التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

رئيس التحرير: د. منذر سليمان

نائب رئيس التحرير: جعفر الجعفري

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن،  

 

المقدمة

اشتدت الحملة الانتخابية بعد فوز مؤزر للمرشح دونالد ترامب، مطلع الاسبوع الماضي، رافقها تعاظم الجهود المناهضة له داخل الحزب الجمهوري عينه. كما حصدت مرشحة الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، فوزا ساحقا على منافسها بيرني ساندرز ولوحظ تخليها عن لهجة “متعالية واستبدالها بلغة التقارب والعمل الجماعي الموحد.

        دشن ترامب فوزه في جملة ولايات متوازية بالاعلان عن نيته القاء خطاب موسع خاص بملامح وآفاق سياساته الخارجية.

        سيستعرض قسم التحليل خطاب ترامب وسبر اغوار اهم محطاته بعيدا عن المصطلحات التقليدية بعظمة وامتياز الولايات المتحدة، وايضا في سياق تصريحاته السابقة المتكررة، التي بمجملها شكلت مؤشرا، كما نعتقد، على احياء سياسة خارجية قديمة تستند الى سيادة التبادل التجاري الاميركي، او الميركنتلية؛ ومزجها مع مواقف تغذي النزعة الوطنية الاميركية للتميز في ظل مشاعر الاحباط والغضب لدى قطاعات واسعة من الشعب الاميركي من اداء النخب الحاكمة.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

ترامب والسياسة الخارجية

        استعرض معهد المشروع الاميركي خطاب المرشح دونالد ترامب، الاسبوع الماضي، حول رؤيته لعناصر السياسة الخارجية الاميركية “المقبلة،” وخاصة فيما يتعلق بقضايا “الشرق الاوسط.” واوضح ان ما جاء في الخطاب “يخلو من عناصر محددة لما تنوي ادارة ترامب (المقبلة) العمل على ترجمة ما ورد فيه.” واعاد الى الاذهان الحكمة التقليدية بأن “الشيطان يكمن في التفاصيل، التي لن نرى تجسيدها الا اذا فاز” ترامب بالمنصب.

http://www.aei.org/publication/trumps-foreign-policy-speech-the-devils-in-the-details/

سوريا

        اعاد معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى محور النقاش حول سوريا الى ما اسماه “تكاليف خيار عدم توجيه ضربة لسوريا .. بعد تجاوزها للخط الاحمر،” بالزعم ان التفاهم الروسي الاميركي حول سوريا “لم يؤدي لتعزيز القواعد الدولية ضد استخدام الاسلحة الكيميائية، او تصدٍ فعال من قبل الولايات المتحدة.” واستشهد بتصريح ادلى به المنسق الرئاسي السابق لسياسات الشرق الاوسط، فيليب غوردون، الذي طالب بلاده “اللجوء الى الخيار العسكري ردا على تخطي الرئيس السوري بشار الاسد الخط الاحمر.” واعتبر المعهد ان عدم لجوء اوباما لتوجيه ضربة عسكرية يعد بمثابة “حالة مدمرة لمصداقية الردع .. او انها تصريح مرتجل  لهواة” في السياسة. واضاف ان عدم المضي ينتفيذ التهديد “له كلفته ايضا .. (أهمها) الضرر الذي لحق بمصداقية الولايات المتحدة، كما حذر سابقا وزير الخارجية جون كيري.” وزعم المعهد ان “تراجع اميركا (في سوريا) .. ادى الى نتائج مشكوك بها بكلفة عالية،  وقد يكون عاملا في قرار الرئيس الروسي التدخل في سوريا.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/red-line-revisited-the-costs-and-benefits-of-not-striking-syria

