نشرة “كنعان”، 28 أكتوبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6658

في هذا العدد:

هذا تولِّي يوم الزحف … اطلقوا قوة الشعب، عادل سماره

غزة … القلعة الأخيرة، محمد سيف الدولة

غزة ودروس فرانز فانون، يحيى الكبيسي

صورة وذكرى، موسى إبراهيم

✺ ✺ ✺

هذا تولِّي يوم الزحف اطلقوا قوة الشعب
عادل سماره

العدوان ثلاثي من الغرب، والكيان، والصهيونية العربية أنظمة ومثقفين وأمن وعسس ومخابرات.
هذا علني ومقصودة علنيته.
لكن:
لماذا الإعلام والمحللين والخبراء على الفضائيات يحصرون الرد على العدوان في الشعب الفلسطيني!
متى كان هذا الشعب بحاجة لتوجيهاتكم ونصائحكم؟ متى كان لا يقاتل إلا بالحجر واليوم تزعمون أنه يقاتل بصواريخكم، وهي صواريخ سورية على اية حال؟
هل دوركم عربا ومسلمين هو :التحميس!
من الذي يدير الفضائيات؟ من الذي يأمرها بأن:
1- تتجنب دعوة الشارع العربي الانتقال من الشارع لضرب مصالح الأعداء
2- من الذي لا يحرض الشارع ضد أجهزة أمن الأنظمة القطرية التي تخيف الشارع وتلجم الجيوش وتنسق مع الأعداء؟
3-من الذي يحمي مؤسسات الأعداء في كل الوطن الكبير؟
4- من الذي يكرر أن العدوان ضد حماس؟
5- من الذي يغذيه الغرب إعلامياً بأن العدوان ضد حماس؟
6- من الذي ينكر أن كافة الفصائل تقاتل والشعب يقاتل بما لديه؟
7- من الذي يغذي هذه التفرقة؟
8- من الذي لا يحرِّض الأمهات والزوجات والآباء ضد أبنائهم الذين يلجمون الشارع ويخيفونه من أجل عروش يجلس عليها أعداء الأمة؟
كل هؤلاء هم الذين يتولون يوم الزحف وهذه الخيانة الكبرى.
لا تنشغلوا بالهدنة حتى لو حصلت، ولا تناقشوا بنودها، هدِّفوا على الحراك الشعبي ضد التطبيع وللمقاطعة ولتخريب مصالح الأعداء في حرب دائمة حتى لو حصلت هدنة أو هدنة طويلة.
من العار أن يتم التصدي لمصالحهم فقط ايام العدوان! لم تكن لجان مناهضة التطبيع سوى صرخة لحظية وربما لأن خلفها من يمنعها من الانطلاق الدائم فمنعت الناس! إذن تمردوا عليها واخلقوا لجانكم الحرة.
الحرب الشعبية فقط التي تقود إلى النصر النهائي لأنها ممتدة وليست رسمية.
أخيراً: قال كثيرون لا يوجد مشروع عروبي! ها هو شعبيا يُثبت نفسه فعلى الأقل لا تعيقوه ، دعوه يمضي بلا قيود ولا هدنة ولا دبلوماسية.

✺ ✺ ✺

غزة … القلعة الأخيرة

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

·       منذ عام 1947 والمعركة مستعرة بيننا وبين الصهاينة ومن ورائهم امريكا وشرعيتها الدولية حول عروبة فلسطين ومشروعية الاغتصاب الصهيونى لأراضينا وأوطاننا ومشروعية ما يسمى  بدولة (اسرائيل).

·       كانت بداياتنا مبدئية، اذ وقفنا صفا واحدا، شعوبا وحكومات فى مواجهة قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، بل وشاركنا فى حرب 1948 دفاعا عن فلسطين، ورغم هزيمتنا بسبب احتلال اقطارنا وتبعيتها، الا اننا تمسكنا بموقفنا المبدئى الرافض للاعتراف باسرائيل والتنازل لها عن أى شبر من أرض فلسطين.

