بلد العجائب والزمان الغريب!!
تعقيب على مقالة الرفيق محمود فنون أحد قياديي الجبهة الشعبية سابقا
نورالدين عواد، مراسل كنعان في كوبا، منسق اللحملة العالمية للعودة الى فلسطين
هافانا، كوبا
10 تموز2018
هناك قصة خرافية للاطفال تحمل اسم “أليسيا في بلد العجائب” حيث تتمظهر كل الاشياء والاحوال على عكس حقيقتها الفعلية. في ذاك البلد الخيالي هبطت الطفلة اليسيا، وهي طبيعية وحواسها الستة عادية، ومعارفها ووعيها للواقع متنساقة مع المسيرة التاريخية الاجتماعية لعائلتها ومجتمعها. بامكان المرء ان يتخيل مدى الاستغراب والاغتراب اللذين نزلا بتلك الطفلة، في تجوالها دون بوصلة عقلانية او منطقية، ترشدها الى طريق الخلاص والاستيقاظ من ذلك الكابوس.
شيء شبيه او مماثل نعيشه حاليا في بلد العجائب: فلسطين التاريخية بالتحديد، وبالمعيَّة الوطن العربي وبقية العالم.
مجمل الحروب العدوانية على البلدان العربية، والمجازر المتكررة بحق المدنيين، وحتى اتفاقيات الاستسلام والاذعان (السلام مجازا) كامب ديفيد، وادي عربة، اوسلو.. والحبل على الجرار، كانت تتوخى ولا زالت “كيّ الوعي العربي” (عادل سمارة) من اجل خلق “الانسان العربي الجديد” (كينيث دايتون)، اعني الانسان الفلسطيني تحديدا، ووضعه في خانة تحت الصفر، ليتحول الى نقيضه (ليس المقصود غالبية الشعب بل نخبه الساقطة والمتساقطة): اي من انسان تعرضت ارض وطنه وعرضه وشرفه منذ حوالي 170 عاما، لغزوة استيطانية وعسكرية متعددة القوميات، ارتكبت ابشع الجرائم، واستولت على الارض، واقتلعت اهل البلد وشردتهم في مختلف اصقاع الكرة الارضية، واخضعت من بقي منهم هناك للجحيم (الموعود في السماء) هنا في الحياة الدنيا! من انسان رفض الغزوة الصهيونية المعولمة، وتمرد على خيمة اللجوء، ومزّق بطاقات التموين، وامتشق السلاح، وقاوم وقاتل واستشهد، وزُجَّ به في غياهب السجون والزنازين، وتحمل التعذيب الجسدي والنفسي وقاوم وانتصر على الجلادين….الى انسان يتماهى مع عدوه ومن موقع دونيّ، وصولا الى عشقه وافتدائه والدفاع عنه!! (المهزوم يقلد المنتصر/ ابن خلدون) بالكلمة وبالسيف!! فما هذا التلذذ بالخازوق التركي الاردوغاني (مظفر النواب)!!
جيشان فلسطينيان، من المرتزقة والمسترزقين، يحاربان فلسطين وقضيتها المقدسة دينيا ودنيويا، وشعبها المقاوم الصامد الصابر المرابط (المنتصر حتما ولو بعد حين):
جيش من المثقفين والمسثقفين واشباههم يروجون للعدو، الذي يحكم علاقتنا الوحيدة به تناقض تناحري وجودي، حدَّده ،قبلنا، زعماؤه الاولون من بن غوريون الى احدث مستوطن في جنين. جيش يقدم الغطاء النظري التبريري للنخبة السياسية في تخندقها الاستسلامي، و ادائها السلطوي في خدمة الكيان الصهيوني، ومجمل المخططات الامبريالية والرجعية العربية والاقليمية؛
وجيش دايتون للتنسيق الامني والمخابراتي والعسكري الفلسطيني مع مؤسسات الكيان الصهيوني، من نتنياهو الى اصغر مُجنَّد اضاع رصاصة فارغة في مناورة، او مستوطن ضلَّ سبيله في ارض العجائب!! وكل ذلك ضد اية بادرة او فعل مقاومة يستهدف الاحتلال الصهيوني في فلسطين التاريخية!