السعودية

        استعرض معهد ويلسون زيارة الرئيس اوباما للرياض في سياق مؤتمر قمة دول مجلس التعاون بحضوره ومشاركته، وانعكاساتها على “حلفاء اميركا في المنطقة،” معتبرا انه دشنت “نهاية مرحلة درامية لمشهد مسلسل اعلامي بين اوباما ونتنياهو استمر ثماني سنوات تقريبا.” ورجح المعهد ان نقطة الخلاف بينهما كان “الاتفاق النووي مع ايران .. والذي يبدو ان نتنياهو رضخ له كما يعتقد.” واعرب عن اعتقاده بأن هدف نتنياهو ابرام مذكرة تفاهم استراتيجية جديدة مع واشنطن، لمدة عشر سنوات “من المرجح ان تشهد انجازا العام الجاري.” واضاف المعهد ان سياسات الرئيس اوباما “خلفت وراءها ثلاثة من اهم حلفاء اميركا في المنطقة، اسرائيل ومصر والسعودية، في اسوأ حال منذ تسلمه” مهامه الرئاسية “في الوقت الذي تحسنت فيه علاقاته مع خصوم الأمس – ايران.” وحث الادارتين الاميركيتين، الحالية والمقبلة، على تصحيح مسار العلاقة مع الاطراف الثلاثة المذكورة “على الرغم من ثغراتها.”

https://www.wilsoncenter.org/article/term-waning-barack-obama-aims-to-stabilize-relations-middle-east

        حث معهد كاتو صناع القرار على فسخ علاقة الولايات المتحدة بالسعودية نظرا “لسياساتها الهدامة وزعزعة الاستقرار التي تتبعها في المنطقة،” مرجحا ان التأييد الاميركي لها “شجعها على المضي بسياسات مكروهة،” معتبرا ان “حربها الكارثية على اليمن ما كانت ممكنة دون توفر الدعم التقني الاميركي .. التي وصفت بأنها مبدأ سلمان، والحقت اضرارا بالغة في الاستقرار الاقليمي، وامتدادا في مصالح الولايات المتحدة.” واضاف ان من شأن “التقارب الاميركي مع السعودية تقويض الدور الاميركي في الشرق الاوسط على المدى الطويل، خاصة ان استمرت السعودية في نهجها الراهن للسياسات الاقليمية وزعزعة الاستقرار.” وطالب المعهد صناع القرار ان كان “مجديا السعي لاصلاح الضرر” الراهن.

http://www.cato.org/publications/commentary/us-might-be-better-cutting-ties-saudi-arabia

        توجه معهد هدسون من العلاقة مع السعودية جاء موازيا لموقف الادارة الاميركية، بالاشارة الى ان “المملكة تعد حليفا هاما .. سيما وان اجهزة الأمن والاستخبارات الاميركية افاضت في وصف أهمية دور السعودية في تقطيع اوصال شبكة التمويل المعقدة العالمية لصالح الارهابيين.” واضاف ان وزارة الخارجية الاميركية اشارت بوضوح الى “اخفاق تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية شن هجمات داخل السعودية عائد لجهود الحكومة السعودية المستمرة .. لمكافحة الارهاب والعقيدة المتطرفة العنفية.” ومضى بالقول ان “الحقيقة التي لا غبار عليها ان الشعب الاميركي ينعم بالأمن حاليا نظرا لافشال الحكومة السعودية العديد من مخططات ارهابيي القاعدة الموجهة داخل الاراضي الاميركية .. بل ان نائب وزير المالية الاميركية لشؤون الارهاب والاستخبارات المالية، آدم زوبين، اشاد حديثا بموقف السعودية القوي ضد الارهاب.”

