انتخابات المحافظات: الجانب المخفي*

جيل مونييه

ترجمة الدكتور عبدالإله الراوي**

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1865)

بالنسبة للصحافة: فإن الرابح الأكبر، في انتخابات المحافظات في العراق يوم 31/1/2009، هو نوري المالكي.

واقعيا إن العراقيين لم تكن لديهم، في الحقيقة، حرية الاختيار.

وفق وسائل الإعلام الدولية فإن نوري المالكي والذين اتحدوا مع حزب الدعوة المرتبط به كانوا، مع 28% من أصوات الناخبين في بغداد، الرابحين الحقيقيين في انتخابات المحافظات.

ولكن، على الأرض، فإن مرشحي المالكي يعلمون بان سلطاتهم ستكون معلقة على خيط دقيق وذلك لأن 50% من الناخبين المسجلين امتنعوا عن التصويت أو لم يستطيعوا المساهمة في هذه الانتخابات.

إضافة لذلك فإن هنالك مليوني عراقي من المهجرين في سوريا والأردن والمقاومة داخل العراق يمقتون وينكرون تمتع هؤلاء المنتخبين بأية شرعية.

يضاف لذلك فإن إقليم الحكم الذاتي في كردستان لم يساهم بالانتخابات، مسعود برزاني أجل الانتخابات على أساس احتمال إيجاد حل لمشكلة كركوك.

النتائج التي سيتم الإعلان عنها خلال أسابيع، بعد مساومات كثيرة، ستحتاج إلى تحليلها على أن لا تؤخذ على كونها تعبر عن الواقع.

التصويت من أجل وحدة العراق

الناخبون العراقيون ليس لديهم خيار حقيقي.

تنظيمات المقاومة لا توافق على إجراء أي انتخابات مع وجود الاحتلال، ولذا فإن المواطنين الذين يساندون المقاومة والذين لا يستطيعون تشكيل أحزابا لخوض الانتخابات، صوتوا للمرشح الذي أطلق تصريحات تطابق، لحد ما، طموحاتهم: الوقوف ضد سياسة الولايات المتحدة وضد التسلط الإيراني، الدعوة إلى دولة مركزية موحدة مع ضمان الأمن.

وهكذا فإن نوري المالكي أعطى الانطباع بأنه يدافع، خطوة خطوة، عن استقلال العراق أمام الأمريكان ن عندما نجح في المفاوضات معهم والتي أدت إلى توقيع الاتفاقية الأمنية والتي نصت على رحيل قوات الاحتلال.

كما أنه تم وضع خطة إعلامية صورت المالكي بصفته وطني، مهتم برفع المستوى المعيشي للموظفين، وترسيخ الأمن والنظام في البلد مع تقليل سلطة الملالي الإيرانيين.

إن نجاحه، رغم كونه نسبي ن يمنحه نوع من الشرعية التي بموجبها يكون على منافسيه أخذها في الحسبان في الانتخابات التشريعية المتوقعة نهاية هذا العام.

إن الاتجاه العام للناخبين يدل على تفضيلهم وحدة العراق والوقوف ضد الطائفية التي أدخلها الأمريكان، وهذا الاتجاه ترجم بفوز قائمة الحدباء في نينوى ذات الاتجاه القومي القريب من البعث، وذلك بحصولها على 48% من الأصوات.

في الجنوب، المجلس الأعلى الإسلامي في العراق التابع لعبدالعزيز الحكيم، لم يحصل إلا على نسبة لا تغني من جوع، ولم يبق له من ( الأعلى ) إلا الاسم ! حيث تم تجاوزه، من قبل قوائم أخرى، في جميع المحافظات.

في النجف، حصلت قائمة المالكي على 16,2% من الأصوات أي تجاوزت قائمة الحكيم بنقطتين.

والأسوأ ما تم في كربلاء حيث أن المرشح المستقل، يوسف الحبوبي، نائب محافظ هذه المدينة المقدسة أثناء حكم صدام حسين، فاز على كافة القوائم الأخرى محققا 13,3 % من الأصوات. بينما لم تحصل قائمة المجلس العلى إلا على 6,4 %.

عبدالعزيز الحكيم الذي اتفق مع مسعود البرزاني ليسانده على تكوين إمارة نفطية شيعية حول البصرة والنجف، على أن يحصل البرزاني بالمقابل على كركوك ليضمها لإقليم الأكراد، لم يكن ينتظر هذه النتيجة المشينة.

نتيجة أخرى، ولكنها غير منطقية، للتصويت القومي في العراق: حصول قائمة إياد علاوي على 13,9 % في محافظة صلاح الدين التي مركزها تكريت.

إن أنصار صدام حسين، الذين هم كثيرون في هذه المحافظة، فضلوا التصويت لصالح بعثي سابق مع كونه معروف بصفته عضوا في وكالة المخابرات الأمريكية ( سي ايه أي )، بدلا من انتخاب قائمة المالكي التي لم تحصل إلا على 3,5 % من الأصوات.

في محافظة الانبار، والتي كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يسيطر عليها، فإن القوائم العشائرية حصلت على ما مجموعه أكثر من 21% من الأصوات. الشيخ أحم أبو ريشة، أهم قادة الكتائب ( المليشيات ) القبلية ( الصحوة ) المرتبطة بالأمريكان، هدد بإعلان دولة الانبار أو تحويل المحافظة إلى ( دارفور ثانية ) إذا حصل الحزب الإسلامي، المرتبط بطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي يسيطر على المحافظة منذ المسخرة الانتخابية، على نتيجة أفضل منه.

