى، سيتعين عليك أيضًا إعادة البناء على نفقتك الخاصة ودفع المال للاجئين لتشجيعهم على العودة، تمامًا كما يدفع أحفاد النازيين الألمان الآن لليهود أنفسهم.

 علاوة على ذلك، فحتى مجرد إطالة أمد الصراع، حتى من دون تصعيد كبير للعمليات الحربية، ليس في صالح إسرائيل.  ذلك أن 800 ألف جندي تحت السلاح يشكل بالفعل مستوى تعبئة أعلى من 10% ــ وهي الحصة التي تستطيع كل دولة، من الناحية النظرية، تعبئتها من دون الإضرار بالاقتصاد.  وفي الوقت نفسه، تعمل إسرائيل على تعبئة الشباب المشاركين في قطاعات الاقتصاد الفعّالة، بينما تعمل حماس على تعبئة أولئك الذين ليس لديهم ما يفعلونه بالفعل.  والاحتفاظ بجندي إسرائيلي أكثر تكلفة بكثير.

ليست هناك حاجة للحديث عن العتاد.  يهدر الجيش الإسرائيلي ذخائر عالية التقنية، وردا على ذلك، تتطاير صواريخ محلية الصنع، مصنوعة في مرآب من أنابيب المياه.  فإسرائيل تخسر، ولو بشكل غير متكرر حتى الآن، دبابات وطائرات هليكوبتر باهظة الثمن، وتدمر لحماس شاحنات صغيرة صدئة وقاذفات محلية الصنع رداً على ذلك.  سواء من حيث القوة البشرية أو التكنولوجيا، فإن التبادل ليس لصالح اليهود بأي حال من الأحوال، بغض النظر عن مدى التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر.  لكن المعدات ستفقد ليس فقط بسبب النيران الفلسطينية، بل أيضا بسبب النيران الصديقة ومن الحوادث والأعطال والحوادث العرضية إلى الألغام وغيرها من الأحداث التي لا مفر منها في الحرب.

 وكلما طال أمد الصراع، كلما أصبح أكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل من جميع النواحي، بما في ذلك دخل السياحة.  دون أي فائدة يمكن أن يجنيها من هذا الصراع.  حتى الأرض التي يمكنه الاستيلاء عليها ستكون عديمة القيمة.  كما لن يكون هناك عدد أقل من الأعداء والتهديدات، بل على العكس من ذلك.

 لذا، عندما قال مسؤولو حماس إنهم مستعدون لمحادثات السلام، ربما لم يكن ذلك محاولة لتجنب الانتقام.  لقد حققوا بالفعل أهدافهم في هذه الحرب وقدموا للعدو “الجسر الذهبي” – فرصة للخروج من المواجهة قبل أن تصبح الخسائر غير مقبولة بالنسبة له.  فقط في إسرائيل لم يكن هناك من يستطيع أن يدرك ذلك.

 ومع ذلك، لا يمكن استبعاد خيانة عربية أكثر تعقيدا – يمكن أن يكون هدف اقتراح المفاوضات هو زيادة تأجيج غطرسة الجيران الجريحة وإثارة صخب الشوارع للمطالبة بالدماء، وإثارة السياسيين للإدلاء بتصريحات، وبعد ذلك لن يكون الأمر سهلا لوضع حد لتدهور الأمور.

(2)

العملية البرية وسيناريوهات تطور الحرب في غزة

أنطون فوكين

كاتب صحفي وخبير في الشؤون الدولية

 20 أكتوبر 2023

العملية البرية الإسرائيلية واستخدام الأسلحة النووية: سيناريوهات تطور الحرب في الشرق الأوسط ومصالح المشاركين فيها.

بالنظر إلى الأحداث الأخيرة، يبدو أننا جميعا على أعتاب “أحداث كبرى”، عندما يمكن للعالم القديم بأكمله أن ينفجر مثل برميل بارود.  لكن من يشعل النار بالفتيل وهل من الضروري الاختباء أمام هذا الانفجار العالمي؟  وتحدث أستاذ معهد الأبحاث القومي ومدرسة الاقتصاد العليا “مارات باشيروف” لراديو “كومسومولسكايا برافدا” عن هذا الأمر في المقابلة التالية:

✺ سؤال – الآن الشرق الأوسط يحترق حرفياً.  لقد تجاوز مستوى العنف في المنطقة كل التوقعات، وفي الآونة الأخيرة كان هناك الكثير من الإشارات للأسلحة النووية.  هل هذه صدفة؟

■ جواب – نعم، هذا موضوع مهم الآن.  صرح السعوديون أنهم سيعملون على امتلاك أسلحتهم النووية إذا حصلت عليها إيران، وفي الوقت نفسه، في 18 أكتوبر، انتهت صلاحية بعض أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يفرض قيودًا على طهران في صناعة الصواريخ.  فالأميركيون وإسرائيل غير راضين عن احتمال امتلاك إيران لوسائل حديثة قادرة على حمل قنبلة ذرية.  لكنني أعتقد أنه في النهاية سيتوصل الجميع إلى اتفاق على أي حال، ولو في غضون سنوات قليلة.  وفي غضون ذلك، سيعرض الطرفان لبعضهما البعض قدراتهما الجديدة، بما في ذلك في مجال وسائل نقل الأسلحة.