http://www.hudson.org/research/12434-saudi-arabia-is-a-great-american-ally

        استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى  خطة السعودية الاقتصادية الطموحة لخصخصة منشآتها العامة وتنويع مصادرها التمويلية الى جانب الموارد النفطية “وارضية لزعامة اقتصادية للسعودية في زمن لم يعد فيه النفط المورد المهيمن.” واعتبر المعهد ان اشد ما سيواجه الخطة من تحديات “ستكون قانونية .. اذ ان الدول المجاورة، ابو ظبي ودبي وقطر، تهيء للمستثمرين الاجانب نظاما لتسوية النزاعات التجارية على اساس القانون العام والتحكيم الاجنبي، بدلا من الشريعة الاسلامية التي تهيمن على الحياة في السعودية.” علاوة على ذلك “هناك تحديان سياسيان يلوحان في الافق .. الاول، طبقة رجال الاعمال والتكنوقراط السعودية المستفيد الرئيسي من (الخطة الاقتصادية)، الثاني قصور التأييد داخل العائلة المالكة للامير محمد بن سلمان .. الذي يعتبر متهورا وعديم الخبرة، خشية فقدانهم امتيازاتهم التجارية الراهنة.” واعتبر المعهد ان “الخطة الاقتصادية .. تبدو متناقضة في اعتمادها على الخصخصة الجزئية لشركة ارامكو؛ وحاجة المملكة التحلي بقدر اكبر من الشفافية حول المعلومات التي تنشرها.” واردف المعهد ان المستثمرين الاجانب قلقون ايضا على “الانخراط في الخطة المقترحة بسبب سجل المملكة في مجال حقوق الانسان .. والتي شكلت جزءا من المحادثات بين الرئيس اوباما مع الملك سلمان ونجله وكبار الامراء، الا ان العائلة المالكة قابلتها بالاشارة الى كون هذه العقوبات (مطابقة) للاسلام.”

        في سياق متصل، افادت صحيفة الوطن السعودية، 29 نيسان، ان مجموعة بن لادن الاقتصادية للبناء اعلنت عن استغنائها عن 50,000 موظف.

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/saudi-arabias-challenging-plan-to-shift-from-oil

مصر

        اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان العلاقات المصرية الاميركية في “حالة توتر، بل ان اوقاتا عصيبة تلوح في الافق، (محذرا) من العواقب الناجمة عن خسارة الولايات المتحدة لعلاقة وثيقة مع مصر، وما ينبغي عليها فعله لتذليل العقبات.” واوضح ان بعض الانعكاسات السلبية ستتجسد في “الشأن العسكري، مما قد يتطلب من الولايات المتحدة الاخذ بعين الاعتبار اعتماد طرق ملتوية بديلة لنشر قواتها حول العالم، كما ستيعين عليها تعميق تعاونها الاستخباراتي مع حلفاء آخرين، وستجد نفسها امام اتخاذ سبل لطمأنة اسرائيل في حال تعثر العلاقات المصرية – الاسرائيلية من حالتها الدافئة راهنا.” كما ان عدم استقرار الاوضاع في مصر “سينعكس على الارجح سلبيا على مجموعة واسعة من حلفاء اميركا على المستويين الرسمي والشعبي .. مما يستدعي مبادرة الولايات المتحدة لجهود عناية رفيعة المستوى، بالاضافة لحاجة الولايات المتحدة الاستجابة لحالات طواريء على قدر واسع.”

http://csis.org/publication/middle-east-notes-and-comment-right-debate-about-egypt

اشار معهد كارنيغي الى توتر العلاقة بين نظام الرئيس السيسي ووسائل الاعلام “بعد شهر العسل معها الممتد لنحو 18 شهرا،” معتبرا انه يؤشر على “انقسامات جديدة داخل المؤسسة الحاكمة في مصر .. خاصة وان السيسي يعتبر سير المعلومات في اتجاه واحد، من اعلى الهرم الى اسفله، وامتعاضه من تعدد الاراء.” واوضح انه على رغم “حرص السيسي التملق لوسائل الاعلام .. لم تتبنى تلك الوسائل مبدأ الامتثال والاعتماد على راي واحد بالكامل، اي الرأي الصادر عن الدولة .. بيد ان الخطوط الحمراء (الجيش والأمن القومي) هي اكثر تشوشا مما كانت عليه في عهد مبارك.” واضاف انه مع تفاقم ازمات سياسية واقتصادية بوجه مصر “تزداد باضطراد معدلات انتقاد الحكومة، تعبر عنه ببرامج حوارية انتقادية للرئيس بصورة مباشرة تعرض في اوقات الذروة عبر القنوات الاساسية.” واردف ان من بين المحاور الانتقادية “نقل السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافي الى السعودية .. فضلا عن انتقاد الاجهزة الأمنية على خلفية مقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني.” وخلص المعهد بالقول ان “امتثال وسائل الاعلام لرغبات الحكومة بات اقل يقينا بكثير مما كان عليه قبل بضع سنوات.”

