نظرة استشرافية نحو آفاق القرن الأوراسي – جبـــــرا خــــوري*

من حيث التحديد ، تتشكل “أوراسيا” جغرافياً من قارتي أوروبا وآسيا وبحجم يقارب ثلثي مساحة العالم .

أما اليوم ، فإن مقاربتي تكمن في العودة لما كان يعرف تاريخيا “بطريق الحرير” من خلال ميلاد القرن الأوراسي الذي قطع شوطا لا بأس به سواء في اعادة رسمه وتطويره علاوة على تنفيذ المشاريع التنموية واللوجستية عبر الدول التي تلعب أدوارا مختلفة لاثبات جدوى وفعالية هذا المشروع أم في إبراز أهمية الأدوار المتعددة التي تمنح هذا القطب وزناً وحضوراً في الساحة الدولية .

واللافت للانتباه ، تفهّم وتعاون الدول والمجتمعات التي تقع على طول طريق الحرير في الاسراع بهدف جعل هذا الحلم القديم – الجديد واقعا ملموسا لخدمة المجتمع الدولي دون التفكير بالمطلق بفرض أي نوع من الهيمنة على الدول المنضوية التي تتشارك في ما بينها في احترام الانظمة السياسية والاقتصادية المختلفة علاوة على تقبّل أنماط الثقافة والعادات والتقاليد والممارسات الدينية المتعددة .

لا تتضمن هذه الدراسة أبحاثا تفصيلية معمّقة بل نظرة بانورامية حول ربط عدة دول بمشروع يكاد أن يكون شبيها بسوق تنموية واقتصادية مشتركة تجعل جزءا كبيرا من هذا العالم كتلة واحدة مترابطة في عالم يتحضر ليكون متعدد الاقطاب في إطار التقدم والنمو والحياة الأفضل والابتعاد عن دكتاتورية الدولار الأمريكي لأن مبادئ المقايضة والتعامل بالعملات الوطنية للدول الكبيرة من هذه المجموعة سوف يكون لها الدور الأساسي والمساعد في هذا الصدد لانجاح الفكرة والمشروع .

إن الغرب ولقرون عدة عمل جاهدا لفرض معاييره على البشرية باعتبارها تمثل العناصر الحضارية . وفي المقدمة تبّرز الأدوار الأيدولوجية القادمة سواء من الكاثوليكية أو البروتستانتيه أو الحداثة أو الليبيرالية أو الرأسمالية . فالغرب قام ببناء امبراطوريته على حساب الشعوب .  ولو ألقينا نظرة على الخريطة لشاهدنا التوسع من قبل أوروبا باتجاه آسيا وبالخصوص منطقة أوراسيا أي وبمعنى آخر الامبراطورية الروسية الواقعة في المركز المطلق والأهم . فإلى الغرب منا : أوروبا وإلى الشرق : آسيا . أما أوراسيا فإنها تُمثل الموقع الجغرافي الثالث .

يعتقد الغرب أن فلسفته في التنمية والمنطق والقيم هي المنطلق العالمي لبني البشر وأن بقية الشعوب لم تتمكن بعد من استيعاب وادراك هذه الفلسفة . وعليه فقد سمح الغرب لنفسه بحكم الشعوب الأخرى والتحكم بمصائرها بواسطة أجندة سياسية واقتصادية صاخبة لاستعمار الشرق . وبالنسبة لروسيا ، فقد فشلت محاولات الغرب في السيطرة عليها مراراً بواسطة القوة والحيلة لأن الرفض والصمود الروسي أفشل المشروع . فسقط الشرق غير أن أوراسيا ظلت صامدة حتى يومنا هذا ترجمة لمفهوم أوراسيا .

