السنة الثالثة والعشرون – العدد 6667
في هذا العدد:
■ الرأسمالية الإمبريالية الأمريكية … الخارج والداخل (الجزء الثالث والأخير)، د. عادل سماره
- العدوان والسطوة والكذب كعقيدة
■ لم أكن فتح ولا شيوعياً: رسالة إلى العزيز د. اسامه فوزي، عادل سماره
■ كتائب القسّام تمثلنا … وسرايا القدس.. وأبوعلي وكل من يقاوم، رشاد أبوشاور
■ الخارطة الحزبية في اسرائيل وأثرها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لويزا خليبنيكوفا، تعريب عن الروسية للدكتور زياد الزبيدي
✺ ✺ ✺
الرأسمالية الإمبريالية الأمريكية … الخارج والداخل
الجزء الثالث والأخير
- العدوان والسطوة والكذب كعقيدة
د. عادل سماره
أمريكا من الداخل
ناقشنا في الحلقتين السابقتين رؤية ودور الولايات المتحدة في سياستها الخارجية ولكن تبقى الصورة غير واضحة أو كافية طالما لم تتم الإضاءة على أمريكا من الداخل بمعنى هل تأخذ ألسلطات الأمريكية بالاعتبار إقامة توازن بين سياساتها الخارجية والداخلية؟ فالتركيز على السياسات الخارجية على حساب الداخلية في جوهره مسألة مصالح طبقية بمعنى:
أن التخارج العدواني للرأسمالية الأمريكية تخارجا عسكريا عدوانيا لخدمة المصالح الاقتصادية للرأسمالية الكبرى الأمريكية. اي هو تخارج طبقي لصالح طبقة ولكن على حساب الطبقات الأخرى اي الأكثرية الشعبية التي تدفع الضرائب للإنفاق على العدوان وتدفع ضريبة الدم من حيث المخاطر التي يتعرض لها جنودها في الأعمال العدوانية في الخارج.
إن هذه سياسات لنظام تسيطر عليه الطبقة الراسمالية على حساب الطبقات الشعبية أي الأكثرية الشعبية.
فهذه السياسات هي مستوى من التناقض الطبقي الذي يُفترض مع تفاقمه أن يقود إلى الصراع الطبقي.
يشترط عرض السياسات الأمريكية الخارجية مناقشة السياسات الأمريكية الداخلية:
في برنامجه الديمقراطية في العمل/موقع العمل Democracy at Work استضاف د. ريتشارد وولف د. هارييت فراود كاتبة ومناضلة في النسائية المجتمعية لتتحدث عن الوضع الاجتماعي الأسري في الولايات المتحدة اليوم تحت عنوان “الصراع الطبقي في الجبهة المنزلية” يوم 23 اكتوبر 2023 وركز النقاش على الرأسمالية والأسرة.
فالأسرة بل وكذلك امريكا نفسها في وضع سيىء لا سيما أن الآسرة هي التي تعيد إنتاج المجتمع ،أي وحدة إنتاج المجتمع حيويا/بيولوجيا وإنتاجيا بالمعنيين الجسدي والذهني حيث تُنجب وتربي وتعلم الجيل الجديد العمل والتصرف ولا يمكن للأسرة إنجاز هذا في غياب عناية يومية بالأطفال وخاصة عند إهمال الاباء لهم في ظروف الأزمات الاقتصادية الاجتماعية سواء لأسباب سياسية طبقية أو لأسباب طبيعية مثل كوفيد 19 أو لأسباب الحروب…الخ. حيث أن الإطفال من 1-6 سنوات يرتبطون بمناخ الأسرة وإمكاناتها وما توفره لهم من أشياء. أما بعد الأسرة فتكون مرحلة المدرسة حيث يبتعد الأولاد بدرجة ما عن الأسرة ، وبعد اليوم الدراسي يحتاج الأولاد لمناخ اجتماعي معين توفر الأسرة تكاليفه.في الأزمة، كما هي اليوم، لا يملك الآباء مالا لدفع كُلفة العناية بالأولاد لأنها كلفة عالية لا تتوفر لديهم الإمكانات لذلك اي دخول في حواضن المجتمع حيث يكلف الطفل سنويا من 10-12 ألف دولار. لذا يقضي الأطفال اول 6 سنوات من نموهم العقلي دون رعاية لا من الأسرة ولا من حواضن المجتمع فيقضون وقتا طويلا متسمرين أمام شاشات التلفاز بغض النظر عن ما تعرضه من برامج.وتواصل د. فراود تصوير وضعية الأطفال دون العناية المطلوبة فتكون حتى حفاظاتهم رطبة بيما الأمهات يعملن بالأجرة المتواضعة فلا يجدن وقتا للعناية بالأطفال ولا يكسبن أجوراً تدفع تكاليف الحواضن ليكون الأولاد في مناخ اجتماعي تربوي وصحي مناسب.وتتفاققم المشكلة في حالة المهات اللواتي بلا ازواج وهذه حالة إجتماعية تتضاعف عددياً في أمريكا وخاصة بعد أن اوقف الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون برامج الحماية الاجتماعية للنساء المنفردات “ربَّات الأسر” اللواتي يعتمد الأولاد عليهن وحدهن لعدم وجود الآباء.
يعاني 1من كل 4 أطفال في نيويورك من الجوع ، لأن أجرة النساء أقل من أجرة الرجال فكيف حين يكن مسؤولات وحدهن عن الأسرة، إلى جانب كون أسعار الحاجيات المعيشية الأساسية مرتفعة بينما المداخيل ضئيلة وبالتالي لا هُنَّ ولا أولادهن يجدون أو يحظون بالأغذية المناسبة والمفيدة.
