نورالدين عواد، هافانا
مراسل كنعان ومنسق الحملة العالمية للعودة الى فلسطين في كوبا
في الاول من يناير/كانون ثاني 1959، انتصرت الثورة الكوبية بقيادة الراحل فيديل كاسترو، بعد كفاح مسلح استغرق 5 اعوام و5 اشهر و5 ايام، منذ الشروع بالنضال العنفي (بعد ان استنفذ النضال البرلماني السلمي) ضد الدكتاتورية الدموية، في يوم 26 يوليو/تموز 1953، بالهجوم على ثكنتي “المونكادا” في مدينة سانتياغو دي كوبا و “كارلوس مانويل دي سيسبيديس” في مدينة بايامو.
حينها كانت الثورة المنتصرة ذات طابع شعبي ديموقراطي يستند الى “برنامج المونكادا” (مرافعة فيديل عن نفسه ورفاقه الاسرى في المحكمة العسكرية التي عقدت بتهمة الهجوم المسلح على رمز الدكتاتورية في المونكادا، وصدرت في كتاب بعنوان “سيبرؤني التاريخ”) وهو برنامج يتماشى مع الوضع الاقتصادي الاجتماعي والسياسي في الجزيرة، ويمكن وصفه ببرنامج مهمات “الثورة الديموقراطية البرجوازية الصغيرة”.
عمليا كانت كوبا في الفترة 1898 ـ 1958 تحت الاحتلال والهيمنة الامبريالية الامريكية، التي كانت تمسك بناصية اهم مرافق اقتصاد البلد، ووصل حجم المصالح والاملاك الامريكية فيه، الى درجة اعتبار كوبا “مصلحة قومية” وشانا داخليا، مستندة الى شرائح ورموز برجوازية مدمنة على التبعية والالحاق والانصياع للارادة الامريكية.
بدا الاصطدام بين الثورة والامبريالية منذ قبل الانتصار على دكتاتورية الجنرال باتيستا، بوقوف امريكا الى جانب الدكتاتورية، وتزويدها بالاسلحة والذخائر، والتحكم بمواقفها السياسة، وصولا الى تدبير انقلاب من داخل الدكتاتورية في ايامها الاخيرة، من اجل الالتفاف على الثورة، واجهاض انتصارها المؤكد. غير ان فيديل كاسترو وعبر الاذاعة الوطنية من مدينة “بالما سوريانو” نبه الى المؤامرة وقال عبارته الشهيرة “لا للانقلاب ونعم للثورة” في اليوم الاول من يناير 1959. ودعا امريكا الى عدم التدخل وان الثورة شان داخلي كوبي وليست موجهة ضد احد.
تفاقم التناقض بين الامبريالية الامريكية والثورة اثناء تنفيذ برنامج المونكادا، خاصة ما يتعلق بالاصلاح الزراعي، وتاميمات الاملاك والمصالح الاجنبية ومعظمها امريكية، وفقا للقانون الدولي والاعراف السائدة في ذلك الحين. ووصل الامر بالادارة الامريكية الى تنفيذ محاولات لاغتيال فيديل وقادة اخرين، وصولا الى تدبير غزو عسكري على يد مرتزقة كوبيين (فلول الدكتاتورية وابناء البرجوازية الهاربة والمستقرة في فلوريدا) وبدعم كامل من القوات المسلحة الامريكية.
وفي اليوم الاول للتصدي لعمليات الانزال البحري، 16 ابريل 1961، وفي حشد جماهيري غفير في وسط العاصمة هافانا، اعلن فيديل “الطابع الاشتراكي للثورة” ودعا الميليشيا والشعب الى حمل السلاح، والتوجه الى ارض المعركة على بعد حوالي 100 كم وهم يرددون النشيد الوطني الكوبي. هُزِم الغزو خلال 66 ساعة (اقل من 72 ساعة، كانت تهدف الى اقامة راس جسر على الارض الكوبية، وتشكيل حكومة انتقالية كانت جاهزة للوصول جوا قادمة من امريكا، واستدعاء التدخل العسكري الامريكي من اجل القضاء على الثورة!). هل توجد علاقة استنساخ بين ذاك المخطط وما تحيكه الامبريالية الامريكية حاليا، بتواطؤ غوايدو في فنزويلا من اجل التدخل العسكري الامريكي والاقليمي بغية القضاء على الثورة البوليفرية؟؟
انتصار الثورة في خليج الخنازير، والتي اضحت اشتراكية (نظريا) فاقم من التناقض التناحري بين امريكا وكوبا، وفي اطارالحرب الباردة وانقسام العالم ثنائي القطبية الى معسكرين شرقي وغربي، ادى موضوعيا الى تموضع الثورة الكوبية في المعسكر الشرقي خارجيا، والى تجذير الاجراءات والاصلاحات الداخلية على كافة الاصعدة، وفي هذا السياق جاءت عملية التاميم الداخلي شاملة كل انواع الملكية للارض والمرافق والمساكن والحرف والصناعات اليدوية، ابتداء من ملكية الاراضي الشاسعة وتقليصها الى حد ادنى مقرر قانويا، مرورا بالوحدات السكنية (قطاع ملاكي البيوت المتعددة) والدكاكين الفردية والخدمات الفردية (نجار، حلاق، قندرجي، دهان، بناء، خباز..زالخ) وصولا الى بائع الاسكيمو والبوظة!!!