فلو قمنا بتحديد معنى أوراسيا ، لوجدنا العناوين التالية :

  • عدم الخضوع لمطالب الغرب وهيمنته
  • لا يحق لأحد إحتكار الحقيقة لاسيما الغرب
  • أوراسيا تفتح ذراعيها لكافة شعوبها مع اتباع كل منها الحضارة والتراث وأنماط التفكير التي ترتئيها مناسبة لها دون الحاجة لاعتناق كل ما تمليه الحضارة الغربية من جانبها الحصري. وبهذا تحافظ كافة مكونات أوراسيا على هوياتها وثقافاتها وأخلاقياتها وفلسفتها ومعتقداتها المتعددة .

ومن الأهمية بمكان الاضاءة على تصميم أوراسيا الاعتماد على قوتها الذاتية وربطها مع كل من يشاطرهاالمواقف الرافضةللهيمنة من قبل الغرب وتبني سياسة خارجية مستقلة علاوة على الاستقلال التام عن الغرب في مجالات الدفاع والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا بهدف الوصول للأكتفاء الذاتي وإظهار طابع له دلالته .

وفي ما يتعلق بالفضاء المجاور لروسيا ، فإن الهدف الأساسي يكمن في انشاء اتحاد قادر على أن يكون قطباً يحسب له حساب في عالم متعدد الأقطاب بعد أن ذاق العالم الأمرين من هيمنة القطب الواحد .

أما التحدي المهم ، فإنه يتجسّد في قيام النخب الفكرية الأوراسية بإيجاد جسور مشتركة مع الغرب على الرغم من الفروقات الفكرية والثقافية الشاسعة التي تباعد موقع كل منهما وهذا يتطلب تحولا جذريا في جميع السياسات والأيدولوجيات وحتى في المسار بأكمله . فنحن في سباق مع الزمن .

مع بداية الحرب العالمية الثانية وحتى قبل دخول الولايات المتحدة في الحرب ، ظهر في المقال الرئيسي في مجلة LIFE في عام 1941 الأعلان عن “القرن الأمريكي” بصورة المنتصر القادم تأكيداً لانتهاء عصر سيطرة الإمبراطورية البريطانية .

وفي واقع الأمور ، فقد استمر القرن الأمريكي ما يقارب العقود السبعة بدأ من العام 1945 . ومن الاعتراف بمكان ، فإن هذه الحقبة تعتبر فشلاً مرعباً . فالقاعدة الصناعية الجبارة والمتقدمة للولايات المتحدة التي قادت العالم في مجال الصناعة والاختراعات العلمية والخلاقة  باتت اليوم تعاني من تجوفات وثغرات وإهتراء الغلاف الخاص بها بعد أن كانت مزدهرة في مدن مثل : PHILADELPHIA و DETROIT و

LOS ANGELES والتي للأسف باتت غيتوات للعاطلين عن العمل والمشردين .

إن الدَيْن الفيدرالي للولايات المتحدة الذي هو نتيجة للحروب التي شنها عدد من الرؤساء الأمريكيين وكذلك الكفالات التي كانت تقوم بها مصارف WALL STREETاضافة للدور الذي تقوم به رابطة FANNIE MAEوهو الإسم الشائع للرابطة الفدرالية الوطنية للرهن العقاري وهي واحدة من أكبر مؤسسات الرهن العقاري العاملة في السوق الأمريكية.فبات الدين يمثل ما نسبته 103% من الناتج القومي أي بقيمة 19.5 تريليون دولار أي أن حصة الفرد من دافعي ضريبة الدخل الامريكي هي : 163,000دولار علاوة على مبلغ 600 بليون دولار دين إضافي على ولاية واشنطن.

إن البنية التحتية الأساسية للولايات المتحدة مثل الطرق السريعة والجسور والمجاري ومعالجة المياه والكهرباء وشبكات سكة الحديد قد أهملت منذ أكثر من أربعة عقود لاسباب مختلفة . ومن الجدير ذكره أن نقابة المهندسين المدنيين قدرت مؤخراً أن الناتج المحلي سوف يتعرض لتخفيض مبلغ 4 تريليون ما بين 2016 و 2025 نظراً للخسارة التي تتعرض لها أعمال البيع المباشر وارتفاع الكلفة وتخفيض حجم الدخل إذا ما استمرت الولايات المتحدة بالابتعاد عن الاستثمار في البنية التحتية التي تتطلب ميزانية لا تقل عن 313 تريليون دولار خلال السنين العشر القادمة .