قاد تراجع فرص العمل وخاصة خلال وبعد كوفيد 19 وتغوُّل السياسات اللبرالية الجديدة إلى تراجع المداخيل فانعكس هذا الخلل الإقتصادي على البنية المجتمعية مما نتج عنه تحطم الحياة الزوجية، لذا غدت معظم النساء منفردات لأن أمان المرأة في الزواج قد تحطم.
وتواصل المتحدثة بالقول: السبب الأساس وراء هذه الأزمة لأن الشركات خرجت للخارج أي إلى الصين وإندونيسيا والهند وبلدان أخرى كثيرة حيث الأجور متدنية جدا والحقوق العمالية اقل بكثير وهذا نتجت عنه أرباحا هائلة للشركات والتي بدورها مملوكة لما لا يزيد عن 1% من الشعب. والأخطر من ذلك أن هذه الشركات لا تعود لاستثمار أرباحها داخل أمريكا بل تُهربها تفلُّتاً من دفع الضرائب إلى ملاذات آمنة لا تخضع لقوانين الدول ولا لضرائب ولا لمعرفة حجم المداخيل. هذه الشركات يقودها المدراء التنفيذيون الذين يتقاضون رواتب خيالية ويدفعون بالأموال إلى سوق المضاربات وليس إلى إعادة الاستثمار الإنتاجي داخل امريكا نفسها.
وبالتوازي مع كل هذا تناقصت كذلك اجور الرجال أكثر مما قبل إضافة إلى استمرار التضخم منذ السبعينات دون أن يتوقف. إن 70% من الزيجات تحطمت حيث تنتهي بالطلاق لأن النساء يرفضن أن يعملن عملا كاملا في النهار وفي المساء وردية عمل منزلي كاملة كذلك. لذا فإن رجال الياقات الزرقاء لا يجدون نساء يعملن في الخارج ويعملن في المنزل وهذا يقود للطلاق.
وهذه الأزمة الإقتصادية الاجتماعية تفتح على الجريمة لذا، 97% من مطلقي النار عشوائياً على الجمهور هم من الرجال وهذا يحدث اسبوعيا، وكذلك من مجموعات حمقى مثل “حقوق الرجال” وهم رجال غير متزنين، اعتادوا على ان تخدمهم النساء المخصصات للعمل المنزلي واليوم لا يتواجدن لديهم فينتقمون بإطلاق النار عشوائياً على غير هدف محدد!.
إلى أن تنتقل المتحدثة لما هو أوسع بالقول: لقد جعلت الراسمالية من امريكا صحراء من حيث إنتاج الثروة والمداخيل لذا يلقي هؤلاء الحمقى باللوم على النساء والسود والمهاجرين… لقد تضعضع مركز الرجال وإنتهى خضوع النساء والأولاد لسيطرة الرجال في الأسرة النووية وهذا قاد إلى تحطمها.
في سؤال للمتحدثة: هل طورتم بدائلاً أسرية افضل؟
تجيب: هناك مبادرات للنساء الرافضات للأسرة او من الأمهات المنفردات وهن أكثرية في امريكا يعملن كمجموعات تشترك معا في مساكن يشترينها. البعض منهن لهن أولاداً والبعض لا. يتشارك الجميع في مطبخ ويتعاونون في رعاية الأولاد لكن ذلك مكلف جدا لأنه في شقق خاصة.
والمثير للدهشة أن هذا العمل التعاوني الأولي اعتبره جوزيف مكارثي عملا شيوعياً!
وأخيرا،
إذا كانت المقالتين الأولين وهما لرسميين أمريكيين قد عرضتا ماهي أمريكا على الصعيد الخارجي أي الدولي، والثالثة وهي لأمريكيين من صلب المجتمع أي من الشعب قد عرضت، ولو بشكل محدود الوضع الداخلي الاجتماعي، يبقى من المفيد الارتكاز على محتوى المقالات الثلاث للنظر إلى الحرب على قطاع غزة بقيادة امريكا نفسها.
لن نُطيل ولا نُفصل هنا لأننا عالجنا هذا في صفحتنا على السوشيال ميديا وعلى صفحات نشرة كنعان الإلكترونية.
ولكن، نوجز ما يلي:
إن الهجوم الأمريكي الهائل ضد قطاع غزة وتهديدها لبنان إنما مردُّه أن هزيمة الكيان ولو جزئيا قد حول الكيان من قاعدة حماية مصالح أمريكا والغرب في الوطن العربي إلى محمية تصمد بحماية الغرب وأمريكا.
وهذا يعني أن الحضور العدواني الهائل إلى المنطقة هو لحماية المصالح الاستعمارية النهبوية الأمريكية في هذا الوطن.
وإذا ربطنا اهمية هذه المصالح مع حاجة أمريكا لتمويل وجودها العدواني عالمياً ندرك لماذا هذه المخاطرة الأمريكية والغربية في الكشف عن وجودها العسكري في الوطن العربي وتوسيعه بغض النظر عن نتائج الحرب الدائرة في غزة.
✺ ✺ ✺
لم أكن فتح ولا شيوعياً
رسالة إلى العزيز د. اسامه فوزي أبي نضال
عزيزي د. اسامه فوزي،
(بداية آسف للكتابة عن شخصي خروجا على شروط الكتابة عن المذبحة.)
