هل يرفع الكيان الصهيوني حدة التوتر استعدادا للهجوم المرتقب؟

محمود جلبوط

لأنّه زُرع في فلسطين وسط الوطن العربي بمثابة هراوة في يد المصالح الاستعمارية الغربية وسيفا مسلطا على رأس هذا الوطن ليرهب به كاراكوزاتها الكولونيالية من حين لآخر لكي لا تنسى أن رقبتها في قبضته، وليشهرها دائما في وجه من تسوّل له نفسه من صعاليك المنطقة، أمثالي، لمقاومة هذه المصالح، يلوّح الغرب بها كلما احتاج أن يعربد على أحد في شرق متوسطنا الجميل.

فهل حانت ساعة الحرب العدوانية القادمة ضد إيران وحلفائها المقاومة اللبنانية والفلسطينية وسوريا لكي يستنفر الغرب الامبريالي اليوم كلّ زعرنة الكيان الصهيوني في لبنان وقطاع غزة في ظلّ استعدادات الهجوم القادم ؟

فالكيان لا يكذّب خبرا إن تلقى الأوامر (لأنه مفعم بالعدوانية وشهية القتل)، فلقد أخذ ومنذ مدة قصيرة يرفع حدة لهجته العدوانية ضد سوريا ونظامها ولبنان ومقاومته، واستأنف قصفه الجوي على قطاع غزة، وكثفت مقاتلاته الجوية في الأيام القليلة الماضية خرقها للأجواء اللبنانية من خلال طلعات استفزازية مكثفة وغارات وهمية، ثم جاء مؤخرا الاشتباك الأخير مع أفراد الجيش اللبناني في منطقة العديسة.

هل تأتي الأحداث الأخيرة يا ترى في إطار التحمية لشن المعركة كما تعوّد هذا العدو دائما عبر تدريب جنوده الصهاينة بالاشتباك إما في فلسطين أو لبنان لجس نبض المقاومة.

لم يتعظ الكيان على ما يبدو من الدرس الذي لقنته له المقاومة اللبنانية مرتين: في تحرير لبنان عام 2000 وفي حرب تموز 2006، وبشكل نسبي المقاومة الفلسطينية في غزة عام 2008، أم يبدو أن لا حيلة للعدو أمام متطلبات الرأسمال الصهيوامبريالي التي لا نعتقد أننا نبالغ إن قلنا أن وجوده زرعا خبيثا في المنطقة العربية كان من أجل إبقاء المنطقة بمجملها متوترة، وليثير فيها من حين لآخر ” فوضى خلاّقة” كشرط موضوعي لاستهلاك قدراتها وتهيئة أجوائها لرأس المال الامبريالي لنهب ثرواتها، وهو اليوم لا يرفع وتيرة التوتر ويزيد من قرقعة سيوفه محتميا بالقبة الحديدية كما يزعم إلى جانب ترسانته النووية سوى استمرارا لهذه السياسة. والسؤال: هل الاعتداء الأخير على لبنان هو إعلان حرب أم الأمر يقتصر على تسخين الأجواء وتوتيرها وتهيئتها بانتظار القرار الظني الذي سيصدر عن “المحكمة الدولية” الخاصة بمقتل الحريري والذي من المتوقع أن يوجه اتهاما لحزب الله لتبقى المنطقة واقفة على رؤوس أصابعها؟

في كل الأحوال فإن جديد الموضوع الذي أردنا إثارته في مقالتنا هذه، هو أنها المرة الأولى منذ حرب تشرين 1973 يتجرأ جندي عربي في جيش عربي التصدي للصلف الصهيوني ويطلق النار على جنوده لأنهم خرقوا حرمة حدوده الوطنية، وخاصة من جيش تصور العدو أن تركيبته ما زالت تركيبة حزب الكتائب والقوات اللبنانية التي وقعت معه اتفاق 17 أيار أيام حكم بشير الجميل.

ونضيف أيضا، وتحت تأثير الهزيمة الوحيدة التي تعرّض لها هذا الكيان على يد المقاومة التي أتته من الحيز الجغرافي نفسه، ولأول مرة أيضا، لا يوحّد نفير حربه مجاميع الصهاينة كما تعوّدوا دائما في ظلّ اعتداءاته السابقة التي شنها، وعلى غير العادة ارتفعت بعض أصوات الصهاينة متحفظة على مهمة من مهماته الوظيفية مستفسرين إن كانت هذه الحرب في خدمة المصالح الصهيونية البحتة أم هي كمثيلتها السابقة عام 2006 في خدمة مصالح أمريكا ” لولادة شرق أوسط جديد “، ويثيرون تساؤلات إلى ما ترمي إليه سياساته التوتيرية.[1]

ومن نتائج الحرب على غزة جاء تقرير اليهودي غولدستن في الأمم المتحدة إلى جانب العديد من الشخصيات اليهودية، والتي اعتادت الدفاع عن الكيان دائما، اتهمته في حربه الأخيرة على غزة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية و”بخرق القواعد العامة للحروب”.

