مصر: خليط متصالح طبقيا/مؤقتا

لماذا العزل لا الاستفتاء!

عادل سمارة

 

تحذير: لكي لا يتعب من لا يحبون سوى عيونهم، فإن كاتب هذه السطور مع عزل الرئيس محمد مرسي حتى ولو للأسباب الثلاثة التي ذكرتها قبل عزله: 1- لأهمية سقوط أنظمة وقوى الدين السياسي (فهناك قوى ودين سياسي إسلامي ويهودي ومسيحي/غربي).2- لأهمية الحراك/الرفض الشعبي كاستفتاء على إسقاط ديكتاتوريةالصندوق البرجوازي الغربي وخطاب الغرب الذي يخترق التوابع العرب بأنواعهم وفصائلهم (اللبراليين والمتمركسين والقوميين والأكاديميين والمابعد حداثيين ومن لم أعرفهم بعد) 3- ولكي تخرج مصر من جبهة العدوان على سوريا ليس فقط لأنني سوري بل لأن سقوط سوريا هو سقوط الأمة لمدى طويل قادم.

ولكن، لماذا الكتابة بعد!!!

يشتد الاستقطاب في الوطن العربي في أعقاب أحداث مصر أكثر بكثير من أحداث سوريا رغم خطورة العدوان على  سوريا، ربما لأهمية مصر، وربما لأن الموقف مما يحصل في مصر يكشف جديا المواقف الحقيقية مما يحصل في سوريا. طريف بالطبع، أن تفهم قُطرٍ من قراءة آخر. لكن الجميل/المر/ المفارِق/التراجيدي هو أن نتمكن من الإطلالة والرؤيا، على الأقل نحن من بعيد، كشعب متفرج حتى على كارثته!

في اختلاط الأمور في مصر تختلط الرؤى والتحليلات والمواقف إلى درجة سقوط المثقف في هلوسة لا تختلف أو ترقى على فتاوى شيخ من أنظمة أو قوى الدين السياسي فيرى، بل لا يرى حتى بعين واحدة أو يُبصر بعدا واحداً ويطالب الآخرين باللحاق بعماه، ويلحقونه! قد يؤذي هذا اسماع البعض، ولكن عليهم أن يصبروا قليلا قبل قطع راسي ويفكروا: ماذا يبقى في هذا الوطن بعد التغزُّل بالقتل وأكل أكباد  الرجال، وتجنيد النساء  للنكاح باسم الجهاد؟ من ينسى ان هذا يبيد الرجال والنساء، فهو في اعتقادي لا يجيد الاستماع إلا لأغنية واحدة. هو الذي قالت فيه العرب:” لا يدري ولا يدري أنه لا يدري”  حتى لو كانت شهاداته بمساحة خيمة لاجئات سوريات يتم اغتصابهن بأموال النفط في مخيم الزعتري وبحراسة تعزف “الله أكبر”!

منذ أن تمكنت حركة تمرد من جمع 22 مليون توقيع (حسب تصريحات قادة الجيش المصري) لتنحية الرئيس المنتخب محمد مرسي داخلني بعض الشك بأن الجيش لم يعد مع الرجل. ولكن مختلف التقارير أثبتت بان العدد صحيحاً بل وأكدت أنه أكثر من ذلك، ولم ينف الإخوان المسلمون ذلك، وربما ينفوه لاحقاً طالما  مزاد التخريب الإعلامي مفتوح.

وقد كتبت إثر ذلك، طالما لدى المعترضين كل هذا التأييد، فلماذا لم يلجأوا إلى استفتاء مباشر على الرئيس ببقائه أو عزله؟ لم يقترحوا ذلك، ولم تقترح قوى الدين السياسي ذلك ايضا. وهذا يسمح بتساؤلات هامة:

فمن جانب قوى الدين السياسي ربما اصابتها خشية أنها لن تكسب نتيجة الاستفتاء فبحساب بسيط لو جمعنا فقط ما حصل عليه صباحي وعمرو موسى لتجاوز ذلك ما حصل عليه محمد مرسي، ناهيك عن أصوات قوى أخرى. أي أن إخوان الإخوان كانوا سيفوزوا. لذا أصرت قوى الدين السياسي على عدم اللجوء للاستفتاء وتمترست وراء حقه في إنهاء مدته متجاهلة إن كان أنجز أم لا خلال المئة يوم التي وعد بها الكثير ولكن عاماً لم يوقف تدهور البلاد.

