- العدوان والسطوة والكذب كعقيدة
الوجه الخارجي (1)
شاهدت مؤخراً حديثين أحدهما لكونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا سابقاً، والآخر حديث لها ولوزير خارجية أمريكا الحالي انتوني بلينكن. أي الإثنين من ضمن المؤسسة الأمريكية الراسمالية الإمبريالية الحاكمة هي من الجمهوريين وهو من الديمقراطيين، هو أبيض ويهودي كما اعلن بفخر وهي سوداء تتنكر لجلدها وعبودية أجدادها. المهم أنهما يمثلان حقيقة وحدة الحزبين تماما ولا خلاف بينهما سوى تبادل تسلم السلطة وليس التغيير في طبيعة السلطة اي مصالحها وهذا يعني العدوان الإمبريالي على العالم واستغلال المجتمع الأمريكي نفسه لصالح رأس المال. وهذا يمكن سحبه على الغرب عموماً.
كيف ترى رايس دور وقوة أمريكا عالمياً:
لنقرأ في ما يلي ما قالته رايس.
الفقرة التالية هي إيجاز من المصدر لحديث رايس مع طلابها.
Rice Hoover Institution Sep 20, 2023 Condoleezza Rice on the Future of American Power in the World
تتلقى كوندوليزا رايس، مديرة معهد هوفر، أسئلة من طلاب معسكر تخييم معهد هوفر الصيفي للسياسة حول موضوعات تشمل مخاطر الأمن القومي لـ TikTok، وما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تنقل تركيز السياسة الخارجية من الشرق الأوسط إلى آسيا، وكيف يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي باعتبار ناتجها المحلي الإجمالي في تدهور مقارنة بالصين، وتقديم المساعدة لأوكرانيا وسط المشاكل الداخلية، وجدوى تحول الدكتاتوريات الخيرة إلى الديمقراطية، وكيف يمكن للمواطنين اتخاذ الإجراءات اللازمة وتعزيز الديمقراطية في روسيا.
ماذا قالت رايس في حديثها للطلاب والرد على أسئلتهم:
اورد هنا ما قالته رايس وهو ما يكشف إلى اي حد يتم حشو منهجي من المؤسسات الأكاديمية للجيل الشاب بالتسوُّد الأمريكي على العالم وكأن لديها تفويضاً ربانيا.وبالطبع هؤلاء هم الذين سيحكمون بدورهم أمريكا مسلحين بإيديولوجيا السيطرة مما يقودهم لممارسة المذابح بلا تردد من أجل استغلال العالم.
قالت: “الديمقراطية لا تهدد جيرانها.”
والسؤال:هل حقاً الديمقراطية لا تهدد جيرانها؟ أليست الديمقراطيات الغربية هي التي ليس فقط هددت العالم بل احتلته كاستعمار وإمبريالية منذ خمسة قرون هي المرحلة الراسمالية في التاريخ الحديث ولا تزال ولو بثوب العولمة؟ طبعاً يبرر الغرب “الديمقراطي” ذلك بالقول أنهم ينشرون الديمقراطية في العالم غير الديمقراطي.
وبعيداً عن أن هذا النشر لما يسمى ديمقراطية هو في الحقيقة واضح كمذابح واستغلال ونهب وسيطرة على ثروات واسواق اي ان هذا لم يعد يخفى على أحد، ولكن كذلك من ناحية ثقافية وعملية:
لنعتبر هذا تصدير للديمقراطية قياساً على “تصدير الثورة”.
فتصدير الديمقراطية الغربية المسماة لبرالية لا يختلف عن تصدير ما تسمي نفسها قوى ثورية للثورة أي أن تصدير الثورة هو تصدير استعمار ثقافي وفي النهاية ميداني.
لأن التصدير هو هيمنة واستغلال وهدفه خدمة مصدر التصدير. فالثورة يجب ان تنبت داخل البلد من رغبة وكفاح أهلها وحينها يمكنهم تبادل الخبرات والمواقف والخطط والاسترتيجيات مع اصدقائهم.
قيام أمريكا بنشر الديمقراطية هو عملياً مشروع عدوان عسكري مدجج لتدمير بلد/بلدان وفرض انظمة حكم في أي بلد أنظمة عميلة لها. وأمامنا تجارب عديدة آخرها طازجة أي احتلال العراق واحتلال أفغانستان.
وأضافت: “هناك فرصة لاتفاقات الإبراهيمية”.
طبعاً الإبراهيمية هي مسألة تلفيق بشري لأمر مُفترض لأنه غيبي. فعلى الأقل لا يوجد قطعياً أي دليل مادي أركيولوجي/ على وجود إبراهيم. وبغض النظر عن هذا، فإن اختراع وترويج هذه المسألة يحوي في داخله مخاطر:
تناقض الأديان ضد بعضها وهي التناقضات التي نجمت عنها الحروب الدينية والطائفية التي تغلف جوهرها الذي هو المصالح الاقتصادية المادية.