✺ سؤال – اتضح أن البرنامج الصاروخي الإيراني يمكن أن يستفز الولايات المتحدة لتسخين الوضع في إسرائيل؟

■ جواب – ليس هذا فقط. الحقيقة هي أن إسرائيل والوضع في الشرق الأوسط مهمان للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. وترتبط هذه المنطقة بمصادر الطاقة والعديد من ممرات النقل، بما في ذلك قناة السويس.  ويشعر بايدن وفريقه بأنهم مسؤولون عن البدء في فقدان تلك السيطرة، ومن هنا يأتي التصعيد الحالي.

وإذا تحدثنا عن إيران، فهم يستخدمون الآن نظام تحديد المواقع العالمي الصيني في أسلحتهم، فإذا استخدمت طهران صواريخها، فلن يتمكن الأمريكيون من إيقاف تشغيل أنظمة التوجيه الخاصة بهم.  كل هذا يوتر إسرائيل والولايات المتحدة.

✺ سؤال – هل سيؤدي الوضع الحالي في الشرق الأوسط إلى قطع العلاقات بين إسرائيل والعربية السعودية؟

■ جواب – لقد انقطعت بالفعل.  الآن أمام المسلمين خيار مدى عمق الانغماس في هذا الصراع، وسوف يتورطون بالتأكيد، وهنا ستكون العربية السعودية أحد القادة.  بشكل عام، الآن هو الوقت المناسب للدول العربية لإعادة صياغة علاقاتها مع الولايات المتحدة.  عندما طار أنتوني بلينكن إلى السعودية، تم إبقاؤه في الانتظار من المساء حتى الصباح، وهذه إشارة إلى أن الأمور لن تكون كما كانت من قبل.

✺ سؤال – هل ستقوم تل أبيب بعملية برية؟

■ جواب – المخاطر هائلة، لأن معارك المدن تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المشاة، كما رأينا في ماريوبول وباخموت.  ويدرس الجيش الإسرائيلي هذه التجربة، لكن ليس أمامه خيار آخر.  منطق العملية برمته يدفعهم إلى إرسال قوات إلى قطاع غزة.  قبل ذلك، سوف يقومون بتوجيه قصف جوي شديد، في محاولة لتدمير أكبر قدر ممكن من المباني الشاهقة التي يمكن منها إطلاق النار على القوات الغازية.

وفي الوقت نفسه، تدفع الولايات المتحدة نفسها إسرائيل نحو عملية برية.  نتنياهو ببساطة مجبر على خوض الحرب لكي يعود منها منتصرا، وإلا فسيتم طرده ببساطة، لأن الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل صعب للغاية.

وفي الوقت نفسه، تنطلق تل أبيب من حقيقة وجود عدد كبير من الجماعات المستعدة للقتال ضد إسرائيل.  نعم، حماس محاصرة فعلياً في غزة، لكن في جنوب لبنان يوجد حزب الله بمعدات ثقيلة ومقاتلين خاضوا الحرب في سوريا. لذلك يمكن أن تكون الحرب طويلة.

✺ سؤال – لماذا أصبح لدى بايدن فجأة مثل هذه الرغبة الكبيرة في مساعدة إسرائيل بشكل فعال؟

■ جواب – في العام المقبل ستكون هناك انتخابات في الولايات المتحدة، وأي رئيس أمريكي يحاول تقديم نوع من الإنجازات للناخبين بحلول ذلك الوقت.  في أوكرانيا، توقف كل شيء، لكن في حالة إسرائيل، يمكنك أن تقول للناخب الأمريكي أنهم هزموا “الإرهابيين”.

هناك سبب ثان.  تقوم الهيمنة الأميركية على ثلاث ركائز: السيطرة على النظام المالي، وممرات النقل، وفرض العقوبات على النخب.

ومن حيث فقدان السيطرة في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة تفقد أيضاً سيطرتها المالية، لأن الجميع يتحولون إلى المدفوعات خارج الدولار.  وإذا تفاقم الوضع في منطقة قناة السويس أو الخليج العربي، فإن أسعار النفط سترتفع، مما سيضرب الاقتصاد العالمي.

✺ سؤال – كيف سيتطور الوضع في العالم أكثر؟  هل يمكن للوضع في الشرق الأوسط أن يفجر ميزان القوى الحالي؟

■ جواب – لقد اعترف الأمريكيون بالفعل بأن العالم متعدد الأقطاب أمر لا مفر منه، كما يتضح من جميع تصرفاتهم.  مهمة الولايات المتحدة –  هي جمع أكبر عدد ممكن من الدول تحت مظلتها.  ستشارك بعض الدول في نفس الوقت في البريكس وستكون تحت سيطرة واشنطن.  ولن تؤدي سياسة البيت الأبيض إلا إلى إطالة أمد هذا التقسيم الطبقي والانقسام.

✺ سؤال – ما هي الاختلافات الرئيسية عن الوضع الحالي؟

■ جواب – أولا: هو نظام نقدي مستقل، بينما يعرض الأمريكيون الدفع بالدولار فقط من خلال حسابات مرتبطة بالبنوك الأمريكية.

 وثانياً: هو السيطرة على ممرات النقل.  ويعتمد النموذج الذي تقترحه مجموعة البريكس على البحث عن الحلول الوسط، وهو ما يسمح للدول النامية بألا تكون في موقع التابع.  بالإضافة إلى إعادة تفعيل القانون الدولي الذي دمرته الولايات المتحدة.  والآن أصبحت الآليات القديمة لحل النزاعات – لا منظمة التجارة العالمية، ولا صندوق النقد الدولي، ولا الأمم المتحدة، تعمل بشكل فعال.  وتقترح مجموعة البريكس استعادة كل هذا، وربما إعادة صياغة بعض الإتفاقيات.

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org