·       واستمر صمودنا رغم الضغوط الدولية وعدوانى 1956 و1967.

·       وظهرت اول ثغرة فى صفوفنا بقبولنا القرار 242 بعد عدوان 1967 والذي ينص على حق (اسرائيل) فى الوجود مقابل الانسحاب من اراض تم احتلالها عام 1967، ولكننا لم نتوقف كثيرا حينذاك بسبب مقررات مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذى رفع شعار اللاءات الثلاثة: لا صلح .. لا تفاوض .. لا اعتراف. وبسبب انشغالنا فى الاعداد للحرب.

·       ولكن الضربة القاصمة الاولى لفسطين ولكل الأمة، جاءت بعد حرب 1973 عندما اعترف السادات باسرائيل بموجب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978.

·       تلا ذلك اخراج القوات الفلسطينية من لبنان عام 1982 تحت تهديد الاجتياح والحصار والعدوان الصهيونى، وبدات عملية ترويض للقيادة الفلسطينية المنفية فى تونس، وتسويتها على نار هادئة، الى ان انهارت ارادتها وبدات سلسلة من التنازلات انتهت باتفاقية اوسلو 1993 والتى اعترفت فيها م.ت.ف بحق (اسرائيل) فى الوجود وتنازلت لها عن فلسطين 1948، وتنازلت عن حقها فى المقاومة وحمل السلاح.

·       ثم الاتفاقية الاسرائيلية الاردنية وادى عربة عام 1994.

·       ثم استسلام النظام العربى الرسمى كله ممثلا فى جامعته العربية باصداره لمبادرة السلام العربية عام 2002 التى تقر بحق (اسرائيل) فى الوجود، وقبول التطبيع معها ان هى انسحبت الى حدود 1967 فقط، مع التنازل الكامل عن فلسطين التاريخية.

·       الى أن وصلنا الى اتفاقيات ابراهام التى شطبت فلسطين من القاموس تماما، وسقوط الامارات والبحرين والمغرب فى مستنقع التطبيع.

·       لنكون امام شبه اجماع عربى رسمى على تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع (اسرائيل) بل والتحالف معها.

·       لكى لا يتبقى من أولئك العرب الذين رفضوا قرار التقسيم عام 1947، من يرفض الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن فلسطين لليهود الصهاينة، الا الشعوب العربية.

·       ولكنها شعوب مقهورة محكومة بالحديد والنار ومعزولة عن فلسطين بالحدود وحراس الحدود العرب وبترسانة من التشريعات والقوانين تجرم وتعاقب وتسجن وتعصف بكل من يحاول اختراق الحدود للالتحاق بالمقاومة او كل من يقرر الاشتباك مع الاسرائيليين الذين يدنسون بلده امثال محمود نور الدين وسليمان خاطر.

·        اذن العرب الرسميون باعوا، والشعوب العربية عاجزة ولو الى حين، ولم يتبق لنا سوى قوة وحيدة فى فلسطين المحتلة لا تزال تحمل السلاح وتقاتل (اسرائيل) هى غزة.

·       انها القلعة الاخيرة فى معركة قرن من الدفاع عن فلسطين، كل فلسطين، وتحريرها من المشروع والكيان والاغتصاب الغربى الصهيونى.

·        ان انهارت لاقدر الله، سيكون علينا ان ننتظر عقودا طويلة قبل ان يظهر جيل جديد داخل الارض المحتلة قادر على مقاومة وقتال (اسرائيل).

***

§       ولذلك فان المهمة الوطنية الملحة اليوم الملقاة على عاتق كل الشعوب العربية وقواها الحية هى حماية القلعة الاخيرة المسلحة فى فلسطين من السقوط.

§       وهو ما يستدعى تعلية أسقف المعارضة والمواجهة والنضال وبذل أقصى ما تستطيع من جهود وضغوط لكسر واختراق الحصار المفروض عليها اسرائيليا وعربيا ودوليا، وانقاذها من حرب الابادة والقصف والتجويع والتعطيش الحالية التى ترتكبها اسرائيل ومجتمعها الدولى.