اعتقد ان السبب الرئيسي الكامن خلف هذه الاجراءات تمثل في تصميم القيادة الثورية على القضاء على القاعدة المادية لاية شريحة اجتماعية قد تشكل موطىء قدم او طابورا خامسا للنظام الراسمالي المحلي المهزوم والامريكي المتربص بالبلد. شكل هذا الاجراء عبء باهظا على كاهل “دولة العمال والفلاحين والطلاب والمثقفين” الناشئة لتوها والمحاصرة امبرياليا. ومع ذلك تعايشت في كوبا مختلف انواع الملكية: الملكية الاجتماعية (الاشتراكية) السائدة، والملكية الخاصة الصغيرة والملكية التعاونية (الزراعة)، وجميعها كوبية. مثلا بموجب قانون الاصلاح الزراعي الاول (17 مايو 1959) اصبجت 150 الف عائلة كوبية مالكة لارضها.
بمفهوم النظرية الاشتراكية، لدى انتصار ثورة العمال والفلاحين في بلد ما، مهما كانت درجة تطوره المادي، فان الثورة بحاجة الى بناء “القاعدة المادية التقنية” الجديدة التي تمكن الثورة من الانتقال من نمط الانتاج الراسمالي القديم الى نمط الانتاج الاشتراكي الجديد، وتطبيق قانون الطور الاشتراكي عملا وانتاجا وتوزيعا” من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله”. في هذه الفترة الزمنية المسماة “الفترة الانتقالية” تتعايش مختلف الطبقات الاجتماعية واشكال ملكياتها مع سيادة الثورة وطبقاتها. قد تطول او تقصر الفترة الانتقالية تبعا لعوامل كثيرة من اهمها: درجة التطور التكنولوجي الصناعي والاقتصادي الموجودة لدى انتصار الثورة؛ تناسب موازين القوى الطبقية الداخلية، برنامج التنمية المقترح وواقعيته والموارد البشرية والمادية المتاحة….وموازين القوى الخارجية وشدة العداء والعدوان الامبريالي المعولم للثورة…الخ.
خلال هذه الفترة الانتقالية سارية المفعول حتى يومنا، حققت الثورة الاشتراكية الكوبية انجازات مرموقة في مجالات: التعليم المجاني (من رياض الاطفال الى اعلى مستوى جامعي اكاديمي) الصحة العامة المجانية (والانسان في بطن امه جنين الى ان يرحل عن الحياة)، الثقافة والرياضة المجانية عمليا؛ المسكن (عند انتصار الثورة كان 85% من السكان لا يمتلكون بيتا، والان اكثر من 90%) من السكان بحوزتهم ملكية بيوتهم)؛ والامن والامان والسلم الاجتماعي، وهذه ثروات لا يستطيع اي راسمال ضمانها، ولا توجد اية “دكتاتورية” قادرة على انجازها على ارض الواقع.
ولم تتوان الثورة في ممارسة الاممية الاشتراكية (البروليتارية) مع شعوب العالم الثالث وحركاته التحررية والمناهضة للاستعمار والامبريالية والصهيونية والرجعية والفاشية. ولم يقتصر دورها على المجال العسكري بل تعداه الى مختلف المجالات لا سيما التعليم والصحة، ولا زالت تتقاسم ما لديها مع المحتاجين والمنكوبين في مختلف قارات العالم.
عندما وقعت كارثة القرن العشرين وتفكك الاتحاد السوفييتي واندثر المعسكر الاشتراكي الاوروبي الشرقي، وانتهت علاقات التعاضد والتبادل المتكافيء مع كوبا، اصبحت الثورة الكوبية تواجه تحديا مزدوحا: غياب الحليف الاشتراكي والحرب الاقتصادية والتجارية والمالية الامريكية منذ حوالى 60 عاما.
كان لا بد من رسم استراتيجية جديدة استثنائية للخروج من المازق القاتل، على اساس الحفاظ على منجزات الاشتراكية (وتجميد البناء الاشتراكي الا ما كان ضروريا لا مفر منه) والحفاظ على الثورة اي الاستقلال وسيادة البلد. وهنا ظهرت الخطوط العريضة: تطوير السياحة الدولية (لم تكن موجودة سابقا)؛ تطوير الزراعة (الامن الغذائي)؛ تطوير صناعة النفط تنقيبا واستخراجا وتكريرا؛ الانفتاح التدريجي، حالة حالة، على الاستثمارات الاجنبية (كانت معدومة سابقا) وتطوير صناعة الادوية والمنتجات البيوتكنولوجيا والهنسة الوراثية.
و راى فيديل في هذه الاستراتيجية امكانية واقعية للصمود والمقاومة والتنمية ايضا، مؤكدا على انها تقدم ايضا تنازلات امام راس المال؛ مكره اخوكم لا بطل! هذا ما قاله قائد الثورة الراحل.وبرز هنا تحدٍّ جديد: الحدّ من الاثار السلبية الى اقصى حد ممكن لهذه التنازلات والانفتاح ومن اهمها التفاوت الاجتماعي بين الناس من حيث المداخيل والاستهلاك.
لاحقا بدا الحزب والبرلمان وبقية المؤسسات السياسية والتشريعية والادارة المركزية للدولة باتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لنجاح الاستراتيجية المرسومة، والاستمرار بخطوات لاحقة تتماشى معها، فظهر ما يسمى بـ “العمل على الحساب الخاص” اي العمل الفردي ومردوده لصالح الفرد، في خدمة المجتمع! وتمت قوننة ذلك فاصبحت الصناعات اليدوية والحرف الفردية والخدمات العادية يمارسها افراد وليس الدولة!
