رسمي الجابري
تعيش الامه والمنطقه، لحظه فاصله، وتمر بمرحلة انتقال بين زمنين، حيث تبدوا المرحله مشحونه وحبلى، بالامكانات والافاق الواعده، كما بالمخاطر والتحديات. حيث يحتدم الصراع داخل المنطقه، كما عليها، وتشتد المجابهة وتتسع دوائرها، وتأخذ أبعادا أستراتيجيه وتنفتح على تحولات عالمية، تترابط مع الازمه الاقتصاديه الكبرى، التي تعيشها المراكز الامبرياليه، لتعجل في تحولات تاريخيه، وتهيئ كما بات واضحا، لمتغيرات عميقة في موازين القوى الأقليميه والدوليه، ما يضع المنطقة وأحداثها وتطوراتها في قلب معادلات الامن والصراع الدولي، نظرا لموقعها الجيو- ستراتيجي، وتحكمها بمواقع وممرات النفط والغاز.
وقد كان للامة والمنطقة عبر سوريا ومحور الممامعة والمقاومة دورا محوريا في مجمل هذه التطورات، وتعرضت الى ضغط هائل ودفعت ثمنا كبيرا، وتحمل محور الممانعة والمقاومة منفردا ضريبة الدم والثبات والمواجهة، ولعب دورا محوريا ومؤسسا لهذه التحولات الاقليمية والعالمية الكبرى.
ان نجاح، محو الممانعه والمقاومه في صد الهجمه الامريكيه العاتيه على المنطقه، بعد العام 2003، وأحباط مشروعها الامبراطوري، للهيمنة على العالم، بفعل بسالة الصمود والمقاومه في العراق ولبنان وغزه، أفضى الى خسارة امريكا لواقع انفرادها، وهيمنتها، وأدى بالمحصلة الى تعميق ازمتها العامه، والتعجيل في تفجير ازمتها الاقتصاديه، وأنكفاء وتراخي قبضتها على المنطقه، وتعميق أزمة حلفها الاقليمي الصهيو- عربي، ودفعه الى حالة الشلل والعجزالبنيوي والوظيفي، وبالتالي الى خلخله عميقه في نظام السيطرة الاقليمي، أفضت بالنتيجة الى أنفلات الازمة، وتصدع بنية هذا النظام نحو، وبدء مسلسل تفكك وأنهيار حلقاته.
وبنتيجة ذلك، أضطر المركز الامريكي المهزوم، وتحت ضغط المصالح العامة، لقوى رأس المال الغربية، الى أعادة تموضع كبرى، عبر ما سمي بتفاهمات بيكر- هاملتون والتي ظن كثيرون، خطئا، أنها برسم التفاهم مع محور الممانعة فيما هي في الواقع توافق بين اطراف الاطلسي (النيتو) على قاعدة تغليب مبدأ الشراكه والتعاون، وتغليب الاولويه الامبرياليه العامه، في بعدها الاطلسي، داخل ولصالح (النيتو) لغايات أحتواء الازمه الناجمه عن افول أو نهاية عصر الانفراد الامريكي، وأسناد مهمة ملىء الفراغ الناجم عن هذا الأنكفاء، الى النيتو، واعادة ترسيم خارطه المصالح ومواقع النفوذ بين هذه الاطراف، عبر صيغة (سايكس- بيكو جديده)، تكرس (العراق لامريكا او الحلف الانجلوساكسوني) وتذهب ليبيا الى اوروبا فيما تكون سوريه، غنيمه مشتركه بين (تركيا واسرائيل ) واساسا لاعادة بناء وتفعيل الشراكه بين الطرفين، ورشوه اطلسيه لتركيا، الممنوعه من دخول النادي الاوروبي، لإستعادة الشراكه التركيه –الاسرائيليه المطلوبه اطلسيا، وتوظيفها كمحور ربط واداره للمنطقه، مع اوروبا وحلف (النيتو)، بعد ان انيطت بهذا الحلف مهمة أستدراك الفشل الامريكي، وأحتواء الازمه المتفجره في المنطقه نتيجة تراخي القبضة الامريكية، وتأمين السيطرة عليها، وتحويلها الى قاعدة أرتكاز خلفية (لعثمانيه جديدة اطلسيه) تحشد قوى الاسلام السياسي بشقيه الناعم والخشن، كما (الاثنية التركيه ) على أمتداد الشمال الاسيوي، وتوظفها كأسفين ومحور أختراق وتجييش وتخريب، في قلب الكتلة (الاورو- أسيوية ) كأستراتيجية أطلسية بديلة، أوسع مدى وأكثر مرونة وخبثا من الاستراتيجية الامريكية المنهارة، لخلخلة الأوضاع الداخلية لكل من روسيا والصين كما الهند، والتحكم بمواقع وممرات النفط والغاز، في أطار أستراتيجية الهيمنة وألاحتواء والتطويق للقوى الدوليه الصاعده، وأعاقة تبلورها كجبهة دوليه جديده، ومنع امتدادها الى المنطقة.