فاشكرك على موقفك النقي والحقيقي تجاهي في أكثر من حلقة كشفت فيها أنت عزمي بشاره وذكرتني فيها. ولكي لا تختلط الأمور على من يقرأ ما تنشر وهم كُثر، هناك بعض الأمور التي كما يبدو وصلتك بعيداً عن حقيقة حياتي وليس موقفي، لأنك مشكور لم تذكرني بسوء، وقد حاولت إيصالك تصحيحات لتك الأمور ولكن يبدو أنها لم تصلكم. لذا اسمح لي بما يلي:
أنا بدأت حياتي 29 كانون ثانٍ 1944 وبدأت حياتي التنظيمية عام 1963 عضو في حركة القوميين العرب ومنظمة “ابطال العودة” ثم الجبهة الشعبية بعد احتلال 1967وكنت أحد خمسة من أول قيادة متقدمة في الضفة والقطاع. وقبيل تبني الجبهة الشعبية للماركسية/اللينينية غادرت صفوفها المحترمة ولاحقا1975 إنضممت للجبهة الديمقراطية لأقل من سنتين باعتبارها ماركسية لكن لم أجد ذلك ورفضت موقفها المتفق على دولة في المحتل 1967 وغادرت صفوفها وكتبت تحليلا نقدياً وأرسلته لقيادة الديمقراطية. وبذلك بقيت عروبي وشيوعي. نعم أنا اقرب للجبهة الشعبية طبعة الحكيم ووديع وغسان وفقط أي الرفض.
فيما يخص الحزب الشيوعي الكلاسيكي، بعد خروجي من السجن الذي بدأ 15 ديسمبر 1967 في صفوف الشعبية لخمس سنوات، كان علي الاختيار بين الشعبية والديمقراطية والحزب الشيوعي. وحيث تبنت الشعبية الماركسية حينها لكن كانت بها قيادات لها كراهية خاصة ضدي حتى غدٍ فلم يحصل توافق للعودة للجبهة لكن طبعا بقيت أقرب لها من غيرها.
بعد ذلك قررت دخول الحزب الشيوعي في الضفة الغربية في عام 1974 لثلاثة اشهر وجدت ان لي تناقضا واسعا معه سواء فيما يخص الاعتراف بالكيان و حتى اية ماركسية يتبنى حيث كنت ولا زلت اقرب إلى الماوية، وغادرت بعد أن كتبت ورقة نقدية أعطيتها للراحل غسان حرب.
ومن حينها لم أعد عضواً في اي تنظيم. لكن تجذر موقفي كعروبي شيوعي.
لم أدخل حركة فتح إطلاقاً وأنا اعتبرها كأي حركة وطنية بها الثوريين وبها المساومين. طبعاً في بداية حياتي في العمل المسلح كانت لي علاقة رفاقية وتعاون ميداني مع رفاق من فتح رحم الله المناضلين وتلك الأيام.
لم يكن لي اي عمل مشترك مع عزمي بشاره لكن كنا نعرف بعضنا منذ نهاية عام 1987 بعد عودتي من بريطانيا حيث درست هناك، وعودته هو من ألمانيا الشرقية وحاولنا انا وهو ود. موسى البديري نشر مجلة “فصل المقال” واصدرنا العدد صفر واختلفت مع عزمي لأنه مع الاعتراف بالكيان أي تطبيعي وخاصة حينما حضر عام 1993 مؤتمر غرناطة برئاسة شمعون بيرس وملك إسبانيا ولاحقاً نعم إقترح عليَّ الصديق فاضل الربيعي نشر مقالاتي عن عزمي في كتابي الذي ذكرته حضرتكم.لقد بدأت أكتب مباشرة نقداً لعزمي بشارة منذ 1994 في مجلة كنعان التي كنت رئيس تحريرها. وللأسف لا سوريا ولا حزب صاحب العمامة السوداء سمعوا مقالاتي ولا كتابي وبقي عزمي ملكاً متوجاً عليهم وليس عليَّ أنا إلى أن كان ما كان منه ضد سوريا.
أخيرا، نعم أنا انهيت رسالتي في بريطانيا في الاقتصاد السياسي والتنمية لكن لم يُسمح لي بالتدريس لا في فترة الاحتلال ولا فترة السلطة رغم ان هناك محاضرين شيوعيين وقوميين، لكن أنا عروبي شيوعي نقدي. ولذلك لست بروفيسور بمعنى الدرجة الأكاديمية.
بل إن إبني لم يحصل على حسن سلوك لوظائف في السلطة حيث قالت له المخابرات: “أنت مثل ابوك جبهة شعبية، مفيش وظيفة” طبعا أجابهم أبي كان ولكن أنا حتى لم أكن في الجبهة.
نعم أنا أُعتقلت في فترة الأردن ثلاث مرات ومرتين في فترة الاحتلال ومرة في فترة ابو عمار. وقد حوكمت في رام الله لفترة امتدت من 29 حزيران 2016 وحتى 17 تموز 2023 لواحد وأربعين جلسة بتهمة توقيع بيان ضد التطبيع حيث قامت مجموعة أسسها شخص لبناني تنادي بدولة واحدة بيننا وبين المستوطنين وهذه الجماعة تحتضنها إيران! وهذا لغز لم افهمه بعد!. وقد برئتني ثلاث درجات من المحاكم وأخيرا محكمة النقض ولذا اشكر جميع القضاة العرب الفلسطينيين الذين عمليا وقفوا ضد التطبيع.