وطالب فضلا عن ذلك، مقاطعة إيران وغلق الحدود معها، كما يقترح على وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) وضع تجربته الشخصية ( الصحوة ) أمام الحلف الأطلسي ( الناتو ) ليطبقها في أفغانستان لمقاتلة طالبان…

50% من الناخبين… ولكن

إن التصويت، الذي هدفه قومي وأمني، كان من الممكن أن يصبح أكثر وضوحا لو أن جميع الناخبين كانوا يستطيعون الإدلاء بأصواتهم.

في الأعظمية، أحد أحياء بغداد غالبية سكانه سنة وأغلب أسمائهم عمر وعثمان – اسمان مكروهان من قبل الشيعة المتعصبين – تم شطب هذه الأسماء من قوائم الناخبين.

تقريبا في جميع العراق، الأشخاص الذين يشك بكونهم معارضين أو يتبعون لحزب منافس تم تسجيلهم في مراكز اقتراع بعيدة عن محل سكناهم. وبسبب منع حركة السيارات لأغراض أمنية، فلم يستطع أغلب هؤلاء من الإدلاء بأصواتهم.

في الجنوب، أنصار مقتدى الصدر اشتكوا من رفض احتساب صناديق اقتراع في أحياء يضمنون فيها الحصول على غالبية الأصوات، بينما في الانبار فإن شيوخ العشائر يقولون بأنهم مستعدون لحمل السلاح إذا تم احتساب الأوراق الانتخابية الكاذبة للحزب الإسلامي العراقي.

في سهل نينوى وجبل سنجار، إن انتصار قائمة الحدباء لم يكن متألقا أمام استحالة التصويت التي شملت الكثير من الكلدو- آشوريين، والتركمان، والشبك واليزيدية الذين لم يستطيعوا التصويت بصورة اعتيادية أو أنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى مراكز الاقتراع.

المسئول عن كل هذا هو- الأسايش: جهاز المخابرات الكردي المرعب – والبيش مركة التابعة لمسعود البرزاني التي تهدد المواطنين ليصوتوا لقائمة عشتار، التي هدفها الرئيس هو إلحاق شمال الموصل بإقليم كردستان.

نسبة التصويت في هذه المناطق كانت: 25 % فقط، وهذا يعني، بصورة واقعية، فإن الذين صوتوا هم فقط الناخبين الأكراد. لأنه بالنسبة للأقليات الأخرى فإنه في حالة وجود خيار لهم فهم يفضلون عدم التصويت.

في الحمدانية التي يوجد فيها 20000 ناخب كلدو – آشوري أي 70% من الناخبين في القضاء، فهم لم يصوتوا.

في المناطق التي غالبية ساكنيها من التركمان فإن الجبهة التركمانية حصلت على 2,5 % من الأصوات ومع ذلك تجاوزت قائمة المجلس الأعلى الإسلامي في العراق التابع للحكيم الذي لم يحصل إلا على 1,9 %.

في طوز خورماتو، مدينة تركمانية قريبة من كركوك، فإن عناصر من القوات الكردية كانت متمركزة على بعد 200 متر من مركز الانتخابات لغرض تخويف الناخبين.

الجولة القادمة: انقلاب ضد نوري المالكي ؟

في العراق، إن مجلس المحافظة يتولى مسئولية القوات الأمنية ويقوم بتعيين المحافظ وعدد من الموظفين.

ولكن سلطات هذا المجلس محددة من قبل مجلس النواب العراقي الذي يصوت على ميزانيات المحافظات وله الحق بحل أي مجلس من مجالس هذه المحافظات.

نوري المالكي أمن تأييد الصدريين وبعض القوائم الصغيرة لغرض إدارة مدينة بغداد والمحافظات الشيعية. وهكذا ورغم المصادمات الدموية التي قادها المالكي ضد جيش المهدي في البصرة وفي مدينة الثورة ( الصدر ) فإن التيار الصدري يدعمه.

ولكن مشاكل المالكي لم تنته.. جولة ثانية متوقعة.

مسعود برزاني الذي تحمل نصف فشل في محافظة نينوى، اتهم، في تصريح نشرته صحيفة لوس انجلس تايمز في شهر كانون الثاني ( يناير ) الماضي، رئيس الوزراء العراقي بكونه يريد حرمان الأكراد من القوات الأمنية، كما أنه يرغب بتعديل الدستور في سبيل منع إقليم كردستان من الحصول على الاستقلال.

إن لدى البرزاني طموحات توسعية لضم المناطق التي يسمونها متنازع عليها، والتي تمثل تقريبا 60 إلى 100 كم عمقا على امتداد حدود إقليم كردستان.

من الممكن أن يتم الاتفاق بين كتلة الأكراد ومجموعتي عبدالعزيز الحكيم وإياد علاوي لغرض جعل المالكي لا يمثل إلا أقلية في مجلس النواب، وفي هذه الحالة يتم إسقاطه.

. . .

* رابط الاصل الفرنسي

http://www.afrique-asie.fr/images_articles/40/54-55Irak.pdf

** الدكتور عبدالإله الراوي، دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا

hamadalrawi@maktoob. Com

تجدون مقالاته التي نشرت بعد الغزو على

http://iraqrawi.blogspot.com