العميد د. امين محمد حطيط
…. وصدق الوعد وسقطت ورقة حلب وتاليا ورقة الشمال السوري من يد معسكر العدوان على سورية في عملية عسكرية خطط لها بأبداع عسكريا واستراتيجيا وسياسيا ونفذت في الميدان بإتقان واحتراف وحققت من النتائج المتعددة العناوين فوق ما كان متوقعا وأدخلت معسكر العدوان في حالة قد تكون الأسوأ منذ ان سل سيف عدوانه ضد سورية ومحور المقاومة والمنطقة كلها.
لقد أحدث الانتصار غير القابل للوصف الدقيق الحصري، حقق الانتصار في حلب من الاثار والمفاعيل ما قلب المشهد جذريا ووضع المنطقة برمتها على عتبة مرحلة جديدة تختلف في أكثر من خط وعنصر عن كل ما سبقها من مراحل منذ بدء العدوان وان اهم ما في الموضوع هو ما يتصل بالسلوك المحتمل او الممكن القيام به من قبل كل من معسكري المواجهة: معسكر العدوان ومعسكر الدفاع عن سورية.
فبالنسبة لمعسكر الدفاع فانه بات يشعر الان بان الخطر الأخير الذي كان يهدد سورية وتاليا محور المقاومة وهو خطر تقسيم سورية قد زال باستعادة حلب. وبعد ان زال الخطر الاول المتمثل بأسقاط سورية الدولة من موقعها الاستراتيجي ونقلها الى المكان والموقع النقيض مع فشل الخطط الثلاث المتتالية خطة الاخوان وخطة بندر وخطة داعش، فان خطر التقسيم يسقط الان مع اسقاط الخطة الأميركية البديلة واتي كانت تعول على حلب لامتلاك السيطرة عليها ولتحدث توازنا بينها وبين دمشق وتنطلق في عملية تقسيم سورية الى قسمين: قسم شمالي شرقي وعاصمته حلب تحت السيطرة الأميركية وقسم جنوبي غربي وساحلي تحت سيطرة الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس الأسد. والان وباستعادة حلب سقطت الخطة وتفلت معسكر الدفاع من اخر المخاطر الجذرية وبات يشعر ان ما تبقى ينطبق عليه توصيف مرحلة استكمال الانتصار وتصفية اثار العدوان. نقول استعادة حلب رغم ان المجموعات المسلحة والإرهابية لازالت موجودة في بعض الأجزاء من الاحياء الشرقية، وذلك لان وجودها الحالي هو وجود محاصر ينتظر مخرجا ونهاية وليس وجود قوى عسكرية تمتلك القدرة القتالية القادرة على التغيير، أي ان مواقعهم باتت مواقع ازعاج وضرر ينتظر المعالجة وستعالج، ولم تعد مواقع قتال يخشى منها.
و لهذا فان معسكر الدفاع الذي يشتد تماسكه سياسيا و استراتيجيا و تناسقه و تنسيقه في الميدان و خارجه عسكريا يشعر اليوم بانه في افضل الأوضاع التي تقلب فيها منذ بدء العدوان قبل ما يقارب السنوات الست ، فهو يملك القوة التي تمكنه من احتواء أي مناوه عسكرية جديدة يقوم بها العدو الإرهابي وحاضنيه و داعميه ، اما في السياسة فهو يشعر ان الظروف التي جعلت المعسكر الاخر في وضع يكاد يملي شروطه ويحدد المسارات السياسية ووجهاتها ، ان هذه الظروف تغيرت و كل المفردات التي كانت تستعمل من قبيل “اسقاط النظام” و “المرحلة الانتقالية” و”تنحي الرئيس ” و “لا حل بوجود هذا المسؤول او ذاك” و “لا محل لهذا او ذاك في مستقبل سورية ” ، كلها عبارة سقطت و لا يجترها اليوم الا معتوه او مجنون منفصل عن الواقع . ولم يعد من عناوين للمرحلة السياسية التي ستلي العمل الميداني الا العمل في ظل الدستور السوري الحالي وفي ظل حكومة ورئيس حالي منتخب، ولا يكون الا عملا من اجل تطوير العمل السياسي في سورية بموافقة الشعب وقراره من غير ان يكون في الامر محاصصة مع أحد او ارتهان لاحد. وهذا ما يجعل معسكر الدفاع مطمئنا لمستقبل سورية الموحدة ذات القرار المستقل خلافا لما بدأ الاميركيون يتباكون عليه ويبدون قلقهم على وحدة سورية ومستقبلها.
اما مازق معسكر العدوان على سورية فانه بعد هزيمته في حلب هو مازق مركب يتصل بالبنية والقدرات ساهمت الظروف الإقليمية والدولية خاصة التركية الأخيرة في تفاقمه البنيوية حيث بات معسكر العدوان مفككا مشرذما متناحرا ولم يعد هم مكونات هذا المعسكر الإقليمية (خاصة تركيا وقطر والسعودية) الا فك الاشتباك مع الاخر وترتيب بيته الداخلي قبل ان يستأنف العدوان فمعسكر العدوان بات متصدعا لا يقوى على تخطيط لهجوم وعدوان جديد.
