حول عسكرة السياسة الخارجية الامريكية في عهدي ادارة جورج بوش (الابن)
الشرق الاوسط والقضية العربية الفلسطينية 2001 ـ 2009
(الجزء الربع والاخير)
نورالدين عواد
ثانيا: عسكرة الوجود والنفوذ الامريكي المباشر في مسرح “الشرق الاوسط” ومحيطه.
“في عالم السياسة لا شيء اخطر من التشبث بأطلال الاستراتيجيات الفاشلة”.
قول سياسي ماثور.
تلجا ادارة بوش الابن منهجيا الى اشاعة حملات ايديولوجية ونظريات سياسية مزعومة من اجل تبرير اعمالها العسكرية امام الراي العام الامريكي والعالمي. يشير الكاتب الفرنسي الان جوكس Alain Joxe في كتابه “امبراطورية الفوضى” الى ان “التوجهات الامريكية (للمحافظين الجدد) في ظل اختلالات موازين القوى السياسية والعسكرية الدولية، قد تؤدي بالعالم الى عصر جديد من “الهمجية الجديدة” شبيهة بالفاشية والنازية”[1]. ربما نكون امام نوع جديد من الفاشية يتجلى بشكل اساسي وحصري تقريبا، في السياسات الامريكية المتبعة ازاء الفضاء العربي ـ الاسلامي والمهاجرين والقطاعات المهمشة داخل امريكا نفسها.
في هذا السياق، نحتت الادارة ومفكروها المحافظون الجدد مصطلح “الفاشية الاسلامية” لكي يوفروا غطاء “ايديولوجيا ـ اخلاقيا” لمشروع سيطرتهم على ما اطلقوا عليه تسميات متتابعة بالشرق الاوسط ، الكبير، والموسع، والجديد، تتطابق حدوده الجيوسياسية، وليس بمحض الصدفة، مع تخوم العالم الاسلامي.
لقد جاء مصطلح “الفاشية الاسلامية” تاويلا لنظرية “صدام الحضارات” التي يتبناها المحافظون الجدد، منظرو الحرب الشاملة على الارهاب. وفي سبيل امركة العالم والسيطرة عليه، يلجاون الى “الاديان كايديولوجية لتكريس التمايز بين الامم وفقا لمعتقداتها الغيبية، وبذلك يستعملون الدين كاداة للعدوان”[2] والاضطهاد الطبقي والقومي.
الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط تنطلق من مقدمات مؤاتية لها، ومنها:
1 – وجود “اسرائيل” بصفتها قاعدة عسكرية دائمة وموثوقة اذ انها تشكل جزء مكوّنا من المشروع الامريكي للسيطرة على العالم على المستويات التالية: الايديولوجي ـ الوجداني، الاقتصادي، والعسكري ( لديها اسلحة استراتيجية للتدمير الشامل بما فيها الاسلحة النووية). ناهيك عن وجود تحالف استراتيجي بين الدولتين منذ عام 1980.
في نهاية عام 2006، صادق الكونغرس الامريكي على مساعدة عسكرية للبرامج الدفاعية المشتركية بين امريكا و”اسرائيل”، بقيمة تربو على 500 مليون دولار (زاد الكونغرس مبلغ 268 مليون دولار على المساعدة التي طلبتها ادارة بوش) اضافة الى المساعدة العسكرية السنوية المعتادة بقيمة 2.36 مليار دولار”[3].
2 ـ وجود غالبية احتياط النفط العالمي في المنطقة الخالية عمليا من اي نفوذ ذي وزن للقوى العالمية الكبرى الاخرى.
3 ـ وجود نظام عربي رسمي يلعب ـ نظرا لتاريخه السياسي وجوهره الطبقي ـ دورا محزنا كعبد وخادم مطيع لراس المال المعولم، في اطار علاقة المركز ـ التخوم (المحيط).
4 ـ وجود تحالف عسكري استراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا بالاضافة الى العلاقات الممتازة بين الاخيرة و”اسرائيل”، على الرغم من الخلافات التي طغت على العلاقات الثنائية في الآونة الاخيرة.
لقد سهلت هذه المقدمات الى حد كبير عسكرة الوجود الامريكي المباشر، على الارض، في “الشرق الاوسط” وحوله. وقد أدت تفاعلات المنطقة ومتطلبات التوسع الاقتصادي والسياسي والعسكري الامريكي الى “مزيد من التدخلات في المنطقة: عملية التسوية السلمية للصراع العربي ـ الصهيوني، انتشار اسلحة الدمار الشامل، “ما يسمى بـ “الدول المارقة” خلال التسعينات، معضلة الارهاب وتغيير الانظمة السياسية في اعقاب 11/9″[4].
مع نهاية عام 2007 “اعلنت امريكا عن رزمة بثلاثين مليار دولار كمساعدة عسكرية لاسرائيل، لموازنة مبيعاتها من الاسلحة الى العربية السعودية بقيمة تصل الى 20 مليار دولار”[5]. من المعروف ان امريكا لديها التزام علني بضمان التفوق العسكري استراتيجي لاسرائيل على كافة البلدان العربية مجتمعة، واهتمامها الدائم بتجديد وتحديث ترساناتها (وليس آخرها المقاتلات القاذفة من طراز ف 35).
هناك دراسة اجراها الاستاذ الاسباني إغناسيو آلفارس ـ أوسوريو Ignacio Álvarez-Osorio ( جامعة اليكانتي) يؤكد فيها ان “الشرق الاوسط يشكل احد اكثر المناطق عسكرة على كوكب الارض (…) اسرائيل تحتل المقام الاول في الانفاق الدفاعي للفرد: 1551 دولار في عام 2003، وتتقدم بذلك على امريكا: 1419 دولار للفرد، وحوالي ضعف المبلغ في العربية السعودية (789 دولار للفرد( (…) في الاعوام العشرة الاخيرةن تضاعف عمليا الانفاق العسكري للمنطقة ( من 40 مليار دولار عام 1996 الى 72 مليار دولار عام 2006)”[6].
هذا الحقن العسكري المكثف لحلفاء امريكا في الشرق الاوسط ينم عن لاعقلانية سياسية واخلاقية، اذ ان خطاب الادارة ما فتيء يروج للسلام وعملية السلام وحقوق الانسان والديموقراطية والحرية، بينما على ارض الواقع تقوم سياستها الخارجية بدفع المنطقة الى “الفوضى الخلاقة” و “المخاضات العسيرة” التي تبشر بها كوندوليزا رايس، وهما تعبيران مجازيان، على شكل نظريات سياسية مزعومة، تستخدمها رايس في الاشارة الى السياسة الامريكية، القاضية بخلق اوضاع فوضى شاملة في الشرق الاوسط، من خلال حروب عدوانية، يحدوها الامل الامبراطوري باجتراح وقائع جيوسياسية جديدة، تؤدي الى ولادة الشرق الاوسط الكبيرالموسع المنشود.