حرب كلامية

بدأ تصعيد التوتر الصهيوني مع بيان وزير الدفاع الصهيوني ايهود باراك، الذي يمكن اعتباره إعلان حرب شاملة على شرقنا المتوسط (على الوطن العربي وإيران وبنسبة أقل تركيا)، مستعيضا عن الكلام السابق عن السلام مع سورية خلال المحادثات الغير مباشرة تحت الرعاية التركية.

ولم يتأخر الرد من دمشق طويلا فقد صرّح الرئيس السوري أن “إسرائيل” ليست جادة بإقامة السلام بعد فأوقفت المفاوضات الغير مباشرة معها، وعلّق الرئيس السوري شخصيا للإعلام أنّ “كل الوقائع تشير أن “إسرائيل” تدفع المنطقة نحو حرب وليس السلام”. ثم حذر وزير الخارجية السوري “إسرائيل” بألاّ تستخف بقدرة الرد السوري وألا يغيب عن بالها بأنها ستكتوي بنيران الحرب القادمة إن شنتها وستطال النيران المدن “الإسرائيلية” أيضا فأجابه ليبرمان بعبارات أشد: ” يجب أن تكون رسالتنا واضحة الى الرئيس السوري بأنك لن تخسر الحرب وحسب بل ستخسر أنت وعائلتك الحكم في سوريا”.

وفي الوقت الذي يكتفي التوتر السوري الإسرائيلي بالتعبير عن نفسه إعلاميا وبالكلام فإنه على الساحة اللبنانية يأخذ شكل اشتباكات عسكرية مباشرة بين الجيش اللبناني والصهيوني، بل توقع رئيس الوزراء اللبناني في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية هجوما صهيونيا جديدا.

لم تقتصر التوترات الصهيونية وتهديداته لبنان على الاشتباك الأخير في العديسة بل تمتد إلى الشهرين الماضيين، فقد واصلت الطائرات الحربية الصهيونية وعلى غير العادة تحليقها المكثف في الأجواء اللبنانية وتنفيذه غارات وهمية تدريبية ترهيبية ولم يعلو بسبب ذلك أي صوت لمسئول غربي احتجاجا على هذا التصعيد الخطير بينما سمعنا العهر الغربي الشامل عند اعتراض الأهالي على تصرفات قوات اليونيفل التجسسية المشبوهة لصالح العدو الأمريكي الصهيوني.

يدرك كل ذي تفكير بسيط أن ما يقوم به هذا الكيان العنصري الأزعر ماهو إلاّ تحمية متفق عليها غربيا وصهيونيا على الرغم من الاندهاش الصهيوني من رد فعل الجيش اللبناني على خرقه للحدود اللبنانية في العديسة. لماذا يا ترى هذا الاندهاش ؟ لأن ساده اعتقاد استند إلى خلفية تصرفات سابقة (تبادل بعض ضباط الجيش اللبناني شرب الشاي مع الضباط الصهاينة في اعتداءات سابقة ضد المقاومة اللبنانية) وتصور الكيان الثابت بأن جنرالات الجيش اللبناني ستتعامل معه بطريقة ما تعاملت معه رجال الكتائب من عائلة الجميل وزعران القوات اللبنانية كسمير جعجع وبشير الجميل وأمثالهما وقوات لحد على أنه جيش صديق (هذه هي الحاضن الاجتماعي الذي قصدها الأمين العام لحزب الله في خطبه الأخيرة) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الجيش الصهيوني قد تعود أن يتعامل مع جنود الدويلات العربية على أنهم عبيد وخدم لحماية السلطات الكولونيالية وكراسيها في الحكم ولم تشكل لحماية حدود الوطن، أما هو فإنه الجيش الذي تعوّد ألاّ يقهر(لغاية عام 2000 عام تحرير لبنان وما بعده عام 2006).