قرات مقالة الرفيق محمود فنون بعنوان “النكبة وحل الدولة الواحدة “، والمنشورة في كنعان الإلكترونية يوم 10 تموز الجاري على الرابط التالي
وقد كانت هذه المقالة بمثابة حافز لكتابة هذه المقالة السريعة. وسانطلق في رؤيتي وتحليلي للامر من سؤال الرفيق فنون: فلماذا كل هذا الحماس (الفلسطيني) للدفاع عن المستوطنين الأجانب في فلسطين والتطبيع معهم؟
هنا على ارضنا وفي عقولنا ووجداننا تدور رحى حروب عدوانية قاسية، نفسية وثقافية وعسكرية وامنية، يتشابك فيها المحلي والاقليمي والدولي، بهدف اساسي: تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، واحلال سلام راس المال بين الانظمة العربية والكيان الصهيوني تحت المظلة الامبريالية….
اعتقد انه يجب تركيز النيران الثقافية والفكرية والتوعوية على الصهيونية بكل انواعها، وبالتحديد اليهودية والاسلامية والمسيحية والعلمانية، وفوق كل شيء الصهيونية الفلسطينية بكل تمفصلاتها وتمظهراتها، كونها الخطر الدائم الرئيسي الذي يهدد فعليا القضية والشعب والارض والحاضر والمستقبل: فلسطينيا وعربيا؛ وطنيا وقوميا.
هناك جهود هائلة من اجل اختلاق عدو وهمي وتحويله الى عدو حقيقي للامة العربية كلها بعجرها وبجرها، وتحويل العدو الحقيقي والتاريخي”اسرائيل يهودية صهيونية” الى صديق حميم وابناء عمومة…الخ. وهذه مؤامرة خطيره وفكرة جهنمية لا تحمد عقباها (دمج الكيان الصهيوني في الوطن العربي وثرواته، ومن موقع القوة والقيادة والامر والنهي – أي الاندماج المهيمن، وارى انه يجب ان لا ينجرّ اليها اي انسان وطني ولو بشعرة معاوية! ان من يختلق عدوا وهميا، فلأنه يريد الهروب من العدو الحقيقي (فيديل كاسترو).
هذه هي الفلسفة الصهيونية نفسها التي وقفت خلف اختراع ارض اسرائيل والشعب اليهودي واقامة الكيان الصهيوني “دولة اسرائيل” او “دولة اليهود”، بمنطق معكوس مع حقائق التفكير السوي، والجغرافيا والتاريخ والانثروبولوجيا: من اساطير الاولين اختلقوا شعبا وارضا في الفضاء الافتراضي، ولاحقا بقوة راس المال والسلاح فرضوا “دولة: وبمنهجية معكوسة ايضا: جيش عسكري متعدد القوميات غزا ارض فلسطين واحتلها واقام عليها دولة، على العكس من سيرورة تاريخ المجتمعات البشرية وقوانينها. تفكير غريب واداء اغرب في زمان كل ما هو عجيب!
المحقق تاريخيا وطبيعيا هو ان المجموعات البشرية (قبيلة، شعب، امة بالمفرد والجمع ايضا) تتوارث جيلا بعد جيل (التاريخ) حيزا جغرافيا (وطن) تقيم عليه دولتها ومؤسساتها بما فيها الجيش (للحماية والدفاع عن المصالح الوطنية والقومية). في حال الكيان الصهيوني العملية عكسية تماما.
هذه المنهجية المعكوسة او المقلوبة (الصهيونية) غزت وسحبت نفسهاعلى جوقة من المثقفين و/أو المستثقفين العرب والفلسطينيين، في نظرتهم وتنظيرهم للقضية الفلسطينية، والصراع المادي على ارض فلسطين وكيفية حلّه، في صورة سوريالية وصولا الى “المدينة الفاضلة” المنشودة افلاطونيا وصهيونيا.
الديموقراطية!!
اكد احد المثقفين الامريكيين ان الارض التي تدوسها امريكا لا يمكن ان تنبت فيها اية ديموقراطية، وحذر امريكي اخر من “اياكم ان تصدقوا ان امريكا تبحث عن ديموقراطية او حرية…”! وما ينطبق على الامبريالية الامريكية ينطبق على الصهيونية عقيدة وحركة ودولة، دون ادنى شك، فالامبريالية عموما ولدت صهيونية.