اي ان المجتمع السياسي اعاد حقوقا للمجتمع المدني كان قد صادرها سابقا. وفي هذا تصويب لخلل قديم حتّمته ظروف استثنائية تاريخية، بحيث ان الدولة الاشتراكية نظريا مسؤولة عن الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج الاساسية في البلد، اما الوسائل الثانوية فهي من اختصاص المجتمع المدني في الطور الاشتراكي، من التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المسماة “الشيوعية”، حيث يتماثل المجتمع السياسي مع المدني وتنتهي الملكية الخاصة ومصائبها، ويصبح العمل ضرورة حيوية للفرد، ويسود الجميع على الجميع ويتكامل ويتكافل معه على قاعدة “كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته”!
قد يرى البعض ان هذا الاجراء اسس للملكية الخاصة في كوبا. اعتقد اولا ان الملكية الخاصة لوسائل الانتاج غير الاساسية كانت موجودة سابقا كما اسلفنا اعلاه؛ وان ما تمخضت عنه هذه التجربة حتى الان يتمثل في ازدياد المداخيل النقدية (المالية) لافراد هذا القطاع، مما ينعكس على مستوى استهلاكهم للسلع والخدمات مقارنة مع بقية الشعب العامل لدى الدولة. هذه الاموال لا تدخل في عمليات الانتاج والتوزيع واعادة التوزيع وبالتالي لا تراكم راسمال بالمفهوم العلمي.
على المدى البعيد ان لم تتخذ الضوابط اللازمة يمكن ان يشكل هذا القطاع ارضا خصبة لتطور راسمال محلي بدعم امريكي تحديدا، من اجل منافسة الدولة وتقويض دعائمها الاجتماعية الاقتصادية من الداخل. اثناء زيارته الى كوبا ، ركز اوباما على “القفاز الحريري”: تشحيع المبادرة الفردية والعمل الخاص!! طبعا هناك قوى اوروبية تعمل على نفس المنوال، في محاولة استنساخ نقابة “تضامن البولندية” في كوبأ.
التغيرات التي طرات على الواقع المعاش في كوبا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا وروحيا، خلال الاعوام الثلاثين الاخيرة، تتطلب بالضرورة تغيرات وتحديث وتجديد للاحكام الدستورية والتشريعية التي تقونن سلوك الافراد والجماعات والتعاونيات ومؤسسات الدولة والمجتمع ككل،وتضبط حقوق وواجبات الجميع، والحؤول دون تجاوزات الدولة على الفرد والعكس! من هنا ظهرت ضرورة تعديل الدستور الساري المفعول منذ عام 1976. وقد حصل ذلك في محطات متتالية زمنيا وانتهت في استفتاء يوم 24 فبراير 2019 الماضي، بالمصادقة على الدستور المعدل وبنسبة مئوية عالية.
لمحة سريعة عن التطور الدستوري في تاريخ كوبا
في العاشر من اكتوبر/ تشرين اول 1868، بدات شرارة الثورة الكبرى لتحرير كوبا من الاستعمار الاسباني، بقيادة كارلوس مانويل دي سيسبيديس، الذي حاز لاحقا على لقب “اب الوطن”. كان كارلوس مانويل رجل اقطاعي ولديه مجموعة من العبيد في محافظة من المنطقة الشرقية (غرانما حاليا)، وفي ذلك اليوم، دق جرس مناداة العبيد والقى فيهم كلمة مضمونها: اذهبوا فانتم الطلقاء وتقاسموا الارض بينكم وهي لكم ولابنائكم وادعوكم الى الالتحاق بي في مسعاي من اجل الغاء العبودية والقتال ضد اسبانيا من اجل تحرير كوبا واستقلالها، وهكذا كان.
وسميت حرب السنوات العشرة بحرب التحرير الاولى و الحرب الكبيرة، وتخللها صياغة دستور للجمهورية المنتفضة بالسلاح ضد اسبانيا في ظل (ازدواجية سلطة): سلطة الاستعمار وسلطة الثورة، وتم التوقيع عليه من قادة الثورة العسكريين والسياسيين والمثقفين يوم 19 ابريل/نيسان 1869 (بمحض الصدفة يوم 19 ابريل/نيسان 1961 انتصرت الثورة المعاصرة على غزو المرتزقة الامبريالي في خليج الخنازير!)، ويعرف بـ “دستور غوايمارو” نسبة الى البلدة المحررة التي شهدت تلك الماثرة التاريخية. واصبح الدستور قانونا للوطن الوليد ونظاما لجيش التحرير، الذي انتشر في محافظات شرق ووسط البلاد.
وكان فيديل يقول ان تلك الثورة والثورة المعاصرة، ثورة واحدة وبالتالي يشكل دستورها سابقة للدستور الجديد وممارسة ديموقراطية مبكرة اضطلع بها الشعب الكوبي وفصائل جيشه التحرري في خضم الحرب ضد الامبراطورية الاسبانية. وكان الدستور جذريا وحازما في اعلان عملية الغاء العبودية في كافة انحاء كوبا المحررة منها والمستعمرة سواء بسواء.
وانطلقت الحرب الثانية من اجل التحرر من الاستعمار الاسباني، اي “الحرب الضرورية” التي بدات في 24 فبراير/ شباط 1895. طبعا في الفترة الفاصلة بين الحربين نشات ظروف واحداث وقوى جديدة حتَّمت تحديث “دستور غوايمارو” وفي 16 سبتمبر/ ايلول 1895، تم الدفع بـ “دستور خيماغوايو” الذي شكل اسهاما في تعزيز النضال من اجل الاستقلال. وقد وقع الاختيار على بلدة خيماغوايو التي استشهد فيها على ارض المعركة يوم 11 مايو/ ايار 1873، الميجر جنرال إغناسيو أغرامونتي لويناس الذي القي على عاتقه صياغة اول دستور للجمهورية المسلحة في غوايمارو.