§       ان معركتنا اليوم تختلف عن كل جولات الحرب السابقة، فهى حرب وجود بكل معانى الكلمة.

*****

القاهرة فى 27 اكتوبر 2023

كتابات طوفان الأقصى:

·       التجريد ثم الذبح

·       بايدن يطلب اعتمادات لتهجير الفلسطينيين الى سيناء

·       اعادة المهجرين من أهالى سيناء الى مدنهم

·       نص فتوى الأزهر بعدم جواز الصلح مع (اسرائيل)

·       فرصتنا التاريخية للانعتاق من كامب ديفيد

·       يا ولدى هذا هو عدونا الصهيونى

·       التحرر من قيود كامب ديفيد المميتة

·       ثوابتنا ـ دليل المواطن العربى

·       رخصة عربية لقتل الفلسطينيين

·       مسيرات مليونية للحدود الفلسطينية

·       الاتفاقية المصرية الاسرائيلية لمراقبة غزة

·       تمصير معبر رفح

·       عشرون وسيلة لدعم فلسطين ومواجهة العدوان                                                              

✺ ✺ ✺

غزة ودروس فرانز فانون

يحيى الكبيسي

من بين الدروس الكثيرة التي علمنا إياها فرانز فانون هو أن «النظام الاستعماري يستمد مشروعيته من القوة» وحدها دون تأويل، وأنه (أي الاستعمار) «ليس آلة مفكرة، ليس جسما مزودا بعقل، وإنما هو عنف هائج لا يمكن أن يخضع إلا لعنف أقوى» وأن التحرر منه «يجب أن يتم بالقوة، ولا يمكن أن يتم إلا بالقوة» بل كانت له دروس أخرى عديدة؛ بينها حديثه عن تجريد المستعمَر (بفتح الميم) من إنسانيته حتى لتعده حيوانا عبر استخدام اللغة المستعملة في وصف الحيوانات، بوصف اللغة أداة منهجية من أدوات الاستعمار، وهو ما كتبه قبل 62 عاما في كتابه «معذبو الأرض» أي قبل أن نسمع وزير الدفاع الإسرائيلي يصف سكان غزة أنهم «حيوانات بشرية» وقد وصف نتنياهو، قبل ذلك، أيضا، الفلسطينيين، خلال مؤتمر للدبلوماسيين الأجانب الذي عقد في القدس عام 2015، بالحيوانات حيث قال نصا: «توجد حيوانات متوحشة من المسلمين في مدننا، وعندما تفهم القوى الحضارية خطورة المشكلة، لن يتبقى أمامها إلا التوحد بشكل واضح وهزم هذه الحيوانات» وبالتالي لم يكن ما قاله وزير دفاع الاحتلال، مجرد رد فعل على زلزال 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بل هو يعكس خصيصة من خصائص الاستعمار/ الاحتلال.
فتجريد المستعمَر من إنسانيته مقدمة ضرورية للتعاطي مع أي فعل غير قانوني وغير أخلاقي ضده، وتكريس فكرة أنه «روح الشر وخلاصته» أو الشر المطلق الذي «يحطم كل ما يقابله، عنصر مخرب يشوه كل ما له صلة بالجمال او الأخلاق، إنه مستودع قوة شيطانية، إنه أداة لقوى عمياء، أداة لا وعي ولا سبيل لإصلاحها» لذلك سيكون مواجهة هذا الشر وإبادته ليس ضروريا فقط، بل واجب أيضا على «الخير المحض» الذي يمثله المستعمِر!
ويتحدث فانون أيضا عن دور «المثقفين» الذين يتبعون المستعمِر (بكسر الميم) على مستوى العموميات المجردة، ويرون أن «الماهيات تبقى خالدة رغم جميع الأخطاء التي تنسب إلى البشر» والذين يتبنون « مقولة «اللا عنف» التي هي «أحد مبتكرات الدفاع الاستعماري، ويتحدثون عن إمكانية «تسوية المسألة الاستعمارية» عبر مائدة المفاوضات، ويتبرأون من «الإرهابيين» و «الذباحين» ويقفون «في منطقة محرمة تفصل بين الإرهابيين والمستعمرين» وليس ثمة شك لديهم «أن كل محاولة لتحطيم الاضطهاد الاستعماري بالقوة إنما هو سلوك يأس، سلوك انتحار» دون أن يقدموا، في الواقع، ضمانات على أن دعواهم يمكن أن تصل إلى تسوية عادلة تضمن الاستقلال والحقوق والكرامة!
دروس فانون تبدو غير ذات قيمة، وربما اتهموا صاحبها أنه ضال آخر، عند الكثير من الليبراليين العرب المفترضين الذين يحاكمون «حماس» وفقا لمتبنياتها الفكرية التي يمقتونها، والتي جعلتهم يصابون بمرض عضال سبق لنا أن كتبنا عنه في مقال بعنوان: «الليبراليون العرب: درس في الشيزوفرينيا»؛ فرفضهم للإسلاميين، جعلهم يمجدون الانقلابات التي حصلت في بلدان عربية كثيرة!