قد يسأل القارىء ولكن كيف تعيش؟ باختصار، اقمت مزرعة دواجن صغيرة كنت الباني والعامل والمسوٌّق إلى أن أحرقها المستوطنون في الإنتفاضة عام1987، واصلحتها وفي عام 2000 وبسبب إلإغلاقات صار علي بيع البيض للمستوطنة فتركت المزرعة. وعملت مسؤول دائرة دراسات الجدوي في UNDP لثلاث سنوات واستقلت لكثرة ما شاهدت من فساد، وعملت مستشارا لمركز إدرار الدخل في الأونروا لسنة لكن جرى إنهاء خبيث لوظيفتي لأنني رفضت المشاركة في محادثات بروتوكول باريس الإقتصادي 1995.
في دراستي في لندن لم تكن لدي منحة لكن عملت محررا للاقتصاد في جريدة العرب لصاحبها المرحوم أحمد الهوني، وبعد عودتي عملت براتب متواضع رئيس تحرير لمجلة كنعان من 1994 وحتى 1998 ثم مجانا لقلة الموارد حتى 2013 حيث توقفنا بسبب طغيان النشر الإلكتروني. طبعاً زوجتي خبيرة تجميل وقد مارست المهنة لفترة ثم أجَّرنا الصالون كمصدر دخل. طبعا انا قروي ولي أرضا من والدي.
ولأنك تجيد التهكم دعني أختم لك بالتالي: كثيرا ما قد نقدتُ الأكاديميين اللبراليين المتخارجين أمريكيا وغربياً ولذا منعوا توظيفي في الجامعات ولكن كانوا زعلانين معتقدين ان سبب صمودي، حيث لم أُساوِم أحداً، هو لأن عناية زوجتي مليونيرة هههههه فقط لأنها كانت مع أهلها في امريكا.
عرضَت علي ليبيا في فترة الشهيد القذافي عام 1985 وأنا في لندن من خلال صديق 8.5 مليون إسترليني لأُقيم مشروعا تنمويا في الضفة الغربية ورفضت وقلت له أخبرهم يدفعونها للمنظمات فقال: “بيسرقوهن”!! وعرض علي ابو عمار من خلال السيدة ريموندا الطويل مساعدة مالية 25 ألف إسترليني لأنني كنت سجينا وكذلك إخوتي وامي وتم هدم بيوتنا لكنني رفضت. وريموندا شاهد حي على ذلك. وقد نشرت كل هذا.
باحترام
د. عادل سماره
بيت عور الفوقا في 10 تشرين ثانٍ 2023.
✺ ✺ ✺
كتائب القسّام تمثلنا
وسرايا القدس.. وأبوعلي وكل من يقاوم
رشاد أبوشاور
بكلمات واضحة حاسمة لا لبس فيها، مكتوبة بالدم العربي الفلسطيني، دم الأطفال والأمهات والآباء، ومن قبل ومن بعد بدم المقاتلين، الفدائيين، المقاومين، المجاهدين، أبناء فلسطين، من قبل أكثر من مائة عام، منذ بدأت الغزوة اليهودية الصهيونية على فلسطين، تسريبا وعلنا دشنتها بريطانيا التي انتدبت نفسها على فلسطين، سواء بوعد بلفور، أو بالاستحواذ عليها وفقا للتقسيم بينها وبين فرنسا المجرمة..من هبّوا وصعدوا الجبال مثلونا، وأسسوا للمقاومة التي تواصلت قبل النكبة وبعدها، وبعد هزيمة حزيران ال67 لثلاثة جيوش عربيّة، ضاع بسببها كامل فلسطين، والجولان، وكل سيناء..فكانت العاصفة.
في فلسطين بدأ أجدادنا بمقاومة الانتداب البريطاني الذي أسفر عن وجهه الاستعماري الراعي للمشروع الصهيوني وزرعه في فلسطين، وعيّن هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني حاكما عاما على فلسطين مستبدا وضامنا يبقى ويدوم ويضمن هيمنة بريطانيا على مصر ومصالحها شرقا في الهند…
كان أجدادنا يوصفون بالمجاهدين، وواجهوا مخططات المندوب السامي البريطاني اليهودي الصهيوني الذي أوكل بتنفيذ المخططات البريطانية الصهيونية، بتسريب الأراضي لليهود، و(وضع أسس للدولة) اليهودية بجيشها، وكل ما يضمن اكتمالها وثباتها، واستمر بتنفيذ المخطط التدميري للزراعة في فلسطين بهدف إفقار المزارعين، وزج المئات في السجون بحجج العجز عن دفع الضرائب الثقيلة على ظهورهم، طيلة خمسة أعوام منذ 1920 حتى العام 1925، هي مدّة حكم اليهودي الصهيوني المجرم هربرت صموئيل.
إلى فلسطين وفد المجاهد عز الدين القسام الثائر العربي السوري من بلدة (جبلة) بعد أن أدى دوره مجاهدا ثائرا على الاستعمار الفرنسي، وكان قد أدرك خطورة دور الإنقليز على قلب الوطن العربي فلسطين، وحدد أن الإنقليز والصهيانة لن يقتلعوا من أرض فلسطين إلاّ بالجهاد وحمل السلاح، وأن معركة الأمة يجب أن تشتعل في فلسطين، التي إليها يفترض أن يتدفق المجاهدون من كل الوطن العربي الكبير.