في سياق آخر، قام اعضاء في الكونغرس الامريكي بزيارة الى منطقة الحدود بين مصر و”اسرائيل” وقطاع غزة، وامتدحوا الدور الهام الذي تلعبه مصر هناك. وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط علق قائلا ” لا يمكن تخيل وجود امريكي دائم على خط الحدود المصرية، اذا اخذنا بالحسبان وجود مشاركة امريكية في القوات متعددة الجنسية في سيناء منذ عام 1981″[7].
ارى ان فشل الحرب الامريكية الصهيونية ضد لبنان؛ وانتكاسات الحرب الامبريالية في العراق وافغانستان، والاستقطاب السياسي ـ العسكري بين غزة ورام الله في فلسطين، قد ادت مجتمعة الى تشكل مشهد غير مؤات لاستراتيجية الادارة تجاه الشرق الاوسط ولذلك لجات الى تصعيد حربها ضد غزة بهدف كسر المقاومة في المنطقة. ان نجاح أو فشل المخطط الامريكي “للشرق الاوسط” وامتداده الى ما يسمى ” الشرق الاوسط الكبير” والذي يتجه بدوره نحو المواجهة المستقبلية مع الصين وروسيا والهند (وفقا للمنظور الامريكي المنطلق من نظرية صدام الحضارات ونفس المشروع الامبراطوري العالمي) يعتمد، في رأيي، على الطريقة التي ستحل بها ثلاثة معضلات ساخنة وحاسمة بالنسبة لمستقبل المنطقة وربما العالم ايضا: الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني؛ الحرب العدوانية والاحتلال العسكري للعراق، وافغانستان والصومال[8] والازمة القائمة في لبنان؛ والمخطط الامريكي المسمى “اصلاح ودمقرطة الشرق الاوسط وترجماته المستقبلية.
اعتقد انه لا يوجد لدى امريكا بديل قابل للحياة ومتماهي مع مصالحها افضل من الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تستأثر حاليا بسلطان الحكم في بلدان المنطقة. ولهذا السبب فانها تضغط عليها وتبتزها لكي تقدم مزيدا من التنازلات وافضل الخدمات للمصالح الامريكية و”الاسرائيلية” وخاصة فيما يتعلق بكل من فلسطين والعراق ولبنان.
بموازاة ذلك تعمل امريكاعلى ايجاد بديل آخر: اسلاميين معتدلين ينالون الرضى والشرعية من شعوبهم ويستطيعون الانخراط في مخطط “الشرق الاوسط” دون التسبب لها في احراجات او مشاكل، ويكونون قادرين في الوقت نفسه على وقف او تدميرعنفوان تيارات الراديكاليين الاسلاميين والقوميين واليساريين العلمانيين.
التدخل العسكري الامريكي المباشر، على ارض الواقع، في الشؤون الداخلية الفلسطينية.
“على القوى العظمى ان لا تتدخل ابدا في صراعات القبائل الصغيرة”.
كمال الصليبي
اعتقد ان امريكا و”اسرائيل” استطاعتا منذ عام 1993 ايجاد شريحة اجتماعية ـ سياسية فلسطينية متوائمة مع ايديولوجيتهما وفكرهما الوحيد، وتنطلق نظرتها وسلوكها السياسي ـ العسكري من واقعية حقيرة، جعلتها قادرة على التفريط بمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية والوطنية، في سبيل الحفاظ على امتيازاتها الطفيلية ( بصفتها برجوازية كومبرادورية) وانخراطها كأداة طيعة ومطيعة في استراتيجية السيطرة الاقليمية لكلا القوتين.
الامر المستجدّ في هذا الخصوص يكمن في ان هذه النخب، المتربعة على مركز اعداد و اتخاذ القرار، انتقلت من مرتبة كونها اداة طيّعة ومطيعة، في اطار الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية للسيطرة الاقليمية، الى مرتبة جديدة: اصبحت عنصرا مكوّنا في كتلة قوة ثلاثية مصمّمة على تصفية قضية الشعب اللسطيني من جذورها، ووضع نهاية للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني،انسجاما مع الاستراتيجية الامبريالية الصهيونية ومصالحها الجيوسياسية.
اعتقد انه بالاضافة الى الاساس الايديولوجي والسياسي لهذا النوع من التطابق والاندماج الوظيفي لهذه الكتلة، يوجد، قبل كل شيء وفي نهاية المطاف، الاساس الاجتماعي ـ الاقتصادي، الذي حدد هذه الظاهرة. في النهاية، هذه الطبقات والشرائح الاجتماعية تدافع عن مصالحها الخاصة وهي ليست الا مصالح راس المال ، الذي لا وطن ولا شعب ولا عواطف له.
وفقا لتقرير نشرته مجلة Arabian Business Review في نهاية عام 2007، “توجد 44 عائلة عربية، من بينها 5 عائلات فلسطينية، تملك كل واحدة منها اكثر من مليار دولار. الملياردير الفلسطيني منيب المصري يحتل المرتبة 33 على سلّم الثروة العالمي”[9].
على الجانب الاسرائيلي، يقول تقرير الثروة العالمية لعام 2005 انه ” يوجد في اسرائيل 7400 مليونير ـ ثروة الواحد تزيد على مليون دولار ـ و 84 مليونير كبير ـ تزيد ثروة الواحد على 30 مليون دولار”[10]. كما ان المجلة الاسرائيلية ذي ماركر “The Marker” كشفت عن ان “ثروة اغنى 500 شخص في البلاد، بلغت هذا العام 81 مليار دولار، وتفوقت على الميزانية السنوية للدولة التي تقدّر بـ 70 مليار دولار”[11].
في العهد الرئاسي الثاني لبوش الابن، غدا المسرح الفلسطيني الداخلي مؤاتيا لنجاح التغلغل الامبريالي الصهيوني في صفوف سلطة رام الله والشعب الفلسطيني الذي يتعرض لاحتلال رباعي[12]. وانطلاقا من وعيها بان تسوية اي صراع هي محصلة التناسب المتكامل للقوى المتحاربة، قامت الادارة بتوجيه جهودها نحو ادارة القضية الفلسطينية، وفقا لثلاثة مسارات يتكامل بعضها البعض وتتفاعل على الارض، متجهة الى الهدف الاستراتيجي، اي ، تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها وتحويل المدافعين عنها الى نقيضهم. هذه المسارات هي: المسار الاجتماعي الثقافي وفي صلبه دور المنظمات غير الحكومية؛ والمسار الاقتصادي ـ المالي؛ والمسار السياسي ـ الامني ـ العسكري، وهذا الاخير هو الذي ساتعرض اله في هذا البحث.