فهم لا يرون في حماس سوى كونها «تنظيما إسلاميا» متطرفا، بل يتبنون تماما مساواتها بداعش، لينفوا عنها صفة المقاومة والكفاح المسلح (الشرعي بموجب القانون الدولي) ويرون أنها تقاتل دفاعا عن الأيديولوجيا التي تؤمن بها وليس عن الوطن المحتل! ويتعكز هؤلاء غالبا على ميثاق الحركة الصادر عام 1988 لإثبات أنها منظمة «جهادية» وليست حركة تحرر وطني، لأنها لا تعترف بحدود إسرائيل، ويتغافلون، عن عمد، أن الحركة قد قبلت عام 2017، وبشكل صريح ومعلن، بحدود عام 1967، ويتغافلون، أيضا، على حقيقة أنه لا وجود من الأصل، لحدود إسرائيلية معترف بها دوليا حتى اللحظة! فإسرائيل حصلت على الاعتراف الدولي عام 1948 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 ضمن حدود التقسيم، لكنها استولت على أراض أخرى عام 1948 وضمتها إليها دون اعتراف دولي، ثم استولت على أخرى عام 1967 وضمت بعضها إليها رسميا، كما هو الحال مع القدس الشرقية، فيما تقوم بقضم أراضي الضفة الغربية، عبر المستوطنات، وتصر أنها شرعية!
نشر أحد مشايخ الليبراليين العرب، مجموعة مقالات بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تحدث فيها عن «الطبيعة الرثة» لسلطة حماس التي خاضت حربا دون أن توفر للغزاويين أيا من شروط الحرب «فهي لم تبن ملاجئ وتحصينات، وهذا رغم أنها السلطة الوحيدة هناك من 2007» وأنه لم «يكن هناك أي إعداد اقتصادي» لينتهي إلى الاستنتاج بأن حماس «لا تقيم للمدنيين، الفلسطينيين قبل الإسرائيليين، أي وزن»!
ويردف بأن «العقل والمعرفة والتجربة ينبغي أن تغري صاحبها بالانسحاب من القوة مرة وإلى الأبد» وأنه «آن أوان الفصل بين طلب الحق والعدالة وطلب الانتحار، والسعي وراء وسائل غير القوة وغير «فش الخلق» في طلب العدالة والحق» وأن «طوفان الأقصى كان الشكل الوحيد من المقاومة الذي ينبغي ألا يحصل، وألا يهلل له» وهو يتبنى السردية الإسرائيلية بطبيعة الحال، فيما يخص أن حماس خاضت حربا «بدأتها بقتل المدنيين وخطفهم»! و«إن المشكلة الفلسطينية لا تحل إلا سياسيا، ومن خلال إقامة دولة للشعب الفلسطيني» لكنه يتدارك بأن هذ الحل بات مستحيلا من المستحيلات، ويضيف أن «الكلام السياسي عن تسوية تنصف الفلسطينيين، بعد طوفان الأقصى، سوف يغدو أشبه بطوفان الأوهام والنوايا الحسنة والمضجرة في وقت واحد» وهو ما يعني أن على الفلسطينيين أن يتعلموا السياسة، ويستمروا في ممارستها بدلا عن العنف، بوصفها غاية في حد ذاتها، وليس أداةً من أجل الوصول إلى أهدافهم! لكنه يتراجع في مقالة لاحقة عن فتواه العدمية هذه وينقحها بأخرى مستمدة من «طوفان الأوهام والنوايا الحسنة المضجرة» الذي ذكره قبل هذا، مفادها أنه «فقط بالعودة إلى السياسة والتسويات يمكن أن يكون للشرق الأوسط مستقبل، فيقرُّ الإسرائيليون بحتمية الدولة الفلسطينية المستقلة، ويقر الفلسطينيون والعرب بنهائية إسرائيل» ببساطة! لكن المشكلة الحقيقية تبقى مرة أخرى في العرب المولعين بتحويل القضايا المحقة إلى «فراغ التجريد والتقديس اللفظي» وفي «هيجان الثقافة العربية» التي «أغلقت كل الممرات الممكنة إلى السياسة»!
لا تكمن مشكلة الليبراليين العرب في تغييب التاريخ وتحييد السياقات ونسيان المقدمات الضرورية، وفي مراوغة الحقائق والوقائع وتحريفها، ولا تكمن أيضا فيما سمّاه فانون بالتعميمات المجردة والماهيات الخالدة وحسب، بل تكمن أيضا، في فقدان الحس الإنساني السليم نفسه، قبل أيّ شيء!