شكل الدستور الجديد ارضية مناسبة للتنظيم الداخلي للثورة، حيث تم ايجاد الصيغ اللائقة من اجل التغلب على التناقضات داخل القيادة المدنية ـ العسكرية، وتنظيم اوضاع البلد في ظل الحرب. وتم اقرار تشكيل مجلس حكم بصلاحيات ادارية وتشريعية، واعطاء استقلالية تامة للقيادة العسكرية. وفي المادة 24 من الدستور ورد ” خلال العامين المقبلين اذا لم ننتصر في الحرب ضد الاستعمار الاسباني فانه يجب علينا الدعوة الى تشكيل جمعية تاسيسية اخرى”. [ تجدر الاشارة الى ان الثورات المتنوعة التي وصلت الى السلطة في فنزويلا والاكوادور وبوليفيا قد انطلقت مباشرة الى تشكيل “جمعيات تاسيسية” لافتتاح عهود برلمانية تشريعية جديدة تتنسجم والوقائع الجديدة في بلدانها].
وبالفعل وبتاريخ 2 سبتمبر/ ايلول 1897 تمت الدعوة الى جمعية تاسيسية بهدف صياغة “الميثاق العظيم” الجديد (الدستور) وانتخاب مجلس حكم لمدة عامين. وبتاريخ 10 اكتوبر/ تشرين اول 1897 تم التوقيع على “دستور لا يايا” في كاماغويه، الذي شكل تراجعا عن الدستور السابق مما اثار تناقضات بين القيادة العسكرية والقيادة المدنية للثورة والحق بهما اذى كبيرا.
ومع الغزو العسكرى الامريكي لكوبا اثناء حرب الاستقلال عام 1898، تم اجهاض انتصار الثوار الكوبيين على الاستعمار الاسباني. وشرع ممثلوا الحكومة الامريكية في الجزيرة بالدفع بصياغة “قانون القوانين” (الدستور) الخاص بـ “امة سيادية” عام 1901، يتيح لدوائر السلطة الامريكية التدخل في كوبا كلما راق لها ذلك، وفق ملحق بالدستور يسمى “تعديل بلات” لعام 1902! ربما بمحض الصدفة فعلوا نفس الامر في العراق بعد غزوه واحتلاله وتدمير دولته، ويحاولون التدخل في دستور جديد لمستقبل سوريا!!
فعندما وضعت الحرب الامريكية الاسبانية اوزارها رسميا، بالتوقيع على اتفاقية باريس 10ديسمبر / كانون اول 1898، عمليا كانت القوات الكوبية قد هزمت قوات الاستعمار الاسباني، اذ ان التدخل الامريكي جاء انتهازيا لقطف الثمار (كما فعلت في الحرب الامبريالية الثانية). القوات الامريكية رفضت الخروج من كوبا بعد الاتفاقية ،وتحولت الى قوات احتلال وتفاوضت مع السلطات الكوبية الناشئة بعد الحرب على خروجها، واستطاعت فرض شروطها على النحو التالي: اعداد دستور للجمهورية الجديدة، وفي الدستور فرضت شرطين بموجب “تعديل بلات”: الاول يحق للولايات المتحدة التدخل عسكريا في كوبا كلما رات ضرورة لذلك؛ والثاني اجبار كوبا على تاجيرها ميناء كوبي الى الابد، من اجل تقديم الوقود لسفنها!! كل هذا كي تغادر قواتها العسكرية كوبا وتحصل على استقلالها الشكلي (جمهورية مخصية). وهكذا نشات القاعدة البحرية الامريكية في غوانتانامو التي لا زالت قائمة حتى الان.
بعد الحصول على الاستقلال السياسي الشكلي عن الاحتلال العسكري الامريكي تمت صياغة دستور جديد وهو الاكثر تقدما في عموم القارة الامريكية اللاتينية: “دستور عام 1940″الذي تم التوقيع علية في يوم التمرد الوطني 10 اكتوبر/ تشرين اول. وفقا لكلام المثقف والسياسي الثوري الراحل أرماندو هارت (احد اعلام الثورة وكان وزيرا للثقافة ومديرا للبرنامج الوطني خوسيه مارتي” : “الاجراءات الاكثر تقدمية لم يتم الوفاء بها لان الحكومات الفاسدة الاستسلامية كانت تحول دون ذلك… الكفاح اللاحق من اجل تطبيقها واحترامها شكل نقطة انطلاق للعملية التي اوصلتنا الى الاشتراكية”.
الدستور الكوبي في عهد الثورة المعاصرة
بعد انتصار الثورة المعاصرة، كان لا بد من اعادة النظر بالدستور الساري المفعول في البلد بحيث يتواءم والتغيرات الجذرية التي شهدها المجتمع الكوبي. وانطلق الدستور الجديد من “دستور عام 1940″، وتمت مناقشة مشروع مواده كاملة من قبل عموم الشعب في المراكز التعليمية والمزارع والعمل والوحدات العسكرية وحارات واحياء المدن والقرى والارياف، وادخلت عليه تصحيحات واضافات وتمت المصادقة عليه في استفتاء شعبي يوم 24 فبراير/ شباط 1976. وحاز الدستور على مصادقة 97.7% من المواطنين المشاركين.
النظام الديموقراطي في كوبا لم يكن جامدا وذلك بسبب طابعه التشاركي الذي يجعله في تحوّل دائم. وبذلك فان “كوبا اليوم” ليست الا محصلة عمليات تحسين “ميثاقها العظيم” على مرّ السنين، ونظامها الديموقراطي يشكل خلاصة مصلحتها الاولى في الحفاظ على مكتسباتها وتطويرها حسب اللحظة التاريخية التي تعيشها.