عمل الشيخ القسام داعية متنقلاً، وهذا ما سهل له القيام بالدعوة والتحريض وتعميق التعرّف جغرافيا واجتماعيا بعرب فلسطين، وفي تنقله اجتذب بعض النابهين الناشطين وعمّق في قلوبهم وعقولهم الوعي بالجهاد وحمل السلاح، والنشاط بين الناس بانتظار اللحظة المناسبة، مع السريّة والكتمان في نشاطهم حذرا من مراقبة الإنقليز وعيون اليهود وانتباههم.
انطلق الشيخ القسام من مسجد الاستقلال في حيفا الذي عُيّن خطيبا له، وتوجه مع بعض أنصاره ومريديه إلى أحراش يعبد، وذلك للتدرب على السلاح، وتصادف أن اكتشفتهم داورية إنقليزية تطارد بعض من تصفهم (بالأشقياء) فاضطر الشيخ ورجاله للاشتباك مع الجنود الإنقليز الذين اكتشفوا تواجدهم، وكانت كلماته التي هي بمثابة وصية تبقى أبد الدهر لكل مجاهد ومقاوم وثائر: هذا جهاد نصر أو استشهاد، موتوا شهداء، واستشهد مع رجاله، بعد قتلهم لعدد من الجنود الإنقليز.
بعد سنة،عام 1936، انطلقت ثورة فلسطين الكبرى، وامتدت حتى العام 1939، وبات الشيخ الثائر العربي السوري رمزا عربيا وإسلاميا وقدوة كبيرا.
حمل الجناح العسكري لحركة حماس اسما دالاً ورمزا له: كتائب القسّام، والحقيقة أن كتائب القسّام بقيت بعيدة عن الممارسات والخلافات السياسية، واحتفظت بوصية رمزها الشيخ عز الدين، فهي تقاوم، ويعتنق رجالها الوصية سلوكا وفكرا: هذا جهاد نصر أو استشهاد،موتوا شهداء، وهو شعارهم لتحرير فلسطين، وواضح أنهم انشغلوا بتنفيذ شعارهم لتحقيق هدفهم الكبير الجليل، بصمت، وكتمان وسريّة،كما كانت حركة الشيخ منذ انطلاقها.
ما حدث يوم 7 تموز هو يوم مجيد في مسار مقاومة الشعب العربي الفلسطيني، فقد ظن العدو الصهيوني أنه (صهر الوعي) الفلسطيني كما أوصى منظرو الكيان الصهيوني بكيفية إماتة روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وهو ما نبه له المقاوم البطل المفكّر وليد دقّة في كتابه (صهر الوعي) الذي قضى حتى اليوم 37 عاما في الأسر رغم أنه مصاب بمرض (السرطان).
لم يتمكن العدو بسجونه، واغتيالاته على الحواجز، ونسف البيوت، أن (يصهر) وعي الفلسطينيين، وإفشاء حالة الخنوع، وباغتته عملية فجر ال7 من تموز وصعقته واذلّت جيشه وأجهزة مخابراته وتجسسه وما يتوفّر لديه من تقنيات يروج لبيعها في العالم ، بما في ذلك للحكّام العرب الذين اندفعوا وتسابقوا للتطبيع معه!
لقد نشأ الكيان الصهيوني مروجا أن فلسطين هي (أرض ميعاده) وفقا لتوراته، وأن اسلافه كانوا هنا قل 2000عام، وأنه يعود إلى أرض الميعاد، ودعمته ومولته وسلحته إمبراطوريات الغرب( المتحضّر) العلماني: بريطانيا، فرنسا، وأخذته في حضنها الإمبراطورية الأمريكيّة مع بقاء الدعم وتصاعده أوربيا، وباعتراف هيلاري كلينتون في مذكراتها وفي مقابلة تلفزية بثّت علنا وتناقلتها فضائيات كثيرة فإن أميركا هي من أوجدت (داعش).
حركة حماس هي وريثة مقاومة فلسطينيّة أسسها رمز كبير قاتل فرنسا ونفوذها وبريطانيا ومشروعها الصهيوني، وأمريكا منذ 13/أيلول/ 1993 وفي حدائق البيت الأبيض وهي تجرجر من وقعوا معها على وثائق أوسلو، وتخدعهم، أي على امتداد ثلاثة عقود دفعت ب700ألف مستوطن ليحتلوا مزيدا من أرض فلسطين التي وعد الموقعون على أتفاقيات أوسلو بالرعاية الأمريكية، ولتتبدد أوهام السلام والدولة الفلسطينيّة، ويقع الفلسطينيون في التيه..فجاء يوم 7 تموز واستيقظ العدو والصديق، ونهض الشعب العربي الفلسطيني بعنفوان وبوعي مختزن في داخله تحت ركام القهر والذل والانكسار، ومن جديد أضاءت فلسطين سماء العالم، وها هي شمسها تملأ الكون لتثبت أن شعب فلسطين لاووعيه لا يُمسخ ولا يصهر، وأن طريقه إلى القدس لا يمكن أن يحتلها شُذاذ الآفاق السابقون واللاحقون، وأنهم منفوخون بقوّة يُحقنون بها لتنفخ وتغوي بالإعجاب بهم السُذّج من المطبعين العرب…
القسّام رمز في حياة مسيرة أمتنا المقاومة، ومن يحملون اسمه يُمثلون مقاومة شعب لا يتوقف عن المقاومة، ومعه سرايا القدس، وابوعلي، ومن قبل مع الرصاصة الأولى في 1/1/ 65 رصاصة العاصفة ..التي نريدها أن تتجدد..وننتظرها.