:::::

“مجلة الوعي العربي”، 26 أكتوبر 2023

✺ ✺ ✺

صورة وذكرى

موسى إبراهيم

في مثل هذه الصباح 2011.10.20 كنا متحصنين في بعض نواحي مدينة الجهاد بني وليد، وأيدينا على البنادق التي لم تعد فيها غير بعض الرصاصات، وكثير من الصمود.

كنا ننفذ أمر الإمام بالثبات في جبهة بني وليد بعد سقوط عاصمة البلاد قبل ذلك.

وقفت البلدة بمهابة أسطورية في وجه ضربات الناتو الجوية، ووحشية عصاباته البرية، لشهرين كاملين.

صارت “الرصيفة” ببني وليد و الحي رقم 2 بسرت توأمين في التاريخ.

وكان أجمل شباب ليبيا، وبناتها، قد استشهدوا على تراب ورفلة، يتهجون اسم الوطن، ويتمتمون بالنداء المقدس: لن نسمح أن تضيع ليبيا في غوط الباطل.

وعلى تخوم البلدة الخارجة كان “خميس” ورفاقه قد سبقونا إلى الجنة التي وعدنا بها الكتاب.

أما في تخومها الداخلة فكان “سيف الإسلام” ، وألف سيف للإسلام، يعانقون بيوت “الرصيفة” وأحجار “غلبون” وزيتون “دينار” وهم ينازلون الظالمين بالصبر والرصاص.

وحين نفذت الذخيرة أو كادت، واشتدت ضربات “الدرون” الغادرة، واهتزت أرجاء “السوق” من حمم الصواريخ المجاورة، سقطت المدينة، مثل “فلوجة” ليبية دامية، يوم 2011.10.17 لتدخلها عصابات الناتو البرية بسحناتهم الكريهة التي رسمها برنار ليفي في مخيلته الصهيونية الخصبة.

قرر المدافعون عن الجبهة الوليدية أن يتفرقوا في اتجاهات عدة، البعض قصد العربان في أرض الجبل، والبعض إلى نواحي ترهونة، وآخرون إلى وديان الجنوب.