عندما نحت الاغريق مصطلح ” ديموقراطية” فانهم ارادوا به “حكم الشعب” في اثينا الاستعبادية، فالشعب كان طبقة او نخبة السلطان الحاكم، والبقية عبيد لا يدخلون في عداد الشعب، بمعنى تكريس حكم الشعب لـ “اهل فوق” و الاستعباد لـ “اهل تحت”. والغرب الانغلوساكسوني عندما يتحدث عن “ديموقراطية” وحرية وحقوق انسان…الخ فهي حكر عليه عرقيا وعنصريا.
في حالتنا الفلسطينية، على كل المنادين بـ “دولة واحدة ديموقراطية” ان يستيقظوا من سباتهم الفكري والاخلاقي والكفاحي، وان يدركوا حقائق التاريخ، وان ما ينادون به ليس الا نسخة عصرية من دولة ديموقراطية اثينا الغابرة.: دولة يهودية لمستوطنين يستعبدون اهل البلد الاصليين، مهما تقاسموا معهم ولائم عشاء من اعداد مريم عقيلة رابين المقتول، ولا حفلات شواء لحم العجول في مزرعة شارون، بينما كان جيشهم يشوي لحم الفلسطينيين في المخيمات والمدن الفلسطينية من مخيم جنين الى المقاطعة.
وليدرك الوطنيون الفلسطينيون ان اي حديث عن “الديموقراطية” للدولة او الحل او المستقبل ليس الا “كُحلا لقلع العينين في ان واحد”: تضليل الشعب الفلسطيني باوهام الحلول السلمية (عفوا الاستسلامية)، وشطب خيار الصمود والمقاومة بهدف التحرير والانعتاق النهائي للارض والانسان.
فلسفيا وعلميا، لا توجد دولة ديموقراطية، وهذه كذبة سمجة، لان الدولة بالتعريف هي ماكنة سيطرة طبقية في مجتمع ما، مهما كان شكل العقد الاجتماعي السائد فيه، وهي وحش ضار وكاسر، لا سيما بحقِّ اي فرد او رعية او مواطن. الا نقول “تبّا لدولة هددت رجلا، ولرجل يهدد دولة”!!هذا قول شعبي ماثور كخلاصة لتجربة تاريخية مع غول الدولة على مر العصور.
وهناك كذبة اخرى اكثر سماجة وفجاجة: “دولة ثنائية القومية”!! نحن اهل فلسطين عرب، اثنيا وقوميا وتاريخيا؛ اما اليهود فهم لم يحصل ابدا في التاريخ القديم ولا الحديث ان كانوا عرقا واحدا، او اثنية او شعب او امة واحدة، شانهم في ذلك شان بقية الاديان واتباعها من مسلمين ومسيحيين ووووو!! ان اي عملية مسح اجتماعي بسيطة على مجتمع المستوطنين، تثبت بشكل ساطع انهم ينتمون على الاقل الى 13 اثنية واكثر من 125 بلد (قومية) ومختلف الثقافات واللغات (82 لغة) يجمعهم معتقد واحد واله واحد: راس المال الاستيطاني الاقتلاعي الاجلائي لشعب فلسطين، (ولاحقا غيره في الوطن العربي وخارجه)، كما يقول الرفيق فنون ” إن كل مستوطنة يهودية أقيمت في فلسطين هي على أرض ومكان الفلسطينيين (اضيف عليها: وقبلها مستوطنات بروتسانتية امريكية وراسمالية المانية ايضا) . وكان هناك تواطؤ من البعض الفلسطيني والعربي ، تواطؤ مع الفكرة وتواطؤ في مقاومتها”.
قال تشرشل البريطاني ذات مرة ان الامريكيين، عندما تواجههم مشكلة، يجربون كل الخيارات الخطأ، قبل ان يطبقوا الخيار الصحيح!! طبعا تشرشل يعني الحكومات والادارات الامريكية وليس الافراد والمواطنين، في تعاطيها مع السياسة الخارجية. ومتى يهتدي الامريكيون الى الخيار الصحيح؟ عندما يُكرَهون على ذلك بفعل قوة اكبر، او خسارات لا يمكنهم تحملها، او بالمختصر، بفعل موازين القوى في صراع ما في منطقة ما…
هذا المنطق يسحب نفسه على “دولة اسرائيل الصهيونية” والصهيونية عموما؛ انه موقفهم ومنسجم مع معتقداتهم ومصالحهم وراسمالهم، وهذا امر بديهي. اما ان يتنطّع عرب وفلسطينيون لابتكار تنظيرات وخيارات حلول، تصب كلها في خانة مصالح الاعداء التاريخيين والقوميين والطبقيين، فهذا امر عجيب غريب!! رغم انه قابل للتفسير وفك شيفرته.