ولكن، لماذا لم يطرح المعارضون الاستفتاء؟ وأعتقد أن هناك تفسيرين:

الأول: تأكدهم بأن هذا الحراك الشعبي وبهذا العدد الهائل هو أقوى من ديكتاتورية الصندوق، وهذا رايي الذي لم اغيره، لا سيما أن أكذوبة الصندوق مردها الأساسي هو أن السباق دوما بين الأثرياء وفي كل مكان الأثرياء قلة. لكن الأخطر هو الاعتقاد بأن مدة الرئاسة تعني في نظر الكثيرين أن الناس قد أجَّروا انفسهم للرئيس إلى نهاية المدة. وأن بضاعة الرئيس لو فسدت قبل موعدها، فيجب أن لا تُمس! هكذا كانت تاتشر وهكذا كان جورج بوش وساركوزي…الخ بكل ما قاموا به من مذابح في العالم. طبعاً لم يحتج المجتمع المدني الغربي لأن السكين لم تكن على عنقه، ولا على عنق اللبراليين العرب المندهشين بالأبيض ونصف الأبيض، كسياسة وخطاب، بينما ما يحكم الأبيض هو المصالح المادية.

هل كان الموقف الأكثري ضد مرسي هو الذي دفع الجيش للإصرار على عزله دون استفتاء؟ وهل اعتقدت قيادة الجيش بأن هذا طريق اٌقصر مع علمها ان بوسعها ضبط الأمور بعد الاستفتاء فيما لو تمرد الإخوان؟ أم هل قالت، طالما أنهم سوف يتمردون، فلماذا نُطيل الطريق؟ أم أن هناك تقدير آخر (نؤجله لنهاية المقالة)

 

هل اصاب وأخطأ مرسي؟

لا يمكن قراءة قوى الدين السياسي ثقافيا فقط، ولا اعتماد الثقافة كاساس لمواقفها ودورها. صحيح أنها تستغل الدين كثقافة زاعمة انها تمثل الإسلام، وهي قد نجحت خلال 50 سنة في إلحاق الإيمان بالأسلمة فتورط كثير من المؤمنين في خدمة قوى سياسية طبقية متخارجة قوميا دون ان يفهموا ذلك! فقوى الدين السياسي تستمد جمهورها من الطبقات الشعبية، ولكن ليس كل الطبقات الشعبية، ومن قطاعات دنيا من الطبقة الوسطى صغار البازار مثلا، ومن قطاعات من رأس المال الطفيلي في ثوب رجال الأعمال وخاصة جناحه الخليجي: اي الخريجين من التعليم الجامعي المجاني ايام ناصر في الستينات الذين هاجروا إلى الخليج فعادوا برأس المال السائل الذي جرى توظيفه في قطاع الخدمات وعادوا بالدين السياسي. وعن هذا التيار سنتحدث ادناه باسم الرئيس المعزول محمد مرسي.

كان أول إنذار لمرسي حينما مرت المئة يوم الأولى على رئاسته ولم يتحقق  ما وعد به. وأعتقد ان الرجل وحزبه قدما وعودا وليس مشروعا. وهذا ليس عقل رجال دولة. وقد مرت سنة على رئاسته وواصلت الأمور تدهورها بحق الطبقات الشعبية وخاصة الشباب. ولم يكن لها إلا أن تتدهور لأن هذا التيار مؤدلج بعقيدة السوق والرأسمال الطفيلي والكمرادوري وليس له مشروعا تنمويا ولا نسويا بالطبع.

صحيح ان الشعب المصري مؤمن ومتدين، ولكن ذهاب الرئيس إلى المسجد لا يقدم للمؤمنين الجوعي شيئا. فهم يبحثون عن عمل او عن حقهم في الشغل الذي اشتغلوه لرجال الأعمال، أي على الأقل الحصول على أجرة تكفي الحد الأدنى. فهم ليسوا بحاجة لمن يهديهم طالما هم هناك في المسجد اصلا، كما ان هذه مهمة الإمام لا رئيس الدولة.

