خسائر الغرب عالمياً
أخطر ما تتعرض له أمة إقرأ أن يقود بُسطاءها /جماهيرها من لا يقرأ وإن قرأ لا يفهم وإن فهم أخفى بخبث خدمة لسيده قديماً كان أو جديداً. لذا يهرف كثير من هؤلاء القادة بأن الصراع مع عنصرية الغرب ولونه الأبيض وكرهه للإسلام ومع ديانات الغرب تماماً كما حقنهم الغبي جورج دبليو بوش:”العرب يكرهوننا ويحسدوننا ويغارون من طبيعة حياتنا”! هؤلاء طبعة عن بوش لا اكثر. بينما نفس هذا الغرب يقصف المشفى المعداني وكنيسة غريغوريوس في غزة ويبصق المستوطنون على العرب المسيحيين في القدس!
ليس الغرب ضد كل طبعات الإسلام، فهو مؤلف الإسلام الأمريكي والوهابي والسلفي والعثماني…الخ هو ضد الإسلام الجوهري اي العربي لأنه يقود إلى التحرير والوحدة العربية وبالتالي اقتلاع الغرب مصلحيا من الوطن الكبير.
الاختلاف أو الجديد هو علانية الهرولة الغربية إلى الكيان اليوم فالغرب خالقه وحاميه وكفيله حتى يُقتلا معاً. منذ بداية القرن الجاري يتعرض الغرب إلى انحسار سيطرته مما يدفعه للقتال هنا ولو بحزِّ الحلاقيم.
تقول أرقام الغرب والشرق بأن حصة بريكس من الإنتاج العالمي وصلت 31% بينما الغرب 29% هذا قبل أن احتوى بريكس ست دول جديدة، وإن كان قد خذل الجزائر، وهذا يجب أن لا ننساه! لماذا؟ لأنه حتى بريكس نفسه لا يريد التعامل مع وطن عربي واحد بل فُرادى، وهذا يجب أن نناضل ضده لأن المطلوب ولو بالموت كتلة عربية كبرى واحدة وإلا فتبعية جديدة حتى لو مع غير الإمبريالية الغربية لأن التبعية هي تبعية وفي التحليل الأخير ضد التنمية وارتباط جديد إذا ما تم فك الارتباط الحالي والذي هو بالغرب.
إذن مواقع الإنتاج العالمي تتركز خارج الغرب وخاصة في الصين والهند وبلدان النمور والتنينات، بينما يغوص الغرب في المضاربات، ومراكمة الأموال الكسولة في الملاذات الآمنة، اي الجزر التي هي مغاسل للأموال المغسولة والتي لايرغب ناهبوها في استثمارهاإنتاجيا، وبالطيع سيدة التهريب سويسرا مغسلة أموال منهوبة من مختلف بلدان المحيط أي ثروة الأمم. وحين يستثمر الغرب وبعض اثرياء الخليج فذلك في مناطق زراعية في إفريقيا حيث يشترون الأرض ويُشغلون المحليين كالأقنان. وشراء الأرض هو شكل جديد من الإقطاع طالما يملك الأرض وقوة العمل (أنظر بهذا الصدد:
وبالطبع تراجع الإنتاج في الغرب نتيجة الإغلاق خلال قرابة عامين على كوفيد 19 بينما لم يتأثر الإنتاج كثيرا في الصين التي حاصرت الوباء سريعا رغم عدد سكانها الهائل, وكمثال، توفي في الصين بسبب كوفيد عشرين ألف صيني بينما توفي في أمريكا مليون شخص رغم أن عدد سكان أمريكا قرابة ربع سكان الصين! وعليه، فإن خسائر الغرب بسبب كوفيد يدفعه للتمسك أكثر باستغلال الوطن العربي تعويضاَ عن خسائره.
تراجع الغرب في الإنتاج والتجارة الدولية يعني فقدان السيطرة المطلقة على الأسواق الدولية أي تراجع النهب والتقشيط والتبادل اللامتكافىء وهي تتحول عنه لصالح البريكس وبالتالي توسع التبادل مع بريكس وبالطبع شروط بريكس أفضل.
وحتى النقل والتأمين الدوليين فقد إتضح عجز الغرب عن محاصرة التجارة الروسية وخاصة نقل النفط بحرياً إلى الهند التي إذ تشتريه من روسيا تُساهم في فك الحصار عن روسيا، وتبيعه بسعر أعلى خاصة بعد وجود شركات نقل غير غربية أو تابعة للغرب وتعمل خارج الحاجة لضمانات شركات التأمين الغربية. كما لم يعد الغرب قادر على ضرب ناقلات النفط غير الغربية ولا مسيطراً على شركات التأمين مما ساهم في تخفيف المقاطعة على روسيا وسهَّل التبادل بين بلدان العالم في خروج، ولو نسبي بعد، عن التحكم والاحتكار الغربي وقد أشرنا في الحلقة السابقة أهمية تراجع التبادل بين بلدان كثيرة في العالم بالدولار لصالح عملات قوية أخرى أو العملات المحلية بين بلد وآخر. فلم تعد عملة الدولار هي الوحيدة في التبادل والادخار الدوليين. فبعد أن كان التبادل الدولي بنسبة 90% بالدولار اصبح اليوم قرابة 60% وهذا يعني تعميق المديونية الأمريكية وصعوبة سدادها إذا ما حانت تلك اللحظة! وتحرر سوق العملات الدولي بدرجة كبيرة من الدولار حيث التبادل بعملات أخرى اليوان، والين، واليورو، والإسترليني ناهيك عن الترتيبات الجادة ولكن الحذرة لاعتماد عملة بديلة للدولار أو إستقرار العالم على سلة عملات بدل الاحتكار الدولاري.