كافة المبادرات وبرامج ومقترحات الحلول التي طرحت حتى الان لحل القضية الفلسطينية، لم تثمر ولم تنتج اي حل يلبي بحده الادنى حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني! لماذا؟ لانها جميعا، وعلى الطريقة الامريكية والصهيونية، تجانب الحل الصحيح الوحيد القادر على انهاء المشكلة والصراع المديد: التحريررررررر!!
فلسطينيا، مثقفون وسياسيون وقادة وسماسرة وساقطون ومتساقطون تباعا، اخذوا يلتحقون بركب الردة والخيانة للوعي والوطن والقضية عموما ، في عملية تاريخية تتناسب عكسيا مع الاداء الكفاحي، المسلح تحديدا، لمجمل الحركة الوطنية التحررية الفلسطينية والعربية.
كلهم ومن موقع الهزيمة، نفسيا وثقافيا وآدميا، يتبنون الفلسفة الصهيونية، اي المنهجية المعكوسة، في ثرثراتهم المخزية والمدمرة. انهم قلقون على المستوطنين اليهود ومصيرهم واملاكهم وعقاراتهم وكلاب حراستهم…الخ كما لو كانوا ضيوفا حلّوا على الكرم الطائي لهؤلاء وغيرهم. وبضربة من “عصا موسى” لم يعودوا غزاة وقتلة!
وبمجرد رغبة هؤلاء المثرثرين في تطهير المجمع الصهيوني من صهيونيته وعنصريته وفاشيته ووووالخ تتحقق امانيهم كما لو كانوا ربّا علويّا “كن فيكون”!! هذا ليس تنظير ولا تثقيف، بل تعهير للثقافة والسياسة معا. وهذه خدمة مدفوعة عدا ونقدا (استرزاقا) ليس الا.
الى اؤلئك الذين اطلعوا يوما ما في حياتهم على بعض معارف النظرية المادية الجدلية والتاريخية، وكانوا يُنظِّرون على جموع كثيرة من الناشئين في مختلف الفصائل اليسارية الفلسطينية وغيرها، اذكِّرهم (وهذا الكلام ليس من عندي بل من عند كلاسيكيي الماركسية اللينيينة) بان البنية الفوقية لمجتمع ما تنتج وتتساوق وتنسجم في زمن التوازن الطبقي والمادي مع البنية التحتية، ولا تتغير كبنية الا بتغيير الاساس المادي الذي انتجها. ولغير الماديين الجدليين وبالتحديد المطلعين على القران الكريم ” لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما في انفسهم”.
وللذين لا ينتمون الى اي من الفريقين، اقول، والحمد لله انني مهندس مدني بفضل تضحيات الشعبين الفلسطيني والكوبي في ان واحد: لم يحصل ابدا لا نظريا ولا عمليا ان شرع مهندس او بناء بتشييد سقف مبنى ما في الهواء (العالم الافتراضي) وثم اقام الجدران من الاعلى الى الاسفل، وبعد ذلك شيد الاساسات واخيرا حفر اخاديدها!! (منهجية معكوسة في العمران) بل العكس دائما هو الصحيح.
يريدون تخليص المجمع الاستيطاني الصهيوني من بنيته الفوقية، اي صهيونيته، قبل ان يحرروا فلسطين التاريخية ومحيطها، وتحطيم دولته المختلقة على ارض اجدادنا وجماجم اطفالنا. كفى استهبالا للناس والضحك على عقولهم، وتوبوا الى شعبكم وقضيتكم قبل فوات الاوان.
من اين اتيتم يا معشر الثرثارين، بمعزوفة “المسالة اليهودية في فلسطين”؟! كل العالم يعرف ان “المسالة اليهودية ” ظاهرة اجتماعية سياسية اوروبية بحتة، نشات في سياق تاريخي معين من تطور وسيرورة المجتمعات الاوروبية، وصولا الى عصر الاستعمار والامبريالية. وبحثوا لها عن حلٍّ وفرضوه على حساب فلسطين.