غير ان العدوان الاطلسي على ليبيا، وتركيز الهجوم على سوريا، شكل لحظة فارقة في العلاقة بين القوتين، وعجل في تبلور قوى وجبهة الصراع، حيث دشن الفيتو الروسي الصيني المزدوج، بدء مرحله جديده من المواجهة، أخذت تتعزز وتترسخ، مع تصاعد العدوان على سوريه، مؤذنة بمرحله جديده في العلاقات الدوليه، تضع حدا لتغول المراكز الغربيه، وهيمنتها وأحتكارها لعناصرالقوة والقرار، والتحكم بمصائرالدول والشعوب.
لقد كشفت ملحمة المواجهة المستمرة منذ مطلع القرن الجديد، مدى الاهمية الجيو- ستراتيجية للمنطقة عموما ولسوريا على وجه الخصوص، كمفتاح وقاعدة سيطرة وتحكم، تلعب دورا حاسما في الصراع وميزان القوى الدولي. وأعادت الى الاذهان، مأساة سايكس- بيكو، التي أطاحت بوحدة سوريا، وأسقلالها الوليد في مطلع القرن الماضي. حيث تواجه سوريا والامة هذه الايام، مخاطر نسخة مجددة لذات الاهداف وذات السيناريو، وعبرذات القوى، وأن في ظروف وسياقات ومناخات مختلفة هذه المرة، حيث شروط الصراع وموازين القوى مختلفة، وأكثر تعقيدا وغموضا،عن تلك التي حكمت المنطقه والعالم أنذاك، وكرست في حينه أرادة المنتصرين.
ورغم ان ميزان القوى الدولي الراهن يبدوا مغايرا عما كان عليه أنذاك، ويوفر فرصة تاريخية غير مسبوقة للافلات من قيود المراكز الغربية وتحرير المنطقة، بيد أن أزمة حركة التحرر القومي وعجزها المزمن عن أعادة بناء مشروعها وتجديد أدواتها وبرنامجها، شكل وللمفارقة (كعب أخيل) محور الممانعة والمقاومة، وفي ذات الوقت وفر لجبهة أعداء الامة (حصان طروادة ) لإختراق القلعة من الداخل.
ولعل (حرب طروادة) كانت في أساس أستراتيجية (أوباما- الاطلسية ) البديلة عن أسترايجية بوش المنهارة، وكانت هدف ومحور جولته الشهيرة في المنطقة، في أطار الاعداد والتسويق والتجهيز، لهجوم مضاد جديد تحت رايات الاطلسي، وعبر صفقة القرن مع قوى الاسلام السياسي، والعثمانية الجديدة، لقطع الطريق على الفرصة التاريخية الفريدة غير المسبوقة، المتاحة أمام قوى الامة والمنطقة، وسوريا خصوصا، للافلات من قيود السيطره الغربيه، وارساء ملامح لشرق مغاير، للشرق الاوسط الصهيو-امريكي.