تتمثل تسمية القرن الأوراسي بالميلاد الاقتصادي لعدد من الدول المتجاورة بدءاً من الصين عبر آسيا الوسطى وروسيا وبيلاروس وإيران وتركيا . فإن هذه الدول مرتبطة وبصورة تكاملية عبر اضخم مشاريع للبنية التحتية في التاريخ المعاصر في إطار المبادرة التي أطلقها في عام 2013 الرئيس الصيني XI JIN PIN تحت مسمّى : “حزام واحد … طريق واحد “ أو OBOR . فقد قام الغرب بالترحيب بالمشروع ومضامينه لصالح إقتصاد أوروبا وبقية العالم على الرغم من إلتزامه بالسكوت الذي يترجم تحدي التفسير .

فالبداية كانت في كازاخستان لبحث فكرة بناء أضخم وأحدث وأسرع خطوط شبكة سكة حديد عابرة لمجال الأراضي الأوراسية من الشاطئ الباسيفيكي الصيني وروسيا عبر آسيا الوسطى وإيران وداخل دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وفي المقام الأول روسيا ودول الاتحاد الأوروبي المنتقاه . وقد تم الافصاح عن الاقتراح الأولي بتفاصيله عام 2015 بواسطة الهيئة الوطنية للإصلاح والتطوير NDRC والتي تشمل منظمة التخطيط الإقتصادي إضافة لوزارتي الخارجية والتجارة في الصين .

وعلى ضوء ما تقدم ، من المهم التذكير أن المشروع الحالي ليس بنسخة طبق الأصل عن الفكرة التي تقدمت بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في السابق والتي كانت تهدف إلى اعادة مشروع “طريق الحرير” . وفي هذا الصدد ، ينطلق التحفيز للعمل على تأسيس مجموعات THINK – TANKS خاصة ومستقلة كي تصبح مصدراً لمقاربات وأفكار جديدة خلاّقة . وفي الوقت الراهن هناك مجموعة من الــــ THINK TANKS الصينية تتولى عملية التنسيق والتعاون لتفعيل مشروع “حزام واحد … طريق واحد ” يرأسها عميد جامعة REMMIN وذلك بالمشاركة مع مجموعات مماثلة في إيران وتركيا والهند والنيبال وكازخستان ودول أخرى .

مشروع “حزام واحد … طريق واحد”يقع في اتجاهين :  فعلى الأرض ، هناك العديد من الطرق والممرات قيد التنفيذ . وسوف تركز المبادرة على عملية بناء مشترك تسمى الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من الصين عبر كازاخساتن وحتى روتردام . أما المشروع الاخر الذي هو عبارة عن ممرات اقتصادية بواسطة السكة الحديد وتشملالصين ومنغوليا وروسيا+ الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا + الصين وباكستان  وبنغلادش + الصين والهند وميينمار + شبه الجزيرة الصينية والهند الصينية .

أما الموضوع اللوجستي ، فقد إرتكز على طرق النقل الدولية بحيث تم الاعتماد على مدن تلعب دور منصات التعاون في إطار التعاطي الصناعي والاقتصادي . ففي المجال البحري ، سوف تقوم المبادرة بالتركيز على العمل المشترك لبناء موانئ بحرية أساسية لربط الموانئ التي تقع على امتداد “حزام واحد … وطريق واحد” بحيث تكون مميزة بالبناء والاداء لربط الموانئ الصينية في FUJIAN و HAIKOU بميناء كوالالمبور في ماليزيا عبر مضيقMALACCAوهو ممر مائي يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، و CALCUTTA في الهند و NAIROBI في كينيا عبر قناة السويس نحو أثينا وما بعد . وبهذا ، تكون موانئ “حزام واحد … طريق واحد” قد حققت نظام دائري لحركة التجارة .