قالها احد عظماء تحرير امريكا اللاتينية (سان مارتين) من براثن الاستعمار الاسباني، في جموع المقاتلين والمناضلين ومن مختلف مشارب الفكر والسياسة: “لنكن احرارا اولا، باقي الامور لا تهم”. لا ينتهي الاحتلال الا بالتحرير، وبالتحرير فقط، بعدئذ يخلق الله ما لا تعلمون، وسيتوجب على قادة التحرير التعامل مع بقايا المجمع الاستيطاني، وفي كل الاحوال سيكونون ارحم مليون مرة من ارحم صهيوني!!
اسالوا زعامات اوسلو بدون استثناء، من رأس السلطة مرورا بوزير الخارجية وصولا الى منسقي الامن مع سلطات ومؤسسات الاحتلال: ان كانوا يشعرون حقيقة بالحرية والتحرر والكرامة الادمية، وهم قدموا كل التنازلات التي استطاعوا تقديمها كرما لعيون الاستيطان والمستوطنين عسكريين ومدنيين؟؟ على شاشة تلفزيون تيلي سور الفنزويلية اكد رياض المالكي انه لا يستطيع التحرك بحرية في الضفة الغربية، واي حاجز عسكري يوقفه ويمنعه من المرور، واخرج من جيبه تصريح الحاكم العسكري الصهيوني الذي يسمح له بحرية الحركة. الا يقيم رئيس السلطة بموجب تصريح مشابه يتم تجديده كل شهرين؟؟ فعن اي حرية وكرامة وديموقراطية تثرثرون!!؟؟
صهيونيا واستيطانيا، المطلوب كل فلسطين بدون فلسطينيين، وان عزّ الطلب فاكثرية فلسطين واقلية فلسطينيين من امثال الثرثارين المذكورين في مقالة الرفيق فنون، واصحاب اوسلو، والصرخات من الاعماق ومن الاجداث. ولكم في قصة الذئب والحمل وجدول الماء في الغابة عبرة فاعتبروا!! فالضحية لن تطهر الجلاد من عقيدته وموبقاته، مهما قدمت من تنازلات وحسن نوايا تعبد طريقها الى جهنم، ولن تشفع لها من مصيرها المحتوم، اللهم الا اذا وعت نفسها لذاتها، وشكلت قولا وفعلا نقيضا جذريا لجلادها، وعاملته ندا بند، دون التماهي معه في شيء، والتسلح بمقولة: نموت واقفين ولن نركع” (الشهيد ابو علي اياد)! فالموت حرا كريما حياة، وافضل الف مرة من العيش ذليلا محسورا!!
المعلومات الاحصائية الواردة في مقالة الرفيق فنون، تكفي للرد المفحم على كافة الثرثارين والمتساقطين، وتبرهن بالملموس على حقيقة الكيان الاستيطاني الصهيوني ومآربه التاريخية والمستقبلية.
على جبهة المثقف الثوري الملتزم المشتبك، من مختلف مشارب الفكر والوعي، الذي يجود بجلدته لاثبات حقيقته، من تشي غيفارا في “لا إيغيرا” البوليفية، مرورا بغسان كنفاني في بيروت العروبية، وغيفارا في غزة الكنعانية، وصولا الى باسل الاعرج في رام الله الفلسطينية ، تقع مسؤولية كبيرة في الوقوف كحائط صدّ امام هجمة المهرطقين والثرثارين، والالتزام والانحياز، دائما وقبل وفوق كل شيء، الى القضية ارضا وشعبا وامة.
نحن نعيش في واقع مرّ ومرير، مقفر حتى من الوطنية فما بالكم بالقومية الحقة والثورية المبدئية؟؟ غير اننا جزء لا يتجزا من محور اقليمي وعالمي يشمخ ويتصدى ويقاتل وينتصر على الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية المعولمة. هذا هو الواقع السوداوي المطلوب تغييره ثوريا، وهي مهمة صعبة وتحتاج الى نفس طويل، وجهود جماعية ورجال “اشداء على الاعداء رحماء بينهم”.
وعلى الرغم من اننا مستهدفون تماما فرادى وجماعة، فانه لا مفر من خوض هذه المعركة الحتمية، والانطلاق من قناعاتنا ومبادئنا الراسخة من اجل توجيه بوصلة ادائنا العملي، الذي يصب في خدمة موقفنا الجماعي ومصالح قضيتنا الوطنية والقومية والاممية. وكما قال البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي (1853 ـ 1895): “على الذين ليست لديهم الجراة على التضحية بالنفس، ان يلوذوا بحياء السكوت”، وذلك اضعف الايمان.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.