دول الغرب تصعّد الحملة على حركة حماس المقاومة الفلسطينيّة وتتهمها بأنها(داعش) علما أن داعش صناعة أمريكية.
أبطال كتائب الأقصى برهنوا بالصوت والصورة أنهم يتمتعون بنبل وإنسانية وأخلاق رفيعة عربيّة وإسلامية وهم يتعاملون مع نساء يهوديات وأطفالهن في بيوتهن مباشرة بعد اقتحام مستعمرات الغلاف،ومع أسيرات حرروهن، وقد اعترفن بدهشة مما رأين من تعامل يتناقض من الدعايات الصهيونية المبتذلة، ومع ما تقدمه هوليوود عن العرب والمسلمين في افلامها المُقززة الساذجة.
هؤلاء الأبطال يمثلون شعبنا، ويضيفون لمقاومتنا، ومعهم أخوتنا في الجهاد، وأبوعلي، وألوية الناصر صلاح الدين، ولا ننسى العاصفة والرصاصة الأولى فنحن بانتظارها فموقعها ينتظرها…
✺ ✺ ✺
الخارطة الحزبية في اسرائيل وأثرها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
لويزا خليبنيكوفا
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
لويزا خليبنيكوفا
دكتوراه في التاريخ، أستاذ مشارك في قسم الدراسات اليهودية في جامعة موسكو الحكومية، باحثة في قسم دراسة إسرائيل والمجتمعات اليهودية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية
7 نوفمبر 2023
على مدى السنوات العشر الماضية على الأقل، استمرت الأزمة السياسية في إسرائيل في النمو، ووصلت إلى ذروتها في السنوات الأخيرة. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في خمس انتخابات مبكرة خلال ثلاث سنوات (2019-2022)، فضلاً عن عدم القدرة على تشكيل ائتلاف مستقر.
تصاعدت الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي المقترح، والتي بدأ الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو الترويج لها، في عام 2023 وتبين أنها الأطول في تاريخ البلاد. أظهرت هذه الأحداث خطوط صدع عميقة في المجتمع.
ساهم عدم الاستقرار السياسي، إلى جانب أزمة الحكم والقضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى التي لم يتم حلها، في عدم القدرة على صد التهديد الأمني في أوائل أكتوبر 2023. وقد ظهر الخلل الوظيفي الكامل للنظام الإسرائيلي، مما أودى بحياة المزيد من الأشخاص، وفقًا للأرقام الرسمية 1400 إسرائيلي.
رغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن العواقب طويلة المدى لهجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد دخل هذا الهجوم بالفعل في التاريخ الإسرائيلي باعتباره أحد الإخفاقات السياسية والعسكرية للدولة في حماية السكان. ومن الواضح أن هذه صدمة جماعية بالنسبة للسكان في إسرائيل.
بحلول بداية عام 2020. وعلى الرغم من حقيقة أن البلاد أصبحت بالفعل مركزًا إقليميًا للقوة، إلا أن إسرائيل استمرت في مواجهة أنواع مختلفة من التحديات. تستمر التوجهات العالمية والإقليمية في التأثير على تطور الدولة، ولكن هناك أيضًا اتجاهات اجتماعية وسياسية داخلية محددة.
1) تزايد التوجهات المناهضة للديمقراطية في إسرائيل
لقد كان الجدل حول كيفية توصيف النظام السياسي في إسرائيل محتدماً منذ فترة طويلة بين الباحثين على ضفتي الأطلسي. تختلف الآراء بشكل كبير: تصنف إسرائيل على أنها ديمقراطية (غير) ليبرالية، او ديمقراطية ذات انحرافات أربعة (نويبرجر)، او ديمقراطية عرقية (سموحا) وحتى عرقية (يفتاخيل). العالمة الروسية الشهيرة الباحثة في “الإسرائيليات” كاراسوفا تستخدم، في مقالتها مع شترينشيس، مصطلح “التعددية السياسية مع سيطرة ديمقراطية”. ومن المهم أن النظام السياسي في إسرائيل لم يكن جامدا، بل تأثر تطوره بعوامل السياسة الداخلية والخارجية. بشكل عام، كان النظام السياسي والثقافة الإسرائيلية دائمًا مليئين بمختلف العناصر الديمقراطية والمعادية للديمقراطية. إن الطابع اليهودي والديمقراطي المتأصل في أساس الدولة لم يظهر على الفور إمكانية الصراع. وفي السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن الطابع اليهودي للدولة بدأ يتغلب على الطابع الديمقراطي. وهذا لا يؤثر على المواطنين الإسرائيليين فحسب، بل على الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضًا والقدس الشرقية وقطاع غزة.
إسرائيل جمهورية برلمانية، لذلك، بناءً على نتائج انتخابات الكنيست (أجريت انتخابات مباشرة لرئيس الوزراء من عام 1996 إلى عام 2001)، يتم تشكيل حكومة ائتلافية بموافقة الرئيس. وهكذا، فإن مبدأ الفصل بين السلطات في إسرائيل هو مبدأ “مرن”، أي، هناك خصوصية محددة للتفاعل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. رئيس الحكومة، رئيس وزراء البلاد، هو زعيم الحزب الذي حصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات، وحصل على ولاية رئاسية وقادر على تشكيل ائتلاف. وتشرف الكنيست على أنشطة الحكومة. بدورها، تراقب المحكمة العليا (أو محكمة العدل العليا) أنشطة الكنيست، ولها القدرة على إلغاء القوانين المعتمدة التي، في رأي القضاة، لا تتوافق مع القوانين الأساسية لدولة إسرائيل.