تجدر الاشارة الى انه على اثر احداث 11 سبتمبر 2001، اعد البنتاغون خطة عسكرية سلمت الى بوش في 30 سبتمبر من نفس العام، تهدف الى تغيير الانظمة الحاكمة في سبعة بلدان (العراق، ايران، سوريان لبنان، السودان، ليبيا والصومال) بالاضافة الى “تدمير حزب الله وحماس لانهما معاديين لاسرائيل”[13]. وهذا يعني ان الادارة كانت لديها نية مبيتة في التدخل عسكريا في اراضي السلطة الفلسطينية، حتى عندما كانت حماس، حركة مقاومة خارج بنى السلطة وتتعرض لمطاردة “اسرائيل” والامن الوقائي الفلسطيني.
بهذا الصدد، اوضح بول وولفوفيتز P. Wolfowitz “انه بعيدا عن استعمال قواتنا المسلحة مباشرة، فانه لديها امكانيات هائلة لخلق وتعزيز قوات محلية او ميليشيات صديقة تتكفل بمحاربة الارهاب”[14]. مع ذلك، وفي سياق مواقف امريكا المعادية للامة العربية تاريخيا ومن ضمنها الشعب الفلسطيني، لا تتورع القوات المسلحة الامريكية نفسها عن المشاركة في الحرب العسكرية ضدها. فهناك”ضباط امريكيون يشرفون على عمليات الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة ويضعون الخطط الاستراتيجية والميدانية لقيادات الجيش الاسرائيلي وارشادات تنفيذها”[15].
ان الاستعجال الامريكي ـ الاسرائيلي في ايجاد حل ما للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني يعزى في المقام الاول الى الازمة الشاملة التي تواجهها الادارتان داخل وخارج حدود اختصاصهما: فشل الخيار العسكري الصهيوني في تصفية الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، والضرورة الملحة للتفرغ للعراق بعد ان احتلوه عسكريا.
اعتقد ان انتكاس المخطط الامبريالي الصهيوني وهجمته العسكرية مؤقت، فالسياسة الخارجية الامريكية لا زال في جعبتها حتى الان مزيدا من القوة الخشنة و الناعمة، وانظمة عربية لا تضع شروطا على استجابتها للاملاءات والمصالح الامريكية.
الميزانية الامريكية للعام المالي 2007 ـ 2008، تبلغ 14.34 بليون دولار (…) 1% منها مخصص للمساعدة الخارجية (…) اسرائيل سوف تتلقى 2.4 مليار دولار، مصر 1.72 مليار دولار بينما “السلطة الفلسطينية ستتلقى مبلغ 63.5 مليون دولار، تقوم بتحويلها الوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID الى منظمات امريكية غير حكومية، تعمل في الاراضي الفلسطينية”[16].
بالتناغم مع الحملة الصليبية التي يرفع لواءها الرئيس بوش الابن ضد القاعدة، قام رئيس السلطة الفلسطينية ، محمود عباس، بمحاولة لتبرير طلباته من “اسرائيل” للحصول على السلاح والذخيرة لحرسه الرئاسي (10 آلاف عنصر) فصرح بتاريخ 9 يونيو 2006 ان تنظيم القاعدة الارهابي قد وصل الى فلسطين، وفي هذا الادعاء تناقض مع كافة التقارير النابعة من مختلف المصادر والتي تؤكد نفيها لتلك الامكانية.
من جهتها اعلنت ادارة بوش الابن ان مساعدتها العسكرية للسلطة الفلسطينية تتوخى مساعدة الرئيس محمود عباس في “درء هجمات فلسطينية ضد اسرائيل، وفرض النظام والقانون واصلاح قوى الامن الفلسطيني (…) ولتحقيق هذه الغاية، يدفع البيت الابيض بما يسمى “خطة دايتون”[17] K Dayton التي ترتاي دعم عباس بالسلاح (عبر مصر والاردن)والعتاد والاموال (86.4 مليون دولار) من اجل تدريب نصف الـ 40 الف عنصر تعداد الامن الفلسطيني”[18].
على ما يبدو انه توجد في حقيبة ادارة بوش للمستقبل، خطة حرب اهلية فلسطينية، يكون المتحاربان فيها “الكونتراس الفلسطينيون”[19] الذين يتم اعدادهم وتجهيزهم ودفع الاموال لهم على يد امريكا من جانب، والمقاومة المسلحة الفلسطينية التي تناضل ضد الاحتلال الصهيوني من جانب آخر؛ قد يشكل ذلك خطوة حاسمة على طريق تصفية قضية الشعب الفلسطيني.
مع ذلك، في شهادتها يوم 21 مارس 2007، امام اللجنة الفرعية للتخصيصات التابع لمجلس النواب في الكونغرس، ابلغت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس Condoleeza Rice بقرار الادارة تقليص الدعم الذي كانت ستقدمه الى اجهزة الامن الخاضعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وطالبت بالحاح بـ “توحيد اجهزة الامن الفلسطيني ووضعها تحت إمرة مستشار الامن القومي الفلسطيني، محمد دحلان”[20]. وبالرغم من ذلك وبتاريخ 10 ابريل 2007، “عاد الكونغرس الامريكي الى المصادقة على حوالي 60 مليون دولار كمساعدة لقوى الامن الموالية لمحمود عباس”[21] الزعيم المعتدل الذي يحظى باعتراف الغرب بزعامة امريكا.
في اواسط ابريل 2007، اعد منسق الامن بين السلطة الفلسطينية و”اسرائيل” الجنرال الامريكي كيث دايتون K Dayton ، ” خطة ادلة على التطبيق” كاداة للضغط وابتزاز الطرف الضعيف في الثلاثي غير المقدس (السلطة الفلسطينية ـ امريكا ـ “اسرائيل”). تنص الخطة على ما يلي: “تقوم اسرائيل بالالتزام بتطبيق (اتفاقات مبرمة) تضمن تسهيل الحركة في الضفة الغربية وحرية الحركة وتنشيط المعابر الحدودية في قطاع غزة،مقابل اصلاح اجهزة الامن الفلسطيني، وتاهيل دور الحرس الرئاسي ليصبح اكثر كفاءة على المعابر الحدودية وفي الامن ومكافحة الارهاب، من خلال منع دخول الارهابيين والاموال”[22].
