نشرة “كنعان”، 31 أكتوبر 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6660

في هذا العدد:

هل الطائفية طربوش لما هو أعمق! زهراء جمال

غزّة تبدع مصير أمة، رشاد أبوشاور

وول ستريت جورنال: “إسرائيل” لا تحمل اسماً على خرائط الصين الإلكترونية

✺ ✺ ✺

هل الطائفية طربوش لما هو أعمق!

زهراء جمال

العراق

الحديث في القضايا الطائفية أشبه بالسير في حقل ألغام، ولكن وجودها وأضرارها في مجتمعاتنا يرغمنا على محاولات تفكيكها مهما كانت الخطورة. كيف لا، ونحن نعيش هذا الواقع العربي المريض والمنهك بتعقيداته التي توجب علينا السعي من أجل الانتهاء إلى مشروع عروبي شامل بمعنى تخليص المجتمع العربي من الطائفية وليس من الطوائف.

ولكن، لا بد في البداية من التفريق بين الطائفة كموجود اجتماعي شعبي طبيعي وبين الطائفية  التي هي كائن سياسي، أو بين الطائفة كنمط من الطقوس الإيمانية وبين الطائفية كإيديولوجيا لحزب أو تجمع سياسي لأنه إذا اتخذت الطائفية حالة إيديولوجيا اصبحت دين سياسي يُدخل المجتمع الواحد البلد الواحد المدينة الواحدة في صراعات لا تنتهي إلا بانتهاء البشر أنفسهم.

ومن هنا تناقض الطائفية المسألتين أو الهويتين  الوطنية والقومية.

بل وأخذ الطائفيون إلى ما هو أبعد وأفظع من حدود الدولة الوطنية/القومية باتجاه ولاء طائفي لبلد آخر بل ولقومية أخرى بذريعة الدين والطائفة، أي تغطية الولاء الخياني بالطائفية السياسية!

وهنا يكون الفيصل أن الطائفية التابعة تصبح أداة ،باسم الطائفة لدولة قومية أخرى تستخدم هي نفسها الطائفية لأهداف سياسية قومية أكثر مما هي حتى أهداف دينية.

إن عدم فهم هذه الحقيقة يودي بكثيرين إلى مهالك خيانة  بلدهم دون دراية في أحيان قليلة لأنهم يعتقدون أنهم بخيانتهم هذه يخدمون  الله!

ولكن، متى تتحول طائفة، أو في الحقيقة القشرة القيادية طائفياً وطبقياً في بلد معين، متى تتحول إلى أداة لبلد آخر ولماذا يتمكن البلد الآخر من تسخير ابناء طائفة من قومية أخرى لمصلحته؟

هنا ياتي دور الدولة المركزية خاصة في الوطن العربي أي وجودها، طبيعتها وغيابها.

كان لوجود مصر الناصرية بمرتكزاتها العلمانية والوطنية والعروبية إلى حد كبير الدور في غياب أو لجم الطائفية والإقليمية والقطرية في الوطن العربي رغم أن مصر الناصرية لم تحكم كامل هذا الوطن، وهذا يعني أن القومية في وضع علماني تقدمي تلجم الطائفية وتحول دون خلخلتها لبنية المجتمع ودون تخارج أية نزعة طائفية للارتباط بما هو خارج الأمة أو ضدها.

علينا الانتباه إلى أن هناك فارقاً بين تطابق الطائفة/الطوائف  مع الدولة القومية وبين تطابق الطائفية/الطوائف مع الدولة القومية. ففي الحالة الأولى يكون البلد في حالة صحية وفي الثانية يكون البلد مقتتلاً داخلياً، كحال لبنان والعراق في الوقت الراهن.