في عهد هذا الرئيس كان الفلتان الإعلامي، فقنوات الدين السياسي وصلت حد تكفير أكثرية المسلمين والمطالبة باخذ  الجزية من النصارى، ولكنها لم تتحدث عن استرجاع فلسطين من الصهاينة فما بالك بالتنمية والمرأة. ووصل الأمر بهذه القنوات استقدام من يتذوقون بول البعير وتذوق المرأة بول الرجل والفتوى بهدم الأهرام…الخ. وبالمقابل استغلت القنوات الأخرى هذا الفلتان لتعبئة الشارع ضد من هم وراء القنوات الأخرى، وضد سياسات الرئيس أو تورطاته والتي منها، وقوفه في مؤتمر عدم الانحياز لينحاز ضد سوريا بخطاب لم يكن في موضعه من حيث المكان والتوقيت وطبيعة المؤتمر، وكأنه كان يرسل رسائل لأعداء سوريا وإيران والمقاومة، ثم التوجه للمصرف الدولي لتعميق ورطة مديونية مصر، وهو ما لم ينجح فيه –كما يبدو- ثم لجوئه إلى الانقلاب على الدستور بالإعلان الدستوري، واستصدار قرار من المجلس التشريعي بتصرف الرئيس بأرض الوطن في إحياء “لحق الملك الإلهي” بينما وراء ذلك محاولات تأجير القناة لقطر وتنفيذ خطة الجنرال الصهيوني جيئورا اولاند لاقتطاع 720 كم مربع من سيناء لتوسيع قطاع غزة وتحويله إلى دولة تحت انتداب قطر التي زار اميرها غزة. وإرسال رسالة واضحة  لرئيس الكيان جوهرها ذل قومي وسياسي وديني وإغلاق انفاق غزة والطريف ان لا الإخوان ولا حماس نقدت ذلك! وبالطبع استغله إخوان الإخوان جيدا (صباحي والبرادعي وموسى).

ولم يكتف الرئيس بقطع العلاقات مع سوريا وطرد السفير وفتح مصر للمعارضة السورية رغم إعلاناتها الواضحة عن علاقاتها بالكيان الصهيوني. وهذا يمكن اعتباره ضمن سياسات جامعة الدول العربية. ولكن خطاب الرئيس يوم 15 حزيران واعتبار الشيعة روافض وكفاراً وهو الأمر الذي شجع 3000 مصري بقتل 4 شيعة وسحلهم، ولم يتحدث الرئيس عن ذلك بكلمة وكأن القاتل رجل سري وليس 3000!!!!، وقيامه بوضع العلم الذي فرضه الاستعمار الفرنسي على سوريا على كتفيه، وحمله بيد والعلم المصري بالأخرى، فقد تحول الرئيس إلى دور يشبه

دور برنار هنري ليفي ضد ليبيا. ولست أدري ما الذي أغراه لمثل هذا السلوك؟

وأعتقد أن الخطوة الأخطر هي إعلان الرئيس للشعب والجيش بضرورة الجهاد في سوريا. وهذا مثابة إعلان حرب. وبالطبع فإن المألوف أن إعلان الحرب هو قرار سلطة أو على الأقل مجلس حرب! فهل كان الرئيس ينفذ أجندة؟ أم كان يثير مزاحاً!!

قد تكشف الأيام هذا؟ ولكن يبدو أن هذا ما دفع الجيش لأخذ قرار العزل حتى لو بدون الحراك الشعبي بعشرات الملايين. ولذا اصدر الجيش بيانا يرفض دعوة مرسي ضد سوريا. ومن يدري فربما كان هناك جدال طويل. ومن بعيد، لدي اعتقادا أن الرئيس والجيش أخذ كل منهما يعد العدة ضد صاحبه، ورأت القيادة الحالية أن مصيرها هو مصير طنطاوي وعنان، وهذا ربما ما أقنعها بأن لا تنتظر الاستفتاء، كي تسبق لحظة أن يتعشى الرئيس بها فانحازت إلى ذلك التحالف العريض والذي هيكله العظمي شبابي والذي أسقط الرئيس.

هل كان قرار العدوان على سوريا ضن خطة مع أعداء سوريا، أم هو لتحويل انظار الفقراء عن تقصير الدولة؟ أم هو تقديم الشباب المصري ليتم استئجاره للحرب على سوريا مقابل عملة صعبة من قطر والسعودية؟ كيف لا، اليس هناك مئة ألف مرتزق من مختلف بلدان العالم؟  لماذا لا نضع هذه السناريوهات ولا سيما ان الرئيس كان يعلم بأن لا أموال بدون خدمات! فهل أتت الأموال وبقيت في جيوب السلطة كما هي الأموال المسمومة للحكم الذاتي هنا!

وبالطبع يعلم مرسي أن الصلاة في المسجد حتى لو كان إماماً لا تسد جوع الناس؟ فكيف إذا كان الجياع متعلمين ويعلمون أن عبارة الرزق على الله تفقد مفعولها إذا لم تعمل وإذا لم تحصل مقابل  عملك على دخل مقبول، والأهم إذا كانت البلد بمئة مليون مواطن وبلا ريع نفطي وأموال الريع تأتي إلى القيادات! لذا، يسأل المرء: ترى هل دفعت قطر مبالغ لسلطة الرئيس مرسي؟ ولكن الأموال ذهبت في طريق آخر؟ هذا ما ستكشفه صحته من عدمها الأيام.