ومن المهم تسليط الضوء على أن مشروع “حزام واحد … طريق واحد” سوف يربط موانئ أوراسيا بالبنية التحتية لسكك حديد وأنابيب لغايات مختلفة .

فلغاية يومنا هذا ، وقّعت الصين مذكرات تفاهم مع 56 دولة ومنظمة إقليمية تتعلق كلها بمشروع “حزام واحد … طريق واحد” فقامت مجموعة السكة الحديد في الصين وشركة الاتصالات والإعمار الصينية بالتوقيع على عقود لطرق رئيسية وموانئ في 26 بلد وكذلك مصانع للطاقة وتسهيلات في مجال نقل الكهرباء وانابيب الغاز في 19 دولة على طول مشروع “حزام واحد … طريق واحد” إذ أنه قد بوشر العمل في 40 مشروع للطاقة . ومن جهة أخرى ، تقوم شركات الاتصالات والخلوي الصينية بالتسريع في مشاريع البنية التحتية لتأمين البث عبر الحدود على طول الدول الواقعة في حضن جغرافية “حزام واحد … طريق واحد”  بحيث يتطور حتى يصبح على المستوى الدولي .

فمنذ اعتماد الطريق البري والبحري لـ “حزام واحد … طريق واحد” في حزيران 2013 صدّرت الصين بضائع من انتاجها بقيمة 3 تريليون دولار والتي تمثل أكثر من ربع اجمالي حجم التجارة في الصين .

أما نقطة الانطلاق نحو طريق الحرير الجديد ، فهي منطقة “شينجيانغ” التي يمثل 60% من سكانها من “الويغور” المسلمين الذين يطالبون بالحكم الذاتي . فهي ستكون المركز المحوري لمبادرة طريق الحرير الذي سيمسك بزمام الأمور تحت اشراف الحكومة المركزية . فمن هنا سوف ينطلق طريق الحرير الجديد باتجاه آسيا وأوروبا وإفريقيا .

فحتى يومنا هذا ، إستثمرت الصين أكثر من 51 بليون دولار في دول تقع على طول طريق “حزام واحد … طريق واحد” . فطرق السكة الحديد الجديدة سوف تخفض كلفة النقل عبر أوراسيا بنسبة كبيرة لتمكين مناطق كانت معزولة سابقاً من تحفيز النمو الاقتصادي والمشاريع التنموية عبر أوراسيا .

أما النتائج ، فإنها آخذة في الظهور . وكانت البداية من قبل إيران حيث وصلت باخرة تحمل 978 حاوية من عدة دول لميناء OINZHOU الصيني عبر طريق الحرير البحري . وبهذا يتم افتتاح أول طريق بحري يربط الشرق الأوسط وخليج TONKIN الفيتنامي . وفي شباط 2016 تمكن قطار يحمل بضائع في حاويات من قطع مسافة 9,500 كم من مقاطعة ZHEJIANG  شرقي الصين عبر كازخستان وتركمانستان وصولا لإيران في 14 يوم . فلو تم قطع المسافة  أي (9500 كم) بالبحر من “SHANGHAI” إلى ميناء “BANDAR ABBAS في إيران لاستغرقت الرحلة 44 يوم مما يشير إلى اختصار المدة الزمنية بــ 30 يوماً .

فالصين وإيران يشكلان جزءاًأساسياً في مشروع “حزام واحد … طريق واحد”  وقد حددا هدفاً ثنائيا في التجارة بقيمة تزيد عن 600 بليون دولار في السنوات العشر القادمة دون أن يكون التقاص بالدولار الامريكي بل بالمقايضة والعملة الوطنية .