فعلى امتداد المائة عام الاخيره، جرى تشكيل وأعادة تشكيل واقتسام المنطقه وادارتها عبر ومن خلال ارادة القوى الغربية المنتصرة. حيث فرض المنتصرون، (سايكس- بيكو- ووعد بلفور) بعد الحرب الاولى، وكذلك (يالطا واغتصاب فلسطين) بعد الحرب الثانية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، انفرد الامريكي – الصهيوني بالمنطقه والعالم، وفرض صيغة (مدريد وأوسلو ووادي عربه)، ولأجل أدامة أنفراده وفرض مشروعه الامبراطوري على العالم، (غزا ودمر وأحتل العراق ).فيما اللحظه الراهنه، تتيح فرصه تاريخيه نادره، لاعادة بناء المنطقه، رغم أرادة القوى الغربيه، وعلى أنقاض نظامها الاقليمي المنهار، بينما هي أسيرة أنكفائها وتقهقرها، وتعاني مأزق ازمتها الكبرى، وليست في وضع الانتصار والتفوق، كما كان حالها في المحطات السابقة.
أن معادلة الصراع التي تعيها المراكز الغربيه، ولم تدركها الاغلبية الساحقة من النخب العربية، بكل أسف، كشفت عن مفارقة ذات دلالة جوهرية وتاريخية، فرغم المواجهات الطاحنة، وأختلال ميزان القوى الكامل طوال الوقت، لصالح الاعداء وبلوغهم ذروة القوة أو ما يسمى (القوة الحدية)، نتيجة ألانفراد الامريكي – الصهيوني بالمنطقة والعالم، وأستسلام النظام العربي، وتبعيته الشاملة، وغياب أي ظهير دولي، رغم هذه المعادلة القاسية وغير المسبوقة، لم يستطع حلف الاعداء أن يحسم الصراع، وأن يفرض أرادته، وفشل في تطويع سوريا وتدمير المقاومة وتصفية القضية المركزية. ما شكل في الحقيقة أساس الفرصة التاريخية، وجسد المعنى الشامل والعميق لخيار الممانعة الذي يهزؤن منه، وكشف عن متن قانون نهوض وصعود الامة والمنطقة، بعد أن فشلت كل محاولات كسرها وتحطيمها، ودفع حلف الاعداء الى منحنى هبوطه التاريخي كما المرحلي. وهذا ما كشفته وعبرت عنه بوضوح، مفارقة التحرير العظيم لجنوب لبنان،والحاق أول هزيمة بالعدو الصهيوني، وأيضا الانتفاضة الثانية في فلسطين وتصدع أوسلو، في ذروة عصر الانفراد والقوة الامريكي – الصهيوني.
أن الادراك الامريكي – الصهيوني لهذا الاستخلاص، أدى الى سعار صهيو –أمريكي وموجات جنون متلاحقة، بدءا من مشروع الشرق الاوسط الكبير فغزو العراق، ومن ثم الارتداد على سوريا بشروط كولن باول الشهيره، وقانون محاسبة سوريه، فالقرار(1559) مرورا بأغتيال الحريري والمحكمة الدولية، ومشروع الشرق الاوسط الجديد، فحرب تموز وغزة والفوضى الخلاقة.
موجات متلاحقة من الهجوم والضغط المكثف، أنتهت الى الفشل والعجز، ليس عن حسم الصراع فقط، بل وأفضت الى فقدان المركز الامريكي وخسارته لميزة أنفراده وأنهيار مشروعه الامبراطوري، وأنفجار أزمته الاقتصادية الكبرى، وفشل مساعيه لتصديرها وحلها على حساب الاخرين، واضطراره الى الانكفاء مدحورا من العراق. ومن ثم أنهيار حلفه الاقليمي وبدء مسلسل تفكك حلقاته.