منذ التسعينيات بدأ “النشاط القضائي” للمحكمة العليا يتكثف، خاصة بعد اعتماد “القانون الأساسي” بشأن كرامة المواطن وحقوقه في عام 1992. وقد أتاح ذلك لمجموعات مختلفة من السكان تحقيق النجاح في النضال من أجل تحقيق حقوقهم في إسرائيل. يناضل مركز “عدالة” لحقوق الإنسان (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في اسرائيل)، الذي تأسس عام 1996، من أجل حقوق العرب في إسرائيل والفلسطينيين في أجزاء مختلفة من الضفة الغربية وقد فاز بعدد كبير من القضايا في المحكمة العليا. في عام 2023، اعتبر جزء من المجتمع الإصلاح القضائي الذي اقترحه وزير العدل “ليفين” بمثابة خطوة مناهضة للديمقراطية تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا وإخضاعها لسيطرة الحكومة الحالية.
في العقود الأخيرة، أصبحت أزمة القيادة في إسرائيل واضحة بشكل خاص. الشخصية السياسية الأكثر شهرة وخبرة في السنوات الخمس عشرة الماضية هو رئيس حزب الليكود العلماني اليميني بيبي نتنياهو. لقد ترأس الحكومة لفترة أطول من رئيس وزراء إسرائيل الأول، بن غوريون، الذي يعتبر من جيل “الآباء المؤسسين” للدولة.
ويشهد المجتمع الإسرائيلي تراجعا في الثقة في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الحكومة والكنيست والأحزاب القائمة. وفقًا لبيانات عام 2021 الصادرة عن معهد دراسة الديمقراطية، فإن المشاركين اليهود الإسرائيليين الذين يثقون بالأحزاب السياسية أقل من (10%)، والكنيست (21%)، والحكومة (25%)، وهم أكثر ثقة في الجيش الإسرائيلي (78%). والرئيس (58%). ووفقا لنفس الدراسة، فإن المشاركين في الاستطلاع من العرب في إسرائيل يثقون بالمحكمة العليا الإسرائيلية أكثر من غيرهم (49%).
وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن المواطنين الإسرائيليين لديهم مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية في البلاد. ويشكل الصدام بين القومية العرقية والليبرالية اختبار جهد stress test للنظام السياسي الإسرائيلي، الذي كان يتميز في السابق بقدرته العالية على التكيف.
2) تزايد تأثير الدين على السياسة
إسرائيل ليست دولة علمانية. واستنادًا إلى اتفاق “الوضع الراهن”status quo بين بن غوريون وحزب “أغودات إسرائيل” الحريدي، فإن وضع الفرد، وقضايا الزواج والطلاق، تقع ضمن اختصاص المؤسسات الدينية والمحاكم. ويهيمن الحاخامات المتدينين على الحاخامية الكبرى.
تستمر الأحزاب الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية المتطرفة في احتلال موقع مهم على الساحة السياسية الإسرائيلية، والتي بدونها يصعب بالفعل على الأحزاب اليمينية على الأقل تشكيل ائتلاف. ترفض الأحزاب الدينية المتطرفة، الأشكناز يهدوت هاتورا (وحدة التوراة) وشاس السفارديم، المُثُل الديمقراطية، وتؤكد على أن الدولة يجب أن تتخذ الهالاخاه أي القوانين الدينية اليهودية كأساس لها. ويختلف ممثلو المعسكر السياسي الصهيوني المتدين عن الأحزاب الدينية المتطرفة، لكنهم يجدون أرضية مشتركة في بعض القضايا.
فيما يتعلق بالتغيرات السياسية والديموغرافية في البلاد، بدأ تأثير الدين على العمليات السياسية الداخلية في إسرائيل في التزايد. وهذا سيؤدي إلى زيادة التناقضات بين المجموعات العلمانية والدينية من السكان على نطاق أوسع من ذي قبل.
3) تراجع دور الأحزاب السياسية
تم تشكيل النظام السياسي الحزبي في إسرائيل في فترة ما قبل الدولة ومر بمراحل متعددة لتطوره. وفي الوقت نفسه، اتسم دائمًا بنظام التعددية الحزبية والصراع الشديد بين الكتل والأحزاب المختلفة. علاوة على ذلك، يجوز للأحزاب أن تندمج في قائمة واحدة، أو على العكس من ذلك، يجوز لها الانقسام وترشيح قائمتها الخاصة؛ وجود أحزاب ذات “أجندة واحدة” لن تستمر حتى الدورة الانتخابية المقبلة، وما إلى ذلك.
في القرن ال 21 لم تعد الأحزاب السياسية تلعب الدور الذي كان يسند إليها في السابق. وإسرائيل ليست استثناءً هنا، لكن أزمة الأحزاب أصابتها في وقت متأخر مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. ومن المثير للاهتمام أن مصطلح “الحزب” نفسه لم يحظ مطلقًا بشعبية كبيرة بين الجمعيات السياسية الإسرائيلية، التي فضلت أخذ أسماء تضمنت مصطلحات “الاتحاد” و”الحركة” وغيرها.
إن انقسام الأحزاب الإسرائيلية إلى يسار ويمين ووسط لم يعد يعكس الواقع السياسي لإسرائيل اليوم. من بين وفرة الأحزاب، يمكن التمييز بشكل مشروط بين أحزاب اليسار، ويسار الوسط، ويمين الوسط، واليمين، وكذلك الأحزاب العربية والدينية المتطرفة. وهذا يؤدي إلى زيادة في عدد المجموعات الحزبية، مما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في النظام السياسي.