ولكن، هل هذه جميعها كافية لتبرير عزل الرئيس؟ أعتقد أن من ليس حاقدا، بوسعه القول بعضها يكفي.

ولكن، هل المعارضة أفضل من الرئيس؟ وهل الذي اسقطه الجيش أم المعارضة أم الشعب؟

 

معادلة شعب (شباب-شيوخ جيش) ش= (ش-ش ج)

لا تزال مصر في إرهاصات الثورة ومحاولات استكمال المرحلة الأولى منها بمعنى وطنية النظام والتخلص من الطبقة الكمبرادورية والطفيلية التابعة. في تشكيلة اجتماعية اقتصادية ثقافية مكتملة تتعدد الشرائح الطبقية وتتعد انتمائاتها السياسية بحكم مصالحها. هذه المرة تتشكل في التحالف الجديد في مصر جبهة  (الخليط) هي:

  • الأكثر تمثيلا للشعب حيث تضم الطبقات الشعبية باوضح من مرحلة 25 يناير، وقطاعات  واسعة من الطبقة الوسطى وهما تزخران بالشباب المتعلم والعاطل عن العمل، وهذا حصن حركة تمرد وهو ما يعطيها زخم كونها على اليسار بالفطرة ولكن ربما ليس بالوعي إلا أنها كتلة الضبط لوطنية النظام الجديد وهذا ما يخيف حلفائها من الشيوخ الخبثاء ويدق جرس الإنذار للجيش. وهذا ما يجب ان يعيه الشباب.
  • ثم اللبرالية الكلاسيكية والتي تمثل البرادعي وعمرو موسى وعمرو حمزاوي وهذا تيار متخارج امريكي بشكل  خاص، ولا بد لإرهاصات الثورة ذات وقت أن تحاكمه على لا وطنيته ولا قوميته وكونه مضاد للطبقات الشعبية، ففي حال تجذرت الثورة ستأكل هؤلاء: البرادعي لم يغسل يديه بعد من فحص أرحام العراقيات بحثا عن النووي، ومنذ الأيام الأولى لسقوط مبارك كان في حديث له مع جريدة امريكية قد  سخر من اشتراكية عبد الناصر قائلا:“كان يريد تأميم الدكاكين الصغيرة”.  وعمرو موسى على شفتيه العريضتين نسبيا دماء الشعب العربي في ليبيا وتاريخ خدمته لنظام مبارك بجوهره الصهيوني ولقائه في نابلس وتحالفه مع رامي ليفي الراسمالي الصهيوني ومع رجل الأعمال التطبيعي منيب المصري!!!!، وعمرو حمزاوي لبرالي متغربن عقيدياً، وهو ضد كافة انواع المقاومة مما يخرجه من البعد العروبي تماما.
  • ثم الاتجاهات الناصرية غير العروبية من أوساط الطبقة الوسطى وهي طبعة أولية للناصرية اي قبل أن يتطور البعد القومي و “الاشتراكي” لعبد الناصر، وهذه تشارك فئة البرادعي عدائها لسوريا تزلفا لأمريكا وحلفانا بأنها لبرالية تماماً. هذا التيار هو الأقل إيديولوجيا شأن الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة التي هي عريضة ولكنها الأقل ثباتا،هي وطنية ولكنها قابلة للانحياز طبقيا للطبقة الرأسمالية تحت تسمية “وطنية”.
  • ثم الفلول الذين يشتركون مع فريق البرادعي في الولاء الأمريكي وهم يمثلون راس المال الطفيلي والكمبرادوري والفاسد والبيروقراطي وخاصة رجال الأعمال ولهم تقاطعات طبقية ومصلحة واسعة مع رأسمالية الإخوان ومع الموقف من الكيان الصهيوني، ويتقاطعون كذلك مع الإخوان وفريق صباحي والبرادعي في الاتجاه غير العروبي وخاصة ضد سوريا.
  • ثم الجيش بقيادته التي تأخذ الآن موقفا وطنيا، والتي ربما دافعها الأساس هو ان نظام الإخوان كان بصدد تفكيكها (كقوة ومصالح للقيادات)  وتحويلها إلى جيش بمستوى بوليسي على ان تحل محلها ميليشيا “قوى الدين السياسي” لحفظ الأمن السلطوي وليس الأمن الوطني، وقد يكون هذا سبب دورها في العزل لا سيما بعدما تأكدت من احتمال ضياع سيناء وتحويلها إلى إمارة إسلامية هي وغزة عازلة بين  مصر والكيان الصهيوني الإشكنازي.هذا ناهيك عن تفهمها لجاهزية عودة الشباب إلى الميادين ضدها إن لم تكن وطنية أو إن قبضت على السلطة.