هناك دول قومية قوية أو مركزية وعلمانية، كما اشرنا، مصر الناصرية، وكذلك توجد الدولة القومية المركزية الطائفية المريضة، اي غير العلمانية، حال إيران الحالية حيث تتطابق الطائفية مع الدولة القومية الدينية، وهنا يتم تسخير القومية لصالح الطائفية ويتم تخارج مقصود من سلطة هذه الدولة باتجاه الدول الأخرى في نزعة لتتبيع طوائف في البلدان الأخرى لإيديولوجيتها الطائفية مما يخلق فوضى تصارع قومي وطائفي معاً. ورغم خطورة هذا، فهو لن يغير العروبة أو يجتثها ولكن يهلك الأمتين!

ويكون للدولة القومية جوهرياً والطائفية شكليا مثل إيران دورها الخطير إذا ما كانت دولة أو دولاً مجاورة من الهشاشة بمكان بحيث يكون:

نظامها طائفي تابع للدولة الأخرى وهذا حال السلطة الطائفية التابعة في العراق حيث الدولة طائفية تابعة ولا وطنية وكذلك السلطة الهشة في لبنان المكونة من ثماني عشرة قشرة طائفية. 

وهنا نتحدث هنا عن الطائفية العربية الشيعية في البلدين في علاقتهما بإيران بما هي دولة قومية تعتمد إيديولوجيا الدين السياسي وتمدد ذلك خارج حدود إيران!

العرب الشيعة العراقيون في السياق العربي الفلسطيني

 لا يمكن الحديث عن الشيعة في العراق وفي أي بلد عربي  إلا بوصفهم جزءاً من الشعب العربي، وعليه لهم نصيبهم من أزمات هذه الأمة وانعكاساتها على الفرد والمجتمع والجماعة،

ومن أجل توثيق علاقة العرب الشيعة تأريخياً بفلسطين وبالمقاومة تجب العودة لبدايات تمظهر الطوائف بين العرب المسلمين أوساط ونهايات العهد العباسي، لأن الصراع كان قبلياً سياسياً، أي لم يأخذ طابع التحول الطائفي الديني حينذاك.

فتجد على سبيل المثال دولاً وممالكاً تصنف اليوم على أنها شيعية اقتتلت فيما بينها، كالصراع بين الدولتين الفاطمية والقرمطية، ونجد مثلاً أن الدولة الإدريسية تحالفت مع الأمويين ضد أعدائها من “السنة” و “الشيعة”.

ولو أردنا الحديث عن الصراع بين دول تصنف اليوم خطأً على أنها “سنية” لما انتهينا،

وأقول خطأً لأن العرب بعد الدعوة الإسلامية التي وحدتهم والتي أبقت على الدور الفاعل للعرب غير المسلمين، أوجدت بينهم صراعاً سياسياً قائماً على النفوذ والمال والسلطة والأهم من ذلك، الطاعة المستمدة من الشرعية الدينية شكلياً. وهذه الشرعية الشكلية هي التي يتم تثميرها لصالح القشرة الطائفية في كل بلد يعتمد إيديولوجيا الدين السياسي التي تغطي المصالح المادية الطبقية أو القومية كأساس.

ومن هنا بدأ استثمار الترك وتمكنوا من اعتلاء عرش العرب وحكمهم لقرون، ورغبة اعتلاء هذا العرش لاتزال حية في نفوسهم حتى اليوم.

فخلال تلك الفترة استطاع الترك شراء ذمم العديد من القشور العليا للقبائل العربية من الشيعة والسنة في العراق وعلى ضفاف الخليج العربي وفي المغرب وبلاد الشام، وربما لا يذكر أحد أن الصفويين قد تمكنوا من الشيء ذاته، وقاتل عرب سنة وشيعة ضد عرب سنة وشيعة تحت ركاب العثمانيين والصفويين في حروبهم القومية الفاشية الفاشلة، وكان يقابلهم في الوقت ذاته عرب مسلمون سنة وشيعة وعرب مسيحيون وصابئة ويهود رافضون للاستعباد والتبعية الذليلة مناضلين وساعين من أجل مشروع عربي استقلالي، وقد نجح البعض منهم في الاستقلال الضمني بإقامة ولايات عربية غير خاضعة للسلطة العثمانية قبل أن تنهار مع بداية الاستعمار الغربي للمنطقة العربية والذي أشعل من جديد الحلم العربي ذاته.