لذا قرر الغرب الحضور الاستراتيجي
نأمل أن لا يُفهم من قولنا بأن الكيان أُقيم ليكون استثماراً إستراتيجياً في الوطن العربي بأن الغرب لم يكن هنا أيضاً. بلى، فهو موجود ولكن بشكل مغطى ومغلًفاً. كيف لا! أليست الثورة المضادة موجودة تحت جلد الوطن العربي؟ ألم تقفز على الحراك التقدمي في البلدان العربية لتحوله إلى الخريف الإرهابي وقويض الجمهوريات!
في حالة الربيع العربي ولَّد الغرب إرهاب قوى الدين السياسي أو الاستشراق الإرهابي والذي إعتمد على:
· القوة البشرية الإرهابية الشابة من ابناء الأمة
· والإنفاق المالي على الإرهاب من ثروة الأمة.
· وسيطرة أنظمة الصهيونية التابعة على بقية المجتمع بالخوف والإرهاب الأمني الداخلي.
أي باختصار فقدت حركة التحرر العربية جمهورها الذي كان الوطن يمور به في الحقبة الناصرية.
ما نقصده أن إرهاب قوى الدين السياسي كان ايضا، ولا يزال له ذيوله، كاستثمار إستراتيجي في الوطن العربي لم يهلك الثروة وحسب بل قوًض إلى درجة عالية التماسك العروبي . كيف لا، وقد أصبح طبيعياً عدوان قطر عربي ضد آخر في خدمة الغرب الإمبريالي وبالتالي إجتثاث العروبة.
صحيح أن تراجع قوى الإرهاب والمغازلة الشكلية لأنظمة الصهيونية العربية لسوريا اشعرت الإمبريالية ببعض الضيق فأمرت الأنظمة بالتوقف وحصل. أي لم تخرج هذه الأنظمة عن طوع الإمبريالية.
لكن الاختراق في الكيان يوم 7 تشرين الأول هو المتغير الحاد الذي أقنع الغرب بأن الكيان أعجز بذاته عن مواصلة دوره.
وبعد، إذا وضعنا أمامنا لوحة خسائر الغرب عالمياً في تراجع الإنتاج وفي التجارة والسوق والتامين والدولار..الخ، نفهم أهمية عودته للسيطرة المباشرة على الوطن العربي الذي يشكل مخزونا ثرواتيا هائلا مباح للغرب سواء مختلف الثروات بما فيها النفط نفسه وريع النفط، والسوق العربية الواسعة.
لذا، من الطبيعي أن يُخاطر الغرب بالسيطرة العلنية والمباشرة على الوطن العربي كي لا يفقد هذه المصالح الاستراتيجية ومن هنا معنى حضوره الاستراتيجي والذي يأخذ علانية شكل الاستعمار المباشر لتكون الأنظمة العربية أدوات علنية ومباشرة له على بلدانها أي وكلاء له على مستعمرات.
وقد يؤكد هذا المؤتمر الذي عُقد في القاهرة بين أنظمة عربية وممثلي الغرب وممثل الكيان يوم 20 تشرين 2023 حيث كانت تُصب النار على مواطني قطاع غزة ولم يجرؤ الحكام العرب على إصدار بيان حتى عاطفي مع الفلسطينيين. فقد حضر الغربيون سادة واستقروا سادة!
يردنا هذا الأمر إلى تحليلات البعض على مدار السنوات ربما الخمس الماضية بأن الغرب على طريق الخروج من ما يسمى الشرق الأوسط لانشغاله ضد الصين ! والذي جادلنا دوماً ومن مدخل التحليل الاقتصادي السياسي بأن الغرب لن يرحل بل يُقتلع.
لم يفهم هؤلاء المتعجلين بأن انشغال الغرب ضد الصين يزيد حاجته لاستغلال الوطن العربي وليس العكس، وهذا ما إتضح في الحرب في أوكرانيا.
بل إن إعداد الغرب للعدوان ضد الصين، وتراجع نفوذه في أمريكا اللاتينية أمام القوى التقدمية الجديدة، وتراجع نفوذه في إفريقيا الوسطى،يدفعه للتمسك بمنطقة الثروة والخنوع العربية أكثر من اي وقت مضى. قد يقول البعض بأن الغرب بينه تناقضات مثل حلول أمريكا محل فرنسا في افريقيا الوسطى أو أخذ امريكا صفقة الغواصات لأستراليا من فرنسا، ولكن في حالات وجود خصم للجيع يتآخى اللصوص /والقول لماركس كما هو في أوكرانيا واليوم في فلسطين.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/