المغرب: هل ثورة البؤساء قادمة؟ صالح بن الهوري*

واقع البؤساء في المغرب مُرّ. فمن يسرق ثروات المغاربة، وهل سيثورون على من حرمهم من العيش الكريم والحرية، أم أنهم سيركِنون معاناتهم على الفكر القدري الاستسلامي، ويكتفون بالدعاء على السارقين من داخل قباب الأضرحة والزوايا؟

 يصنف المغرب عادة من ضمن البلدان الأحسن في العالم لجهة الحفاظ على التراث، لذا يسمي المغاربة بلادهم بـ”الأجمل” في العالم. وهو يزخر بواجهتين ساحليتين تقعان على البحرين، الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، بحيث يصل طول شواطئهما إلى 3500 كيلومتر. بينما يقول رقم آخر أن طولهما هو 2791 كيلو متراً. يبلغ الفارق بين الرقمين المتضاربين 709 كيلومتر، وهو يخص مسألة الصحراء الغربية وطوال شاطئها، ما بين إدماج وتحفظ ورفض.
 بيد أن الفقر ما يزال ينخر في البلد، مع أن الشيطان لا يملك حساباً بنكياً في باناما ولا في سويسرا. فعلى الرغم من طول الشواطئ، تلهب أسعار أرخص أنواع السمك “السرديل” (السردين) جيوب الفقراء المغاربة الذين لا يعرفون أسماء أنواع الأسماك الأخرى اذ يتمّ تصديرها إلى خارج البلد.
67 في المئة من الأراضي في المغرب صالحة للزراعة، ومع ذلك ترتفع أسعار الخضراوات والحوامض والفواكة ارتفاعاً خيالياً، خاصة في المغرب العميق.
يوجد هنا 73 في المئة من الإحتياط العالمي للفوسفات، تصل معاملاته إلى 14.4 مليار درهم، وفي العام 2014 بلغ ربحه الصافي 1.5 مليار درهم.  
يُحرّم مناقشة أمر هذه الثروة في البرلمان، والويل لمن يفكر في طرح أي سؤال. في الواقع لا يملك أيّ برلماني الشجاعة لطرح المسألة للنقاش، خشية أن تفضح الدولة العميقة طريقة وصوله إلى القبة السحرية.
 يسجل الزائر للمدن التي تتوفر فيها مناجم معادن الذهب وغيرها، فقر الساكنة المحلية وعدم وجود مدارس وطرق ومستشفيات.. لكن يوجد مطار صغير في المنجم حيث ينقل الذهب بالمروحيات، بينما تموت النساء الحوامل لعدم وجود مستشفيات ولا يتمّ استخدام هذه الحوامات لانقادهنّ، بل تستعمل البغال لنقل الحوامل والمرضى. للدواب قيمة في المغرب العميق. يستعان بالمروحيات لنجدة السياح الأجانب عندما تحاصرهم الثلوج، لأنهم أغلى من “الرعايا” المغاربة الذين تنقل جثثهم في شاحنات بعدما تجرفهم ثورات الأنهار في الأودية.
يستشهد المغاربة بالمثل المغربي الشهير “زيد الشحمة فظهر المعلوف” (بمعنى زيادة الغني غنًى) وذلك للتدليل على استفادة الأغنياء من الدعم المخصص للفقراء، بحيث تستفيد فئة مهمة من الأثرياء من حوالي 20  في المئة من الدعم العمومي لعدد من المواد الاستهلاكية، ومنها الدقيق والسكر وغاز البوتان (للاستهلاك المنزلي)، حسب ما جاء في دراسة للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية).
يبدو أن سياسة الريع وفلسفة الاحتكار والنهب هي ديدن الفاعلين الحقيقيين في البلد، أما الفقراء فعليهم بالصوم والتضرّع إلى قبور الأولياء والصبر والجوع.

 ثورة؟

 أجرى الباحث الفرنسي في مجال الجغرافيا في جامعة السوربون، لوران شالار، دراسة حول احتمالات الثورة في المغرب انطلاقا من فرضية استكشفها قبل سنتين  في دراسته لحالتي الثورتين التونسية والمصرية. وهي تصل الى أن “هناك ثلاثة عوامل إذا اجتمعت تُحدِث ثورة: النظام السلطوي، سوء تدبير الاقتصاد، ومرور 25 سنة على بلوغ حالات الولادة ذروتها (بمعنى بلوغ الأجيال الجديدة بأعداد كبيرة سن الرشد)”. والدراسة تضيف هنا الى العوامل المعروفة العامل الديمغرافي، وتنتهي بتوقع حدوث ثورة للشباب في المغرب بين عامي 2017 و2022.