وتقوم الصين حاليا باجراء مفاوضات مع 28 دولة  بما فيها روسيا حول إنشاء سكة حديد القطار السريع . فإن كلفة المشروع المشترك الصيني – الروسي يبلغ 15 بليون دولار لربط KAZAN ، عاصمة تتارستان ، بموسكو . وبالتالي ، فإن المدة الزمنية تصبح ثلاث ساعات ونصف بدلاً من 12 ساعة لقطع مسافة 770 كم . وبموجب هذا الاتفاق وافقت الصين على المساهمة بمبلغ 6 بليون دولار من أصل الكلفة الاجمالية لربط موسكو ببكين بواسطة القطار السريع والتي تبلغ 100 بليون دولار .

التمويل

وفي ما يتعلق بالتمويل ، فقد أمنت الصين إلتزام مالي لمشروع “حزام واحد … طريق واحد”  من مصادر عدة بما فيها :

  • CHINA DEVELOPMENT BANK
  • EXPORT-IMPORT BANK OF CHINA
  • CHINA-INITIATED ASIAN INFRASTRUCTURE
  • INVESTMENT BANK
  • BRICS NEW DEVELOPMENT BANK

ومصادر أخرى بما فيها صندوق طريق الحرير الذي قدم 40 بليون دولار لتمويل مشاريع “حزام واحد … طريق واحد” .

 

ولغاية الآن ، فقد تم رصد مبلغ يناهز 250 بليون دولار للتصرف الفوري وكذلك 500 بليون دولار لمشاريع في إطار المصالح العالمية وإن تأمين هذا المبلغ بات قريبا .

التحولات الجيوبوليتيكية

 

من الحقيقة بمكان ، فأن الأراضي في روسيا والصين و أوراسيا تحضن كميات هائلة من المواد الخام الغنية وبشكل مركّز جغرافيا . لذا ، فإن ربط المحورتمكن من انشاء الـــ HUBS الصناعية الأوراسية الاساسية للموانئ بواسطة وسائل نقل متطورة لنقل المواد الخام سوف يساهم في ايجاد انتعاش اقتصادي يعود بالفائدة للدول المشاركة في المشروع وبالخصوص الدولة التي تمثل الهدف الاول .

فعلى سبيل المثال ، إن مشروع تمديد أنبوب بطول 2,400 كم رابطاً ميناء KYAUKPHYU في MYANMAR ذات المياه العميقة على جزيرة MADAY في خليج البنغال بـ KUNMING في مقاطعة YUNMAN الواقعة في جنوب شرق الصين وبالقرب من الحدود مع MYANMAR . فهذا المشروع هو مشترك بين بنك الصين للتنمية وبنك الاستثمار الخارجي في MYANMAR ويسمح للصين باستيراد 400,000 برميل بترول يوميا من الشرق الاوسط بمسافة تقل 1,100 كم من أصل المسافة السابقة التي كانت تمر عبر مضيق MALACCA البحري والتي انتجت توفيرا في المال والزمن بنسبة 30% مما يعكس المزيد من الأرباح وكذلك تجنّب رقابة وسيطرة الاسطول السادس الامريكي.

وفي السابق ، فإن 80% من مستوردات الصين من الغاز والبترول التي كانت تمر عبر مضيق MALACCA كانت خاضعة لتفتيش الولايات المتحدة . فلو بقيت ظروف 1941 ، عام اعلان اليابان الحرب على الولايات المتحدة  نتيجة لفرض حظر البترول ، لتمكنت من تركيع الصين كما حصل مع اليابان . وبالنسبة للغاز ، فهناك انبوبا ثانيا لنقل الغاز من قطر عبر MYANMARلحقول الغاز في الصين مقابل ROYALTY بقيمة 53 بليون دولار على مدى 30 سنة اضافة لاستثمار الصين 25 مليون دولار في بناء المدارس ومشاريع مجتمعية متنوعة ومنح BURMA 10% من حجم استيراد الغاز .

