وأكاذيب ويكيبيديا والجزيرة
عادل سمارة
لا يكرر التاريخ نفسه مأساة ولا ملهاة إلا مجازاً، ولا تتدفق المياه في النهر مرتين. خطر لي أن أعقد مقارنة خفيفة بين الاتحاد السوفييتي في فترة الشيوعية الحربية حزيران 1918 إلى اكتوبر 1921 حيث غزاه “الحلفاء-أجداد الناتو وخاض حربا أهلية مع جنرالات القيصر، وبين سوريا في الأيام الحالية وهي تتعرض لهجمة الناتو والسلاجقة الذين خربوا الحضارة العربية واستعمروا الوطن اربعة قرون سوداء ولهجمة قوى الدين السياسي من وهابية وإخوانية ويهودية صهيونية. رجعت إلى بعض المراجع لكتابة هذه السطور، ومن بينها ويكيبيديا. وبالطبع احتوى الملف على نقد وهجوم تقويضي على هذه السياسة التي اصر عليها لينين لإنقاذ الاتحاد السوفييتي. وليس هذا أهم ما لفت نظري، بل قيام هذا الموقع الإمبريالي الخبيث بإخفاء أهم حقيقة في هذه الفترة الحربية وهي قيام الغرب الراسمالي “الحلفاء” بالعدوان على الثورة البلشفية حيث تقدموا ب مليون ونصف جندي. ألا يطرح هذا الكذب المكشوف تساؤلات هامة على كتابة الراسمالية للتاريخ؟ ألا يوجب الحذر حتى في قراءة الأكاديميا الغربية الراسمالية؟ فإذا كانت هناك فيالق من المثقفين/ات العرب والفلسطينيين المخترَقين، فإن نظرائهم في الغرب مجندين طوعاً لتزييف الحقائق، وكله خدمة لتراكم راس المال.
في الدولة البلشفية الفتية كانت إذن جيوش الإمبريالية والجنرالات البيض والورديون وقوى كثيرة كلها ضد الثورة. في سوريا نفس الحلفاء، وإلى جانبهم دول النفط وتركيا والكيان الصهيوني الذين جربوا كافة الأسلحة والأدوات التي يستطيعون. والمفارقة أن روسيا اليوم هي حفيدة روسيا الشيوعية ، تقف مع سوريا. وكذلك الصين التي كانت تتبلور فيها الماوية.
في الشيوعية الحربية جرى تجنيد الفلاحين كي لا يبيعوا إنتاجهم في السوق ليجوع الجيش الأحمر والمدن وبالتالي تسقط الثورة، وهو بالمناسبة نفس التكتيك الذي حصل في فرنسا لاغتيال كوميونة باريس 1871. وقام فلاحون بعدم زراعة ما يزيد عن حاجة اسرهم كي لا تضع الدولة يدها على الإنتاج بسعر تضعه هي. وانتشرت السوق السوداء والتهريب وغدت مناطق كثيرة خارج سيطرة الدولة، وحتى مناطق النفط غدت بيد الجنرالات البيض، جيش القيصر من نيسان 1918 إلى نوفمبر 1920. والأهم أن الغرب إضافة إلى الغزو فرض على الدولة الاشتراكية الفتية حصاراً اقتصاديا كاملاً.
واليوم تقوم دول “الحلفاء” ومعظم الأنظمة العربية بمقاطعة سوريا ويقوم المسلحون بقطع وتفجير أنابيب النفط كما ابان أحد الخبراء السوريين ذلك باكتشافه لتفجير مصفاة النفط في حمص ، وقيام المسلحين بمجازر ضد الفلاحين الذين يرفضون التعاون معهم. وربما تدفع السعودية وقطر اموالاً مقابل إتلاف المحاصيل في سوريا.
ولكن الفارق الأساس أن الجيش السوري في وضع أقوى بما لا يُقاس من الجيش الأحمر في حينه، كما أن الموقف الدولي منقسم حيث أكثر من نصفه عددا وقوة اقتصادية وعسكرية حليف لسوريا وإقليمياً، تقف إيران معادلاً ونقيضا لتركيا.
نقطة الضعف ضد سوريا هي الأنظمة العربية التي تعلم أنها الضحية إثر انتصار سوريا لأن متغيرات هائلة في المنطقة والعالم على الطريق. لذا، فهي كما فعلت قريش ضد الرسول حيث القت بقضها وقضيضها ضده، ولم تفلح. ولعل هذا يبين ما الفارق بين القوى الصاعدة وبين القوى التي بدأ التاريخ بطي صفحاتها.
يجدر التذكير بموقف كثير من المثقفين الروس في الثورة الذين كانوا يتكومون في الحانات يحتسون الفودكا ويسخرون من الثوار متهكمين عليهم بأنهم يحاولون هزيمة القيصر. هكذا يفعل مثقفون كثر في الوطن العربي، مع فارق هام:
فالمثقفون الروس، الذين سخروا من الثورة وقعوا في شرك عجزهم عن رؤية حركة التاريخ.
أما المثقفون العرب والفلسطينيون، فإضافة إلى عجزهم عن رؤية حركة التاريخ بوقوعهم في وهم أن الغرب لا يُهزم، فهم إنما يجدونها فرصة ارتزاق، ولا إخال كلمة واحدة يكتبها او حتى يلفظها أحدهم إلا وثمنها يملأ حلقه ذهباً. ومن سكت منهم ربما لأنه اختنق وليس لأنه اكتفى أو تحول.
عود على بدء، فخبث ويكيبيديا يذكرنا كذلك بما يكتبه الغرب الراسمالي حتى في الأكاديميا عن الثورة الثقافية في الصين في الستينات من القرن العشرين. وهكذا، فإن الخروج بقوة على الخطاب الغربي الراسمالي، هو ماثرة تاريخية ليس فقط لفردانيته وتعاليه وإنما كذلك لأكاذيبه.