وصلت ديون البلد إلى 84 في المئة من الناتج الإجمالي الخام، واحتل المرتبة 123 في التنمية البشرية، بينما حلت الجزائر في المرتبة 83.
وعلى الرغم من أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، فإنّ حوالي مليون مغربي محرومون من الماء الصالح للشرب. يسكن البوادي (الارياف) في المغرب 13 مليون مغربي، فقط أغنياء البوادي يتمكّنون من إدخال المياه إلى بيوتهم، حسب ما ورد في تقرير برلماني. وحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن 85 في المئة من المغاربة يشربون من مصادر مياه محسنة، مما يعني أن 15 في المئة من المغاربة يشربون مياهاً غير آمنة.
تنخر أقدم مهنة في التاريخ البلد، بحيث توجد 19 ألف عاملة جنس في محور فاس، طنجة، الرباط وأكادير. وللتعبير عن السخط والغضب، يحرق المغاربة أنفسهم ويهاجرون هربا من جحيم “أجمل” بلد في العالم، يتعاطون حبوب الهلوسة والمخدرات لنسيان واقعهم المرير أو يمتهنون مهنة السطو والسلب لضمان لقمة العيش وشراء السجائر والمشروبات الروحية الرخيصة.
لهذا يُعلن عن توقيف أرقام كبيرة من محترفي السطو والسرقة في المدن. خلال النصف الأول من العام  2016 بلغ عدد الموقوفين، 171 256 ألفاً مشتبه بتورطهم في قضايا إجرامية مختلفة، من بينهم أكثر من  83 ألفا كانوا يشكلون “موضوع بحث على الصعيد الوطني”، حسب ما ورد في بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني.

إقرأ أيضاً: بين وحشية السوق وسكينة المسجد

يحكي المغاربة نكتة ساخرة مفادها أن أحد السكارى وجّه نقداً لاذعاً أثناء جلسة محاكمته للقاضي بالقول: “إني أرى من يشربون “الويسكي” (باهظ الثمن) يحكمون على من يشربون” الروج” (وهو نبيذ أحمر رخيض الثمن في المغرب).

 

الفقر في “أحلى” بلد في العالم

 

“الطفل الفقير هو المحروم من حقه في الولوج إلى الماء والخدمات الصحية والتعليم والصرف الصحي والمعلومة”، حسب تعريف وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي التي صرّحت بأن 91.1 في المئة من الأطفال في العالم القروي في المغرب فقراء. جاء تصريحها خلال افتتاح مؤتمر”فقر الأطفال بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا: من القياس إلى الفعل”.
بلغ عدد الأطفال الفقراء في المغرب 1.2 مليون طفل سنة 2014 ، أي ما يعادل 11 في المئة من إجمالي الأطفال المغاربة، حسب ما كشفته دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم العالمي للطفولة الذي يصادف في 25 أيّار/ مايو من كل عام.
يُعرف الاقتصاد المغربي  بأنه “اقتصاد لا هو فلاحي ولا صناعي ولا خدماتي”. هذا الاقتصاد عاجز عن خلق ألف منصب عمل سنويّاً. ويقع 12 مليون من مواطنيه (33.8 مليوناً) تحت خطّ الفقر.  ويقطن البلد 65 في المئة من المغاربة في المدن أو البلدات.

خلال عام واحد، بين الفصلين الاول من 2016 و2017، زاد عدد المتبطلين عن العمل 63 ألفاً، جميعهم في الوسط الحضري، حسب ما ورد في المذكرة الإخبارية حول سوق الشغل خلال الفصل الأول من عام 2017 ، الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط.
قدّر صندوق النقد الدولي حصة الفرد المغربي من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري بنحو 5456 دولار( حوالي 5 ملايين سنتيم)، وفق أحدث البيانات التي أصدرها الصندوق، ليحلّ معها في المغرب في المرتبة الرابعة عشر بين الدول العربية. وبحسب البنك الدولي، فإن 5.3 ملايين مغربي مهددون بالانزلاق إلى مستوى الفقر. وقد منح مؤشر”جيني”، الذي يقيس عدالة توزيع الدخل المحلي الإجمالي، المغرب مجموع نقاط لا تتجاوز  0.39  على 1، بين السنوات 1991 و2012… والاقتصاد المغربي رهين هطول الأمطار، وتحويلات المهاجرين للعملة الصعبة، وحجيج السياح إليه.