لقد ادت سياسة الادارة الامريكية الى تشوهات وتغيرات في مفاهيم الصراع الدائر في فلسطين ومبادئه الاساسية. فبالاضافة الى تحويل الصراع العربي ـ الصهيوني الى صراع فلسطيني ـ اسرائيلي، نجحت في تحويل الاخير الى صراع فلسطيني ـ فلسطيني، تطبيقا لعقيدة “الفوضى الخلاقة”. اعتقد ان الادارة فعلت ذلك انطلاقا من عزمها على فرض هندستها الاجتماعية من خلال القوة العسكرية، تمهيدا لفرض سيطرتها على المسرح الاقليمي، الذي يشكل مصدرا للموارد الاقتصادية الرئيسية (طاقة ومال وسوق) والموارد السياسية (انظمة ونخب سياسية) وربما الموارد العسكرية (حيث ان المنطقة تشكل مخزنا كبيرا للاسلحة الامريكية، دفعت ثمنها النخب العربية، ولا زالت تستعمل في حروب الادارة الامريكية).
في ظل حالة الاستقطاب السياسي ـ العسكري بين جناحي السلطة الفلسطينية، انهت حماس بالقوة العسكرية سلطة الامن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة. ان هذا المشهد المحزن من العنف بين الفلسطينيين لم يكن الا “ترسيما للانفصال الذي فرضته “اسرائيل” بموافقة امريكا والاتحاد الاوروبي (…) المشكلة الراهنة ليست الانقسام بل صفة “ارض ارهابية” التي سيتم الصاقها بقطاع غزة، وتحويل كل سكانه الى “اهداف عسكرية (…) بالاضافة الى محاولة تصفية القضية الفلسطينية، ليس ماديا فحسب، وهو ما درجوا على القيام به منذ عشرات السنين، بل وتصفيتها نظريا وروحيا ورمزيا”[23].
وللعلم، الفرق السياسي بين هاتين النخبتين (فتح وحماس اللتين تنتمي قيادتاهما الى نفس الطبقة البرجوازية الفلسطينية) يكمن في ان الاولى تتبنى حاليا حصرا المفاوضات في تعاملها مع القوة المحتلة، في حين تحبذ الثانية حاليا المقاومة بما فيها المسلحة دون التقليل من شان المفاوضات متعددة الاطراف، في اطار ما يسمى بعملية السلام في الشرق الاوسط، تحت اشراف اللجنة الرباعية التي تتزعمها امريكا.
ارى ان استبدال نخبة سياسية فلسطينية (فتح) باخرى (حماس) في “سلطان” السلطة الفلسطينية (عبر الانتخابات) لم يشكل تغيرا جوهريا في طبيعة ذاك “الكيان” ولم يكن انقلابا على المؤسسات، بل هو استبدال قانوني وشرعي في اطار حكومة الحكم الذاتي، المكبلة باصفاد اتفاق اوسلو. وفقا للاستراتيجية الامريكية، اي عملية او تسوية سلمية للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، يجب ان تخدم الامن الاستراتيجي لـ “دولة اسرائيل”، بغض النظر عمّن يشغل رئاسة السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، دعمت امريكا و “اسرائيل” موقف محمود عباس وساندت عملية المفاوضات، اذ ان السلطة الفلسطينية تتشبث باستراتيجية المفاوضات الابدية والسلام كخيار استراتيجي. تجدر الاشارة الى ان جامعة النجاح الوطنية في نابلس/فلسطين، نشرت بتاريخ 17 اغسطس 2008 كتابا بعنوان “الحياة مفاوضات” لمؤلفه، كبير مفاوضي السلطة، صائب عريقات.
بالمقابل اعتقد بان المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية سواء بسواء، تعطيان الحلول السياسية قيمة وجدوى. اما الاستغناء عن خيار المقاومة المسلحة وتبني خيار الحلول السلمية، كخيار استراتيجي، فانه يعدّ انتحارا سياسيا واستسلاما وفقدانا للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. ان اصطفاف سلطة رام الله الفلسطينية الى جانب امريكا والاتحاد الاوروبي واسرائيل والانظمة الرجعية العربية، ادى الى تبلور ائتلاف سياسي ـ عسكري لهؤلاء اللاعبين غير المتجانسين قوميا وثقافيا، لكنهم متجانسون في مصالحهم الطبقية، ويتقاسمون الثروة تناسبا مع دور ووظيفة كل منهم، ضد مقاومة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
على اثر صراع وحرب الاخوة بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الاسلامية حماس في قطاع غزة، والتي انتهت بالسيطرة العسكرية الكاملة لحماس على ذلك الاقليم، تم تمهيد الطريق امام مناورة امريكية جديدة، واخراج “خطة عسكرية جديدة اعدها قبل عدة سنوات مركز الدراسات العسكرية المتقدمة في ولاية كانساس الامريكية”[24] الى دائرة الضوء.
يتمثل هدف تلك الخطة في ممارسة مزيد من السيطرة على المناطق الفلسطينية الواقعة خارج نطاق السيطرة الصهيونية، من خلال وضع قطاع غزة والضفة الغربية تحت وصاية عسكرية امريكية واوروبية. وترتاي الخطة ارسال قوات تحت راية حلف شمال الاطلسي الى قطاع غزة، من اجل نزع سلاح حماس، ولاحقا ارسال تلك القوات للتموضع في الضفة الغربية، من اجل نزع سلاح بقية فصائل المقاومة الفلسطينية.
بهذه الطريقة تتحول القوات الامريكية والاوروبية الى تتمة للاحتلال العسكري الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بغية احراز الامن الذي تنشده امريكا و”اسرائيل” للمنطقة. وجاءت هذه الخطة لتثبت ان المشروع الصهيوني في فلسطين وبالتالي، قضية الشعب الفسطيني، كان ولا زال منذ البداية، مخططا استعماريا اوروبيا ـ امريكيا بالتزاوج مع الصهيونية العالمية المعاصرة.
لقد وصل التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية للسلطة الفلسطينية الى حدّ “قيام خبراء امريكيين بتصميم سجن بـ 25 زنزانة وقبو للتعذيب، خاص بالسلطة”[25]. وتلقت السلطة الفلسطينية بتاريخ 26 يوليو 2007، “اربع شاحنات محملة بالسلاح والذخيرة والعتاد العسكري مخصصة للاجهزة الامنية (3000 رشاش كلاشينكوف، سترات واقية من الرصاص وتقنيات عسكرية اخرى) قادمة من الاردن. وينتظر وصول تسع شاحنات اخرى الى اريحا”[26]. تشكل هذه الارساليات تجسيدا لخطة دايتون، التي تنص على قيام مصر والاردن بتزويد السلطة الفلسطينية بالسلاح، بتمويل من امريكا والانظمة العربية المعتدلة، بمعرفة ومصادقة “اسرائيل”.