http://carnegieendowment.org/sada/?fa=63493

 

التحليل

الماركينتيلية الجديدة:

سياسة ترامب الخارجية

 

عودة للوراء

        خرج المرشح دونالد ترامب مزهوا بانتصاراته المتتالية في جولة الانتخابات التمهيدية الاخيرة، واصبح في وضع اقرب فيه من اي وقت مضى للفوز بترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية، مما حفزه بشدة لتوضيح معالم سياساته الخارجية، بشكل اساسي، لدرء اتهامات خصومه ومنافسيه على السواء بشح خبرته في هذا المجال الحيوي “وطمأـنة الاميركيين بواقعية رؤيته ونفي اتهامه بالارعن.”

        ميز ترامب توجهاته خلال السباق الانتخابي بميله “للمدرسة الواقعية” في الحزب الجمهوري، في الشق الاقتصادي والسير بحذر للتدخل الخارجي، مما اعتبرته قيادات الحزب التقليدية تحديا جديدا لنفوذها وسياساتها العدوانية. بل جدد ترامب انتقاداته لمدرسة “المحافظين الجدد .. الذين يرددون السياسات الفاشلة نفسها منذ عقود.”

        في خطابه “المنتظر،” منتصف الاسبوع الماضي، كرر ترامب شعاراته وارائه السابقة “المثيرة للجدل .. خاصة رفضه تنحية خيار السلاح النووي،” وعزمه ايلاء اعادة بناء وتسليح القوات المسلحة الاميركية باحدث انتاجات صناعات التسلح؛ وتعهده “بنفض الصدأ الذي يسود السياسة الخارجية الاميركية؛” ولازمة انتقاده وتذمره من حلفاء الولايات المتحدة، في “حلف الناتو البائد” والتوابع الاخرى، لاحجامهم عن تسديد نفقة حصتهم من دعم “الواجهة العسكرية” الاميركية ومشاركتها الكلفة في الحماية، وتحويل مهمة الحلف “من التركيز على مواجهة روسيا الى قضايا الارهاب والهجرة؛” واحتقاره للعولمة.

        استبق المحللون خطاب ترامب لتحديد معالمه واعتبار رؤيته “للعالم تبدو خليطا من الانعزالية والاستقطاع واستعراض القوة .. مع جرعة براغماتية.” بل ان ترامب “لا يبدو مستعدا لمعرفة ما لا يعرفه.”

        لخصت صحيفة نيويورك تايمز خطاب ترامب بازدراء قائلة “عندما تتوفر مطرقة لشخص ما، فانه يرى كافة الاشياء مسامير؛ وعندما تنحصر تجربة شخص ما بالعقارات، فان كل شيء امامه يبدو مفاوضات لتوقيع عقود ايجار.” واضافت “يزعم ترامب انه يعرف آلية التفاوض، وهذا يعني بمفهومه وضع الحد الاقصى من الشروط كي يستطيع الخروج من المفاوضات، وهذا توجه عقيم في السياسة الخارجية.”

        احد أهم مراكز الابحاث الاميركية، بروكينغز، عبر عن اعتقاده بعد الخطاب ان ترامب ينوي “انهاء تحالفات الولايات المتحدة في اوروبا وآسيا .. انتهاج سياسة انعزالية بقوله انه “لن يدخل البلاد في اي اتفاق يقلل من شأنها التحكم بأمورها الخاصة،” مرددا عبارة “اميركا اولا؛” ميوله لعقد صفقات (تفاهم) مع روسيا والصين .. سيما وان “الصين تمنح ترامب مزايا ملموسة على الجبهة الاقتصادية، وهو يمنحها (حرية حركة) اكبر في شرق آسيا.”

        تجدر الاشارة الى تبوأ شعار “اميركا اولا” صدارة الخطاب السياسي، لترامب وغيره، بانه يمثل عودة الى عام 1940 بتشكيل “لجنة اميركا اولا،” التي طالبت بعدم مشاركة ودخول اميركا اتون الحرب العالمية الثانية – والتي حلت نفسها بعد ثلاثة ايام من وقوع الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر.