الدورة الخامسة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي (2017) افادت بوجود دراسات جارية من اجل تعديل دستوري في المستقبل، تاخذ بالحسبان التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيسية، التي نجمت عن مقررات المؤتمرين السادس والسابع للحزب، وتؤكد على انه لا تنازل عن الاشتراكية الكوبية ولا عن الدور القيادي للحزب في المجتمع، وتكريس الخبرات المكتسبة على امتداد اعوام الثورة، خاصة فيما يتعلق بتنظيم واداء هيئات السلطة الشعبية وممارسة المواطنين لحقوقهم الاساسية.
عملية اصلاح دستور عام 1976.
تكمن اهمية وجوهرية الدستور في انه يشكل القانون الاساسي الذي تقوم عليه الدولة، ويقرر اسس الامة، وهيكليات سلطاتها ومداياتها، بينما يضمن حقوق وواجبات المواطنين. وعليه فان الدستور هو اهم وثيقة حقوقية ـ سياسية في اي بلد اذ انه يرسم الخطوط التشريعية امام بقية القوانين التي تعني كافة قطاعات المجتمع.
في الحالة الكوبية، ينص الدستور في المادة 137، على ان البرلمان هو الهيئة الوحيدة المُخوَّلة بتعديله بقرار يصادق عليه ـ بالتصويت الاسمي، باغلبية لا تقل عن ثلثي عدد اعضائه . يستثنى من هذا التخويل، ما يتعلق بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي له طابع الديمومة ( لا تراجع عنه) وفقا لما تنص عليه المادة 3 من الفصل الاول؛ و تحريم التفاوض في ظل العدوان والتهديد والاكراه على يد قوة اجنبية، وفقا لنص المادة 11.
واذا كان الاصلاح المقترح يتعلق بتشكيل وصلاحيات البرلمان او مجلس الدولة (الهيئة التنفيذية لمقررات البرلمان) او حقوق وواجبات يكرسها الدستور، فان الامر يتطلب ايضا المصادقة عليه من اكثرية المواطنين الذين لديهم حق الانتخاب، وذلك من خلال استفتاء شعبي علني يدعو اليه البرلمان لهذه الغاية.
الهدف من الاصلاح الدستوري الاخير هو امتلاك دولة وحكومة افضل اداء وحداثة بالتوازي مع التغيرات التي طرات على الامة الكوبية ونصّت عليها الوثائق التي صادق عليها الحزب الشيوعي الكوبي وهي : نحت مفاهيم النموذج الاقتصادي والاجتماعي الكوبي للتنمية الاشتراكية؛ اسس الخطة الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لغاية 2030؛ و الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للحزب والثورة.
تم تشكيل لجنة مكونة من 33 نائبا برلمانيا يمثلون كافة قطاعات المجتمع الكوبي، برئاسة جنرال الجيش راؤول كاسترو من اجل اعداد وصياغة المشروع الاولي للدستور الجديد، وتقديمه امام الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية (البرلمان)، استنادا الى وثيقة اعدها خبراء في المواضيع الدستورية تتضمن قواعد واسس الاصلاح الدستوري.
وقامت اللجنة بمناقشة المشروع الاولي، مادة مادة، وتمت مناقشته في جلسة البرلمان كاملا والمصادقة عليه من خلال التصويت. ثم خضع المشروع لعملية مناقشة شعبية خلال الفترة 13 اغسطس ـ 15 نوفمبر 2018، على طول البلاد وعرضها وكانت الفرصة متاحة امام كل مواطن، لكي يعرب عن ارائه ويقترح التغييرات والاضافات التي يراها مناسبة. هذا تقليد كوبي عريق منذ انتصار الثورة ويشكل تعبيرا اصيلا عن المشاركة والديموقراطية الشعبية في النظام السياسي الكوبي.
شارك في الاستشارة الشعبية حوالي 9 ملايين كوبي من اصل 11.5 مليون نسمة عدد سكان كوبا، من خلال 133 الف اجتماع مناقشة علنية ديموقراطية وحرة، اقيمت في الاحياء والحارات ومراكز العمل والدراسة، تمخضت عن تقديم 783 الف مقترح للتعديل او الاضافة او الحذف.
ونظرت اللجنة البرلمانية في هذا الكم الهائل من الاراء التي تمخضت عنها هذه الاستشارة الشعبية، وقامت بتبويبها وفرزها، والاخذ بما ينسجم مع الاسس الدستورية ومباديء واهداف الثورة في الحفاظ على استقلال وسيادة الوطن، وتحقيق اكبر قدر ممكن من العدل الاجتماعي وسعادة المواطنين في ظل الظروف الواقعية التي تمر بها كوبا والعالم.
لاحقا تم اخضاع النص الجديد لتصويت البرلمان الذي صادق عليه بالاجماع واخيرا احيل الدستور بحلته الجديدة الى الشعب مصدر السيادة والسلطات، في استفتاء شعبي يوم 24 فبراير 2019، وتمت المصادقة عليه باكثرية الناخبين، من خلال عملية تصويت طوعي ومباشر وسري.
تجدر الاشارة الى ان الدستور الكوبي لعام 1976، قد خضع لتعديلات جزئية في اعوام 1978، 1992، و2002. بينما خضع الان لتعديلات كُلًيَّة، حيث اضيفت اليه ابواب وفصول ومواد جديدة في اكثريتها. غير ان مباديء اساسية لم يطرا عليها اي تغيير او تعديل : مباديء العدالة الاجتماعية والنزعة الانسانية التي تشكل النظام السياسي وكذلك مباديء ديمومة النظام الاشتراكي ووحدة الشعب والدور القيادي للحزب الشيوعي بصفته طليعة منظمة وقوة رائدة عليا في المجتمع والدولة.