فحينما إستخدمت بريطانيا والولايات المتحدة جغرافية البحار للهيمنة والسيطرة حتى يومنا هذا ، فقد تجاوزت أوراسيا هذا المبدأ والتطبيق من خلال الاستراتيجية وتوسيع الموانىء ذات المياه العميقة التي أوجدت طريق الحرير البحري . وبهذا يكون هذا المشروع الخلاّق قد وجه ضربة قوية للجيوبوليتيكا الأمريكية في وقت الهيمنة الأمريكية آخذة في الإنحسار . فالقرن الأوراسي غير قابل للتوقف لأن أسس إنطلاقه مبنية على مبادىء الاحترام والتعاون بدلا من السيطرة والابتعاد عن القطب الواحد بل تجسد سياسة الأقطاب المتعددة واحترام خصائص كل دولة من دول القرن الأوراسي .

 

المثلث الذهبي في مجال التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي يربط إيران والصين وروسيا .

بموازاة الجهود التي ساهمت في الظهور التدريجي للقرن الأوراسي في إطار جغرافيا المحور الروسي الصيني ، تبرز أهمية ولادة جديدة تجسّد المثلث الذهبي القاطن في قلب ووسط أوراسيا والذي يؤهله للعمل على تأسيس مجموعة تتبنى التحالف الاقتصادي والسياسي والعسكري للدفاع عن مكتسبات أوراسيا فقط دون وجود أية مشاريع للهيمنة والسيطرة على الدول الأخرى ومقدراتها .

ومن هذا المنطلق ينبغي علينا التفكير والتحليل العميق في ما يتعلق باستمرار الولايات المتحدة بانزال المزيد من العقوبات على إيران والتهرّب من احترام وتنفيذ اتفاقية خمسة + واحد مع إيران عام 2015 .

وبما أن الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها يعون جيدا ظهور القرن الأوراسي وأهميته ، فإن همهم الأول يكمن إما باحتواء إيران أو شن حرب عليها بالوكالة عن طريق الدول المجاورة وما يسمى باسرائيل كي تقضي على قلب النظام الأوراسي الجديد وفصل الرأس عن بقية الجسم .

فلو عدنا لمشروع وسياسة أوباما وهيلاري كلينتون بمحاصرة الصين عبر بحر الصين وجزر قريبة من الفلبين الذي فشل نتيجة لعدم سقوط الدولة السورية وقدوم رئيس جديد لجمهورية الفلبين أرسى تحالفا مباشرا مع الصين . فاستمرار الحرب الكونية على سوريا للعام السابع ساهم في فشل أو تأجيل عملية احتواء الصين لاعتقاد الإدارة الأمريكية الجازم بأن مشروع تدمير الدولة السورية وفرض تغيير جذري لن يطول أكثر من ستة أشهر وكان ذلك في عام 2011  .

ومن الواضح أمام العيون في يومنا هذا كيف أن الولايات المتحدة تجعل الفلبين تدفع ثمن موقفها وذلك بتفجير الوضع الأمني والمعيشي في مقاطعة مينداناو ذات الأغلبية المسلمة وكذلك المنتجعات السياحية في مانيلا ومن حولها بواسطة تسليط داعش لتدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي لفرض انشقاق ديني داخل المجتمع الفلبيني . ومما سوف يزيد الطين بله ، تواجد رئيس جمهورية الفلبين في روسيا بحثا عن صفقة أسلحة مما سوف يثير غيظ وغضب الولايات المتحدة .

وعلى ضوء الفشل المبدئي للمخطط الأمريكي ، تم التركيز على ضعضعة إيران توطئة لزعزعة مشروع القرن الأوراسي قبل اكتمال عناصر انطلاقه وظهوره على المسرح العالمي كنظام عالمي جديد .

وفي عالم التجارة بين الصين وإيران وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية على إيران ، نما حجم التجارة بين البلدين وحتى قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 الذي قفز من 400 مليون دولار في عام 1989 إلى 52 بليون دولار في 2014 .

وفي عام 2016 تم الاتفاق على زيادة حجم التجارة بين إيران والصين ليصبح 600 بليون دولار خلال السنين العشر القادمة . وبالاضافة للاتفاقيات التجارية ، وافقت ايران على المزيد من التعاون في الطاقة النووية والمساهمة في مشروع “حزام واحد … طريق واحد” .