كما نلاحظ، فالخريطة الطبقية أكثر وضوحا هذه المرة، والخليط المتحالف يفهم جيدا تناقضاته لكنه لا يتخالف الآن لمواجهة الخصم، يتحالف ولا يتخالف. وربما كان هذا سبب القبول بالبرادعي رئيسا للوزراء (تاكد هذا أم لا)  أي قبوله  سواء من الشباب او من تيار صباحي الذي يحلم بالرئاسة وهوينتظر ليرى، لذا كتبت قبل ايام أن البرادعي لن يكون رئيسا، لأن هذا ما لن يتنازل عنه صباحي من جهة، ولأن الأمر يعتمد بعد ستة اشهر على تطورات الصراع الطبقي في مصر لا سيما وأن تمرد تصر على الحد الأدنى اي وطنية النظام.

وكما نلاحظ،فإن الحزب الأقوى بالمعنى الانتظامي في الخليط هو الجيش بينما الطرف الأقوى شعبيا هم الشباب (تمرد) والطرف الأكثر حنكة سياسيا هم اللبراليين والطرف الأكثر تلونا طبقيا هو تيار صباحي.

حتى الآن، فإن التيار الشبابي هو الذي يمثل الطبقات الشعبية فطريا لا تنظيميا، وكأن لنا القول بأن الطبقات الشعبية بلا حزب لها. وهذا ما كتب عنه ماركس في 18 برومير عن الذين يمثلهم غيرهم لأنهم لا يمثلون انفسهم. وهذا يبرز السؤال: هل يمكن لبعض قوى اليسار مثل الحركة الشعبية الديمقراطية أن تؤثر على الشباب؟ وهذه الحركة تمتاز ربما رغم صغرها بأنها حركة اشتراكية عروبية وضد الكيان الصهيوني، ومن هنا اختلافها عن الاشتراكيين الثوريين الذين يحاولون (بسبب ولائهم التروتسكي) الصراخ العالي ضد الإمبريالية وخفت الصوت عن الكيان الصهيوني!!! هذا ناهيك عن أن هذا الاتجاه هو “برجوازية منظمات اليسار لكثرة الأموال المغدقة عليه” وهي لا شك ليست خليجيةوبالتحديد غربية وصهيونية!!! وهذا ما يجب ان يفهمه الشباب البسيط الذي يلحق بهم (أي كالمخدوعين في فلسطين المحتلة 48 بعزمي بشارة).  وأعتقد أنه ليس تيارا وطنياً وعروبيا أي تيار لا يقف بوضوح ضد الكيان الصهيوني أي مع تحرير فلسطين.(انظر بيانات الطرفين مؤخراً بعد عزل مرسي). وهذا يفتح مجدداً على اليسار الهرٍم كالتجمع مثلاً، اين هو بعد كل هذا؟

من المستبعد جدا، أن يتفكك الخليط، ولا شك أن معادلة ش+ش (الشباب والشيوخ)  سوف تستمر حتى لو وُضع البرادعي رئيسا للوزراء، وربما يود هو ذلك لينهي حياته بمسحة وطنية. أحيانا نقول لا باس لا حول ولا قوة إلا بالله. كما ان الجيش كما يبدو لا يستطيع إلا أن يكون وطنياً، وهذا شكل من اشكال القلش (التقشف  شبه المميت) للجيش (انظر الباب الأخير من كتابنا:ثورة مضادة إرهاصات أم ثورة” عمان دار فضاءات 2012).

هل سوف تتمكن قوى اليسار العروبي من التاثير على الشباب ليطالبوا بأن يتم تمويل الخزينة من سندات قروض محلية،  ومن تحويلات المصريين في الخارج؟ وهل سيتمكنوا من إلزام الخليط باستشارة خبراء من قامة سمير أمين، وتسليم وزارات المال والاقتصاد والعمل لماركسيين حقيقيين؟ وهل سيتمكنوا من تثبيت حصصا للطبقات بحجمها في الدستور وللجنسين كل بحجمه؟

إذن رغم الخليط، نحن أمام تناقضات طبقية مؤجلة، صمغها اليوم حماية الوطن، وجوهرها ان البلد لا يزال في مرحلة الإرهاصات للثورة الأولى، وهذه بداية إعادة القطار إلى السكة.