فالمادة الاولى تقول حرفيا “كوبا دولة اشتراكية ودولة قانون وعدالة اجتماعية، دولة ديموقراطية ومستقلة وصاحبة سيادة، دولة منظمة بالجميع لما فيه خير الجميع بصفتها جمهورية وحدوية غير قابلة للتقسيم، قائمة على اساس عمل وكرامة وانسانية واخلاق مواطنيها، من اجل الاستمتاع بالحرية والانصاف والمساواة والتضامن والرفاه والازدهار الفردي والجماعي”.
والمادة الخامسة تنص حرفيا “الحزب الشيوعي الكوبي ، حزب وحيد مارتيني،فيديلي، ماركسي ولينيني،وطليعة مُنَظَّمَة للامة الكوبية، واذ يستند الى طابعه الديموقراطي وارتباطه الدائم بالشعب، فانه يشكل القوة السياسية القائدة العليا للمجتمع والدولة. ينظم ويوجه الجهود المشتركة في بناء الاشتراكية والتقدم نحو المجتمع الشيوعي. ويعمل في سبيل تعزيز وصيانة الوحدة الوطنية للكوبيين وتطوير القيم الاخلاقية والمعنوية والحضارية”.
كل عملية الاصلاح الدستوري تندرج تماما في اطار تعريف القائد الراحل فيديل كاسترو للثورة منذ الاول من مايو 2001 “… الثورة هي تغيير كل ما يجب تغييره…”. واستجابة للازمنة الجديدة و لـ “مغزى اللحظة التاريخية” حسب تعبير فيديل. ويمثل الدستور الجديد اسهاما في تجسيد مقولة البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي (1853 ـ 1895): “يجب ان يكون القانون الاول لجمهوريتنا، تقديس الكوبيين للكرامة الادمية كاملة”. كما انه يشكل اداة بيد كل مواطن كوبي للدفاع عن حقوقه وبوصلة لاداء واجباته. بمعنى ان كوبا دولة قانون تسودها الشرعية الاشتراكية والالتزام بالقوانين.
تم تعديل 134 مادة وحذف 3 مواد اخرى ( الدستور الجديد يتضمن 229 مادة). بلغ مجموع التعديلات 760 تعديلا من الكلمة الى الجملة. غير ان ابرز ما تم استحداثه يتمثل في ادخال مفاهيم على النموذج الاقتصادي الجديد، حيث تم الاعتراف بضرورة تطوير السوق والملكية الخاصة والاستثمار الاجنبي من اجل التصدي للحصار الامريكي، وسط التاكيد على ان البلد لن تعود الى الراسمالية ابدا والتمسك بديمومة النظام الاشتراكي الواردة في الدستور. وفي نفس الوقت اقرّ الدستور بالاهمية الفائقة لمشاركة الشغيلة في عمليات التخطيط والضبط والاداء والتحكم بالاقتصاد.
بموازاة هذا الاستحداث يوجد تشريع نافذ يقول بحق الدولة الكوبية بوضع سقف للملكية الخاصة وللثروة بيد المواطنين، وفي هذا الامر يكمن تحدٍّ كبير، اي كيفية السيطرة على الملكية الخاصة والثروة التي حتما ستتشابك مع ارتباطات خارجية امريكية تحديدا. داخليا ليس صعبا على الدولة ضبط هذا التحدي؛ على المدى المنظور على الاقل؛وقد يلجا “الاثرياء الجدد” الى تصدير “فائض الثروة” التي يراكمونها الى بنوك وجهات خارجية لاستثمارها هناك، وهذه ممارسة كلاسيكية معروفة لان المال وراسماله يتجه الى حيث يحقق ارباحا وفوائد مئوية اكبر دون مجازفة.
وفي ظل الليبرالية الجديدة المعولمة، ينزع القطاع الخاص دائما الى تكريس مصالحه الشخصية والجماعية على حساب المصالح الوطنية والقومية ولصالح راس المال الاجنبي الكبير، ومن موقع التبعية الكاملة له. وفي نظري يشكل قنبلة موقوتة في فناء البيت تنفجر او يتم تفجيرها من الخارج في لحظة مؤاتية للامبريالية ومخططاتها ضد كوبا.
احد المواضيع التي اثارت جدلا كبيرا في المجتمع والبرلمان كان موضوع “زواج المثلييين”، الذي واجه رفضا عارما من مختلف فئات الشعب والكنيسة. مع ذلك في المادة 82 الخاصة بالزواج اصبح النص يصف الزواج على انه شكل لتنظيم العائلة التي “تقوم على التراضي الحرّ والمساواة في الحقوق والواجبات والقدرة القانونية للازواج”. وبهذه الصيغة تم حذف التعريف السابق للزواج على انه اتحاد بين رجل وامراة، وترك الباب مفتوحا امام شرعنة زواج المثليين في المستقبل. وقد احيل الامر الى الجهات القضائية والعدلية المعنية بوضع وتعديل وتنفيذ قانون الاسرة (العائلة). وللعلم فان هذه الصياغة لم ترق لا للمثليين ولا للمناوئين لزواجهم.
زواج المثليين بصفة “عائلة” يعني في رايي عبثا تاما؛ فالمثلية هي صفة لاشخاص معينين قد تكون طبيعية او مُستحثَّة او لاسباب اثرائية (الكسب غير المشروع باستعمال الجسد كسلعة تبادلية تباضعية). مجموع المثليين هنا اقلية صغيرة، يجب احترام حقوقهم كافراد، وليس كـ “جالية” كما يريد البعض.