خلال احدى زيارات وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، “ابرمت مع السلطة الفلسطينية اتفاقيا امنيا، تقدم امريكا بموجبه دعما بقيمة 80 مليون دولار الى قوات امن محمود عباس في الضفة الغربية. واعربت رايس عن اعجابها بالدور الذي يقوم به رئيس السلطة ورئيس وزرائه سلام فياض”[27].
لقد طلبت السلطة الفلسطينية نفسها مباشرة من امريكا “الحصول على كميات كبيرة من الاسلحة والذخيرة والمصفحات التي سيتم ارسالها عبر مصر والاردن الى الضفة الغربية، زاعمة ضرورة الدفاع عن سلطة فتح (حزب السلطة الفلسطينية) امام محاولات انقلابية تقوم بها حماس ومن اجل اعادة النظام في شوارع”[28] المدن الواقعة تحت سيطرتها.
بموازاة ذلك ، حققت امريكا نجاحا كبيرا في اسقاطاتها العسكرية الامنية تجاه القضية الفلسطينية، من خلال تقديم الدعم المالي واللوجيستي والتقني للكليّة الفلسطينية للعلوم الامنية (اريحا/ فلسطين. افتتحت بتاريخ 27 سبتمبر 2007). تقيم هذه الاكاديمية علاقات مع الاجهزة الامنية الصهيونية والعربية وتستقبل ضباط صهاينة وامريكيين وغربيين، كمحاضرين فيها.
لقد تخرجت دفعات من الامن الوقائي الفلسطيني الجديد تحت اشراف الجنرال الامريكي كيث دايتون (2980 عنصرا، تم اختيارهم على يد الاجهزة الامنية الامريكية والاسرائيلية والاردنية) الذي اقنع السلطات الصهيونية بتزويدهم بسترات واقية من الرصاص وجيبات عسكرية، لكي يقوموا بمهماتهم الجديدة في الضفة الغربية على ما يرام ، وفقا لما حدده وزير داخلية السلطة عبد الرزاق اليحيى “انتم لا تتعلمون هنا من اجل مقاتلة اسرائيل ولا التصارع مع الاحتلال، بل لمكافحة قوى الفوضى في فلسطين (…) اذا ما قمتم بعملكم كما يجب، ستكون لنا دولة ومشروعنا الوطني سيتكلل بالنجاح”[29] .
لقد شاهد الناس على شاشات التلفزة العالمية فيم تم استعمال تلك الاسلحة والتقنيات العسكريةأ اثناء انعقاد قمة انابوليس، امريكا (29 نوفمبر 2007) : في القمع العلني للجماهير الشعبية المعارضة للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، وفي ملاحقة رجال ميليشيات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.
اعتقد ان هذه القوة الامنية، وهي الاداة العسكرية للسلطة، قد تحولت الى نوع من حركة رجعية مسلحة من المرتزقة او من فرق الموت ذات الطابع الفاشي. تصرفاتها في الميدان ضد شعبها اثبتت انها لا تقل وحشية وسادية عن القوات الامريكية في العراق، والقوات الصهيونية في عموم فلسطين، وتهدف الى تحويل الضفة الغربية الى “كيان” يحمل لواء “استراتيجية الامن القومي” في خدمة مصالح امريكا واسرائيل والنخبة السياسية في سلطة رام الله.
ولكي لا تراود الشكوك احدا بخصوص “الدولة” التي يبشر بها وزير داخلية السلطة، فان “اسرائيل” قد تكفلت بتوضيح ماهيتها، في وثيقة ارسلتها الى امريكا، تحتوي على الترتيبات الامنية التي سيتم تطبيقها في اطار اي اتفاق مستقبلي نهائي مع السلطة الفلسطينية: “حرمان الدولة الفلسطينية من الاسلحة الثقيلة؛ منعها من اقامة تحالفات عسكرية؛ الابقاء على قوات اسرائيلية على امتداد نهر الاردن؛ وجود اسرائيلي على المعابر الحدودية؛ الحفاظ على السيطرة الجوية الاسرائيلية؛ حق الجيش الاسرائيلي في دخول الطرقات الرئيسية في الضفة الغربية”[30].
بالاضافة الى ذلك، افاد الجنرال الامريكي كيث دايتون ان “الفلسطينيين اقترحوا اقامة قاعدة تدريب جديدة للامن الوطن في بيت لحم، لكن الامريكيين ليسوا متحمسين للمقترح، بزعم ان قاعدة اريحا لم يتم استخدامها بشكل كامل حتى الان”[31]. من جهتها ابلغت وزارة الخارجية الامريكية عن وجود اتفاق مع السلطة الفلسطينية، يقوم بموجبه مكتب امن الديبلوماسيين التابع للوزارة الامريكية بتدريب ضباط الحرس الرئاسي للسلطة، كجزء من “الجهود الدولية الامريكية من اجل تعزيز قطاع الامن الفلسطيني، وفرض النظام والقانون (..) وضمان امن الشعب الفسطيني ومحاربة الارهاب”[32].
يوجد تنسيق شخصي ومباشر على الارض بين قوات الامن الامريكية والسلطوية الفلسطينية في الضفة الغربية تحت اشراف الجنرال دايتون، تطبيقا لاتفاقات ثنائية وثلاثية (مع اسرائيل). “على امتداد شهر اغسطس 2007، عقد ضباط امريكيون لقاءات مع قادة قوى الامن الفلسطيني في الضفة الغربية، من اجل تفحّص تنفيذ الاتفاق الاسرائيلي ـ الفلسطيني بِِشان الفلسطينيين المطلوبين لاسرائيل”[33]. كإجراء وقائي امريكي، ابرم الجنرال دايتون اتفاقا مع السلطة الفلسطينية من اجل “نشر خمسة افواج جديدة في الضفة الغربية”[34] في سبيل تعزيز قوى الامن وتاهيلها، امام المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، ومن اجل الحؤول دون وقوع “سلطان” الحكم الذاتي في الضفة الغربية في ايدي حماس، كما حصل في غزة.