        وزير الخارجية الالماني، فرانك فالتر شتاينماير، علق على احادية مفاهيم ترامب بالاشارة انه يتعين على الرئيس الاميركي المقبل القبول بأن السياسة الأمنية في العالم قد تغيرت، “لذلك فإن مقولة اميركا اولا ليست ردا على هذا التغيير.”

الماركنتيلية اسلوب حياة

يصنف ترامب بأنه من انصار فكر التجارة الحرة، الماركنتيلية – نسبة الى التاجر الايطالي ماركنتي، التي تنظر لدور الدولة كدور رئيسي لتقوية اركان الاقتصاد ورعايته. لخص المؤرخ العربي عبد الوهاب الكيالي الماركنتيلية بانها مقياس لقوة الدولة بما لديها من معادن نفيسة (ذهب وفضة – في عصور القرن السادس عشر) وليس في قدرتها على انتاج السلع والخدمات. وعليه، يطالب انصار التوجه المذكور بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، توجيه الاقتصاد، بهدف تحقيق فائض في ميزان المدفوعات، مما يستدعي منح مزايا للصادرات وفرض حماية جمركية على الواردات، وبناء جيوش قوية.

        في هذا الصدد، حث ترامب، الممثل الاوفى للاحتكارات الاميركية الكبرى، الجمهور الاميركي على عدم الاستكانة والتسليم بسياسة العولمة، وان “اميركا لن تدخل طرفا في اي اتفاق يقلل من قدرتها على ادارة شؤونها .. اذ ان الدولة الوطنية تبقى الاساس الحقيقي لتوفير السعادة والازدهار.”

        يفاخر ترامب بنجاحاته وانجازاته الاقتصادية، كرجل اعمال نافذ في قطاع العقارات بالغ المنافسة في اسواق نيويورك، والذي عنوانه المال الوفير واقصى معدلات الربح، بصرف النظر عن أحقية الآليات المتبعة.

        مفهوم او مذهب الماركنتيلية يغذيه الشعور القومي، وهو ما فطن له ترامب مبكرا ليستغله في كسب شرائح اجتماعية كانت مهمشة في معظمها.

        تستند الماركنتيلية، الاحتكارات التجارية، الى توسيع رقعة التبادل التجاري على المستوى العالمي لتحقيق اكبر قدر من الارباح والفوائد الاقتصادية، والحد من انتقال رؤوس الاموال الداخلية الى الخارج. تلك كانت عناوين ثابتة في خطابات ترامب والتي تفسر مدى شعبيته في صفوف الجمهور الانتخابي.

        السياسات الماركنتيلية، الساعية وراء فتح اسواق جديدة وتراكم الثروة، ادت للحروب والتوسعات الاستعمارية من اوروبا القديمة ومستعمراتها الاميركية.

        الاب الروحي للاقتصاد الاميركي “الحر،” جون ماينارد كينز، كان من اهم اعمدة مؤيدي السياسة الماركنتيلية “لحفز الانتاج وتشجيع الاستهلاك،” والزعم ان تلك السياسات ستؤدي لتطوير الاستثمارات المحلية والاجنبية.

خطاب غوغائي مليء بالتناقضات

        شبه اجماع في المؤسسة الاميركية الحاكمة، ديموقراطيين وجمهوريين، بأنه “لو فاز ترامب فسيكون رئيسا كارثيا.” المقصود في الشق “الكارثي” هو ابتعاده عن سياسة المواجهة، مع روسيا والصين، وترجيحه سياسة التفاهم والاحتواء، وقد يسميها البعض سياسة الانكفاء.

        كان من الطبيعي ان يلقي ترامب سهام انتقاداته نحو الرئيس اوباما واركان سياساته الخارجية، هيلاري كلينتون وجون كيري، وفي كل المحافل والاتجاهات، لا سيما في الحرب الدائرة مع “الاسلام الراديكالي .. الذي لا يسميه الرئيس اوباما كذلك،” موضحا ان احتواء تلك الظاهرة “ينبغي ان يتصدر اولويات السياسة الخارجية .. وانظروا للاعداد الكبيرة من المهاجرين المتهمين بالارهاب.” وزعم ترامب ان ادارة الرئيس اوباما لازمات الشرق الاوسط “تركت ارثا من الضعف والبلبلة والفوضى .. (وانه) سيكون اكثر صرامة في التعامل مع ايران التي برزت كقوة (اقليمية) عظمى على حساب اسرائيل.”