كل التوقعات تشير واستنادا للتغيرات الحاصلة داخل صفوف تحالف ما يسمى 14 آذار (باستثناء الحلفاء الدائمين للكيان الصهيوني من القوات اللبنانية والكتائب) إلى أنه في حالة وقوع هجوم لن يكون هناك أي اشتباكات أو انقسامات طائفية في لبنان، ولا يعتبر موقف الكتائبيين والقوات اللبنانية وبقايا اللحديين انقساما أصلا بل خيارا حرا من قبل هذه الفئات المتصهينة من زمن بعيد إلى جانب العدو، أما سعد الحريري فقد قال ” نحن نعرف انهم يتوقعون لنا ذلك ويتشوقون وقوعه (يقصد هنا الصهاينة)، لكنهم مخطئون، بل سنعمل سويا على قتال “إسرائيل””.

إن هذا ما لم تعتد على سماعه لا أمريكا ولا “إسرائيل” من إحدى أطراف “الاعتدال العربي” الحليف الثابت للمملكة السعودية وحواشيها الصديق الحميم للولايات المتحدة الأمريكية، ما تفوه به لم يعجب أمريكا وبالتأكيد لا يعجب “إسرائيل” التي اعتبرتها كلمات قوية غير عادية ولذلك فإن ” إسرائيل ” لم تكتفي في الفترة الأخيرة بتهديداتها لحزب الله بل انبرت تهدد الحكومة اللبنانية ومجمل الدولة اللبنانية.

القبة الحديدية على الحدود اللبنانية الفلسطينية

تختبر إسرائيل منذ مدة وبمساعدة أمريكية حثيثة ما يسمى “القبة الحديدية”، كنظام جديد مضاد للصواريخ، على وجه التحديد ضد إطلاق الصواريخ الصغيرة، كتلك التي تصنع محليا من قبل حماس في قطاع غزة والصواريخ التي بحوزة حزب الله في لبنان، إنها صواريخ صغيرة موجهة عن طريق رادار يمكنها التحليق داخل دائرة نصف قطرها من 5 إلى 70 كم عند تبادل لإطلاق النار.

لم يكن مخططا “للقبة الحديدية” أن تتصدى للصواريخ القادمة من غزة بل كان مخططا لها أن تنشر على طول الحدود شمالا مع لبنان حيث المقاومة اللبنانية هناك في حالة تأهب قصوى وقد أعطت تعليماتها لكوادرها أن تتوخى الحذر ضد أي هجوم صهيوني. وقد أكّد عمار الموسوي، وهو خبير في العلاقات الدولية لحزب الله، لمبعوث الأمم المتحدة مايكل وليامز عن استعداد الحزب للتصدّي لكل أشكال العدوان “الإسرائيلي”.

يقدّر الخبراء الترسانة الحالية لحزب الله من الصواريخ بأكثر من 40000 صاروخ، يضاف إليها صواريخ دفاع جوي جديدة، ونقلت وكالات الأنباء العالمية أنه قد زوّد في الآونة الأخيرة عن طريق سوريا بنوع آخر من صاروخ ام 600 وهو نسخة من نوع الفتح 110 الإيراني، يستطيع أن يطال أيّ منطقة في فلسطين لم ينف الحزب هذه الأخبار ولم يؤكّدها مدرجا ذلك ضمن الحرب النفسية.

وكان قد اتهم وزير خارجية العدو ليبرمان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بأنه “رهينة في يد حزب الله”، وبأن الحزب يمارس حق النقض على أي قرار لا يساير مصالحه في مجلس الوزراء اللبناني، ووجه اتهاما لحزب الله بقتل والده رفيق الحريري. وردّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على ما أدلى به ليبرمان بأنها محاولات يائسة من قبل “إسرائيل” لإثارة الفتنة في لبنان.