ان الترويج للمثلية وانتشارها في مجتمع ما يحوله الى مجتمع مخروق وفريسة سهلة امام الاعداء الداخليين والخارجيين. و من يشك في ذلك، فليسال هتلر ونظامه النازي الذي ابتكر برنامجا بيولوجيا لتخنيث الشعوب التي كانت تقع تحت سيطرته العسكرية، بغية إضعاف وتحجيم المقاومة ضده في تلك الفضاءات.
على المدى البعيد وفي افضل الحالات، قد تقع اقلية المثليين عرضة للقمع والاضطهاد اذ ان اكثرية السكان تغمرهم المشاعر والمفاهيم والاخلاق الدينية ( في ظل تنامي وترسخ النفوذ الديني عالميا على الوعي الشعبي) تنفر من المثلية وتزدريها. وفي الحالة الكوبية ارى ان المثلية ليست ظاهرة ولا مشكلة اساسية في المجتمع ولا ترقى الى مستوى الدستور لكي يَبُتَّ فيها. وحتى لو فعل المثليون ما يحلو لهم ليلا نهارا في فضاءاتهم الخاصة و في الفضاءات العامة، فان ذلك لن يحل اي مشكلة لهم ولا للبلد، لان المشاكل الرئيسية التي تواجهها البلد بعيدة كل البعد عن الجنس والجندر.
هناك تعديل هام اخر يتمثل في الاستعاضة عن منصب رئيس مجلسي الدولة والوزراء بمنصبي رئيس وزراء ورئيس الجمهورية، الذي تستغرق ولايته خمسة اعوام قابلة للتجديد الانتخابي مرة واحدة فقط، والحد الادني لعمره عند الترشح للمنصب للمرة الاولى يجب ان لا يقل عن 35 عاما والحد الاقصى 60 عاما.
تم التاكيد على الطابع العالماني للدولة وان ” وسائل الاتصال الاجتماعي الاساسية” في كافة اشكالها ومرتكزاتها (المادية والسيبيرية) ملكية اشتراكية و”لا يمكن ان تكون موضع اي نوع اخر من الملكية”. وكذلك تم التركيز على ان الناس سيتقاضون” نفس الاجر مقابل نفس العمل، دون اي تمييز” وان الصحة والتعليم تضمنهما الدولة للجميع مجانا. كما تم الاعتراف بالاطفال والمراهقين بصفتهم اشخاص يتمتعون بقدرتهم القانونية كاملة من اجل ضمان ” تطورهم المتناغم والشامل” مع الاخذ بالحسبان “مصلحتهم العليا في قراراتهم والافعال التي تخصُّهم”.
كيف نقرا نتائج العملية الدستورية
في يوم 25 فبراير/ شباط 2019، اعلنت اللجنة الانتخابية الوطنية في مؤتمر صحفي عن النتائج الاولية لعملية الاستفتاء على الدستور المعدل، واكدت بالارقام نجاح الاستفتاء والمصادقة الاكيدة على الدستور. وفي يوم 28 فبراير 2019، تم الاعلان عن النتائج النهائية وكانت على النحو التالي:
- عدد الناخبين الاجمالي: 8 ملايين و705 الاف و 723 ناخبا (السجلّ الانتخابي)
- عدد الناخبين الذين ادلوا باصواتهم فعلا: 7 ملايين و848 الف و343 ناخبا…. 15% من المجموع.
- عدد القسائم الانتخابية الصالحة: 7 ملايين و522 الف و569 قسيمة…95.85%.
- عدد المصوتين بـ “نعم” : 6 ملايين و816 الف 169ناخبا……86.85% من الناخبين الذين مارسوا حقهم الدستوري.
- عدد المصوتين بـ “لا”: 706 الاف و400 ناخب….9% من الناخبين الذين مارسوا حقهم الدستوري.
من الواضح ان نسبة رفض الدستور الجديد لعام 2019 اعلى من نظيرتها لعام 1976. من وجهة نظري،هناك عوامل اثرت في ذلك و اهمها: الفارق النوعي في اللحظة التاريخية التي مرت بها الثورة والبلد في هاتين المحطتين، ويترجم ذلك على النحو الاتي:
في الاولى: وجود القيادة التاريخية بشخص فديل كاسترو والاجماع الشعبي المطلق تقريبا عليه وعلى الثورة؛ التركيبة الديموغرافية للمجتمع والمستفيدة باغلبيتها الساحقة من الثورة ومشروعها الاشتراكي؛ الثقافة السياسية المتنامية للشعب ؛ غياب الازمات المستعصية (الغذاء والطاقة بالاساس) وعوامل اخرى.
وفي الثانية: غياب فيديل كاسترو ؛ التغيرات الديموغرافية من حيث وجود جيل لم يعايش الفترة الذهبية للثورة، وانما الازمة التي المت بها وتبعاتها السلبية، وبالتالي تناقص الالتزام بالمشروع الثوري بسبب الاستنزاف السياسي والايديولوجي الناجم عن الازمة؛ والحرب الاعلامية المعادية؛ والحرب الاقتصادية والتجارية والمالية الامبريالية ضد كوبا؛ الانفتاح على الاستثمار الاجنبي والسوق الراسمالية وظهور الملكية الخاصة والتفاوت الاجتماعي وظهور الفساد في مختلف مرافق المجتمع…الخ كل ذلك ادى الى احباط كثير من الناس ولامبالاتهم بما يحصل.
هذه النسبة اقل بكثير مما كان متوقعا. كما انها لاتعني باي حال من الاحوال ان كل الذين صوتوا ضد الدستور الجديد، فعلوا ذلك لانهم ضد الثورة او المشروع الاشتراكي! فمثلا كثيرون من انصار الثورة وبرنامجها لا يريدون الملكية الخاصة ولا زواج المثليين، وغيرهم اخرون لا يوافقون على مادة ما او تفصيلية هنا وهناك او لم يؤخذ باقتراح قدموه، فصوتوا بردة فعل سلبيا.