عبد الرزاق اليحيى، وزير داخلية السلطة الفلسطينية، اذ تطرق الى عقيدة اجهزته الامنية “شدد على ان مقاتلة اسرائيل ليست من بين وظائف الامن الفلسطيني، وحددها على النحو التالي: حماية السواحل والحدود، والدوريات الخارجية وحماية المنشآت الهامة”[35]. وهذا الدور ينسجم مع قيام اجهزة الامن الفلسطيني في الضفة الغربية بتطبيق خطة امنية باشراف الجنرال الامريكي دايتون، من اجل تسريح اكثرية عناصره الذين تزيد اعمارهم عن45 عاما، وتغيير طرق التدريب الخاصة بمكافحة الارهاب. تهدف هذه الخطة الى توفير قوة امنية مؤهلة وقادرة على مقاتلة المقاومة الفلسطينية والحفاظ على امن الاحتلال العسكري الصهيوني، مع تسهيلات لوجستية من الاردن، حيث تتدرب تلك القوات و “بدعم امريكي مباشر تنفيذا للمرحلة الاولى من خارطة الطريق”[36] المنسيّة اعلاميا.
كما قام الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بـ “تعيين الجنرال ويليام فريزر كمراقب لتنفيذ المرحلة الاولى من خارطة الطريق. والجنرال هو من يشهد بان الفلسطينيين يقاتلون الارهاب ام لا”[37]. وللعلم، الجنرال فريزر كان طيارا لقاذفة استراتيجية؛ وقائد مقر القيادة الاستراتيجية للجيش الامريكي؛ وشارك تقريبا في كافة زيارات ولقاءات رايس السياسية في اسرائيل خلال العام 2007، ويشغل منصب مستشار لوزيرة الخارجية لشؤون الامن والجيش الامريكي. واستحدثت ادارة بوش الابن بتاريخ 27 ديسمبر 2007 منصب “مبعوث امني امريكي للشرق الاوسط” وعينت فيه الجنرال جيمس جونز، القائد الاعلى لحلف شمال الاطلسي في الفترة 2003 ـ 2005[38] .
يوجد ايضا اتفاق متعدد الاطراف (امريكا، اسرائيل، فرنسا، السلطة الفلسطينية) من اجل ارسال قوات اطلسية تحت يافطة قوات دولية تابعة للامم المتحدة، الى الحدود بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بذريعة “منع تهريب الاسلحة والاموال لصالح حماس”[39]. اضافة الى ذلك، “بدات امريكا بتدريب 50 الف عنصر فلسطيني من اجل الحفاظ على القانون والنظام في الضفة الغربية. الامريكيون هم من يختار اولئك الجنود ويقرون تدريبهم وسلاحهم وبالتاكيد يدفعون رواتبهم”[40].
بعد قمة انابوليس بايام قليلة، كانت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس صريحة عندما اوضحت جوهر رؤية الادارة الامريكية بخصوص “دولة فلسطينية” “وعدت بها المشيئة الالهية” الرئيس جورج بوش الابن، فقالت “الدولة الفلسطينية التي اقترحها بوش تشكل عنصرا في الامن القومي الامريكي”[41].
ارى ان الاسقاط العسكري والامني لادارة بوش الابن قد حقق نجاحات لا جدال فيها في علاقتها مع السلطة الفلسطينية وسلوكها المنسجم مع التوجيهات والتصميمات الامريكية ازاء القضية الفلسطينية. لقد باشرت السلطة الفلسطينية، بعد قمة انابوليس (نوفمبر 2007) وقمة باريس (ديسمبر 2007) بتنفيذ تعهداتها مع امريكا و”اسرائيل”، من خلال عمليات عسكرية وتصريحات سياسية تتنافى مع موقف المقاومة والمجتمع المدني الفلسطيني:
قامت السلطة بنزع سلاح التشكيلات المسلحة التابعة لفتح الخاضعة لسيطرتها، وحاولت، باستعمال القوة العسكرية والاجهزة الامنية، نزع سلاح تشكيلات مسلحة اخرى معارضة للاحتلال وامريكا، كما حصل في نابلس خلال شهر ديسمبر 2007.
رئيس وزراء السلطة سلام فياض، قدم تعازيه القلبية لعائلات الجنود الصهاينة الذين قتلوا في عملية فدائية قرب الخليل. قال “آلمنا موت الجنود الاسرائيليين وسنحلّ هذه القضية نهائيا”[42].
“احبطت السلطة عمليتين لخطف ضابط ومستوطن صهيونيين واعادت الى الطرف الاسرائيلي اسلحة جنديين قتيلين”[43] سقطا في عملية للمقاومة قرب مدينة الخليل في الضفة الغربية، بعد ان القت القبض على المقاومين الفلسطينين الذين نفذوا العملية.
اعتقل الامن الفلسطيني في بيت لحم ثلاثة اسرائيليين مسلحين، من بينهم جندي، واعادتهم سالمين معافين الى السلطات الاسرائيلية[44].
في يناير 2008 قام الرئيس بوش الابن بزيارة الى الشرق الاوسط شملت “اسرائيل” ورام الله (مقر السلطة الفلسطينية) وغيرها. لم يفعل بوش اي شيء اطلاقا لوقف الحرب الابادية الصهيونية ضد السكان الفلسطينيين في غزة والضفة على حد السواء، بل على العكس تماما من ذلك. فهذا بن كاسبيت، صحافي اسرائيلي معروف بعلاقاته مع دوائر اتخاذ القرار والاستخبارات الصهيونية، كشف في صحيفة معاريف الاسرائيلية، عن ان ” الرئيس الامريكي جورج بوش الابن، خلال زيارته الاخيرة لاسرائيل، بارك خطة عسكرية صهيونية تقضي بشن حملة واسعة تصاعدية ضد غزة (قائمة على قدم وساق الان) (…) ووصف كاسبيت الزيارة بانها الزيارة التي تسبق العاصفة”[45]، التي انفجرت في الايام الاخيرة من عهد بوش الابن الرئاسي الثاني، حمما من الفوسفور الابيض والعنقودية واليورانيوم المنضب على قطاع غزة، حولته الى محرقة امبريالية صهيونية بحق الشعب العربي الفلسطيني.
تهجين نظري وتطبيقي للعسكرة الامريكية في المنطقة
شهدت السياسة الخارجية الامريكية المعسكرة خلال عامي 2006 و2007 انتكاسات في المنطقة. واضطرت الادارة الى تعديل استراتيجيتها والانتقال من ايديولوجية وسياسة المحافظين الجدد الى رؤية الواقعيين. وبالنتيجة لوحظ انتقال معين من النزعة العسكرية الحربية الى دبلوماسية الاحتواء والقوة الناعمة، في محاولة للخروج من الازمة السياسية ـ العسكرية التي ورطت ادارة بوش النظام السياسي الامريكي فيها.