ومرة أخرى، اشتغل عند الغربيين عرب سنة وشيعة وقاتلوا معهم ضد العثمانيين، والذين كانوا قد تمكنوا بدورهم من شراء ذمم عرب آخرين ليقاتلوا معهم دفاعاً عن سلطتهم القومية البائدة.

إن المشروع التحرري العربي الحديث بدأ لحظة الإعلان عن السلطات الاحتلالية بعنوانها الانتدابي للأقطار العربية، وأسمى المفاخر فيه التعاون ما بين القبائل العربية في الثورات التحررية بالمال والسلاح والدم، فكم من شهيد شامي استشهد في الجزائر؟ وكم من شهيد عراقي قضى في الشام؟

وربما يعود سبب انحسار النفس الطائفي بين القبائل العربية خلال تلك الحقبة هو تحجيم السلطة الدينية الكهنوتية، بدليل أن القوى الاستعمارية قامت بدعمها عندما تنبهت لهذا الأمر.

ومن هنا يعود ارتباط العرب الشيعة بفلسطين، أي منذ نشأة المشروع العروبي التحرري الحديث، ومنذ بداية الصراع العربي الصهيوني منذ إعلان وعد بلفور!

إن الفصل والتفريق ما بين التشيع العربي والتشيع الصفوي كما يعبر عنه المفكر الإيراني “الشيعي” علي شريعتي أمر بغاية الصحة والدقة، وهو مستمر ومتفاقم إلى حد هذا اليوم،

لقد استمر تدفق الفدائيين العراقيين الشيعة والسنة لفلسطين منذ الطلقة الأولى إلى مطلع القرن الجاري عندما بعثرت أمريكا أوراق العراق لمنعه كقوة عربية مركزية مكاناً بجانب مصر وخلفاً لها،

وكم من المخجل عدم الإقرار والتوضيح بأن  الفدائيين العراقيين الذين انخرطوا في صفوف الجبهة الشعبية أو في فتح  أيام نضالهما لإنجاز المشروع الوطني، من مقاتلين ومهندسين ومفكرين، كانوا جميعاً بعنوان عروبي واحد، لدرجة أن الهوية القُطرية كانت هوية ثانوية فكيف والحديث عن هويات طائفية؟

هل كشف ٧ أكتوبر حجم كل طرف؟

إن الصراع الحالي أتى ليؤكد وحدة وعروبة العراقيين سنة وشيعة في استعدادهم العروبب التطوع للقتال في فلسطين رغم أن إنجازهم يجب أن يكون في تحرير العراق من أجل العراق ومن أجل فلسطين.

لقد شلّت أمريكا العراق شللاً تاماً في التسعينات، وعند الغزو لم تقم إلا بتدمير ما يمكن للعراق أن ينقذ به نفسه، وهنا انفكّ الارتباط العراقي الفلسطيني السياسي والعسكري وليس الشعبي.

 هذا التأريخ تم تغييبه والتعتيم عليه بشكل خسيس ومتعمد لتخريج جيل يقول جزء منه اليوم أن الفلسطينيين قد انتقلوا من الحجارة إلى الصواريخ بفضل محور ولاية الفقيه!

