لا تفاصيل في الوضع السوري

د. ليلى نقولا الرحباني

 

طغت أحداث اليمن والحملة السعودية فيها على الأخبار السورية وما يحصل من قتال ضارٍ، سواء بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، أو بين المجموعات المسلحة بعضها مع بعض، خصوصاً عند الحدود الجنوبية، وقد يكون اللافت للنظر، وفي خضّم هذه الفوضى وحرب الكل ضد الكل، وخلط الأوراق في المنطقة، بعض الأمور التي لا يمكن اعتبارها تفاصيل أو مواقف عرَضية، ونذكر منها ما يلي:

1- الدعم الواضح والكبير الذي تتمتع به المجموعات المسلحة في الشمال السوري من قبَل تركيا، بل وقدرة الأتراك على جمع المعارضات المتعددة والمتباينة الأهداف والمنطلقات في تلك المنطقة، لكسب بعض المناطق السورية وإسقاطها عسكرياً، وليس أدلّ على استمرار الأتراك بسياستهم وعدم اكتراثهم بكل القرارات الدولية التي تمنع تمويل وتسهيل مرور السلاح والأموال إلى الإرهابيين في سورية، إلا القضية التي أثيرت في تركيا، بعد توقيف 17 جندياً تركياً اتُّهموا بضبط شحنة من الأسلحة، كانت آليات تابعة لوكالة الاستخبارات التركية تنقلها إلى المجموعات المسلحة في سورية، ووُجِّهت إلى الجنود “تُهم الانتماء إلى منظمة إرهابية، والعمل لحساب دولة موازية”، أي إلى مجموعة الداعية فتح الله غولين.

2- مقابل الوضع في الشمال السوري، تشهد المناطق الجنوبية من سورية وضعاً مغايراً، إذ تتجه الأوضاع في درعا إلى الانفجار بين “جبهة النصرة” ومجموعات مسلحة أخرى، بدعم من غرف العمليات في الأردن، والتي تتخوف من انتشار وتوسّع “جبهة النصرة” على الحدود الجنوبية مع الأردن، وقد تخرج عن السيطرة في أي وقت، خصوصاً بعد رفضها لفك ارتباطها مع “القاعدة”. كما يلاحظ موقف متقدم للملك الأردني، الذي اعتبر أن محاربة تنظيم “داعش” لها أولوية على محاربة النظام السوري، معتبراً أنه يجب إعادة تعريف ما هي “المعارضة المعتدلة”، و”إيجاد أشخاص في الداخل من أجل التوصل إلى حل سياسي”.

3- تأكيد قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي أن إيران لن تتخلى عن أي من حلفائها، وأنها لا تفاوض الغرب سوى على برنامجها النووي الخاص، وفي هذا ردٌّ مباشر على كل التسريبات التي تحدثت عن أن إيران تخلّت عن النظام السوري في سبيل تفاهمها مع الغرب، “وباعته كما باعت المالكي من قبل”، وأن المؤشر على ذلك سقوط بعض المدن بيَد المجموعات المسلحة عشية توقيع الاتفاق – الإطار بين الإيرانيين والغرب.

4- عودة الضغوط على أوباما لاتخاذ موقف حاسم بالتدخل في سورية، أو على الأقل لإحراجه في موضوع الكيميائي السوري والنفاذ منه إلى إحراجه في الموضوع النووي الإيراني، وذلك بصدور تقرير لـ”هيومن رايتس واتش” يتحدث عن استعمال النظام السوري لأسلحة كيمائية في إدلب، وقد يكون هذا الاتهام موجّهاً للتصويب على الإدارة الأميركية، على اعتبار أن قبول أوباما بالاتفاق الكيمائي السوري كان خطأ، كما أن قبوله بالتفاهم النووي مع إيران هو خطيئة.

في الواقع، تعيش المنطقة فترة جنون متفلت يزداد جنوناً وحقداً وإجراماً كلما شعرت الأطراف بتبدُّل، ولو طفيف، لموازين القوى الإقليمية. الفقراء يُقتلون في اليمن، والتبرير أن السعودية تريد أن تفرض نفسها في التوازن الإقليمي من البوابة اليمنية، ويجري حديث عن مفاوضات لتوحيد القوى التركية السعودية ضد سورية، وفيه خدمة لتركيا، وإيران تسير مسرعة نحو الانفلات من العقوبات المفروضة عليها، ويبقى الخاسر الأكبر عالم عربي قد لا تقوم له قائمة بعد مضي عقود من الاقتتال والفوضى.