وتناقض المجتمعات البشرية التي تحاول الإمبريالية والصهيونية تجميعها تحت هذه اليافطة المزعومة. فالدين الإيماني الإسلامي والمسيحي الأصلي الشرقي يمثلان أمماً وشعوباً في تناقض تناحري مع الكيان الصهيوني الذي هو تصنيع راسمالي بطربوش ديني.
لقد أتى طوفان الأقصى في 7 تشرين أول 2023 على مختلف الأكاذيب وخاصة ما تسمى الإبراهيمية. وعليه، فإن الإبراهيمية التي حملها الرئيس الأمريكي السابق ترامب لتعميم التطبيع مع الكيان الصهيوني والفوضى الخلاقة التي صنعتها رايس نفسها قد تم كنسهما. ولا شك أن ترامب ورايس ينظران اليوم إلى أكذوبتيهما وهي تُداس تحت أقدام ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة. إنه مشهد جميل أن يرى المجرم كيف يُداس الشر الذي خلقه.
واضافت رايس: “دور أمريكا في اوكرانيا ضمن واجب القوة العظمى.”
هذا تحديداً يتضمن مسألتين خطيرتين:
1- يؤكد تغذية الوهم للجيل الجديد بدور القوة العظمى من جهة أي من يُنيط بنفسه لنفسه دوراً لم تُخوِّله البشرية أن يقوم به،
2- و مكابرة رايس بتجاهل أن امريكا لم تعد وحدها قوة عظمى في الوقت الذي تتفوق بريكس على مجموعة السبع الإمبريالية في الإنتاج وطبعاً في قبول الأمم الأخرى بها. ومن اللافت أن لا أحداً من الطلبة قال لها بأن أمريكا ليست القوة العظمى الوحيدة حيث العالم في سنة 2022 مما يبين نجاح التعمية والتوهيم الإمبريالي. والحقيقة أن هذا التوهيم هو الذي يكمن وراء إستهانة الأمريكي العسكري أو السياسي الرسمي بأرواح البشرية.
إلى أن قالت: ” مطلوب روسيا مختلفة ونراهن عليكم من تدرسون في لندن وهنا …الوقت لروسيا قادم، فقائد البلطيق كان يعيش في كندا …أعول على الطلبة الروس الذين يدرسون هنا… الأمل في الروس والأوكران الذين يبحثون عن سبيل مثلا الدكاترة والطلبة”
نلاحظ هنا الصيغة المتعالية والأمرية وكأن امريكا هي التي تحدد لروسيا ما تكون عليه وأين تتجه وحيث تتوجه للطلبة الروس الذين يدرسون في الغرب محرضة إياهم ضد نظام بلادهم فهي كمن يقول بأن الغرب يعمل على تحويل هؤلاء الطلبة إلى طابور خامس أو حصان طروادة في بلدانهم! وتستشهد بأن أحد قادة جمهوريات البلطيق الصغيرة قد اصبح قائداً هناك وبأنه كان قبل ذلك في كندا. وطبعاً لا يدري المرء إن كانت هذه السيدة مقتنعة بأن ما تقوله ما زال ممكناً وخاصة ضد روسيا، أم أن هذا الوهم والحشو العنصري هو مساق التعليم وتهيئة ادوات إمبريالية بغض النظر عن تغير الزمن وقوة البلدان الأخرى وخاصة روسيا.
أذكر حينما كنت في برنامج الماجستير في جامعة لندن كلية بيركبك قبل عشرات السنين قال المحاضِر(سامي زبيدة/وهو يهودي عربي من العراق يعيش في بريطانيا) فيما يتعلق بتغير مواقف طلبة العالم الثالث نحن عشرة بيننا واحد من العالم الثالث، لنرى إن كان سيتغير لاحقاً أم لا.
قلت: لن يتغير لأنني على الأقل أن أعرف لغتين وثقافتين بينما البقية يعرفون واحدة من كلتيهما.