ويدور الانقسام الرئيسي بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية حول كيفية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويتنوع نطاق وجهات النظر، من التخلص الجذري من السكان العرب من خلال “الترانسفير” إلى التوجه المعتدل والواقعي القائم على مبدأ “دولتين لشعبين”. بالإضافة إلى ذلك، فإن المواجهة الأكثر وضوحًا هي بين السياسيين العلمانيين والجمعيات الحزبية القائمة على الأيديولوجية الدينية والقومية الدينية. كما أن هناك انقساماً حول عدد من القضايا الأخرى، بما فيها الاقتصادية، فيما يتعلق بتوزيع أموال الموازنة بين مجموعات ذات اهتمامات مختلفة.
استناداً إلى نتائج الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أصبح من الواضح أن الاتجاه السائد هو أن الأحزاب اليسارية لم تتوقف عن الهيمنة على المشهد السياسي فحسب، بل أصبحت أخيراً شيئاً من الماضي. ولم يعد الناخبون الإسرائيليون يصوتون لصالح أحزاب اليسار، بعد أن أصيبوا بخيبة أمل إزاء برنامجهم ومحاولاتهم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تكون هيمنة الأحزاب العلمانية أو الدينية اليمينية بشكل حصري. ينجذب الناخب الإسرائيلي العادي إما نحو أحزاب يمين الوسط أو يسار الوسط.
4) صعود الشعبوية
مثل معظم دول العالم، تزدهر الشعبوية السياسية في إسرائيل، وتشتد حدتها بشكل خاص خلال موسم الانتخابات. فمن ناحية، تبرز هنا الشعبوية اليمينية. يستخدم نتنياهو، الذي يخضع للمحاكمة، الأدوات الشعبوية بنشاط، معلنا أن “اليسار” و”وسائل الإعلام” ومجموعات مختلفة من السكان، ولا سيما المواطنين العرب، مسؤولون عن أنواع مختلفة من الإخفاقات في سياساته. ومن ناحية أخرى، فإن الشعبوية هي أيضًا سمة مميزة لحزب شاس السفارديم الديني المتطرف، الذي يبني برنامجه على المواجهة بين الشعب (“نحن”) والنخبة (“هم”، والتي يمكن أن تعني اليهود الأشكناز أو العرب أو العلمانيين اليهود). على سبيل المثال، غالبًا ما يحدد ممثلوه “النخبة الليبرالية” و/أو العمال المهاجرين باعتبارهم التهديد الرئيسي للدولة وأسسها.
5) تعميق الانقسامات في المجتمع
لقد تميز المجتمع الإسرائيلي دائمًا بتنوع كبير في التركيبة العرقية والثقافية. غالبًا ما تجد مجموعات مختلفة من السكان نفسها في علاقات متضاربة مع بعضها البعض. إن تجزئة المجتمع يجعل من الصعب تشكيل مبادئ توجيهية للقيم المشتركة في البلاد.
وقد أدت مشكلة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة في إسرائيل إلى تفاقم الوضع بالنسبة لعدد من المجموعات السكانية. وتشمل الفئات الضعيفة في البلاد العرب الفلسطينيين واليهود المتشددين واليهود الإثيوبيين. بالنسبة لهم، فإن المشاكل الأكثر إلحاحا هي الفقر والبطالة وما إلى ذلك. على خلفية المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لم يتم حلها، أصبحت مجموعات معينة من السكان متطرفة، على سبيل المثال، الصهاينة المتدينين، ومن بينهم العديد من المستوطنين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية. وفي الوقت نفسه، هناك ارتفاع في معدلات الجريمة في البلاد، وخاصة في الوسط العربي.
وتشير المؤشرات الديموغرافية في إسرائيل إلى أن النمو السكاني سيستمر. واحدة من أسرع المجموعات نموا وأحدثها هي طائفة المتدينين المتطرفة. وفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، بحلول عام 2030، سيصل عدد اليهود المتدينين المتطرفين إلى 16٪، بما في ذلك بسبب الخصوبة العالية وعدد كبير من الأطفال في الأسرة، فضلاً عن الطب المتطور الذي يقلل من وفيات الرضع. كما أن هناك زيادة في عدد العرب في إسرائيل الذين يشكلون 21% من السكان في بداية العشرينيات.
ومن المتوقع أن تبدو الصورة الاجتماعية للمواطن الإسرائيلي العادي على النحو التالي: شاب (ثلث الإسرائيليين تحت سن العشرين)، ومتدين، ومؤيد لوجهات النظر السياسية اليمينية أو يمين الوسط.
تميل الصراعات والانقسامات والمواجهات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي إلى التغلب عليها خلال المعاناة مثل الأحداث التي وقعت في إسرائيل في خريف عام 2023.
إن التوجهات السياسية المحلية، وخاصة الاتجاه نحو مناهضة ديمقراطية النظام السياسي وتعزيز دور الدين في الدولة، لن تؤثر فقط على شخصية إسرائيل، بل ستؤثر أيضًا على مسار تطورها. إن العديد من التحديات العالمية والإقليمية، وخاصة القضايا الأمنية وتغير المناخ، قد تؤدي إلى تغيرات.
وما يبرز من بينها هو أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يتم حله سوف يظل واحداً من التهديدات الرئيسية لأمن النظام الديمقراطي في إسرائيل وديمومته.
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org