وهذه العبارة (أي انتقال النضال الفلسطيني من الحجارة إلى الصواريخ) ليست عبارة هامشية يتعاطاها توابع مرتمون في الحضن الإيراني بسبب تشوهات نفسية وعقلية، بل يجري الشغل لتحويلها إلى عقيدة راسخة عند كل الجيل الجديد كي يغادر عروبته ويخضع لإيران ويشعر باحتقار نفسه أمامها، وقد وردت (أي العبارة ذاتها) بشكل صريح ووقح على لسان المرشد الإيراني على حسابه الرسمي على تويتر وفي خطبه أكثر من مرة، وهذا منطق دنيء لأن الغرض منه هو نسف التأريخ العربي والفلسطيني برمته. (التغريدة مرفقة أسفل النص)

ويبدو أن الرجل يقصد إنكار أن الفلسطينيين قاتلوا ببنادق قديمة جداً منذ ١٩١٩!

لكن ربما لا يعلم هذا المرشد أنه يضع نفسه هنا موضوع الجاهل بالتأريخ، لأن بعضاً من التأريخ موثق بطريقة لا يمكن لحاقد إنكارها أو تشويهها!

 بالتأكيد لم تكن الحجارة التي كان يحملها الأطفال الفلسطينيون ضد الجنود الصهاينة في باحات المسجد الأقصى مثابة عيبٍ، لكن العمل العربي الفدائي اشتمل على حروب مواجهة كبرى مسندة بجيوش عربية وبكتائب من المتطوعين العرب من كل مدينة ومن كل بلدة عربية من أقصى المحيط لأقصى الخليج، وعلى عمليات نوعية امتدت لتفجير سفارات وإلى اختطاف طائرات ومسؤولين إسرائيليين وغربيين واغتيالات في صفوف العدو اشتملت على وزير صهيوني في وسط القدس المحتلة، إضافة إلى عمليات واختراقات نوعية في الداخل المحتل،

وكل هذا لم يكن بحجر رغم اعتزازنا الشديد بكل حجر!

أكبر مشكلة بيننا وبين إيران اليوم هي أن إيران والجماعات التابعة لها لا تقبل أن يتم شكر إيران في حدود في ما تفعل وما تقدم، بل أصبحت كالنار التي تصيح هل من مزيد؟!

في السنوات الأخيرة، كان يطل علينا مهرجون عراقيون ولبنانيون يقولون بأن إيران يجب أن تحتل العراق لأنه طريقها الوحيد لإيصال الأسلحة إلى فلسطين عبر سورية ولبنان وهذا يكشف عن طبعة شبيهة بداعش التي تقول بأنها ستصل فلسطين بعد أن تحتل سوريا!

لكن وكما يقول المثل العراقي (رضينا بالبين والبين ما رضى بينا) والبين هنا هو المصيبة،

المصيبة هنا أننا نشاهد مستوى الأسلحة التي تقاتل بها المقاومة الفلسطينية على الأقل في معركة ما بعد السابع من تشرين الجارية لحد هذا اليوم، وهي الأطول والأعنف في تأريخ فلسطين في العقدين الأخيرين، والأسلحة لا تخرج عن مستوى أسلحة بدائية محلية الصنع (هاون وأسلحة شخصية وعبوات ناسفة وبالونات حارقة ومناطيد هوائية وما شابه)!!!

حتى اللحظة وغزة تحترق والضفة يتم تقطيع أوصالها لم تظهر الأسلحة والصواريخ الذكية والبالستية والدقيقة وبعيدة المدى والنقطوية التي حدّثنا عنها ووعدنا بها حسن نصرالله مؤخراً إذا ما ارتكب العدو أي عدوان جديد!

ناهيك عن إعلام إيران قبل شهر من المذبحة، كان أعلن أن إيران أنتجت صاروخاً خارقاً باسم قاسم سليماني مخصص لضرب الكيان الصهيوني! لكن يبدو بأن هذه الصواريخ مخبّاة إلى يوم القيامة،

فقد وجدنا أن حزب الله نفسه يشتبك مع العدو في الجبهة الشمالية اشتباكات محدودة بأسلحة متواضعة لكنها في الحقيقة تمثل أقصى ما يمكن أن يقدمه الحزب، فهل كان الكذب على الشعب العربي من أجل نفخ إيران صحيحاً يا سماحة السيد؟

الحريص والموضوعي لا يدعو لفتح لبنان وسورية أمام الاستهداف الغربي في هذا التوقيت وضمن القدرات المعروفة، وبالذات بعد إنهاك سورية لأكثر من ١٢ عاماً، لكن تأميل الشعب لهذه الحدود “فقط لتعظيم إيران!” ثم خذلانهم لهذه الحدود هو ما لا يمكن أن نغفره أو أن نتغاضى عنه!