 محنة المغاربة مع الطبابة

 

تحول الوضع الكارثي للطبابة  في المغرب إلى عامل مثير لاحتجاجات قوية. 70 في المئة من المستشفيات العمومية لا تتوافق مع المعايير الدولية المُحدّدة، كما يفتقر 144 مستشفى إلى المعايير الدولية للاستشفاء ووسائل العلاج، حسب ما جاء في تقرير للشبكة المغربية للدفاع عن الصحة. ويُرجع التقرير أسباب وفاة الكثير من المرضى إلى”غياب الموارد البشرية والأدوية والمستلزمات الطبية الاستعجالية والإهمال”. وفي العام 2016 مثلاً، سجّل المغرب 3200 حالة وفاة بأمراض وأوبئة من المفروض أنه قُضي عليها منذ زمن. وتسجل 227 حالة وفاة من بين كلّ مئة ألف ولادة. من جهة أخرى، هناك 600 ألف مضطرب عقليّا ونفسيّا في المغرب  بينما  قال وزير الصحة  في مجلس المستشارين إن “المراكز الصحية والنفسية والعقلية قليلة ومتقادمة وتعرف نقصا حاداً في الموارد البشرية”.

بعض قصص أبواب المستشفيات: سقط رجل من فوق صهوة بغلته في إحدى قرى المغرب العميق في جنوب البلد. فانتقل إلى المستشفى المحلي بعمالة (عاصمة) الإقليم التي تبعد عن قريته النائية حوالي سبعين كيلومتراً، ووصل بصعوبة الى المكان غير المهيأ لعلاجه. تقرر نقله إلى مدينة أغادير التي تبعد ثلاثمائة كيلومتر. وصل الرجل بعد رحلة شاقة إلى مستشفى الحسن الثاني بأغادير ليجد غرفة الإنعاش مكتظة وغير قادرة على استقباله حسب ما قيل لمرافقيه، فتوفي هناك بعد طول إنتظار. وحين تلسع عقرباً صبياً، ينقله والده إلى ما يسمى بـ”المستشفى المحلي”. لكن الطبيب هناك يحيله إلى مدينة أغادير التي تبعد أكثر من 300 كلمتر عن قريته لأن وسائل علاج هذه اللسعة لا تتوفر لديه..

 

خراب المدرسة العمومية

 

شهد المغرب إغلاق أكثر من 200 مدرسة عمومية منذ العام 2008، حسب ما جاء في تقرير لـ” لاتحاد الطلبة والتلاميذ من أجل تغيير النظام التعليمي”. وهو حلّ في المرتبة 136 عالمياً في قياس متوسط  سنوات تمدرس الأطفال، بمعدل لا يتجاوز 5 سنوات. وجاء في مذكرة إستعجالية لمجلس الحسابات أن “ربع مليون طفل يتسربون من التعليم العمومي سنوياً، وأغلقت ألف مدرسة عمومية أبوابها وبلغ عدد التلاميذ في الفصل أربعون تلميذاً”.
هناك اذاً 650 ألف طفل خارج منظومة التعليم والتكوين، ومليون و685 ألف شاب مغربي، تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 24 سنة، لا يدرسون ولا يعملون ولا يحظون بأي تكوين يمكّنهم من الانخراط في سوق العمل… وهناك من يجرؤ على الاستغراب أثناء وقوع عمل إرهابي أو تفكيك خلية إرهابية ــ محلية أو “مهاجرة” وبالاخص الى أوروبا ــ ويسأل: من أين جاءنا غول الإرهاب؟

.. وعلى الرغم من هذا، ظلّ الإنفاق العمومي على التعليم في مستويات متدنية منذ سنة 1987، حيث لم يتجاوز آنذاك 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليتراجع إلى 5.2 في المئة خلال العام 1998، ويواصل تراجعه ليصل إلى 5.1 من الناتج خلال العام 2013، حسبما أورد تقرير المعهد الملكي  للدراسات الاستراتيجية. ساهمت كلّ هذه العوامل في عدم إدراج المغرب ضمن التقييم الذي نشرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، الذي احتلت فيه سنغافورة المرتبة الأولى نظراً لامتلاكها أحسن تعليم في العالم، تتبعها اليابان وإستوانيا.
وربما لهذا، كانت نتائج الباكالوريا (الثانوية العامة) لهذا العام كارثية بكل المقاييس. تقول الأرقام أن “نصف أكاديميات المغرب الإثني عشر لم تتجاوز نسبة نجاح طلابها في الإمتحان الوطني الموحّد لنيل شهادة الباكالوريا الـ50 في المئة”.

 *** 

لم يشفع الموقع الجغرافي والاستراتيجي للبلد، ولا خيراته، في تحسين وضع المعدمين والبؤساء الكارثي، سواء في مجال الصحة والتعليم أو الشغل. والمغرب اليوم على صفيح ساخن!

* صحافي من المغرب

:::::

“السفير”

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.