- العدوان والسطوة والكذب كعقيدة
أمريكا من الداخل
ناقشنا في الحلقتين السابقتين رؤية ودور الولايات المتحدة في سياستها الخارجية ولكن تبقى الصورة غير واضحة أو كافية طالما لم تتم الإضاءة على أمريكا من الداخل بمعنى هل تأخذ ألسلطات الأمريكية بالاعتبار إقامة توازن بين سياساتها الخارجية والداخلية؟ فالتركيز على السياسات الخارجية على حساب الداخلية في جوهره مسألة مصالح طبقية بمعنى:
أن التخارج العدواني للرأسمالية الأمريكية تخارجا عسكريا عدوانيا لخدمة المصالح الاقتصادية للرأسمالية الكبرى الأمريكية. اي هو تخارج طبقي لصالح طبقة ولكن على حساب الطبقات الأخرى اي الأكثرية الشعبية التي تدفع الضرائب للإنفاق على العدوان وتدفع ضريبة الدم من حيث المخاطر التي يتعرض لها جنودها في الأعمال العدوانية في الخارج.
إن هذه سياسات لنظام تسيطر عليه الطبقة الراسمالية على حساب الطبقات الشعبية أي الأكثرية الشعبية.
فهذه السياسات هي مستوى من التناقض الطبقي الذي يُفترض مع تفاقمه أن يقود إلى الصراع الطبقي.
يشترط عرض السياسات الأمريكية الخارجية مناقشة السياسات الأمريكية الداخلية:
في برنامجه الديمقراطية في العمل/موقع العمل Democracy at Work استضاف د. ريتشارد وولف د. هارييت فراود كاتبة ومناضلة في النسائية المجتمعية لتتحدث عن الوضع الاجتماعي الأسري في الولايات المتحدة اليوم تحت عنوان “الصراع الطبقي في الجبهة المنزلية” يوم 23 اكتوبر 2023 وركز النقاش على الرأسمالية والأسرة.
فالأسرة بل وكذلك امريكا نفسها في وضع سيىء لا سيما أن الآسرة هي التي تعيد إنتاج المجتمع ،أي وحدة إنتاج المجتمع حيويا/بيولوجيا وإنتاجيا بالمعنيين الجسدي والذهني حيث تُنجب وتربي وتعلم الجيل الجديد العمل والتصرف ولا يمكن للأسرة إنجاز هذا في غياب عناية يومية بالأطفال وخاصة عند إهمال الاباء لهم في ظروف الأزمات الاقتصادية الاجتماعية سواء لأسباب سياسية طبقية أو لأسباب طبيعية مثل كوفيد 19 أو لأسباب الحروب…الخ. حيث أن الإطفال من 1-6 سنوات يرتبطون بمناخ الأسرة وإمكاناتها وما توفره لهم من أشياء. أما بعد الأسرة فتكون مرحلة المدرسة حيث يبتعد الأولاد بدرجة ما عن الأسرة ، وبعد اليوم الدراسي يحتاج الأولاد لمناخ اجتماعي معين توفر الأسرة تكاليفه.في الأزمة، كما هي اليوم، لا يملك الآباء مالا لدفع كُلفة العناية بالأولاد لأنها كلفة عالية لا تتوفر لديهم الإمكانات لذلك اي دخول في حواضن المجتمع حيث يكلف الطفل سنويا من 10-12 ألف دولار. لذا يقضي الأطفال اول 6 سنوات من نموهم العقلي دون رعاية لا من الأسرة ولا من حواضن المجتمع فيقضون وقتا طويلا متسمرين أمام شاشات التلفاز بغض النظر عن ما تعرضه من برامج.وتواصل د. فراود تصوير وضعية الأطفال دون العناية المطلوبة فتكون حتى حفاظاتهم رطبة بيما الأمهات يعملن بالأجرة المتواضعة فلا يجدن وقتا للعناية بالأطفال ولا يكسبن أجوراً تدفع تكاليف الحواضن ليكون الأولاد في مناخ اجتماعي تربوي وصحي مناسب.وتتفاققم المشكلة في حالة المهات اللواتي بلا ازواج وهذه حالة إجتماعية تتضاعف عددياً في أمريكا وخاصة بعد أن اوقف الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون برامج الحماية الاجتماعية للنساء المنفردات “ربَّات الأسر” اللواتي يعتمد الأولاد عليهن وحدهن لعدم وجود الآباء.
يعاني 1من كل 4 أطفال في نيويورك من الجوع ، لأن أجرة النساء أقل من أجرة الرجال فكيف حين يكن مسؤولات وحدهن عن الأسرة، إلى جانب كون أسعار الحاجيات المعيشية الأساسية مرتفعة بينما المداخيل ضئيلة وبالتالي لا هُنَّ ولا أولادهن يجدون أو يحظون بالأغذية المناسبة والمفيدة.