قلق حول اندلاع صراع جديد في لبنان

يتنبأ معظم المحللين من سياسيين وصحافيين وسواهم، أن أمريكا والكيان الصهيوني قد أعدّتا طبخة دموية ضد لبنان في سياق الحرب القادمة قد صاغوا سيناريو لها مسبقا وتنتظران فقط تحديد ساعة الصفر، “حرب معدة مسبقا ” كما صرّح الدكتور هلال خشان من الجامعة الأمريكية في بيروت. فمن الممكن “لإسرائيل” توجيه ضربة وقائية ضد حزب الله للحيلولة دون متابعته تسليح نفسه وتقوية قواعده العسكرية ودشمه، ستكون ” حرب مدمرة ” كما يتوقع المحللون الحريصون والشامتون على حدّ سواء، ويقولون أيضا أن لا مفر منها وهي قادمة لا محال في الأشهر القليلة القادمة ربما بانتظار صدور القرار الظني باتهام حزب الله بمقتل الحريري وتأثيراتها على المجتمع اللبناني، ويشار إلى تأكيدها سلسلة من القرائن على رأسها إخلاء “إسرائيل” للمستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية. ووفقا لتقارير المخابرات المسربة فإن الكيان الصهيوني قد أعدّ خطة لإنشاء منطقة أمنية عازلة بعرض 5-6 كم على طول الحدود بينه وبين لبنان سينفذها إن تمكّن من احتلال جنوب لبنان في الحرب القادمة، وقد تسرب أيضا للدوائر الغربية ( وقد نشرت ذلك بعض الصحف الألمانية ) بأن وزارة الدفاع الصهيونية قد خططت مسبقا لبناء اثنين من المطارات العسكرية في هذه المنطقة الأمنية العازلة، وكما كانت عليه الحال مع الهجوم الذي شنه الكيان الصهيوني عام 2006 على لبنان يخطط أيضا في هذه الحرب القادمة كمرحلة أولى أن يستخدم سلاح الجو الصهيوني سياسة الأرض المحروقة وانتهاج عملية تفجير المنطقة على نطاق واسع لتدمير أكبر عدد ممكن من مخابئ الأسلحة ومعدات الاتصالات ثم وبعد ذلك سينفذ ولأول مرة عمليات إنزال قوات محمولة جوا خلف خطوط حزب الله ليعطل فاعلية قواعده في الجنوب ووادي البقاع وقبالة بيروت والتنسيق المشترك فيما بينها مستفيدا من تجربته السابقة في حرب تموز 2006، وينبغي أن تنفذ هذه العملية وحسبما يخطط العدو في حال اندلاع الحرب خلال بضعة أسابيع فقط، وتذكر هذه التقارير المخابراتية في نفس السياق بأن خطة العدو الصهيوني تستدعي لتحقيق ذلك استنفار 60 % من سلاح جوه بوضعه على أهبة الاستعداد القصوى منذ اليوم الأول المفترض لشن هذه الحرب لتحويل البنية التحتية اللبنانية إلى ركام ودمار شامل. أما توفير ما تبقى من سلاح الجو فالقصد منه هو ضرب سوريا إن فكرت بدخول هذه الحرب، وبالمقابل فإن بعض التقارير الصحفية قد ذكرت في الأسابيع الماضية بأن سوريا قد استدعت بعض قواتها الاحتياطية.

ونحن نسأل بدورنا هل أجدت سابقا هذه السياسة العسكرية التدميرية للعدو في لبنان ضد المقاومة اللبنانية؟ وهل أجدت في غزة؟ بل هل أجدت في العراق وأفغانستان من قبل سيّده العدو الأكبر التحالف الغربي بقيادة أمريكا الأكثر تدميرا وعدوانية وإجراما في مواجهة مقاومة عراقية محاصرة عالميا وكل جيرانها يتآمرون عليها حتى أهلها وإخوانها من العراقيين؟ وهل أجدت في أفغانستان ضد مقاومة لا تقلّ ظروفها صعوبة عن مثيلتها العراقية في مواجهة تحالف غربي أشمل؟

في حال فوز حزب الله وإيران في هذه الحرب المقبلة

أحد سيناريوهات الحرب أن لا يتمكن العدوان الصهيو-أمريكي تحقيق مآربه في حربه القادمة كما حدث تماما في حرب تموز 2006، وهذه في الحقيقة قناعة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وهي إرادة قد صرّح بها في خطاباته الأخيرة، بل ذهب أبعد من ذلك وتحدّى العدو الصهيوني إن كان قادرا على تحقيق انتصار عليه، وتنبأ بانتصار من شأنه أن يغيّر وجه المنطقة، وهو قد فعلها عندما حرر رجال المقاومة أرض الجنوب من الجيش الصهيوني دون أي شروط أو توقيع أي اتفاقيات مذلة حاول الكيان الصهيوني عقدها مع حلفائه في التيار الكتائبي والقوات اللبنانية زمن استلام بشير الجميل الرئاسة اللبنانية عام 1983، كما حدث لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في ظلّ رعاية الخنوع العربي العام واستباحة هذا الجيش الصهيوني لغرف نومهم.