لقد حقق محور الممانعة والمقاومة أنجازا ضخما، وأحدث بنتيجة ملحمة الثبات والصمود الاسطورية، تحولا نوعيا في ميزان القوى العالمي، وكشف عن مخزون الطاقه الهائل لدى الامه، وعن قانون نهوضها وتجلت بوضوح أبرز ملامح الخصوصية السورية، بوصفها الاقليم – القاعدة، ومحور الارتكاز المقرر لوجود الامة، والحاسم على صعيد المنطقة، وموازين القوى الدولية، وأنفتح بذلك أفق التغيير، مؤذنا بزمن جديد ومرحلة مختلفة.
على هذه الخلفيه، يمكن قراءة المشهد العربي، وقراءة زلزال وصيرورة التغيير والحراك المحتدم، في أطار البنية العربيه العالقة في أزمة بنيوية ممتدة ومتفاقمة، حيث تتفاعل التحولات في بلادنا وتأخذ أبعادها وآفاقها، ارتكازا على العامل الموضوعي الداخلي المثقل بالازمات، والحاضن لشروط الثورة والتغيير، ولكن المعاق في الوقت نفسه، بأزمة برنامج وقوى التحرر القومي، وعجزها عن الامساك بلحظة التغيير وأحتلال موقعها في قيادة الشارع، الامر الذي كانت له،ولا تزال،اثارا خطيره،أنعكست على المجرى العام للحراك العربي، وحرمت الوضع الثوري، والحراك الجاري، من القياده ووضوح البرنامج والاهداف، وفهم التناقضات وتحديد جبهة الاعداء وترتيب الاولويات بوصفه العامل والشرط الذاتي اللازم لضمان انتصار الثورات، وتمكينها من تحقيق اهدافها، وانجازالقطيعه المطلوبه مع واقع وشروط التبعيه، وتحرير الاراده الوطنيه، وتركيز الطاقه الشعبيه لأنجاز مهام التحرر الوطني والقومي، وفك التبعية.
لقد أتاح (كعب أخيل) العربي، الناجم كما سبقت الاشارة، عن أزمة حركة التحرر العربية، أتاح للمراكز الغربيه وأدواتها النفطية، نقطة الضعف المطلوبة، للدخول على خط الازمه المتفجرة كما وجدت في قوى الاسلام السياسي، والنخب الليبرالية، المهيمنة على الشارع، بالتكامل مع النخب اليسارية والقومية المنهارة، وجدت في هذا الخليط، مادة مهيئة للاستخدام (كحصان طروادة)، وأدوات لثورة مضادة، تساعدها على أحتواء الحراك، والسيطره على الشارع والميادين، والحيلولة دون حدوث تغيير حقيقي.
وفي المجمل، فأن قوى التبعيه، في المراكز، كما في المنطقه، ومن موقع ادراكها، للابعاد الاستراتيجيه لهذه التحولات وآثارها ونتائجها، على المنطقه والعالم، سارعت الى حشد امكاناتها، والاندفاع في ثورة مضادة، وهجوم معاكس على محورين، يستهدف في
محوره الاول، أحتواء الحراك والتغيير، بالأتكاء على وهم النموذج الاردوغاني التركي، وعقد صفقة كبرى مع قوى الاسلام السياسي، لإنتاج مركبات سلطه جديده، تقوم على تعديل وتوسيع القاعدة الطبقيه لحلف التبعيه وضم قوى الاسلام السياسي الى مركب السلطة الى جانب الجيش، وقوى المال، في اطار ديموقراطيه برلمانية في الشكل، طوائفيه في المضمون، تحت مسمى (الدوله المدنيه) الجاري ترويجها، بحيث تكرس وتعيد انتاج التبعيه، وتستجيب في الواقع، وتلائم حاجة راس المال المالي والشركات المافوق قوميه، الى اضعاف وتفكيك الدوله الوطنيه، وتكييفها لاهداف انتزاع ونهب فائض قيمه اعلى، وبما يناسب شروط الهيمنة الصهيونية، وإختزال الحراك، وحصره في ظواهرالاستبداد والفساد، وعناوين الديموقراطية وحقوق الانسان وجدل الدستور، وحجب الانظار عن عوامل وأسباب الازمة الحقيقية، الضاربة في علاقة وبنية التبعية، والتضحية ببعض الرؤوس الحاكمه، وأحداث تغيير في الشكل العام لبعض النظم، وفي ذات الوقت تفعيل عناصر الانقسام الطائفي والمذهبي، والافاده من كل اشكال وعوامل الخلل، والتشوه الكامنة في بنية الواقع العربي،لاجهاض الحراك الشعبي، في بلدان، وتفجيره في اخرى، وتوظيفه، لاغراض الاحتواء، وزيادة فرص التدخل الخارجي المباشر، وغير المباشر.