ان ادراك هذه العملية للتعديل و الانتقال، الخجول والتدرجي، يستند الى وقائع ملموسة حدثت داخل النظام السياسي الامريكي، اذ ان الامر يتعلق بالمصالح العليا للاوليغارشية المسيطرة، والتي تفرض نفسها على اية ادارة سواء كانت جمهورية ام ديموقراطية:
اعداد ونشر تقرير هاملتون ـ بيكر ثنائي الحزبية، والذي يشكل، انتقاديا، ترياقا لاستراتيجية السياسة الخارجية للمحافظين الجدد. على ما يبدو ان الحزب الجمهوري قرر تطبيق التقرير بغض النظر عن معارضة بوش الابن له ايديولوجيا او شخصيا.
سقوط اضطرادي لازلام المحافظين الجدد من الادارة. وقد تم شغل الفراغ باشخاص واقعيين الى حد ما. ربما تكون الحالة الاكثر اهمية هي استبدال دونالد رمسفيلد، الذي كان يحمل لواء الحرب الوقائية، بروبرت غيتس في زعامة البنتاغون، الذي صرح بضرورة تبني الحوار بدلا من الصدام، وساهم في تسريب تقرير اسرة الاستخبارات الامريكية حول البرنامج النووي الايراني. وفقا لمدير مركز الحوار، واشنطن، عماد فواز الشعيبي “اتفاق 16 جهاز امني والاستخبارات الامريكية يعني انه يوجد قرار عسكري واستخباراتي بمنع اية مغامرة عسكرية ضد ايران وكبح جماح الايديولوجيين الذين يدفعون باية عملية تضاف الى سلسلة الاخطاء القاتلة”[46].
وجود فريق من الواقعيين برئاسة جورج بوش الاب ويتكون من جيمس بيكر James Baker وبرينت سكوكروفت Brent Schocroft وغيرهما (نوع ما من حكومة الظل) يحيط بادارة بوش الابن، ويريد “الخروج من ازمة الحرب الوقائية والعودة الى السياسة الواقعية”[47].
حملة الدعاية والعلاقات العامة الرامية الى تحسين صورة الادارة وامريكا، تفترض الوعي بتدهور تلك الصورة وكم كانت السياسة الخارجية مخطئة. بالتزامن مع ذلك، انتقلت الادارة نسبيا من الهجوم العسكري الى ادارة الازمة اذ انه لا يلوح في الافق اي حل مؤاتي للاستراتيجية الامريكية.
في استبلشمنت establishment السياسة الخارجية الامريكية ظهرت دراسات تؤسس وتدعو الى اجراء تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط باسره، كما هو الحال مع مارتن إنديك[48] Martin S. Indyck مدير مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط التابع لمعهد بروكينغز Brookings Institute ، وهو مؤلف “عودة الى التوازن في الشرق الاوسط: استراتيجية من اجل تعامل بنّاء”[49]. هذه الدراسة ترسم التوجهات للرئيس الامريكي القادم ايا كان، على النحو التالي: احتواء الحرب الاهلية في العراق؛ تعزيز العرب المعتدلين لمواجهة الخطر الايراني؛ منع ايران من الحصول على السلاح النووي؛ تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي على مدى طويل من اجل زيادة الاعتدال على حساب التطرف؛ التمسك بالمصالح من خلال التوازن والانسجام مع الظروف الواقعية في المنطقة، وليس من خلال تخيّل صراعات طائفية غير حقيقية”[50].
خاتمة
بغض النظر عن المخططات والاجراءات العسكرية التي تحيكها ادارة بوش الابن وتمليها على السلطة الفلسطينية؛ وتحالفها العسكري مع اسرائيل وامداداتها الحربية الى الانظمة العربية الرجعية، فان الكلمة الاخيرة ستقولها الشعوب المكافحة وطلائعها المقاتلة ضد المشروع الامبراطوري للسيطرة على فلسطين وبقية العالم.
امريكا وبقية البشرية سننعم بالامن والسلام، عندما تعير الادارات الامريكية الانتباه وتمتثل لكلمات الرئيس الامريكي الراحل جون كينيدي John. F. Kennedy، التي نطق بها قبل شهور قليلة من اغتياله: ” ان الرابطة الاساسية المشتركة بين ابناء البشر،في نهاية المطاف، تتمثل في اننا جميعا نعيش على هذا الكوكب الصغير، وفي النهاية كلنا فانون”[51].
ملحق رقم 1
بعض تفاصيل خطة دايتون[52]
تمنح امريكا مساعدة عسكرية الى رئيس السلطة الفلسطينية بقيمة 86.4 مليون دولار، من اجل تمويل النشاطات التالية:
تدريب وتسليح 8500 عنصر من الحرس الرئاسي و1000 عنصر من فتح بمساعدة مصر والاردن. مجموع العناصر سيصل الى 40 الف .
شراء اجهزة اتصالات وادوات مكافحة التمرد.
بناء وحدة امنية جديدة قوامها حوالي 3000 عنصر.
شراء عتاد للواء بدر (قوامه 10 آلاف عنصر موالين لفتح) الذي يتمركز في الاردن.
نشر هذه القوات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تجدر الاشارة الى ان هذه الخطة التي صادقت عليها ادارة بوش الابن تحظى بمباركة ورضى سلطات الاحتلال الصهيونية والحكومة الاسرائيلية.
[1] وليد شرارة، بصدد الفاشية الصاعدة” منشور بتاريخ 23 فبراير 2007 على موقع عرب 48.
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=43278
[2] مطاع الصفدي، “فاشية الامركة …” منشور بتاريخ 18 سبتمبر 2006 على موقع عرب 48.
[3] منشور بتاريخ 30 سبتمبر 2006 على موقع عرب 48.
http://www.arabs48.com/display.x?cid=16&sid=66&id=39939
في نهاية عام 2007، صادق الكونغرس على زيادة المساعدة العسكرية لاسرائيل لتصل الى 3 مليار دولار سنويا.
[4] محمد عبد السلام، “الوجود العسكري الامريكي في الشرق الاوسط…كيف ولماذا؟” منشور على موقع
[5] منشور على موقع مجموهة الكترونية لاتينية اسمها نساء موشحة بالسواد. mujeresdenegromdp.1@gmail.
تجدر الاشارة الى ان امريكا خصصت 15 مليار دولار كمساعدة عسكرية لمصر وملكيات النفط العربية الاخرى في نفس الفترة.
[6] إغناسيو آلفارس ـ أوسوريو Ignacio Álvarez-Osorio ، ” اسلحة ونفط وصراعات” منشور بتاريخ 10 اغسطس 2007 في موقع فلسطين الحرة بالاسبانية. http://www.palestinalibre.org/boletin.php?a=5105
[7] منشور بتاريخ 11 يناير 2008 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[8] احتلال اثيوبا عسكريا للصومال جاء تدبيرا وامرا وتنفيذا بالتنسيق مع امريكا واشرافها.