صحيح أن السيد نصر الله معروف بلغته الخطابية الفذة وبإتقانه مناورات الدعاية الإعلامية، إلاّ أنه لم يعهد عنه إعطاء الوعود الفارغة (فالعدو يطلق عليه اسم الصادق)، فقد صدق أكثر من مرة بوعوده للشعب اللبناني والعربي عند تحرير الجنوب وإفشال أهداف حرب 2006، وتحرير الأسرى (ألم يقل “والله لو أتت كل جيوش العالم على أن تحرر الأسيرين الصهيونيين بالقوة العسكرية لما استطاعت ولن يتم تحريرهم إلاّ عبر مفاوضات غير مباشرة لتبادل للأسرى”، وهكذا كان)، أمور يتصورها الكثير أنها باتت مستحيلة في ظلّ خنوع عام للمطبعين مع هذا الكيان الصهيوني والداعين للتطبيع معه من مثقفين وسياسيين، يساريين متصهينين أو يمينيين أو لبراليين أو رجال دين، ممن استمرؤوا الخنوع، أنظمة عربية وقيادات فلسطينية كانت تسمي نفسها يوما مقاومة قد تلقت ومازالت تتلقى دعما ماليا وبشريا وعسكريا ومعنويا أكثر مما تلقى حزب الله بالكثير الكثير ولكنها لم تبني كحزب الله مقاومة حقيقية بل استخدمت مالها لتضليل وإفساد المناضلين وتطويعهم واستزلامهم واغتيالهم إن لم تستطع، استعملته ومازالت في تخريب ضمائر الناس ولإفساد المواطنين وابتزازهم ولصهينة المجتمع الفلسطيني والعربي.

البعض يستهجن ويستغرب تحدي نصر الله لتلك القوة العاتية العظمى وإيمانه بالنصر عليها، وينظر إلى أمنياته وآماله وإرادته على أنها: إما وعود مستحيلة أو أنها تنبع من رجل مصاب بجنون العظمة، مسقطا هذا البعض من حسابه عن قصد أو عن غير قصد حكم التاريخ الذي لا ولم ولن يخطئ عندما حقق حتميته على يد شعوب تسلحت بالإرادة والتصميم والعزة وبذلت الغالي والنفيس في غمار حروبها التحررية ضد استعمار عات وامبراطوريات جائرة، قديما وحديثا ولاحقا، ويتغافل هذا البعض عن المآل الذي انتهى إليه كل مستعمر في التاريخ.

بإرادة الشعوب وتصميمها على التحرر، وبتوفر قيادات مؤمنة بالنصر ومفعمة بالأمل والحلم متطلعة للحرية والعدل والخلاص ينهزم العدو، أي عدو مهما عظمت قوته وكثر بطشه.

أمّا بالنسبة لإيران فيمكن للمرء أن يلاحظ ما يلي:

بعيدا عن تنبؤ الرئيس الإيراني بزوال الكيان الصهيوني وتحذيره من مغبة أي نزاع مسلح مع إيران لأنها ستكون بالنسبة له النهاية، وإعراب الرجل الأول في إيران آية الله علي خامنئي عن ثقة مماثلة وبأنه ليس قلقا بشأن المستقبل وإن حاول الكيان العدوان على إيران فستكون نهايته وشيكة، إلاّ أنّه لا يمكن غض الطرف عن المشاكل السياسية، ما بين الأحزاب والقوميات والأقليات الدينية والمذهبية، ومشاكل اقتصادية واجتماعية يعاني منها الداخل الإيراني، وقد كان هذا النافذة والباب اللذان دخل منهما المتربصون بإيران شراّ، وشكل الأرض الخصبة التي زرعوا عليها زرعهم الخبيث من فتنة وعملاء وإرهاب وقلاقل.

ولكي تستطيع إيران مواجهة الطوفان الغربي القادم عليها معالجة هذه القضايا الداخلية لكي يتحقق تفاؤلها بالنصر، فهم على حق بالتأكيد حول حذرهم وتوقعهم لهجوم صهيوني-أمريكي على بلادهم، ولكن لا يمكن مواجهته بغير الوحدة الوطنية وبجبهة داخلية متماسكة أصبحت في ظل الخلاف مفتوحة للعبث بها من قبل الأعداء المتربصين شرا بهم جميعا.

إن خطة الهجوم الصهيوني على إيران جاهزة في درج وزير دفاع الكيان منذ فترة طويلة وقد بلغها لوزير خارجيته لبرمان، وكان من الممكن تنفيذ هذا الهجوم لو كان القرار بيده، ولكن القرار يملكه سيّده الأمريكي، والأمريكي على ما يبدو يتمهّل قليلا.


[1] David Sable جندي صهيوني ساهم في أكثر من حرب من خلال انخراطه في الجيش، تكّون له الرأي التالي في حينه وقال:”حتى الحملة الإعلامية الإسرائيلية للأسابيع الأخيرة لم تستطع أن تلمع صورة إسرائيل المتسخة لدى العالم” ) خاب أمله بعد أن رفضت حكومة العدو إجراء تحقيق مستقل حول تصرفات جيشه في حرب غزة، والمتخصصين في الدعاية والإعلان شركة ندرمان الصهيونية، وموقعها في مدينة نيويورك، الذين كانوا يميزون البضائع الإسرائيلية عن غيرها ليرفضوها.