وفي المحور الثاني، تركيز الهجوم لتدمير سوريا، ومحور المقاومه والممانعه، ومحاولة أعادة مشروع الشرق الاوسط الاسرائيلي، من نافذة الصفقة مع العثمانية الجديدة والتوابع النفطية وأدوات الاسلام السياسي والثورة المضادة، بعد ان أرتد وأنكفئ على صخرة حلف الممانعة والمقاومة، بوصفه شرطا وضرورة لا يمكن بدونها، أحتواء مسار التغيير العام في المنطقة، وأبقائه تحت السيطره.
فهذه القوى تدرك جيدا، ان جهودها وترتيباتها، لضمان أحتواء مصر، وتونس وأحتواء فرص التغيير الزاحفه في المدى العربي، تبقى ضعيفه ومؤقته، ومعرضه للانهيار، اذا ما بقي محور المقاومه والممانعه صامدا، وهي تعي ان هذا المحور، وعبر موقعه في الصراع، ونجاحاته المتراكمه، وعبر بوصلة ومغناطس الصراع الرئيس ضد المركز الصهيوني، سوف يكون قادرا على التأثير، في مجرى التحولات الجاريه، ويعيد توجيهها وضبطها، وفق اولويات الصراع والتحرر القومي.
أن الهجوم الصهيو- اطلسي – التركي – النفطي على سوريا، يأتي كإستدراك، لإحتواء الفشل الامريكي، ويهدف الى منع قوى الممانعه والمقاومه، من أستثمار صمودها وتظهير إنتصارها، وحرمان الامه وقواها المقاومه من البناء على هذه الأنتصارات، ومنعها من أستثمار الفرصة التاريخية المتاحة، بنتيجة هذا الاندحار، ومنع الانعكاسات والآثار والتحولات النوعيه، التي ستطال موازين القوى الاقليميه والدوليه عامة، ومستقبل الوجود والدور الصهيوني خاصة، ومحاولة جديدة لأنقاذ الكيان الصهيوني من أزمته البنيويه المتفاقمه، واعادة الاعتبار لوظيفته الاخضاعية، بعد العطب والشلل الذي لحق بهذه الوظيفه، وتراجع قدرا ته على العدوان، وفشله في أخضاع سوريه وتصفية المقاومه في لبنان وفلسطين، بالترابط مع أستفحال الازمه البنيويه العميقه التي تثقل توابعه الكيانيه لبنانيا واردنيا وفلسطينيا، وأهترائها وأستنفاذ أدوارها المسانده والمتلاحمه معه، والسعي لأعادة تأهيله من جديد، وتمكينه من السيطره على مجمل الحوض السوري، عبر إعدام سوريه والمقاومه، بوصفها الجوزه الصلبه، والقوه المانعه من تصفية القضية الفلسطينيه، وخلق بيئه أستراتيجيه ملائمه، تتيح له التحول الى مركز يهودي مهيمن، وسط بيئه طوائفية ومذهبيه مفككه ومتصارعه، بالشراكه والتكامل مع الطورانيه – العثمانيه الجديده والتوابع النفطيه وتوظيف قوى الاسلام السياسي، كأداة في عملية تفكيك جديده للمنطقه.