كما يجب لفت الانتباه الى ان وجود اصحاب “ملكية خاصة محلية” (سيارة اجرة، مطعم، كافيتريا، صالون حلاقة وتجميل..الخ) لا يعني تلقائيا، وقوفهم في الصف المناويء للدستور، وهذا راي القيادة الكوبية علنيا. اما ما لا شك فيه فان الشلل المناوئة للثورة تاريخيا والممولة من امريكا الامبريالية وغيرها من الامبرياليات الرثة، قد صوتوا ضد كوبا كاملة، وانصار بعض الكنائس المسيحية رفضوا الدستور جملة وتفصيلا بسبب قضية “زواج المثليين”!!
نتيجة الاستفتاء على الدستور الاشتراكي تعتبر نصرا كبيرا لكوبا ونظامها السياسي وثورتها، اذا اخذنا بعين الاعتبار السياق الاقليمي والدولي : تشديد الحرب الامريكية ضد كوبا في كافة المجالات باستثناء الجانب العسكري المباشر؛ الهجوم الامبريالي المعولم العنيف ضد امريكا اللاتينية؛ نكوص انظمة اقليمية مناوئة للامبريالية من خلال الانقلابات البرلمانية والقضائية والخيانة والفساد (الاكوادور، البرازيل، الارجنتين، السلفادور، الباراغواي، الهندوراس، والازمة في نيكاراغوا الساندينية؛ الحرب المفتوحة العلنية على الثورة البوليفرية .
وبالتزامن مع ذلك، صمود الثورة الكوبية على امتداد ستة عقود، وصمود الثورة البوليفرية، والثورة البوليفية؛ التغير التقدمي في المكسيك؛ الصمود والمقاومة العربية في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين والعراق، وصعود الدور الذي تضطلع به الجمهورية الايرانية الاسلامية، وصمود وصعود روسيا والصين في مواجهة الطغيان الامبريالي عالميا واقليميا، كلها عوامل مؤاتية لصمود وانتصار كوبا امام التحديات الراهنة والمقبلة.
المصالح الجوهرية التي يتم الدفاع عنها، لا زالت منذ 150 عاما من التاريخ الدستوري الكوبي ثابتة وهي استقلال وسيادة الجزيرة. وكما يقول فيديل كاسترو فان الحفاظ على الثورة الاشتراكية ومنجزاتها، هو الضمانة الوحيدة والاكيدة لضمان تلك المصالح.
التحديات الماثلة امام الثورة الكوبية الان داخليا تتمثل في ضمان استمرارية الجيل الجديد من الثوريين والوطنيين الكوبيين في المشروع الاشتراكي، في ظل ظروف جديدة و”قواعد لعب” مختلفة داخليا وخارجيا. ان وجود قيادة جماعية حزبيا ومؤسساتيا يشكل ضمانة كبيرة لمواجهة اي انحراف او تساقط او قصور اثناء تنفيذ مقررات الحزب والبرلمان والدولة عموما. وكما قال جنرال الجيش راؤول كاسترو في احدى المناسبات: لقد قيل كل ما يجب ان يقال، والان هيا الى العمل والتطبيق والتحلي بالتفاؤل والثقة بالنفس وبالشعب وبتاريخنا المجيد منذ 150 عاما، في الصمود والمقاومة والانتصار.نعم اننا نستطيع!
في اعداد هذه الورقة، تمت الاستعانة بمنشورات وسائل الاعلام الكوبية وارشيف الكاتب والمعايشة الميدانية للواقع الكوبي.
- Constituciones mambisas: precedentes del ejercicio democrático de la Cuba actual
Autor: Alejandra García | internet@granma.cu 17 de abril de 2018 19:04:43
- *Diez puntos clave de la actual Reforma Constitucional en Cuba
Autor: Jorge Legañoa Alonso | internet@granma.cu 5 de julio de 2018 17:07:53
- Nuestra Constitución es garantía de unidad y carta de futuro
Autor: Julio Martínez Molina | internet@granma.cu
24 de febrero de 2019
- Cuba vota su nueva Constitución, ¿cuáles son los principales cambios?
Publicado: 24 feb 2019 10:52 GMT
Santiago Mayor
https://actualidad.rt.com/actualidad/306536-cuba
- Cuarenta razones para votar Sí
Autor: Freddy Pérez Cabrera | internet@granma.cu
21 de febrero de 2019 19:02:46
- Constitución de presente y futuro
Autor: Vivian Bustamante Molina | internet@granma.cu
21 de febrero de 2019 19:02:56http://www.granma.cu/reforma-constitucional/2019-02-21/constitucion-de-presente-y-futuro-21-02-2019-19-02-56
- No claudicaremos ni traicionaremos, y jamás nos rendiremos
Autor: Miguel Díaz-Canel Bermúdez | internet@granma.cu
22 de febrero de 2019 22:02:15
- Carta Magna: La puerta y el camino
Autor: Dilbert Reyes Rodríguez | dilbert@granma.cu
25 de febrero de 2019 22:02:41
- Cuba dijo Sí, alto y claro
Autor: Redacción Nacional | internet@granma.cu
1 de marzo de 2019 01:03:08
http://www.granma.cu/cuba/2019-03-01/cuba-dijo-si-alto-y-claro-01-03-2019-01-03-08
- Declaración del Ministerio de Relaciones Exteriores
Autor: Granma | internet@granma.cu
26 de febrero de 2019 20:02:06
- Transparencia y apego a la ley primaron en validación de los resultados del Referendo
Autor: Granma | internet@granma.cu
1 de marzo de 2019 00:03:05
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.