        اما منافسته السيدة هيلاري كلينتون فقد رمى سهامه باتجاهها محملا اياها مسؤولية الهجوم الدموي على القنصلية الاميركية في بنغازي ومقتل السفير الاميركي لدى طرابلس، كريس ستيفنز، والتي “تجسد فشل سياسات ادارة الرئيس اوباما في اظهار عناصر القوة الاميركية حول العالم.” واضاف ان “الاهداف الاميركية في الشرق الاوسط ينبغي ان تكون هزيمة الارهابيين وتعزيز الاستقرار الاقليمي، وليس التغيير الجذري” للانظمة الوطنية.

        بالمقابل، ارتكب ترامب خطيئة كبرى بانتقاده الرئيس السابق جورج بوش الابن في العراق، الأمر الذي لم تدعه الماكينة الحزبية يمر مرور الكرام، مذكرا مرارا بصوابية موقفه من معارضة العدوان على العراق قائلا “شن الحرب والاعتداء لن يشكلا الخيار الغريزي الاول بالنسبة لي،” متعهدا باللجوء للبديل العسكري ونشر القوات البرية كخيار اخير، ومطمئنا “اصدقاءنا وحلفاءنا بان اميركا ستعود قوية مرة اخرى، وجديرة بالاعتماد عليها.”

زيف “عقيدة ترامب”

        جملة شعارات منتقاة، بعضها بعناية كبيرة، تدغدغ عواطف الجمهور لا ترتقي لمستوى “عقيدة او مفاهيم” يمكن البناء عليها. واستنكر عدد لا باس به من اقطاب السياسة الخارجية “عقيدة ترامب،” التي تفتقد لعناصر الرؤى الاستراتيجية والمصداقية.

        الناطق بلسان وزارة الخارجية الاميركية، جون كيربي، طمأن الصحافيين بأن “قادة العالم ليسوا قلقين من (تصريحات) ترامب” النارية،” (24 نيسان الجاري).

        عرّف ترامب عقيدته بنفسه قائلا “.. انها القوة، انها القوة. لا أحد سيعبث بنا. قواتنا العسكرية ستكون الاقوى.”

        عقيدة ترامب، مجازا، عبارة عن اعادة انتاج لقيم المحافظين وتشبثهم بالوطنية والمواطنية، ووجدت تجلياتها لدى العديد من الزعماء السياسيين في العقود الماضية واسست لصعود الفاشية والنازية.

تطبيقات “عقيدة ترامب”

صدم ترامب المراقبين بتصريحه يوم 30 آذار متعهدا في حال فوزه بالانتخابات “سيسحب القوات الاميركية من كوريا الجنوبية واليابان، وسيسمح للبدين بتطوير اسلحة نووية.” وسارع البيت الابيض بانتقاد تهوره قائلا عبر نائب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، بن رودس، بأن “السياسة الخارجية الاميركية، وعلى امتداد 70 عاما تركزت على منع انتشار الاسلحة النووية .. واي تغيير في ذلك الأمر سيكون كارثيا على الولايات المتحدة.” (31 آذار 2016)

        بيد ان “تهور” ترامب لم يأتِ من فراغ، ويعززه تنامي نزعة اقلاع الجمهور الاميركي عن الانقياد السريع وراء التدخل العسكري الاميركي في الخارج، والتساؤل عن الحكمة من الابقاء على معدلات التدخل العسكري الراهنة، اضافة لطبيعة الحلفاء الذين تنتقيهم واشنطن.