لقد أمسى واضحا أن صيغة سايكس- بيكو الاستعماريه القديمه، باتت مستنفذة ومتهالكة، وتنطوي على ازمه عميقه، أفقدتها القدرة على تأمين السيطرة، والأخضاع الفعال للمنطقه، ولم تعد قادرة على لجم قوى الامه، وضمان أحتجازها، ومنع أنعتاقها.
أن أقليم سوريه التاريخيه بين خيارين، فأما سايكس- بيكو جديده، وأسرائيل المهيمنه بالشراكه مع الطورانيه العثمانيه الجديده، والتوابع النفطيه، وأدوات الاسلام السياسي، وطمس الصراع الاساسي ضد الامبرياليه والصهيونيه، وتحويله الى صراع مذهبي- طائفي، كأيديولوجيا – سياسيه، تفكيكيه، تحطم قوى المنطقة وتقوض مؤسسات الدوله، ووحدة المجتمع.
وأما وحدة البلاد السوريه والعراق، كضرورة موضوعية، وإستحقاق باتت تمليه طبيعة المواجهة المحتدمة، ومصلحة هذه البلدان الراهنة والعاجلة، والمأزق البنيوي لواقعها (القطري – الكياني ) بأبعاد أزمته الشاملة، أقتصاديا وأجتماعيا وأمنيا ووجوديا، وتصدع وأنهيار منظومة أمنها الاقليمي (أمريكا – أسرائيل – البترودولار)، ودخولها في نطاق سيرورة تفكك، لها ديناميتها الذاتية، تفرض ممرا أجباريا، ليس بوسع أيا منها تفاديه، حيث أمسى المصيرالكياني مرتهنا ومحكوما، ليس فقط، بمصيرالمعركة على سوريا، بل بحتمية التحلل والتفكك، ودينامية أستقطاب وصراع حاسم ونهائي بين القطبين أوالمركزين الاساسيين، السوري – الاسرائيلي، للسيطرة على مجمل رقعة الحوض السوري والغاء أحدهما للاخر.
أن الدعوة لتبني إستراتيجية الهلال العربي المقاوم، تستمد موضوعيتها وراهنيتها، ليس من حقائق التاريخ والجغرافيا فقط، بل من معطيات اللحظة وحقائق الواقع بتحدياته ومخاطره وإستحقاقاته الخطيرة، وهي إذ توفر لدول المنطقة البديل الذي يحميها من مخاطر الانهيار الشامل، فأنها تفتح لجماهير وقوى الامة، أفقا جديدا، وتعيد لها الامل بالوحدة والتحرر، بعد طول يأس، وتحرر الوعي، ومخزون القوه والطاقة الهائل، وتحشده في أطار جبهة شرقية شامله، تنخرط فيها مختلف قوى المقاومة والقوى الحيه، تحت راية مشروع أقتصادي – أجتماعي– سياسي- ايديولوجي – توحيدي جديد، يرسم أطارا وجغرافيا سياسيه جديده، للنهوض بالهلال العربي، وبناء الاقليم -القاعدة على أنقاض، وفي مواجهة سايكس- بيكو القديمه، كما الجديده، ومشروعها التفكيكي، ويكون ركيزة ورافعة كبرى لإنهاض برنامج التحرر الوطني والقومي العربي، وحل أزمته، وإعادة توجيه الحراك العربي، وضبط بوصلته في مواجهة قوى التبعيه، والثورة المضادة، وتكريس أهداف الامه، في التحرير والتحرر والوحده والحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية.
أن قراءة المشهد السوري والتركيز على الاستهداف الخارجي وأخطاره الكبرى،لا يعني، ولا يصح معه، تجاهل البعد الداخلي للازمه،لا من حيث حدتها وعمقها، ولا من حيث مشروعية الحراك الشعبي، والحاجه الملحه، للتغيير المتناغم والمعزز، لثوابت الاستقلال، واستراتيجية الصمود والمقاومه، ويجب التعامل معها بوصفها جزءا من أزمة حركة التحرر، وأن مواجهتها وحلها ضرورة لا غنى عنها، ومقدمة ومدخلا رئيسا، لحل أزمة هذه الحركة. لقد إكتسب الاستهداف الخارجي، اهميته وخطورته، من خلال موضوعية الازمه، في بعدها الداخلي، وما كان له، وليس بمقدورة ان يكون مؤثرا في غياب وانتفاء الشرط الداخلي، وحدته، ومن الطبيعي أن يسعى لإستغلال الازمة وتوظيفها، كما العمل على أعاقة الاصلاح المطلوب.
