في حديث الرئيس سعد الحريري الى صحيفة فرنسيّة، ثريا عاصي

يحسن التوضيح أولاً، أن بين يدي ترجمة لنص هذه المقابلة . هذا يجعل المسؤولية عن المحتوى موزعة على ثلاثة أطراف، أي لا أحد مسؤولا ! 
ثانياً، من الطبيعي أن يكون إهتمام رئيس وزراء لبنان منصباً على شؤون لبنان، ولكن لا بد من الملاحظة هنا أن الرئيس الحريري ينظر إلى لبنان من بعيد، من خارج لبنان وكأنه  يعتبر أن لبنان يجب أن يكون حيث يوجد السيد الحريري، متناسياً أن لبنان متعدد، يـُصرّف لا ديمقراطياً، بصيغة الجمع، كل زعامة حريصة على أن تحوز حصة فريقها ! طبعاً هذا لا يمنع المقايضة والشراء والبيع، بين الزعامات !
اللافت للنظر هو أن كلام رئيس الحكومة يوحي بأن الأخير لا يعترض على ربط العلاقة بين لبنان وبين دول الخليج ببقاء أو طرد  هذه العمالة اللبنانية من هذه الدول . بمعنى  آخر يبرر الرئيس الحريري إقدام السعوديين مثلاً على طرد اللبنانيين المقيمين على أرضها، انتقاماً من الدولة اللبنانية . علماً أن  هجرة اللبناني سواء إلى السعودية أو إلى بلاد أخرى تعبر ضمنياً عن طلاق أو إنفصال  جسدي على الأقل، بين المهاجر وبين الدولة !

اما  ما يعكر العلاقات، بين لبنان وبين السعودية فهو بنظر رئيس الحكومة، تدخل حزب الله في شؤون الدول الخليجية، وفي سورية وفي العراق، ولكن هذا الحزب بإعتراف الرئيس ( لم أو لن بحسب الترجمة ) يستخدم سلاحه في لبنان . ولا أظن أني أجازف بالقول  أن حكومة الرئيس الحريري، لم ولن، ترسل فرق المقاومة اللبنانية ، إلى سورية والعراق، ولم توكل حزب الله بأن يدعم سياسياً الحكومة السورية أو العراقية أو ثوار اليمن أو البحرين  . إذن أين المشكلة ؟ لنفترض أن جماعة من المهاجرين من أصل لبناني في أحد بلدان أميركا اللاتينية، إنضموا إلى حزب سياسي وطني فيها وأن هذا الأخير لجأ إلى النضال المسلح ضد حكومتها، فهل تعتبر الحكومة اللبنانية مسؤولة عن سلوك هؤلاء المهاجرين ؟ ما هي حدود السلطة اللبنانية على الأشخاص المتحدرين من أصول لبنانية . كم هو عدد أميال تمددها الإقليمي، أرضاً وبحراً وجواً ؟
من البديهي  أن لدى الرئيس سعد الحريري  عدوّان في هذا العالم، اولهما «بشار الأسد»، المقصود هنا رئيس الجمهورية العربية السورية وثانيهما إيران. لسنا بصدد مناقشة  الأوضاع في سورية، ولكن السيد الحريري الذي من حقه أن يمتلك موقفاً شخصياً حيال أي موضوع يهمه، يعرف أن كثيرين في لبنان لا يوافقون على مواقفه، كون مصير لبنان والمنطقة في نظرهم، متعلقاً بما يجري في سورية والعراق أيضاً إلى درجة أعلى من تأثرهم بحيازة المرأة في السعودية على حق قيادة السيارة وبتدشين صالات سينما فيها !
أعتقد  أن الرئيس الحريري الذي يشير بأسلوب إتهامي إلى أن الحكومة السورية  كانت ترفض الإعتراف «باستقلال» لبنان، إنما يقفز بقوله هذا فوق التاريخ او بالأحرى يتوهم أن باستطاعته أن يمحوه، فأنا على يقين من أنه ما كان رئيس حكومة في لبنان يجرؤ  قبل الغزو الإسرائيلي في سنة 1982، أن يتفوه في بيروت بمثل هذا الكلام !
لن أطيل في الموضوع السوري، لأن ما لدينا من معطيات مثبتة تدحض بشكل قاطع، سرديات السيد رئيس الوزراء . وفي السياق نفسه، أعترف بأنني لم أفهم ماذا يعنيه هذا الأخير عندما يقول « لا أقبل أن يشارك حزب سياسي لبناني في مناورات تخدم مصالح إيران» . لا أدري ما إذا كانت ترجمة هذه الجملة الأخيرة متفقاً عليها، حيث أنها تفتح المجال امام تفسيرات تذهب في أكثر من اتجاه حول «مشاركة حزب سياسي ذي مرجعية دينية ومذهبية معروفة، في مناورات دولة كمثل إيران تتخذ نفس المرجعية الدينية  المذهبية». اذاً لا تقتصر القيود التي أحضرها السيد رئيس الوزراء على منع حزب الله من استخدام السلاح في لبنان و»في أماكن أخرى»  وإنما يشمل المنع أيضا السياسة والمناورات السياسة  !
من الطبيعي ألا أوغل في الكلام عن هذا الموضوع . ولكن ما أود قوله أن قراءة نص هذه المقابلة تركت لدي إنطباعاً مفاده، أن الرئيس الحريري لا ينأى بنفسه بما هو ممثل لتيار سياسي عن المشاركة في مناورات حكام السعودية والخليج في لبنان وسورية والعراق ، بالرغم من أن هذه المناورات هي بإدعاء  البعض ضارة بمصالحهم، كما لمحنا إلى ذلك أعلاه، وبالتالي فلا عجب في أن يواصل هؤلاء اللبنانيين المتضررين، المشاركة في مناورات الحكومات السورية والعراقية والإيرانية، دفاعاً عن وجودهم وحتى لا يقرر مصيرهم، جميع  المنخرطين في الحرب على سورية . أخيراً  لقد أدهشني قول الرئيس الحريري «السوريون لديهم بلاد، ليسوا كمثل الفلسطينيين» ! «يلعن أبو الترجمة»..

:::::

“الديار”

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.