قاد تراجع فرص العمل وخاصة خلال وبعد كوفيد 19 وتغوُّل السياسات اللبرالية الجديدة إلى تراجع المداخيل فانعكس هذا الخلل الإقتصادي على البنية المجتمعية مما نتج عنه تحطم الحياة الزوجية، لذا غدت معظم النساء منفردات لأن أمان المرأة في الزواج قد تحطم.
وتواصل المتحدثة بالقول: السبب الأساس وراء هذه الأزمة لأن الشركات خرجت للخارج أي إلى الصين وإندونيسيا والهند وبلدان أخرى كثيرة حيث الأجور متدنية جدا والحقوق العمالية اقل بكثير وهذا نتجت عنه أرباحا هائلة للشركات والتي بدورها مملوكة لما لا يزيد عن 1% من الشعب. والأخطر من ذلك أن هذه الشركات لا تعود لاستثمار أرباحها داخل أمريكا بل تُهربها تفلُّتاً من دفع الضرائب إلى ملاذات آمنة لا تخضع لقوانين الدول ولا لضرائب ولا لمعرفة حجم المداخيل. هذه الشركات يقودها المدراء التنفيذيون الذين يتقاضون رواتب خيالية ويدفعون بالأموال إلى سوق المضاربات وليس إلى إعادة الاستثمار الإنتاجي داخل امريكا نفسها.
وبالتوازي مع كل هذا تناقصت كذلك اجور الرجال أكثر مما قبل إضافة إلى استمرار التضخم منذ السبعينات دون أن يتوقف. إن 70% من الزيجات تحطمت حيث تنتهي بالطلاق لأن النساء يرفضن أن يعملن عملا كاملا في النهار وفي المساء وردية عمل منزلي كاملة كذلك. لذا فإن رجال الياقات الزرقاء لا يجدون نساء يعملن في الخارج ويعملن في المنزل وهذا يقود للطلاق.
وهذه الأزمة الإقتصادية الاجتماعية تفتح على الجريمة لذا، 97% من مطلقي النار عشوائياً على الجمهور هم من الرجال وهذا يحدث اسبوعيا، وكذلك من مجموعات حمقى مثل “حقوق الرجال” وهم رجال غير متزنين، اعتادوا على ان تخدمهم النساء المخصصات للعمل المنزلي واليوم لا يتواجدن لديهم فينتقمون بإطلاق النار عشوائياً على غير هدف محدد!.
إلى أن تنتقل المتحدثة لما هو أوسع بالقول: لقد جعلت الراسمالية من امريكا صحراء من حيث إنتاج الثروة والمداخيل لذا يلقي هؤلاء الحمقى باللوم على النساء والسود والمهاجرين… لقد تضعضع مركز الرجال وإنتهى خضوع النساء والأولاد لسيطرة الرجال في الأسرة النووية وهذا قاد إلى تحطمها.
في سؤال للمتحدثة: هل طورتم بدائلاً أسرية افضل؟
تجيب: هناك مبادرات للنساء الرافضات للأسرة او من الأمهات المنفردات وهن أكثرية في امريكا يعملن كمجموعات تشترك معا في مساكن يشترينها. البعض منهن لهن أولاداً والبعض لا. يتشارك الجميع في مطبخ ويتعاونون في رعاية الأولاد لكن ذلك مكلف جدا لأنه في شقق خاصة.
والمثير للدهشة أن هذا العمل التعاوني الأولي اعتبره جوزيف مكارثي عملا شيوعياً!
وأخيرا،
إذا كانت المقالتين الأولين وهما لرسميين أمريكيين قد عرضتا ماهي أمريكا على الصعيد الخارجي أي الدولي، والثالثة وهي لأمريكيين من صلب المجتمع أي من الشعب قد عرضت، ولو بشكل محدود الوضع الداخلي الاجتماعي، يبقى من المفيد الارتكاز على محتوى المقالات الثلاث للنظر إلى الحرب على قطاع غزة بقيادة امريكا نفسها.
لن نُطيل ولا نُفصل هنا لأننا عالجنا هذا في صفحتنا على السوشيال ميديا وعلى صفحات نشرة كنعان الإلكترونية.
ولكن، نوجز ما يلي:
إن الهجوم الأمريكي الهائل ضد قطاع غزة وتهديدها لبنان إنما مردُّه أن هزيمة الكيان ولو جزئيا قد حول الكيان من قاعدة حماية مصالح أمريكا والغرب في الوطن العربي إلى محمية تصمد بحماية الغرب وأمريكا.
وهذا يعني أن الحضور العدواني الهائل إلى المنطقة هو لحماية المصالح الاستعمارية النهبوية الأمريكية في هذا الوطن.
وإذا ربطنا اهمية هذه المصالح مع حاجة أمريكا لتمويل وجودها العدواني عالمياً ندرك لماذا هذه المخاطرة الأمريكية والغربية في الكشف عن وجودها العسكري في الوطن العربي وتوسيعه بغض النظر عن نتائج الحرب الدائرة في غزة.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….