[9] منشور على موقع دنيا الوطن بتاريخ 29 ديسمبر 2007.
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news.php?go=show&id=116440
[10] منشور على موقع عرب 48 بتاريخ 20 يونيو 2006.
[11] منشور بتاريخ 10 يونيو 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام
[12] .اسرائيل، امريكا، الاتحاد الاوروبي ومنظمات الانجزة الاجنبية.
[13] غاريت بورتر، “خطة البنتاغون لتغيير انظمة سبعة بلدان”. منشور بتاريخ 17 مايو 2008 على موقع المركز الدولي لدراسات امريكا والغرب. http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=12462
[14] ورد في مقال لنصر الشمالي بعنوان “ماذا تحقق من خطاب وولفوفيتز قبل عام؟ منشور على موقع المحرر على الرابط التالي:
http://www.al-moharer.net/mohhtm/n_shemali231e.htm
على هدى هذه الاستراتيجية، شرعت الادارة باعادة تنظيم ومركزة الامن الوقائي الفلسطيني في الاراضي المحتلة في غزة والضفة الغربية، والذي يضطلع منذ تاسيسه عام 1994، بحماية اسرائيل من عمليات المقاومة الوطنية. تعمل في داخله “فرقة موت” مسؤولة عن ملاحقة وتعذيب وقتل مناضلين فلسطينيين.
[15] رشاد ابو شاور، “خطيءة امريكا” منشور يوم 15 نوفمبر 2006 على موقع عرب 48.
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=40991.
[16] منشور على موقع عرب 48 بتاريخ 8 فبراير 2007.
[17] انظر ملحق رقم 1
[18] منشور بتاريخ 1 فبراير 2007 على موقع عرب 48.
[19] عبد الباري عطوان حسب ما نقله عنه المركز الفلسطيني للاعلام بتاريخ 1 فبراير 2007.
[20] منشور بتاريخ 22 مارس 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[22] منشور بتاريخ 17 ابريل 2007 على موقع عرب 48.
[23] ليدون سوريانو Soriano Lidon ، “القضية الفلسطينية والعدو الداخلي” منشور بتاريخ 1 يوليو 2007 على موقع لاتيني “نساء موشحة بالسواد” mujeresdenegromdp.1@gmail.com
[24] منشور بتاريخ 5 يوليو 2007.على موقع مجموهة الكترونية لاتينية اسمها نساء موشحة بالسواد. mujeresdenegromdp.1@gmail
[25] منشور في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 18 يوليو 2007.
[26] منشور بتاريخ 2 اغسطس 2007 على موقع عرب 48.
[27] منشور بتاريخ 2 اغسطس 2007 على موقع عرب 48.
[28] آفي ساخاروف، “خطة دايتون الجديدة ضد حماس في الضفة الغربية”. منشور على موقع هارتس الاسرائيلية واعيد نشره يوم 9 اغسطس 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[29] ياسر الزعاترة، “قوة دايتون” منشور بتاريخ 16 اغسطس 2008 على صحيفة الدستور الاردنية.
[30] اذاعة صوت الشعب التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة بتاريخ 17 اغسطس 2008.
http://www.sha3bvoice.com/arabic/news.php?maa=View&id=512 Sunday, August 17, 2008
[31] آفي ساخاروف، “خطة دايتون الجديدة ضد حماس في الضفة الغربية”. منشور على موقع هارتس الاسرائيلية واعيد نشره يوم 9 اغسطس 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[32] بيان صادر عن وزارة الخارجية الامريكية بتاريخ 20 اغسطس 2007، منشور على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[33] منشور بتاريخ 23 اغسطس 2007 على موقع عرب 48.
[34] منشور بتاريخ 30 اغسطس 2007علىموقع فلسطين الحرة بالاسبانية.
[35] منشور بتاريخ 10 يناير 2008 على موقع “معا”.
http://www.maannews.net/ar/index.php?opr=ShowDetails&ID=96209
[36] منشور بتاريخ 10 يناير 2008 على موقع المرطز الفلسطيني للاعلام.
[37] منشور بتاريخ 10 يناير 2008 علىموقع عرب 48 .
[38] نيقولا ناصر، “قوات دولية لغزة ام للضفة الغربية ..لماذا؟” منشور بتاريخ 4 يناير 2008 على موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
http://www.pflp.ps/index.php?action=Aklam&id=772
[39] نيقولا ناصر، “قوات دولية لغزة ام للضفة الغربية ..لماذا؟” منشور بتاريخ 4 يناير 2008 على موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
http://www.pflp.ps/index.php?action=Aklam&id=772
[40] عادل سمارة، “دولة بوش ووطن المقاومة” منشور بتاريخ 11 يناير 2008 في موقع مجلة كنعان العدد 1390.
http://www.kanaanonline.org/articles/01390.pdf
[41] عاطف الغمري، “دبلوماسية بوش المتقلبة في الشرق الاوسط” منشور بتاريخ 5 ديسمبر 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[42] منشور بتاريخ 29 ديسمبر 2007 على موقع عرب 48.
[43] منشور بتاريخ 13 يناير 2008 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[44] منشور بتاريخ 29 ديسمبر 2007 على موقع عرب 48.
[45] منشور بتاريخ 13 يناير 2008 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.
[46] عماد الشعيبي، “انقلاب مدني ـ عسكري في البيت الابيض” منشور بتاريخ 16 ديسمبر 2007 على موقع عرب 48.
[47] عماد الشعيبي، “انقلاب مدني ـ عسكري في البيت الابيض” منشور بتاريخ 16 ديسمبر 2007 على موقع عرب 48.
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=50789
[48] كان انديك الفاعل الامريكي الرئيسي في المفاوضات بين العرب واسرائيليين خلال عقد التسعينات وهو مرشح لشغل منصب وزير خارجية اذا ما فاز الديموقراطيون بالانتخابات الرئاسية للفترة 2009 ـ 2013.
[49] يمكن الرجوع الى النص الكامل المنشور في موقع الفكر العربي بتاريخ 16 يناير 2008.
http://www.alfikralarabi.org/modules.php? name=News&file=article&sid=1138
[50] عماد الشعيبي، “مستقبل السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط” منشور بتاريخ 5 يناير 2008 على موقع عرب 48.
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=51210
[51] جيفري دي ساش Jeffery de Sach، “امريكا وفشل السياسة الخارجية المعسكرة”. منشور بتاريخ 27 نوفمبر 2007، على موقع المركز الدولي لدراسات امريكا والغرب.
http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=11287
[52] منشور بتاريخ 4 فبراير 2007 على موقع المركز الفلسطيني للاعلام.