وهنا جاء تصريح الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام في خطابه قبل أيام ليقطع الطريق على لصوص النضال وسراق التضحيات بقوله “جهّزنا أنفسنا من الصفر، وإمكاناتنا من المستحيل”.

إيران الثورة الإسلامية انكفأت على نفسها، وأصبحت حدودها في الشجب والتنديد على غرار الدول العربية، والصواريخ المزعومة تحولت إلى أكاذيب تتناقلها قناة الميادين تدور حول مئات القتلى والجرحى الجنود الأمريكان في العراق ووابل صواريخ ينطلق من اليمن، وقبسات من صحف ومواقع إسرائيلية تتحدث عن أن إسرائيل مرعوبة من إيران ومن حسن نصرالله!

لكن ليعلم الجيل الناشئ أن تحرير فلسطين يمر عبر تحرير الدول العربية من الأنظمة التابعة والفاسدة ولو كانت غير تابعة، وتحرير كل شبر عربي من أي تواجد أجنبي، بمعنى أنه يبدأ من تحرير العراق من القواعد العسكرية الأمريكية والتركية ومن نظام الفساد البريمري وأن ما يمكن أن تقدمه صنعاء هو تحرير جنوب اليمن من الإمارات والارتقاء باليمن إلى دولة موحدة مستقلة ومنتجة. وهذا يوصلنا إلى حقيقة موضوعية وعادلة: حدود الدور الإيراني هو المساعدة المحدودة وليس القتال، ونحن لا نطلب منها غير ذلك لو أرادت تقديمه بالمجان!

 ونطلب أيضاً أن تصارحنا وتصدق معنا في حدود ما تملك دون أن تكذب لتعظيم نفسها،

وهذا ما أكده الراحل أحمد جبريل على قناة الميادين حيث قال وكرر: “إذا كانت إيران في محور المقاومة فلتقاتل هنا معنا” وأكد فوق ذلك السياسة الدين سياسية الانتهازية الإيرانية حيث قال على الميادين أيضاً: “طلبت مني إيران تغيير إسم الجبهة إلى الإسلامية لأحصل على ما أريد ولكنني رفضت”. 

لعل هذا يؤكد:

أولاً: أن إيران تحصر دورها في المساعدة​

وثانياً: أنها مقيدة بإيديولوجيا الدين السياسي.

وأخيراً، ها هو الميدان مفتوح على مصراعيه، ونتمنى من إيران نقض توقعنا هذا، لا أن تكتفي بتسجيل نقاط على أنظمة الصهيونية العربية لأن من العار أن يقارن أحد نفسه بها، كما أن ارتباط هذه الأنظمة بإيران أكثر من ارتباطها بالشعب العربي الذي فرضت عليه ولم يكن له أي دور بإنتاج أو انتخاب أي منها.

✺ ✺ ✺

غزّة تبدع مصير أمة

رشاد أبوشاور

نعم: نحن لا نتفرج على مباراة كرة قدم ممتعة مسلية، فما يحدث في قطاع غزّة، وعلى أرض فلسطين في الضفة والقطاع وال48 هو حدث تاريخي تحولي مصيري يقرر حاضر ومستقبل الوطن العربي الكبير، والأمة العربيّة المستباحة، والممزقة، والمحتلة أرضها بالقواعد الأمريكية، تحديدا: السعودية، قطر، البحرين، الإماراتـ، المغرب، الكويت، عُمان، الأردن…