وقالت: “ماذا نفعل لندقرط روسيا نحن كقوة عظمى بينما روسيا هكذا منذ 300 سنة… مواصلة الضغط على نظام بوتين… بنكهم المركزي فيه مشكلة”
لعل هذه الفقرة كاشفة لمسألة تصدير الديمقراطية سواء في وصفها السلبي لتاريخ روسيا الحديث من جهة ومن جهة ثانية تكرار الكذب الغربي في تقزيم تناقضه مع الأمم الأخرى في أن المشكلة هي بين الغرب “اللبرالي” وبين شخص واحد في كل بلد تُعاديه الإمبريالية، اي ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق بوتين في روسيا، ناصر في مصر، صدام في العراق، القذافي في ليبيا، الأسد في سوريا، كيم جون إيل في كوريا الديمقراطية، ماو في الصين سابقا وشي جينيبنغ في الصين اليوم…الخ. هذا الكذب بمقدار عدوانيته ضد الأمم الأخرى يتضمن تجهيل عقول الأمريكييين انفسهم. وفيما يخص المصرف المركزي الروسي، قيل كثيرا ضد حاكمة المصرف، لكن لا نلاحظ أن هناك مشكلة مالية في روسيا!
إلى أن تقول: “ليس بوسعنا مواصلة هذه الحرب الى الابد …لقد فقدنا صبرنا على الذين حاولوا عمل ديمقراطية في افغانستان والعراق روسيا…اخذوا منا وقتا طويلا ؟
مثير للضحك هذا التعفف الذي وصلت إليه هذه الطاغية الإمبريالية وكأن الأمم الأخرى هي التي توسلتها دخول واحتلال بلدانها وكأن الحروب العدوانية ليست في بنية النظام الراسمالي! إلى أن تنتقل إلى إدَّعاء التفضُّل على شعوب أخرى وكأنها تقدم لتلك الشعوب بركات وخيرات التنمية والسلام.ايتها السيدة العجيبة، أنتم الذين أخذتم من هذه الأمم والشعوب زمن تطورها وتنميتها بل وأعمارأهلها فرداً فرداً.
لقد تضمن حديث رايس الكثير مما يثير القلق المصيري من الوحش الكامن في نظام أمريكا. فقد أكدت بأن الهدف الرئيس هو مواجهة روسيا، وبأنه لا بد من تحرير قوى امريكا ضد روسيا والسيطرة على اقتصادها وتقسيمها وذلك لاضعاف الصين كحليف لروسيا حيث ينتهي بوتين وشي.
إن مراجعة فترة الحرب الباردة في القرن العشرين تبين لنا أن الهدف الأمريكي بل الغربي من تقويض النظامين الاشتراكيين في الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية آنذاك، قد تكرر نفس الهدف التخريبي ضد روسيا والصين وهما ليستا إشتراكيتين. هذا هو المفهوم الأمريكي للقوة العظمى وهو أن لا قوة سوى لأمريكا ولذا يجب منع صعود اية قوة وبالقوة.
يعتقد البعض بأن أمريكا كسبت أوروبا في جانبها لقتال روسيا في أوكرانيا وتشويه بوتين، ولكن الحقيقة أن مصالح الأقلية الراسمالية الغنية والحاكمة في الغرب/الأوليغارشية هي شريكة مع أمريكا في استغلال شعوبها.
وتنتقل رايس إلى العلاقة ببلدان المحيط:
“… في العلاقة بالشمال يجب ان لا نعود لاختبار الولاء لا نريد العودة لكتلة عدم الانحياز…أما الهند فعندها مشكلة شراء سلاحنا ويمكنها شرائه من دول أخرى”
لعل أهم ما ورد هو موقف رايس من عدم الانحياز وهذا موقف أمريكي مألوف “من ليس معي فهو ضدي” وعلى اية حال، نعتقد ان من لا يقف ضد الإمبريالية ليس محايداً بشكل حقيقي.
وأخيرا، لا بد من فحيح الأفعى ضد سوريا بقولها: ” النظام السوري يضرب الغاز على الأولاد”.
ترى، لو كان حديث رايس اليوم، هل كان لها أن تكرر هذا الكذب وخاصة بعد أن كذب نتنياهو وقناة سي. ان. أن عن قتل الأطفال واغتصاب النساء على يد مقاتلي يوم 7 تشرين واتضاح الكذب؟ إنما نظراً لدور هذه المرأة في تحولها من بشر إلى ماكينة تزييف، فإنها ستواصل الكذب لأن ذلك إيديولوجيا ومنهج إمبريالي.
لقد حاول الغرب عموماً تقييد سعر ومجال تصريف النفط الروسي لكن روسيا تمكنت من تصريفه في دول بريكس وخاصة الصين والهند وحتى قيام الهند بإعادة بيعه باسعار أعلى إلى اوروبا. ومثل هذا لم يكن ليحدث لو أن امريكا هي القوة الوحيدة في الكوكب. صحيح أن أمريكا ركَّعت المانيا للطلب الأمريكي بوقف اعتماد ألمانيا على النفط الروسي أو منع علاقة قويةبين البلدين، لكن من يدفع الفاتورة هي ألمانيا بالطبع. وطبعاً بوسع أمريكا الفخر بإنهاء حياد السويد.

_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.