والان ان اشد واهم ما وجد معسكر العدوان نفسه فيه هو انتفاء القدرة على إطلاق خطة عدوان جديدة من قبيل الخطط الأساسية الرئيسية وان جل ما بقي بيده هو مناورات من اجل التعويض او التهويل او تأخير الإقرار بالهزيمة او الحد من استثمار الانتصار ولهذا نجد معسكر العدوان بقيادة اميركا انتهج بعد هزيمته في حلب سياسة تتجه الى القيام بما يلي:
1. فتج جبهة في الجنوب: تلوح اميركا بفتح جبهة الجنوب زاعمة انها تريد محاربة داعش هناك رغم ان ليس لداعش هذا الثقل في تلك المنطقة الى الحد الذي يبرر هذا الإعلان. ولكن اميركا تريد ان تقول ببساطة “خسرت الشمال في حلب اكسب الجنوب في درعا فأوازن”. وهو زعم لا يستد الى أرضية واقعية ولا الى ظروف تجعل منه امرا قابلا للنجاح. لان محور الدفاع عن سورية يملك في الجنوب مفاتيح ويتحكم بمفاصل تمنع اميركا وحلفاؤها من وضع اليد على المنطقة. ثم اننا نذكر بان اميركا ليست بصدد الصدام المباشر او غير المباشر الان مع الجيش العربي السوري وحلفاؤه انطلاقا من الأردن في ظرف غير مؤاتي لها على صعيد علاقاتها التحالفية الإقليمية. وعلى هذا الأساس وبما ن داعش التي تزعم اميركا انها تريد حربها في الجنوب لا تملك السيطرة على منطقة تبرر الحرب التي تحدث التوازن مع الشمال الضائع من اليد الأميركية، وبما ان الاحتكاك بالجيش العربي السوري لانتزاع مناطق منه غير واردة، وبما ان محور المقاومة يتعامل مع جبهة الجنوب بحساسية مفرطة تمنعه التفريط باي متر مربع فيها لكل ذلك نقول ان التلويح الأميركي بفتح جبهة الجنوب لن يكون له الأثر الذي تعول عليه اميركا.
2. رفع شعار الممرات الإنسانية الى مناطق المسلحين في حلب. بعد ان ايقنت اميركا ان اللعبة انتهت في حلب وانها فشلت في حماية ارهابييها التي حاولت تمنع معركة حلب لأجلهم، تحاول اليوم ان تفك الحصار عنهم بعنوان انساني يمكنها من امتلاك السيطرة عبر الأمم المتحدة على ممرات تربط المناطق المحاصرة بالخارج وتمكنها من تزويدهم بالسلاح والمؤن لتمنع سقوطهم وتبقيهم في مواقعهم فتفرغ بذلك الانتصار السوري من محتواه. ولكن غاب عن واشنطن ان خدعها ولى زمنها ولن تنال من مناوراتها الخداعية شيء بعد الان. والممرات الإنسانية تكون بيد مالك السيطرة على الأرض واستعمالها يكون من الداخل الى الخارج فقط عبر خروج من يشاء من المدنيين وقد اعدت لهم أماكن المأوى او من يريد ان يستفيد من العفو الرئاسي من المسلحين اما خارج هذا او ذاك فلا.
3. تحريك ملف مباحثات جنيف. اميركا كما يعلم الجميع هي من أوقفت مباحثات جنيف وفجرت الميدان لتحقيق توزان فيه مع معسكر الدفاع عن سورية، واليوم بعد الفشل الأميركي في الميدان ومن اجل استيعاب الانهيار فيه او وضع حد له تريد العودة الى جنيف بالشروط التي كانت قائمة قبل انتصار حلب. ولكن فات اميركا ان لكل ظرف حكمه ولكل مرحلة قواعدها. وبالتالي فان جنيف إذا استؤنفت لن نستأنف بقواعد واحكام ما كان قائما قبل حلب ونكتفي بالإشارة الان والتفصيل يكون مفيدا في وقته.
4. أعداد جبهة النصرة لتكون القوة العسكرية التي تحقق التوزان السياسي والعسكري في سورية. ومن اجل ذلك تم الايعاز لهذه الجبهة المصنفة دوليا انها إرهابية لتغيير اسمها ففعلت وأطلت باسم جديد هو فتح الشام وكأن خلع الملابس والعنوان يغير الطبيعة والبنيان. اما الحقيقة فان هذه المناورة ساقطة على أصلها ولن يكون للجبهة الإرهابية تلك باسمها الجديد والقديم محل في أي حل وموقع في خريطة امن وسلام في سورية.
وعلى ضوء ذاك نرى ان الخيارات ” الانقاذية” امام معسكر العدوان قد ضاقت بعد هزيمته في حلب وبات امر إطلاق خطة انقاذ جذرية متعذرا في ظل ظروف معقدة، اما المناورات التعويضية الجزئية المتناثرة فليس فيها ما يكفي من مقومات النجاح ولهذا نعود ونؤكد ما ارتقبناه قبل بدء معركة حلب ونقول في حلب يحدد المنتصر النهائي في المواجهة …وقد حدد الان بوضوح انها سورية ومحور المقاومة وحلفاؤهما.
:::::
“الثورة”، دمشق
- · الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.
[1] أود أن أشير إلى أن هذه الدراسة تأتي بمثابة متابعة واستكمال، ملتزمة بذات النهج والفهم اللذين قدمتهما في محاولات سابقة ضمنتها كتابي “أميركا الأخرى: أميركا في عيون مغترب عربي”، دار فضاءات للنشر والتوزيع والطباعة، عمّان، الأردن، ديسمبر 2013.
[2] لاحظ التماثل مع الفكرة الصهيونية حيال فلسطين “أرض بدون شعب” والتي (الحركة الصهيونية) جاءت بعد الغزوة الأوروبية لأميركا الشمالية بثلاثة قرون.
[3] ما اشبه هذا بما ما قامت به العصابات الإرهابية الصهيونية في سنوات ما قبل اقامة الكيان الصهيوني عام 1948 في فلسطين المحتلة، وما يقوم به المستوطنون الصهاينة اليوم، بالطبع مع فارق عدة قرون ولكن لا فارق في الوحشية ولا في الأيديولوجية والأهداف.