طوفان الأقصى ضرب الوطن العربي الراكد وهزّه، وصعق عدونا المحتل لفلسطين بكاملها، والذي يُجري يوميا (بروفات) استعراضية وقحة لاحتلال الأقصى، بينما تبارك أمريكا ما يفعل، و(تتصالح) معه نظم حكم عربية، تطبّع، وتنسق، وتخطط لعلاقات اقتصادية، وتمضي بعيدا في تصالحها دون أن تأبه باحتلاله لفلسطين، وعبثه في المقدسات التي تهفو لها قلوب ملياري مسلم في العالم.

الدويلات (اللقيطة) فجرت تماما وما عاد يؤثر فيها اللوم والعتب والشكوى من سلوكها الخارج على كل القيم، فتمعن في إدارة الظهر لكل المحرمات التي تمنعها من المروق على أقدس قضية توحد الأمة وتضعها وجها لوجه مع العدو الذي يستبيح قدسية فلسطين، والتسامح بموقعها الذي خاضت الأمة حروبا على امتداد قرابة المائتي عام، هي عمر الحروب الصليبية، حتى ثبتت تحريرها واقتلاع الغزاة الصليبيين ومعهم التتار.

هي أنظمة حكم خارجة على التاريخ والجغرافيا العربيّة، لا يرى حُكامها إلاّ مصالحهم.

من ينتظر أن تطرد (دول) التطبيع سفراء الكيان الصهيوني، وتسحب سفراءها وتنهي حقبة التطبيع  فهو واهم، رغم أنها ترى كيف هز طوفان الأقصى (العالم) النائم الضمير إزاء ما يحدث في فلسطين من عدوانية الاحتلال الصهيوني، واقتحامات مستوطنيه للمسجد الأقصى بحماية شرطة وجنود الاحتلال، واعتداءاته اليوميّة على المواطنين الفلسطينيين عند كل حاجز، وامتهان كرامة وحرية وحياة الفلسطينيين، وتمزيق التواصل بين المدن والقرى والبلدات الفلسطينيّة، وحملات الاعتقالات التي تطال الكبار والصغار، النساء والرجال، ومداهمات البيوت، وكل هذا بهدف تيئيس الفلسطينيين ، وتنكيد عيشهم، وإحباطهم، ودفعهم للهجرة من وطنهم لضيق العيش في رحابه التي خنقت أنفاسه وتفاقمت منذ (أوسلو) قبل ثلاثة عقود، وتكشّف الوعود عن أكاذيب وتحايل وجرجرة لسلطة لا سيادة لها، بل هي شاهدة زور تعيش في الوهم، وتراهن على ما لا يأتي، ويتسابق رموزها على ( الوراثة) والامتيازات، وأثناء ذلك تُقيّد السلطة الضعيفة شعبنا في الضفة، وتقمع كل من يقاوم، كأنما لا يكفي شعبنا قمع وقهر سلطات الاحتلال ومستوطنيه!

أنظمة التطبيع (متفاءلة) بقصر نظر، توقعت أن تنتهي عملية (طوفان الأقصى)، وتنتهي حماس وكتائب القسّام، ومعها الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، وكل من يقاوم، ليتم التخلّص من كل القى المقاومة وهم فلسطين، ولكن المعركة امتدت وطالت على المطبعين وأسيادهم.

 خاب رهان المطعين على(سندهم) المُرتجى الكيان الصهيوني، المأمول منه حمايتهم، ومدهم بالقوة التي تحفظ (دولهم) الثريّة والمتحاسدة فيما بينها، فهي لا تؤمن بعروبة تجمعها وتحميها، فلو كان الأمر كذلك لما التفت على الشعب العربي الفلسطيني، وعبرت من فوق تاريخه وجغرافيته وقدسه وموقعه الجامع للأمة العربيّة، والمحتل بعدو صهيوني يُمزّق وحدة الأمة العربيّة، ويشكّل القاعدة الأكبر التي تضمن للغرب الاستعماري مصالحه في بلاد العرب، وهيمنة (الإمبراطورية) الأمريكية أكبر لص في تاريخ البشريّة.