وبقيت ثلة في المدينة، كنت منهم، ليس شجاعة استثنائية أو موقفاً عسكرياً بارعاً، بل لأننا كنا نعرف أن مصيرنا قد وصل إلى منتهاه في هذه المدينة المباركة.

قال أحدنا: لم يكن يخطر لي أنني سأموت وأدفن في جبال بني وليد، أنا ابن الساحل الليبي والشط والرمال!

كان اسمه وليد، وعاش، بالمصادفة البحتة، ولم يدفن في الجبال!

وقال آخر، وكان اسمه الشارف، اضبّطوا (عانقوا) هذا التراب. وفعل هو ذلك أولاً لأن الله أحبه أكثر منا و “دار له واسطة عيني عينك”.

وفي اليوم الثالث لسقوط المدينة سمعنا الخبر المفجع باستشهاد الإمام، ورفاقه، في جبهة سرت وانتهاء المعركة الوطنية حينها.

بكى الرجال جهراً في بني وليد، وفي الوديان، وصلينا صلاة الغائب جماعة.

لم أرهم يبكون جهراً قبل ذلك، حتى حين مزقت القنابل أجساد أبنائهم او إخوتهم أو رفاقهم في ساحات القتال أو ميادين “السوق” ، حي المدينة الأوسط.

قال لي رفيقي الأخير: مات وهو راضي علينا!

قلت: والآن نموت ونحن راضون.

كان هو أباً لبنتين صغيرتين.

وكنت أنا أباً لولد واحد لم يتكلم بعد.

بقينا متحصنين بحجارة بني وليد، وحميمية معمارها وديارها، إلى يوم 2011.11.07 حين قررنا أن ما بأيدينا من رصاصات يسمح لنا إما باختراق خط العصابات الناتوية، أو الارتماء مضرجين بالموت على مخارج المدينة الحبيبة، ويا له من ارتماء سيكون في أحضان فاتنة مثل بني وليد!

استشهد العشرات منا في عمليات الانسحاب خارج المدينة، وتمكن بعضنا من مخادعة رصاصة مُسدًدة، أو صاروخ موجه، أو قذيفة طائشة.

وتركنا وراءنا وطناً في غوط الباطل، وتاريخاً ناصعاً لنا، وإماماً قال سأموت هنا! ومات هنا!

ولكننا بهذا الوطن، والتاريخ، والإمام، نشد عزائمنا اليوم، وننهض من ركام الباطل وننتصر، ليس بالحقد، ولا بالثأر، ولا بتجيير المعركة لصالح الأفراد والقبائل الداخلة أو العدو الخارجي.

بل باستعادة روح الوطن، وفكرة الانتماء للعروبة والحضارة، ووعي الإنسان المقاوم.

هذا يعني استعادة وبناء القيمة الوطنية ضداً على العمالة للبراني، ثم تجاوز الوجع، وتضميد الجراح.

هذا يحتاج إلى موقف فكري ونفسي استثنائي يستلهم معمر القذافي نفسه، ويمضي بليبيا إلى الأمام لا إلى الوراء.

موقف بصلابة المعركة، ولكنه يخترق القلوب، قلوب الناس، بمعاني الوفاء والمجد والحقيقة التي هي ليبيا الواحدة،

ليبيا السيدة المطمئنة والواعدة بالخير والنماء للأجيال القادمة.

هكذا تصبح 10.20 ميلاداً جديداً ينبثق من ركام الموت الذي واجهناه في 2011 بطمأنينة غامرة.

____________________

الصورة: ألاعبُ ابني الوحيد ساعتها “الحارث” في الصباح الباكر ليوم الجمعة 23 سبتمبر 2011 قبل أن أخرج للاجتماع بالرجال في جبهة وادي غلبون ببني وليد المجاهدة.

:::::

صفحة الكاتب على الفيس بوك

Moussa Ibrahim

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org