بغداد
إلى أين يأخذون العراق؟ هذا ما يسأله العراقي لنفسه وللناس؟ وكيف يمكن خِداع شعب في زمن وصول المعلومة إلى الجميع؟!!!
ولكن هي حرب بحرب، فرغم توفر المعلومة فردياً هناك التعمية الإعلامية جماعياً، وأشد صورة للتعمية هي شعار أن نظام العراق جزء من شيء إسمه “محور المقاومة”!
بصراحة، لا ندري كيف ومتى تبلور وراج مصطلح “محور المقاومة”، خصوصاً بالنسبة لجيل ما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق!
لكن الحقيقة المرّة هي أن تمرير هذا الشعار الكبير والمُغري يجري على الناس وخاصة على بعض الجيل الذي كبر في ظلال السلطة التي تطلق على الاحتلال الأمريكي للعراق وبشكل رسمي “قوات التحالف الصديقة” عقب الغزو والاحتلال، ثم تحولت التسمية إلى “قوات التحالف الدولي” ما بعد داعش، وتسمية “قوات التحالف الدولي” هي خدعة أو طامة كبرى، فإذا حصل اجتثاث داعش، فماذا تعمل هذه القوات سوى أنها تحالف احتلالي لإبقاء العراق تابعاً وبلا فاعلية حتى على صعيد إعادة بناء البلد!
ولكن، هل جرى حقاً اجتثاث داعش وخاصة على يد خالقها الأمريكي وعملائه الصغار الذين تسببوا بصيرورته!
أم أن داعش جرى تخزينها في القواعد الأمريكية في العراق وسورية وخاصة على حدود البلدين لتشغيلها كلما لاحت بوادر إسقاط السلطة التي خلقها الاحتلال وزكّتها بل وباركتها إيران وولي فقيه!
أليس عجيباً وجود سلطة حليفة لطرفين يُفترض أنهما عدان لدودان؟! نترك هذا لمن له عقل سليم.
لكن تثبيت هذه السلطة والتي دورها محصور في أمرين:
*الإهلاك الاجتماعي الاقتصادي الحياتي للناس كي لا يخرجوا من هذا القاع إلى تنمية البلد،
وتذخير هذا الإهلاك بالخطاب الطائفي كي ينشغل المجتمع ضد بعضه أو على الأقل أن يبقى المجتمع في حالة تخندق طائفي متوثب ضد بعضه البعض وبالطبع هذا ما تغذيه أجهزة الإعلام الخليجي والإيراني والتي لم يتغير دورها حتى بعد التصالح السعودي الإيراني الشكلي.
*بواسطة ما تقدم، توفير مظلة تغطي على التخادم الأمريكي الإيراني في العراق.
وفي هذا المناخ الذي مضى عليه عقدين من الزمن، لم نكن في العراق نسمع عن فلسطين إلا عن طريق رواية السلطة التي تمثل طبقتها الأساسية أحزاب الدين السياسي الشيعية التي غرست في الأذهان وروجت إلى أن فلسطين مضخة لتدفق الإرهابيين الهاربين من مواجهة الإسرائيليين والقادمين لذبح الشيعة والتآمر على ما كانوا يسمونه (العملية السياسية الديمقراطية) والتي كان أشهر فرسانها نوري المالكي الذي نسب أكثر من تسعين في المئة من العمليات الإرهابية الإنتحارية ضد العراق إلى فلسطينيين!
لعل هذه خدمة للعدو الصهيوني أكثر من خدمة قاعدة عين الأسد له!
وهو نفسه من اتهم سورية بدعم الإرهاب وحاول مقاضاتها دولياً والمالكي الآن أحد قادة “محور المقاومة” فراع العراق!
لكن التصاعد الهائل للنضال الفلسطيني الفدائي ضد العدو الصهيوني في الأعوام الأخيرة، والاختراق العظيم ضد الكيان الصهيوني يوم ٧ أكتوبر لهذا العام وضع آلة الإعلام التجهيلي التي سيطرت على الشعب العراقي لعقود، وضعتها في مأزق انكشافها بطريقة لا يمكن تغطيتها. فما كان من الجيل الذي جرى تجهيله بإهلاك وطنه، وبانتزاع عروبته لصالح الطائفية البغيضة إلا أن يشمّر عن عروبته ويتطوع للقتال في فلسطين!
وهنا، كان لا بد للسلطة الطائفية من جهة والعميلة لأمريكا من جهة ثانية أن تقوم بما يمكن أن يمتص الغضب الشعبي كي لا تنتج عنه نتائج ملموسة وهامة.
لذا، كانت أكثر الكلمات تطرفاً في مؤتمر المطبعين يوم ٢١ أكتوبر في مصر هي كلمة محمد شياع السوداني!
وهذا أمر مضحك مبكٍ!
فكيف يكون الرجل متشدداً ضد العدو الصهيوني وممثل العدو جالس في نفس القاعة ويتحدث كأنه يمثل بلداً عربياً؟
ومعروف أن السوداني نفسه كان قد غرد قبل شهرين بالقول:
“نحن لسنا في اي محور ولنا علاقة إستراتيجية مع امريكا”!
تمام! ولكن ما الفرق بين علاقة نظامك الاستراتيجية مع العدو وعلاقة العدو الصهيوني بالعدو الأمريكي؟
ذكرني هذا بما قام به رئيس وزراء العراق أيام الملكية سليمان باشا حيث سار على راس مظاهرة في بغداد عام ١٩٣٨ دفاعاً عن فلسطين،
وفي المساء طلبه السفير البريطاني وأنَّبه: كيف تفعل هذا؟
فأجابه، نفعل هذا شكلياً في النهار لتفريغ الغضب الشعبي وفي الليل نرتب معكم ما يجب!
وهكذا، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ودورها لم يختلف عن الثلاثينات سوى في فن تطويعها لتخدير الشعب وتوجيهه وجهة تضييع بوصلته.
ربما لن يصدق بعض العرب أنني فوجئت عندما بدأت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالتظاهرات العربية الغاضبة والتي احتشدت في جميع المدن والعواصم العربية رفضاً للعدوان الأمريكي على بغداد والتنديد بمواقف الأنظمة العربية، لقد تم بشكل خسيس ومتعمد إخفاء هذا المشهد وهذا الموقف عنا، وربما لايزال معظم العراقيين يجهلون هذا تماماً !
واليوم يجري استخدام نفس هذه الوسائل لتغطية السماح للشباب بالتدفق إلى الحدود الأردنية للتطوع في فلسطين حيث هُناك يُمنعون من الدخول على يد قوات وقحة الدور والإسم “قوات مكافحة الشغب” فهل التطوع في فلسطين شغباً! بل ويتم تفريغ شحنتهم هناك، بدلاً من أن يكون الدور الأساسي لهم هو اقتلاع الاحتلال الأمريكي للعراق أو على الأقل اقتلاع قاعدته العسكرية وسط بغداد!
إن القصف المحسوب والمحدود والموسمي لقواعد المحتل الأمريكي للعراق هو خدعة أخرى لأن دور العراق في تحرير فلسطين يبدأ بتحرير العراق بحرب شعبية متواصلة لاقتلاع الاحتلال الأمريكي كلياً،
وعليه، حبذا لو ينتبه الشباب العراقي المتحمس عروبياً إلى أن تحرير العراق لا يأتي بقرار برلماني، ولا يأتي إلا أن يأخذ الشباب زمام المبادرة بأنفسهم لاقتلاع قواعد الاحتلال وأساسها سلطة بريمر ودستوره.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/