        يشير البعض الى ان جمهور ترامب من المؤيدين ليسوا بالضرورة من الملتزمين بالحزب الجمهوري، بل ان جزءا لا بأس به وخاصة الفقراء، يعارض او غير متحمس على الاقل، لاتفاقيات التجارة الحرة او تعديل مزايا برامج الدعم الحكومية، ولا يبدون حماسا زائدا لسياسة الحزب الجمهوري في تجريم الاجهاض، فضلا عن عدم رضاهم عن مغامرات التدخل العسكري التي، باعتقادهم، حرمتهم من التمتع بالاطمئنان والرفاهية لمستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي. بل وتوسعت مدارك تلك الشريحة في المجتمع الاميركي بمطالبة كبار الرأسماليين والسياسيين الوفاء بتعهداتهم والمساواة الضريبية التي يتهربون منها.

        في الشق العملياتي، يراهن البعض على ترامب وقدرته على “تحديث” الماركنتيلية لتتجاوب مع متطلبات وتحديات القرن الحادي والعشرين، لا سيما وان دولا كبرى مثل الصين تتطلع لسيادة الجانب الاقتصادي في السياسة الخارجية، بل ستشكل محور اجتذاب التأييد من قوى ومراكز اقتصادية اميركية متعددة وتمنحها فرصة افضل من سياسة اوباما الحالية.

        لو اتيح له ذلك، وفق مؤيديه، في البعد السياسي سيكون بمستطاع ترامب “ليس اعادة اللحمة الى صفوف الحزب الجمهوري فحسب، بل ارساء الأسس السياسية للفوز بانتخابات عدة مقبلة.”

فريق ترامب للسياسة الخارجية والأمن القومي – لتاريخه:

        كيث كيلوغ: عسكري سابق في صفوف القوات البرية؛ ترأس احدى كبرى الشركات الاستشارية للبنتاغون، كاكي، لغاية عام 2009، والتي تورطت في اساليب تعذيب المواطنين العراقيين في سجن ابو غريب.

        كارتر بيج: مدير استثمارات مصرفية، حذر حديثا من انكفاء عدد من الدول عن التعامل مع الولايات المتحدة ان استمرت في لعب دور شرطي العالم.

        جورج بابادوبولس: مستشار سابق في شؤون النفط والغاز لدى شركة انكليزية مقرها لندن، ومدير مركز لندن العالمي لممارسة القانون الذي ينادي بتعزيز السلم العالمي، مما يضعه بموازاة قناعات ترامب في الحذر من التدخل الخارجي.

        وليد فارس: من اصول لبنانية وعمل مستشارا لشؤون السياسة الخارجية للمرشح الجمهوري السابق ميت رومني عام 2012. واقر فارس في مقابلة اجرتها معه اسبوعية ماذر جونز، 2011، ان له علاقات ودية مع الميليشيات اللبنانية، لا سيما القوات اللبنانية، التي ارتكبت العديد من المجازر وجرائم الحرب في لبنان. واحجم فارس عن التعليق على المقابلة المذكورة. ويشغل فارس منصب محاضر في جامعة الدفاع الوطنية بالعاصمة واشنطن، اضافة لحضوره المستمر على شاشة فوكس نيوز.

        جوزيف شميتز: شغل منصب المفتش العام في البنتاغون، 2002-2005، خلال فترة الاعداد للعدوان واحتلال العراق. اتهم شميتز بتلقي “هدايا ثمينة” خلال منصبه مما يعد انتهاكا للارشادات الاخلاقية المنصوص عليها، واضطر للاستقالة عام 2005، منتقلا لشركة بلاك ووتر، سيئة السمعة.

        غاري هاريل: عسكري محترف في قوات الجيش وخدم في كل من العراق وافغانستان، قدم استقالته عام 2008 من منصبه كمدير في قيادة القوات الخاصة بالجيش الاميركي.

        تشاك كوبيك: مسؤول رفيع سابق في سلاح البحرية الاميركية، وخدم في العراق كقائد لوحدة الانشاءات البحرية.        يمتلك كوبيك مكتب استشارات هندسية لصالح الحكومة الاميركية ومشاريعها في بعثاتها الديبلوماسية في كابول وكراتشي وبانكوك.

        بيرت ميزوساوا: افضل مستشاري ترامب المخضرمين في الجانب العسكري، والحائز على الميدالية الفضية، ثالث اعلى تكريم عسكري عن خدمته ابان الحرب الكورية.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

الموقع: www.thinktankmonitor.org

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com