والحقيقة ان خطط وبرامج التحول الاقتصادي نحو إقتصاد السوق، وما نجم عنها من نتائج وأثار اجتماعية واقتصادية ضارة، وخلل في توزيع الدخل والثروة، لصالح فئات طفيلية، وعلى حساب والطبقات الشعبية، والقوى المنتجة، كان أحد أضلاع الازمة الداخلية، وشكل تهديدا خطيرا لدور سوريا وخيارها المقاوم، وموقعها في الصراع، ولخيارها الاستقلالي التنموي. وكان واجبا أدراك مخاطر التفريط بالخيار التنموي الانتاجي، وإستحالة الجمع بين خيار الانفتاح على السوق، وخيار مواجهة الامبريالية والصهيونية، فضلا عن متطلبات صيانة الاستقلال الاقتصادي. كما ان مأزق الفساد والاستبداد، وتزاوج البيروقراط بالمال والسوق، وما رافقه، ونجم عنه، من فساد وآثار اجتماعيه، كان من أبرز مكونات الحاضن الداخلي للازمه وضلعها الثاني. كذلك شكلت اطروحة الحزب القائد، الضلع الثالث المؤسس لهذه الحاضنة، كمدخل وحاضن لامراض البيروقراطيه والفساد، وهيمنة الاداره الامنيه، وكان لازما معالجتها مبكرا، وتلافي ضررها على المجتمع والدوله، وعلى الحزب نفسه، وأدراك مآلاتها وآثارها التراكمية في عزل مشروع التحرر، عن عمقه الشعبي، وتغييب دور الجماهير، وأقصاء قواها النقابيه والديموقراطيه، ومصادرة استقلالها، كنتيجة لأقصاء البعد والمضمون الديموقراطي، وبالتالي فقدان آليات التصحيح الذاتي، كما خسارة وتعطيل الطاقه الشعبيه اللازمه حيويا، لصيانة المشروع الوطني، وحمايته.
ان جماهير امتنا، لها كامل الحق في الكرامه والعداله الاجتماعيه، فهذا ما ناضلنا ولا نزال، لانتزاعه، ولها الحق في الثوره على شروط واقعنا العربي البائس، وتغييره. ولكن السؤال الاساس : كيف ؟ وعلى أساس أي برنامج؟ ولمصلحة من يكون التغيير؟ وبالتأكيد ان الحريه والتحرر، ليس ممكنا بمعزل عن فك التبعيه، ولا ريب ان الإستقواء بالخارج و(الديموقراطية البرجوازية وهمروجة الدوله المدنيه وحريةالسوق وصندوق النقد والبنك الدولي)، لا تحقق ذلك، بل تكرس التبعيه، وتعيد عهود الاستعمار البغيضة، وتلحق الدمار بمصالح وحقوق الكتله الاضخم من جماهير الامه، بل بوجود الامه ذاته، كما ان القوى التكفيريه والبنى والنزعات الطائفية والعشائرية والجهوية، لا تنتج إصلاحاً، ولا تغييراً، بل دماراً وخراباً للبلاد وللبنية التحتية، وللمؤسسات، وللنسيج الاجتماع والوطني، سواء بالسلاح او بدونه، وقد رأينا ذلك بوضوح في العراق، كما في ليبيا، وكما يحاولون في سوريا.
وفي مطلق الاحوال، وإستنادا لجدل العلاقة بين الوطني والاجتماعي والديموقراطي وبالنظر لمركزية فك التبعية، وأولوية التناقض الوطني والقومي، في مواجهة الامبريالية والصهيونية، كتناقض رئيسي وأساسي لا يمكن النظر الى الازمة في بعدها الداخلي من منظور التناقض الرئيس، ولا بد حكما من حلها ومعالجتها أصلاحيا وديموقراطيا.
