عبداللطيف مهنا
قد تشهد فلسطين المحتلة في أيامها القادمة طفرةً تهويدية جديدة تستهدف بواقي مالم يهوَّد بعد في الضفة الغربية، وأقله سوف نرى تسارعاً تهويدياً صريحاً يتخلى فيه المحتلون عن المواربة وابتداع مايلزم من مبتذل التبريرات المعتادة لابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية المتبقية. هذا ليس من قبيل التكهنات، بل هو المتوقع بالنظر إلى ما بات في حكم المعلن الذي لا لبس فيه. قبل أيام إنهت لجنة من تلك اللجان التي يطلقون عليها مسمى لجان “البؤر الإستيطانية” مهمتها وقدمت تقريرها حول العملية التهويدية الجارية في الضفة إلى نتنياهو، الذي وعد بأنه سوف يدرسه بإمعان. هذه اللجنة تعد الأخيرة فقد سبقتها لجنة “طاليا ساسون”، وهي برئاسة قاضٍ متقاعدٍ يدعى ادموند ليفي، وخالفت سابقتها فكانت الأكثر وضوحاً منها والأقل مواربةً. الأولى خلصت الى أنه من كل ما زرع من مغتصباتٍ تهويديةٍ في ذلك الجزء من فلسطين المحتلة يوجد مائة بؤرة “ليست شرعية”، بمعنى أن كل تلك الأخرى التي غدت مدناً وكتلاً كبرى وتجمعات كثيفة تربطها مع الساحل المحتل خطوط حديدية قيد الإنشاء هي مشروعة، وفقط أن هذه البؤر الثانوية او المعزولة، أو، وفق تعبيرهم المفضَّل، العشوائية، هي من شذ عن هذه الشرعية المزعومة! أوكأنما هناك مغتصبات لإحتلالٍ إستيطانيٍ إجلائيٍ إحلاليٍ من قبل كيانٍ غازٍ يقوم على نفي صاحب الحق المغتصب والحلول مكانه حظاً من الشرعية… متى نظر المستعمرون، وعبر تاريخهم، لإستعمارهم أودعوه بغير المشروعية ؟!
لجنة ليفي “لفحص” التهويد توصلت إلى أنه بالمجمل شرعي وان الكيان ليس بدولةٍ محتلةٍ”، وقال تقريرها، إنه “من ناحية القانون الدولى، ليس بغير القانوني بالنسبة لليهودي الإستيطان في يهودا والسامرة” وأوصت بتغيير “النظام القضائي” المعمول به في الضفة، وبالتالي إلغاء سلسلة من القوانين والإجراءات والتعليمات المتعارضة مع رؤيتها هذه، ومنها قرارات ماتسمى “المحكمة العليا” المتعلقة، ذلك لتسهيل تجسيد “حق اليهود في الإستيطان في كل أرجاء يهودا والسامرة”، بل طالبت بسجل “طابو” إسرائيلي للضفة يمنح اليهود حقوق ملكية فيما سلبوه وهوَّدوه من الأرض الفلسطينية هناك.
تشكيل اللجنة الجديدة تم لاسترضاء المستعمرين الذين إعترضوا على تقرير لجنة “طاليا” المشار اليها في العام 2005، ولذلك إعتبر هؤلاء صدور تقريرها الذي جب ما قبله “عيداً للإستيطان” وعدوه ذخيرةً مضافةً لهم فاستحق أن يحتفلوا بصدوره، لاسيما وأنه بات من الآن فصاعداً مامن حاجةٍ لديهم للمطالبة بقرارٍ حكوميٍ بأثرٍ رجعيٍ يشرِّع أو يعترف ببؤرةٍ تهويديةٍ ثانويةٍ أو عشوائيةٍ أو بأية وصفٍ توصف… السؤال الذي ينبغي أن يطرح بهذا الصدد، هو: وهل في كل مافي هذا الأمر من جديدٍ ؟!
عضو في “لجنة ليفي” كفانا عناء الإجابة سلفاً حين عقَّب على بعض الإعتراضات في الكيان، المعترضة ليس على مضمون ماجاء في التقرير، ولكن على الشكل الفج أوالصريح الواضح في منطوقه الذي قد “يضع إسرائيل في مواجهة القانون الدولي”. قال في تعقيبه: إن كل ماهو” الجديد في التقريرهو أنه يعلن صراحةً عما كان يقال بالغمزفي قرارات المحاكم والحكومات المتعاقبة وهو أن الضفة ليست أرضاً محتلةً…”!
والسؤال الثاني هو: وهل ثمة من ردود أفعالٍ رسميةٍ فلسطينيةٍ او عربيةٍ أو دوليةٍ إرتقت فوازت اوحتى قاربت هذا الإعلان عن مبلغ ما وصلت إليه الوقاحة التهويدية لباقي اشلاء الضفة بعد الفروغ من تهويد القدس جغرافياً وتوالي تهويدها ديموغرافياً؟!
من اسف، حتى الآن وإلى ماشاء الله كل هذه الردود، إن هى وجدت، لم ترتق، حتى قولاً، لمستوى تعقيب مستشار قضائي لجماعة “هناك قانون” الإسرائيلية، الذي قال: “لجنة ليفي ولدت في الخطيئة من أجل تسويغ جريمة، ونفذت المهمة الموكلة اليها بالتمام… على مايبدو اعضاء اللجنة وقعوا في كم الساحر وتقريرهم كتب في أرض العجائب التي يسيطر عليها قانون السخافة، فلا وجود للإحتلال ولا لبؤر إستيطانية غير شرعية، وعلى مايبدو لاوجود للشعب الفلسطيني”!
والسؤال الثالث والأخير،هو، ومالذي يمنع ليفي ولجنته ونتنياهو وحكومته والإحتلال وقوانينه من إمعانهم في الوقوع في كم الساحر وابتداع آخر ما يلزمهم من فتاوى تهويدية لماتبقى مما لم يهودوه بعد من فلسطين المحتلة، مادامت سلطة الحكم الذاتي المحدود تحت االإحتلال في رام الله متيمة في عشق المرحومة “العملية السلمية”، ولازالت تعتبر “المفاوضات حياة”، ومايدعى “المجتمع الدولي”، أوالغرب لصاحبته الولايات المتحدة الأميركية، قد أشاح السمع والبصرتماماً عن قانونه الدولي وعن عدالة قضية يجهد لشطبها، ومن دأبه أن يبيح لإسرائيله المصونة ماطلبت والمعصومة من المسائلة ما شاءت… ومادام المسلمون قد نسوا القدس بثالث حرميها واكنافها، وطالما ظل عرب الأنظمة في وادٍ آخرٍ، أو وديانهم الأخرى، يعمهون، حيث لكلٍ من قطرياتهم واديها السحيق الغارقة، أو الهاربة من التزاماتها إتجاه قضية قضايأ أمتها في منعرجاته ؟؟!!