ليس أصعب على الكاتب من تحليل حدث جارٍ، بل هي معضلة المحلل لأنه يقف في برزخ بين القارئ وبين المؤرخ الذي يبحث الأحداث بعد مرورها وربما بعد مرورها بزمان طويل بينما يضطر المحلل للإجابة على كثير من الأسئلة التي تضعه الإجابة عليها في مأزق إما الوقوع في الخطأ أو الخطأ بقرار ووعي. ومما يزيد مشكلة المحلل أن “الطبق ساخن” والتعبير لأحد ضواري الإمبريالية الذي قال “الطبق البارد لا يستدعي التدخل بعكس الطبق الساخن”
قبيل 7 تشرين، كان التساؤل المزدوج للأعداء محيِّراً:
· إما ان يعتدوا ويخسروا كثيرا
· أو لا يعتدون ويخسرون لأن المحور يقوى أكثر.
ها قد حصل الاختراق وصار العدو في حيرة أخرى:
· إما أن يدخل براً ويخسر ما لا يطيق
· أو لا يدخل براً ويخسر معنوياً
ولأن الأمور رهينة الميدان فيمكن للمرء ترك ما سيحصل للميدان نفسه. وعليه، يتبقى لنا قراءة النتائج لما حصل من وقائع حتى لو لم تنضج بعد.
اتضح للكوكب أن جوهر الصراع كامن في كونه تناقض تناحري لا وسطية فيه، هذا رغم أن الرسميين الدوليين يصرون على لملمة الحلول لنفي حتمية التناقض.
وبعد أن ساد في الإعلام والسطح السياسي موت البعد الشعبي العروبي للصراع ووصل كثيرون إلى المجادلة بفخر بأن هذا البعد لا يمكن إعادة بنائه، اتضح ان العروبة شعبياً لم تمت بل عاد حتى من نظَّروا ضدها ليٌقروا بها.
لكن الحراك والإقرار، وهو استفتاء واضح، لكنه انحصر في المستوى الديمقراطي الشكلي بمعنى أنه طاقة هائلة لم تجد القوة الثورية لتفعيلها في حرب الشعب وخاصة تفكيك مفاصل مؤسسات الأعداء ومؤسسات أمن السلطة القطرية القمعية والصهيونية. إذن فالحراك العربي تعبير ديمقراطي لكن بلا أسنان بعد، حقيقي ولكن ليست كل حقيقة فاعلة.
وهذا يعني غياب الحركة الثورية أو عدم كنس القشرة القيادية المساومة والمدجنة لهذه الحركة.
وعليه تكرر ما حصل تجاه الربيع الخريفي العربي اي عدم قدرة القوى الثورية على إسترداد الشارع من:
· الرعب والتخويف الرسمي الصهيوني العربي
· وقوى الدين السياسي.
وها قد حصل الاختراق على حين غرَّة قبل أن يتم تجاوز السببين أعلاه، فحصلت الجرأة على المبادأة دون توفر الجاهزية لاستثمارها اللحظي وربما يعود هذا فيما يعود إلى هشاشة الدعوة للمقاطعة ومناهضة التطبيع حيث لم تُراكم هذه الدعوات سوى لغة.
ومع ذلك فقد تأكد تثبيت الف باء هي التحرير وسقط الشعار الإنهزامي الرسمي العربي “إنقاذ ما يمكن إنقاذه” وأُعيدت إلى الرأي العام العالمي بديهية القناعة الشعبية بأن الصراع ليس على المحتل 1967 بل على كل فلسطين وهذا يتضمن بوضوح سقوط القيْد القطري رغم تغييب الخيار القومي إلى ما يقارب اغتياله بدءاً من تدمير العراق 1991 ومن ثم احتلاله 2003 ثم إرهاب الدين السياسي والاستشراق الإرهابي عام 2011.وعليه، اثبت الاختراق حتمية النهوض من الكبوات بانكشاف الرسمي أمام الشعبي العربي عارياً هكذا!
وهذا كشف ضعف الإعلام سواء الإعلام العربي المتصهين أو الإعلام المرتبط بالمحور حيث عجز عن أن يقول للعروبة: فوراً إلى حرب الشعب!
بل إن هذا الإعلام بتضخيمه للنضال الفلسطيني وخاصة في العامين الأخيرين كان مثابة لغم ينسف العمق القومي، سوءا شاء أم عجز عن الرؤية. كما إتضح أن هذا الإعلام كان مصاباً، وإن لم يُعلن بالطائفية المزدوجة والتي ما أن حصل الاختراق حتى جرى لجم عمامات الفتنة من الطائفتين ويكون الهمُّ بعد: كيف تُلجم هذه العمامات وليس كل العمامات، بل كيف تتحول عمامات الفتنة وهدم التاريخ. ذات يوم قال ماركس: “إن محمد علي هو الذي حوَّل العمامة المفتخرة إلى راس حقيقي”.
لقد اتضح أن العرب فرادى ليسوا سوى غثاء كغثاء السيل.
وأخيراً طبعاً حتى اللحظة، فقد تسلل الطابور السادس الثقافي إلى جحوره وطوى عرائضه النتنة بما عليها من توقيعات وأخصُها دُعاة دولة مع المستوطنين والذين لم يبق لديهم سوى رفع درجة البغاء السياسي للقول بدولة مع جيش الكيان!
في جانب الأعداء
لقد أسقط الاختراق مقولة الجيش الذي لا يُقهر وأوضح لكل جاهل أو ناكرٍ بأن صراعنا هو م.ق.ا.و.م.ة غُزاة منذ ثلاثماية سنة لأن هذا الوطن الأكثر والأشد استهدافا من قِبًل الرأسمالية الإمبريالية ثم تحالفها مع الصهيونية وتحالف الصهيونية العربية معهما. واتضح هذا بتدفق كل الغرب وكل ما لدى الغرب بوقاحة واستهانة بنا لحماية الكيان مما نقله من قاعدة إلى محمية.
كما سقطت مقولة “عبقرية” استخبارات الأعداء حيث ثبت بأن أخطر أدوات الاستخبارات هم العملاء اي الذين إما عجزوا عن الاختراق أو أن البنية كانت قد نظفت نفسها وبالتالي اتضح بأن الجاسوس أخطر من التكنولوجيا خالصة القدرة.
في عالم راس المال بل الثورة المضادة لا أخلاق في الحرب، كم هي أكذوبة بحجم الكوكب.
ولا قانون دولي إنساني ولا اسرة دولية قط وبأن ديمقراطية الغرب أخطر أكذوبة وأقبح ديكتاتورية في التاريخ.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….