قطاريس… والباب ليس عالٍ

عادل سمارة

حينما كان المتنبي يؤسس شعراً لوحدة مصر وسوريا، كان كافور الإخشيدي يعبث بخيرات مصر في نهمٍ تصور أنه بذلك يحرره من “عبوديته” بمفهوم أهل ذلك الزمان للعبودية. فقال المتنبي من قهره:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها…. وقد بشكن وما تفنى العناقيدُ

في ذلك الزمان أدرك المتنبي الفارق بين سيف الدولة وبين كافور.  بين تحدي سيف الدولة للامبراطورية الرومانية الشرقية وبين تهتك كافور في مصر . وأدرك أن العبرة ليست في ثراء البلد بل في المعية القيادة. لذا هجى كافوراً وانحاز إلى سيف الدولة.

لعل العبرة من هذا في حدث اليوم. وقد كتبت أكثر من مرة مؤخراً، أن لا تنتظروا مصر طالما هي في هذا الحال. إذهبوا اين التحدي وشدة المعركة تجدون بذور إعادة الخلق هناك. هذا قدر سوريا اليوم. فالعروبة والنهضة وطرق أبواب التحول بعد الانتصار إلى التنمية والاشتراكية لا تكمن في مصر الحالية، وهذا مختلف عن كونها تكمن في مصر غير الحالية.

رئيس مصر لم يتحرر من طبقته وإيديولوجيا الدين السياسي التي تكرس القطرسة. والقطريسة غير العبودية. فالقطرسة بالطوع والكسل والوضاعة بينما العبودية بالقسر. فقد سجل العبيد ثورات عديدة في التاريخ، بل إن العبيد هم الطبقة التي اسست للثورات في تاريخ البشرية. وليس سبارتاكوس والزنج والقرامطة سوى نماذج قليلة.

أما القطاريس، فليسوا طبقة بمعنى الوعي الطبقي، وليسوا طبقة بمعنى الوعي الطبقي لأنهم ليسوا طبقة بمعنى الدور الإنتاجي. وحتى لو اشتغلوا فهم إلى حين حيث يُنقلون من سيد لآخر كما البضاعة. لذا يقولون: “قطرس عند فلان سنة وأخرى عند فلان”. وهذا النقل لا يشكل تراثاً اجتماعيا سياسيا يؤدي إلى تحولات، فهل ليس اصيلاً بل هو معيناً.

يلتقي اقتصاديو التنمية بأن ثروة كل بلد كافية لأهلها إذا ما أُحسن توزيعها، ويتضمن هذا القول بالطبع شغل وإنتاج أهل البلد. هكذا كانت مصر الناصرية والتي رغم دخولها في أكثر من حرب لتحرير فلسطين لم تشهد الجوع، بل أُخرجت من الجوع. ويكفي أن نذكر أن مصر الناصرية وسوريا 1956 حينما قررت الحكومة الوطنية في الأردن إلغاء المعاهدة البريطانية تعهدتا بتوفير ما كانت تمنحه بريطانيا للأردن. بينما بعد ناصر تدفق عمال مصر إلى قطريات الريع النفطي للعمل في مختلف الأشغال وخاصة السوداء وحتى للعمل في الأردن. وهناك بقي فقراء  مصر فقراء، وجرى تجنيد مليونيرات الدين السياسي الوهابي. والطريف ان مرسي شخصية مركَّبة من التراثين:

·        فهو من ابناء الفقراء الذين مُنحوا أرضا وتعلموا في عهد ناصر

·        وهو منتمٍ إلى قطاريس القطط السمان الوهابية

واليوم، بدل أن يذهب رئيس مصر مذهب عبد الناصر ذهب مذهب كافور والسادات ومبارك. فوقف على ابواب أنظمة الريع النفطي يستجدي أكثر من كافور في قطر والسعودية، والصندوق الدولي وانتهى في استانيول التي منحت مصر مليار دولار.

لم يذهب مرسي إلى الشعب المصري ويصدر سندات قروض ولم يذهب إلى تحرير الثروات المصرية المنهوبة، فالقطروس لا يتحدى سادته، وكما قلنا القطروس عبد بطبيعته وهذا بخلاف من يُستعبد بالقوة فيثور، بل ذهب إلى الاستدانة ليجعل من اقتصاد مصر قطروساً لدى هؤلاء جميعاً يعمل لتسديد ديون هذا اليوم وديون ذاك غداً,

لكن للاستدانة ثمنين:

·        دفع اقساطها  وفوائدها وخدماتها المالية الصرفة

·        وجاهزية خدمات سياسية لا تختلف عن دور البلطجة التي يقوم بها القطاريس.

من هنا بدأ مرسي بتهديد سوريا، وهذا التهديد الشفهي حتى لو وقف عند هذا الحد، فهو يُهين مصر التي بدل أن تكون قيادة الأمة العربية تتحول إلى كرباج بيد القومية التركية الطورانية.

وهنا نسأل اشتراكيين في مصر منحوا اصواتهم لمرسي باسم الماركسية، ولم يتراجعوا اليوم فهم يمنحوه صوتهم ضد سوريا؟ هل وراء هذا تثقيف كاره للقومية العربية؟

ولكن، ماذا عن الكثير من الناصريين، والذين يُفترض أنهم عروبيون؟ كيف يقفون ضد سوريا، اي في صف مرسي وكوافير قطر والسعودية والإمارات والأتراك؟

ولعل الشكل الكرتوني للموقف أن تركيا نفسها قطروس  سياسياً لدى الاتحاد الأوروبي حيث تتموضع بالصدفة الجغرافية بين آسيا وأوروبا كمؤخرة لأوروبا، وليس اخطر من المؤخرات. أليست كندا[1] بما هي مؤخرة  الولايات المتحدة أخطر سياسيا من الولايات المتحدة نفسها.

تحلم تركيا بتغيير موقعها من مؤخرة إلى عضو في النادي الأوروبي، فتطلب منها أوروبا خدمات تؤهلها لدخول نادي راس المال الأبيض فتقدم تركيا:

·        فواتير خدمة الكيان الصهيوني

·        واليوم فاتورة عض سوريا.

ولا تكتفي أوروبا عاشقة الموت، ولن تكتفي لأن أوروبا:

·        عاشقة تاريخية لقتل الأمم

·        ولا تشبع من التراكم، فما بالك وهي مأزومة

·        وأوروبا نفسها قطروس عند الولايات المتحدة.

لذا، لن تتغير أوروبا الراسمالية، ولن تدخل تركيا نادي أوروبا، ولن تزيد مصر مرسي قيد خردلة لنباح كلب تركي لا يعض إلا إذا قفز صاحبه أمامه وسيقان صاحبه من الخرفيش.


[1] في عام 2003 أرسلت 40 نسخة من كتابي

 Epidemic of Globalization : Ventures in World Order: Arab Nationalism and Zionism

إلى أصدقاء دعوني لمؤتمر فاحتجزت الشرطة الكندية الكتاب لأنه ينقد الصهيونية ، وكتبت هناك مقالة بأن الولايات المتحدة التي مؤخرتها أضخم منها، اي كندا.