معركة طوفان الأقصى تضع جماهير الأمة في الوطن العربي في مواجهة حُكّام التبعية المستبدين المعزولين عن جماهير يحكمونها ويتحكمون بحياتها، وهذه الجماهير تتدفق إلى الشوارع التي تزدحم بها حضورا وهتافات، فهي تصدح بهتافات ترفض التطبيع، وتطالب بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وبالعداء لأمريكا، وهذه الجماهير تعرف أن الحكّام لن يستجيبوا لمطالبها، وهؤلاء الحكام لن يتوبوا ويتراجعوا عن سياسات اتبعوها تعود عليهم بالحماية والرعاية الأمريكية والصهيوني كونهم لا يحظون بأدنى شعبية لدى الجماهير، ويخشونها ويتحسبون لغضبها وانفجارها واقتلاعها لهم ومحاسبتها على إفقارها وامتصاصها واستباحتها لخيرات بلادهم وتمكين الأعداء من التمتع بكل خيرات بلادهم، ومصادرة مستقبلهم ومستقبل امتهم التي ينتسبون إليها.

جماهير الأمة في طريق، وحكّام التطبيع في(طريق) مناقض مُعاد. خيار جماهير الأمة يتجلّى في المقاومة، تحرير فلسطين، طرد الأمريكان من بلاد العرب، استقلال وسيادة أمة العرب، و..حكّام التطبيع مع مصالحهم، ومصالحهم مع أميركا والكيان الصهيوني، ولذا هم يرتجفون من هول ما يرون، فالمعركة كبرى وتاريخية وشاملة، وتنفتح على صراع شامل لن يرحمهم، ومن ارتجوا الحماية منه يترنح أمام بصرهم، فالكيان الصهيوني بجيشه وأجهزة أمنه وتقنيات تجسسه التي بيعت لهم لتحميهنم في قصورهم ثبت أنها (أوهن) من بيت العنكبوت إذا ما انتفضت جماهير الأمة، وبداية من فلسطين أرض النزال منذ الحروب الصليبيّة وحتى يومنا هذا..وها هي تفعل.

معبر رفح مغلق، والجرحى الفلسطينيّون يموتون نزفا بلا دواء، والشهداء صغارا وكبارا يدفنون في مقابر جماعية واسماؤهم على أيديهم، و(المتبرعون) المطبعون يرسلون للفلسطينيين أكفانا..يا لعار الخونة، بينما عرب فلسطينيون بدمهم وعظمة ما ينجزون يقدمون للأمة فرصة تاريخية نادرة كي تخرج من زمن الانحطاط والتبعية والتطبيع والهوان..وتتواصل المعركة وتحتدم وتنفتح على فجر للشرق كله، فثمة أمة بدأ نهوضها مع فجر السابع من تموز، بالضبط من على رمال غزّة..وطوفان غزة ينداح ويكتسح كل ما يعترضه، ويمضي إلى العالم، فزمن الخداع الصهيوني والعربدة الأمريكية سينتهي بالدم العربي والتضحيات على كل ثرى فلسطين ولبنان وسورية واليمن …

لا تنتظروا أن تقطع دول التطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأولها مصر الكبيرة التي صغّرها السادات واستتبعها ووعد شعبها بالانتعاش الاقتصادي وانتهاء زمن الفقر مع تدفق خيرات أميركا ونعيم الانفتاح بدلاً من ومن القطاع العام والعدالة الاجتماعية في زمن جمال عبد الناصر المعادي للهيمنة الأمريكيّة.