ومن المهم التذكير بأنه ومنذ الأزمة التي نشأت بين روسيا والولايات المتحدة عام 2014 نتيجة لانقلاب اوكرانيا ، بروز تعاون استراتيجي في ما بين ثلاث قوى رئيسية وهي ايران والصين وروسيا والذي جاء مطابقا لما ورد في كتاب ZBIGINIEW BRZEZINSKI الذي صدر عام 1997 :

رقعة الشطرنج الكبرى THE GRAND CHESSBOARD حيث أنه وصف مثل هذا التعاون:

اضخم تحدي جيوبولوتيكي يواجه التفوق الوحيد والحصري للولايات المتحدة على إثر تدمير الاتحاد السوفيتي بين 1991 و 1998 .

وأضاف BRZEZINSKI أنه من الصعوبة بمكان أن تتحكم دولة مثل الولايات المتحدة على أوراسيا التي تسيطر على عالمين متقدمين إقتصاديا وانتاجيا من أصل ثلاثة . إن مجرد القاء نطرة على الخريطة يبّين انخراط افريقيا مما يجعل الجزء الغربي من نصف الكرة الأرضية و أوقيانوسيا (أستراليا) ملامسا المحيط الجيوبوليتيكي للقارة المركزية للعالم .

فحوالي 75% من سكان العالم يعيشون في أوراسيا كما وأن أضخم الثروات الطبيعية تختزن في الدول التي تتشكل منها . فلو تطرقنا لموضوع مصادر الطاقة في العالم ، لوجدنا أنها تمتلك ثلاثة أرباعها .

وكما تشير المستشارة الاستراتيجية الهندية DEBALINAGHOSHAL، فقد ركزت الصين اهتمامها الكبير في الموقع الجيواستراتيجي لإيران التي يحدها بحر قزوين والخليج العربي (الفارسي) والذي يمكّن الصين من تنفيذ أجندة “حزام واحد … طريق واحد” .

وبما أن إيران باتت مرتبطة بالجزء الذي انتهى بناءه من ميناء السكة الحديد ، فمنذ بداية عام 2015 بدأت رحلات الشحن بواسطة القطارمن و إلى عدد من المدن في الصين عبر تركمنستان وكازاخستان قاطعة مسافة 1900 كم في كل إتجاه . وبموجب هذا الواقع ، تكون المسافة قد اختصرت بـ 400 كم والمدة الزمنية بمعدل 25 يوم وهذا بالمكسب الهائل .

ومنذ نيسان من هذا العام (2017) ، تجري روسيا وإيران مباحثات لبناء قناة للسفن بدءاً من بحر قزوين وحتى الخليج الفارسي في إيران . وهناك المزيد من المفاوضات بين روسيا وأذربيجان وإيران لتأمين ممرات بحرية بهدف تقليل مدة الرحلات البحرية وتجنب المرور عبر قناة السويس والرسوم الباهظة بحيث تصبح مدة الرحلة البحرية من الهند باتجاه آسيا الوسطى وروسيا 26 يوم بدلا من 40 .

هذه جولة مصغرة عن البنية التحتية والهيكلية البانورامية عن قرن أوراسيا القادم الذي ينقصه مواقف جدّية ومساهمات ومصداقية أكبر من قبل تركيا . والأهم من ذلك ، إبتعاد دونالد ترامب عن العمل على تدمير هذا البناء الجميل والإنضمام للمشروع الذي سوف يجنب الولايات المتحدة ويلات الإفلاس والركود والكساد والاقتصادي والحروب والدمار بدلا من الاستمرار في الاعتقاد أن الولايات المتحدة هي القوة الأعظم والوحيدة في هذا العالم .

المراجـــــــــع :

  • WILLIAM ENGDAHL
  • ALEXANDER DUGIN
  • NEIL THOMPSON
  • NAVID NASR
  • ROBERTO CROTTI
  • JOHN BATCHELOR

 

* قنصل كوبا الفخري في الاردن

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.