والحقيقه أن برنامج الاصلاح والتحول الديموقراطي في سوريه، قد خطى خطوات واسعة وحقق أنجازات ملموسة وكبيرة، ورغم كل ما يقال، فقد تقدم في مداه، عما تحقق في مصر وتونس، فضلا عن اليمن والاردن وبقية البلدان العربيه، كما تميز عنها، بالمضامين العلمانية لقانون الاحزاب، ومضامين العدالة الاجتماعية للدستور الجديد، ومستوى الحريات، وها هي سوريه على موعد مع أول أنتخابات نيابية، في المرحلة الديموقراطية الجديدة، رغم هجمة الارهاب والتشويه العالمية، والامل معقود على نجاحها في أطفاء نيران الازمة في بعدها المباشر، وتطوير مساحة ونوعية المشاركة الشعبية والسياسيه. وأن تحفظ وتعزز المكتسبات الاجتماعية للطبقات الشعبيه وتصون الخيار الاستقلالي التنموي والاقتصاد الانتاجي.
بيد أن الازمة في الحقيقة تتجاوز بأبعادها، المستوى الداخلي وبرنامج الاصلاحات الجاري، وهي تحتاج الى رؤيا شامله وثورية، تنطلق وتحقق الترابط اللازم بين هذه الاصلاحات من جهة، ومتطلبات الخصوصية السورية من جهة أخرى، من حيث الموقع والدور داخل الحوض السوري، والصراع فيه وعليه، والذي إنتقل الى مرحله إستراتيجية حاسمة ونهائية، تستوجب مستوى جديد في أدارة الصراع، حيث لم يعد ممكنا مواجهة المرحلة الجديدة، بالوسائل والاليات والاستراتيجيات السابقة، رغم نجاعتها في تحقيق الصمود، وما من بديل عن تطوير نظرية جديدة للصراع، وأستراتيجية مواجهة تتناسب ومسرح وشروط المواجهة الراهنة.
والحقيقه الواضحة، أنه وحيث تنجح سوريا في كسر حدة الهجوم، وإحتواء الازمة ببعديها، وتتقدم نحو شاطئ الامان، وحيث تتحول المواجهة من صراع على سوريا الى صراع مع سوريا، فأن المواجهة تغدوا حكما على رقعة الحوض، والبلاد السورية، كما هي على العراق ومستقبله، ومستقبل الاردن وفلسطين وفك أرتباطهما وتبعيتهما للعامل الصهيوني وتصفية وادي عربة وأوسلو، وحماية المقاومة في لبنان وإنقاذه كما العراق من مستنقع الطائفية والمذهبية، بما يعني في الواقع أولوية ومركزية وراهنية مشروع الهلال العربي المقاوم، وحاجة أطرافه الى توليد صيغة وحدوية تكاملية، وبمرونة كبيرة، لا بأس ان تلحظ، الهويات البائسة العزيزة على أصحابها، وفي ذات الوقت، توفر الحل اللازم لازمة مختلف أطرافها، وتضعها على سكة التكامل والوحدة، وتنقذها من مخاطر التفكك والانهيار.
وعودا على بدء، فأن الدعوة برسم الادارة السورية وقوى المقاومة والاحزاب والرموز القومية والوطنية والكتاب والمثقفين وكل القوى الحية، لبناء جبهة متحدة من أجل وحدة بلاد الشام والعراق، وتركيز النضال من أجل بناء الاقليم – القاعدة، كضرورة وحاجة ملحة ورافعه كبرى لحركة تحرر عربيه جديدة، وعزل وهزيمة قوى الثورة المضادة، وتعميق وتطوير الحراك الشعبي نحو أفاق الثورة الشاملة.
::::
“عربي برس”
الرابط:
http://www.arabi-press.com/?page=article&id=36783
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.