العميد الدكتور امين محمد حطيط
عندما لوح الغرب بفرض حظر نفطي على ايران تبعه “تبرع عربي” سخي بتعويض النقص عالميا اثر الحظر، ظن اصحاب التهديد والكرم ان ايران قد تنحني هذه المرة و تنصاع للابتزاز والتهويل وتستجيب للمطالب الغربية بالنأي بنفسها عن المسألة السورية التي سفهت بصمود السوريين و قواتهم المسلحة احلام الغرب وبعض المحيط العري و الاسلامي، احلام تمثلت بالسعي لاسقاط النظام واستبداله بنظام عميل يصالح اسرائيل و يقاد غربياً من قبل مجموعة من عملاء المخابرات الغربية من فرنسيين واميركيين وصهاينة.
لكن ايران وكالعادة ردت على السلوك العدائي على طريقتها التي يحاول الغرب ان لا يفهمها، و نظمت مناورات عسكرية مركبة شاركت فيها اساسا اسلحة الجو والبحر وكان لسلاح البر دور خاص فيما يتعلق بالشواطئ وحراستها او الاسناد البري للعمليات البحرية، وقد اظهرت ايران في المناورات هذه جديدا في مواضيع ثلاثة:
· في موضوع التسليح اظهرت اسلحة بحرية و صاروخية و جوية جديدة،
· في موضوع الاداء اظهرت تنسيقاً عالي المستوى بين اسلحة الجيش الثلاثة و هذا امر يعرف اهميته المختصون و نذكر فقط للتدليل على اهميته بان لجنة فينوغراد الاسرائيلية رات بان احد اسباب الاخفاق الاسرائيلي في حرب تموز 2006 هو تدني مستوى التنسيق بين الاسلحة،
· واخيرا في موضوع الهدف من المناورات اظهرت وضوحاً سعيها لامتلاك القوة اللازمة و الفاعلة لاقفال مضيق هرمز باسرع ما يمكن.
واذا كان الموضوعان الاول والثاني من طبيعة عسكرية محضة او ابعد من ذلك بقليل، ولا يمكن استبعاد توقعهما من قبل المراقبين، فان المسألة الثالثة تعتبر من المسائل البالغة الاهمية على الصعد المحلية والاقليمية والعالمية. وذلك بسبب الاهمية الخاصة لمضيق هرمز من شتى النواحي ونذكر ببعض وجوهها:
· تمر في مضيق هرمو 40% من صادرات النفط العالمية، وتتكل اروبا بصورة خاصة عليها.
· تنتشر على الشاطئ الجنوبي للخليج وفي الدول العربية القائمة هناك قواعد عسكرية اروبيية واميركية من الكويت الى البحرين فقطر والامارت. ما يجعل اغلاق المضيق بمثابة تحويل للقوى الغربية في الخليج من قوة تهديد لايران الى قوة محاصرة باليد الايرانية.
· يعمل في الخليج الاسطول الخامس الاميركي بحرية شبه تامة وبذهنية ان الخليج هو بحيرة اميركية ويكون حصاره تغيير للتوصيف بحيث يصبح سجنا للبحرية الاميركية.
وبالتالي يكون حصار الخليج عبر اغلاق المضيق – المدخل الاجباري الوحيد اليه يحمل رسالة قوة وتحد ايراني للغرب في قوته وهيمنته، واهمية هذه الرسالة تتمثل بالقول ان الهيبة الردعية لاميركا ولحلفائها باتت مشوشة وغائبة عن الذهن الايراني الى الحد الذي لا يجعل لها اهمية تردع الايراني عن التحدي وهذا الامر يعتبر صفعة قوية في المفهوم الاستراتيجي و العسكري توجه الى الحلف الاطلسي بالجملة وبدوله وعلى راسها اميركا بالمفرق.
وبعد نجاح المناورات ميدانيا خرج المسؤول الايراني ليعلن بان اقفال الخليج بات امرا سهلا لقواته وان الاستمرار في احكام اقفاله بات ممكنا وبالقدرات العسكرية المتاحة، وتكون ايران قد حققت اهدافها من المناورات وابلغت رسائلها بوضوح كالتالي:
· ان سياسة التهديد والوعيد الغربية، او اعتماد الغرب ل “استراتيجية الضغط لمنع الحركة و النمو” الايراني هي سياسة عقيمة ولن تغير مسار السياسة الايرانية و بالتالي فان الموقف الايراني في المنطقة عامة ومن المسألة السورية خاصة هو موقف نهائي لا رجعة فيه، وهو دعم الشعب السوري في خياراته وتمسكه بالحركة الاصلاحية التي يقودها الرئيس الاسد، ورفض اي تدخل اجنبي – مهما كان مصادر هذا التدخل وانواعه – وان ايران تمتلك من القوة العسكرية ما يمكنها من التصرف لاجهاض اي تدخل اجنبي في سوريا.
· ان لجوء الغرب الى العقوبات الاقتصادية وحظر النفط الايراني سيقابله و بالتأكيد ” حظر ايراني لنقل 40% من صادرات العالم النفطية ” وسيكون الالم والضرر الذي سيحل بالغرب اعلى درجة من الالم الذي يحل بايران. وهنا لن تكون قيمة عملية لسخاء عرب اميركا في خليج ووعودهم بتعويض النقص في حال الحظر على نفط ايران. فالكل سيصبح في الخسارة سواء.
· على عرب الخليج ان يفهموا بان كل اساطيل الغرب و قواعده العسكرية المنتشرة على اراضيهم، لن تتمكن من حمايتهم اذا انخرطو في عمل عدائي ضد ايران سواء في ذلك كان العمل بتقديم التسهيلات للمعتدي او الانخراط بالعمل العدائي تنفيذيا و بشكل مباشر، وان امكانات ايران العسكرية قادرة على تجويف الوعود الغربية بالحماية لهم. ويالتالي ان امن الخليج لن يكون اليوم ولا غدا الا قرار اقليمي يتخذه اهل الخليج بانفسهم في تفاهمات وعلاقات مبنية على الثقة بعيدة عن الكيد والتعامل مع الاجنبي.
اما في مفاعيل الرسائل فاننا نرى فورية في الاثر وكانت في دعوة ايران من موقع قوة “مجموعة 6+1” الى مفاوضات صريحة و عملية حول الملف النووي الايراني،(وهنا نذكر بان السبب المدعى به ليتخذ ذريعة لحظر النفط هو الملف النووي الايراني، رغم ان السبب الحقيقي اليوم هو الموقف من سوريا التي شكلت هزيمة الغرب فيها كارثة استراتيجية لن تحدد ابعادها بعد،) ولان الغرب فهم كما يبدو الرسالة التي حملتها المناورات وعلم انه لن يكون بمقدوره ان يفرض الحظر على نفطها والا غامر بمصالحه النفطية او دفع االامور الى حرب لا يعرف احد مداها و هي ستحرق النفط و تعقد الامور وتزيد في مشاكله الاقتصادية، و لانه فهم الرسالة فاننا رأينا مسارعة الاتحاد الاروبي للترحيب بالدعوة الايرانية، ولا نتوقف عند الفاوضات بذاتها عما اذا كانت ستعقد او لا او اذا كانت ستنتج او لا (الارجح ستبقى عقيمة) بل ان الاساسي من الامور يتمثل في نجاح ايران في الرد، وثباتها على مواقفها في خياراتها الاستراتيجية وفهم الغرب لذلك واستيعابه للرسالة، وهذا ما سيفاقم ازمته في سوريا التي انقلبت اليوم الى مقبرة لطموحات واحلام الكثر من عرب وإقلييميين وغرب وصهيانة.