يتفرج نظام التطبيع على نزيف الدم الفلسطيني ولا يفتح المعبر الفلسطيني المصري الذي يفترض أنه خاضع للسيادة المصرية والفلسطينية، ولا يستجيب لهتافات جماهير مصر الحًرّة المطالبة بفتح المعبر لإدخال التموين والدواء والوقود و..نقل الجرحى النازفين في مستشفيات غزة التي نفد منها كل شئ.

أهذا هو دور مصر؟ أهذا هو تاريخها وحضورها؟

لا أحد يطالبها بأن تحارب، ولكن على الأقل أن تسعف أبطال فلسطين الذين حمون بوابة مصر الشرقية التي كان الفراعنة يحشدون جيوشهم ويذهبوا للحرب عندما يقتحمها الأعداء!

الأمة منذ السابع من تشرين أوّل، وهو تاريخ لنهوض جديد لها، تقف في مفرق طرق، أحدها يؤدي للمستقبل، للتحرير، للسيادة..وهو ما ترتعب منه (دول) التطبيع وحكامها، وتتمنى أن يغرب بسرعة…

ولكن فجر الأمة يطلع من فلسطين، وتحديدا من قطاع غزة، مبشرا بتغيير جذري يطهر بلاد العرب من كل الاحتلالات..فيا مرحبا به مهما كانت تكلفته باهظة، فكر شهيد غال وعزيز، وهل تتحرر الأوطان بغير التضحيات؟!

✺ ✺ ✺

وول ستريت جورنال: “إسرائيل” لا تحمل اسماً على خرائط الصين الإلكترونية

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إنّ مستخدمي الإنترنت في الصين أعربوا عن حيرتهم لعدم ظهور اسم “إسرائيل” على الخرائط الرقمية الرائدة على الإنترنت من “بايدو” و”علي بابا”.

ووفق الصحيفة، ترسم خرائط “بايدو” باللغة الصينية على الإنترنت حدوداً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إضافة إلى المدن الرئيسية، ولكنها لا تحدّد الاسم بوضوح.

وينطبق الشيء نفسه على الخرائط على الإنترنت التي تنتجها شركة “Amap” التابعة لشركة علي بابا، حيث يتم وضع علامات واضحة حتى على الدول الصغيرة مثل لوكسمبورغ.

ولم ترد أي من الشركتين على الأسئلة يوم الاثنين، ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التطور جديداً، على الرغم من مناقشته من قبل مستخدمي الإنترنت الصينيين منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وأمس ذكرت الصحيفة ذاتها، أنّ العداء لـ “إسرائيل” في الصين يتزايد مع تعزيز بكين لموقفها المؤيد للفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.

وأوردت الصحيفة أنّه “في الأيام الأخيرة، “ارتفعت عمليات البحث والإشارات التي تتضمن عبارات معادية لإسرائيل بشكل كبير على التطبيق الصيني وي شات”.

ووفقاً لها، فإن العديد من الهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي التي استهدفت الإسرائيليين، كانت مدفوعة بمقاطع مصوّرة للأطفال الفلسطينيين الضحايا وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل”.

وأعربت بكين عن “تعاطف الصين الشديد مع الفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة، بسبب وضعهم الصعب حالياً”، ودعت إلى “عقد مؤتمر سلام دولي أقوى وأوسع نطاقاً، وأكثر فاعلية في أسرع وقت ممكن، لدعم استئناف محادثات السلام”.

وقال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إنّ “أكثر ما يحتاجه قطاع غزة هو جهود وقف الحرب، والترويج للسلام وليس الحسابات الجيوسياسية، والأمن والغذاء والدواء، لا الحرب والأسلحة والذخيرة”

وفي سياق متصل، قالت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية إنّ “الصين، كما يبدو، قرّرت أنّ الطريق إلى قدر أكبر من الحضور العالمي يمرّ عبر فلسطين”، بغضّ النظر عن “الضربات” التي ستتلقّاها من الغرب، بسبب ما وصفته الصحيفة بـ”التساهل” مع حركة حماس.

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org