يوم الجلاء في سورية: (١) كي لا ننسى: الإستعمار الفرنسي في سوريا، (٢)حفيد غورو يعتذر عن جرائم بلاده

ملاحظة

يصادف اليوم عيد الجلاء في سورية، وهو تاريخ جلاء آخر جندي للمحتل فرنسي عن الأراضي السورية في 17أبريل1946. ويتم الاحتفال بهذا اليوم في سورية يوم ١٧ نيسان من كل عام.

(١)

كي لا ننسى

الإستعمار الفرنسي في سوريا

الطاهر المعز

ساهم الجنرال الفرنسي “هنري غُورُو” 17/11/1867 – 16/09/1946 في استعمار موريتانيا ومالي وتشاد وكان مقيمًا عامّا في المغرب، سنة 1917، وعمل على توطيد أركان الإستعمار الفرنسي في المغرب، وكان رجلا عسكريا وسياسيّا، ومتعصّبًا لأرائه السياسية (اليمينية المتطرفة) ولمُعتقداته الدّينية المسيحية (في فرنسا “اللائكية”)، ومن دُعاة ومُنفِّذِي النّظرية العسكرية الإستعمارية الفرنسية التي تدعو إلى إبادة المُقاومين لزحف الجيوش الفرنسية، وعدم الإكتفاء بهزيمتهم، وهي نظرية هجومية وليست دفاعية، وعرفت باسم “الهُجُوم حتى الإبادة”. 

أصبح الجنرال “غورو” قائد الجيش الفرنسي، خلال الحرب العالمية الأولى، وشارك في الحرب ضد الدولة العثمانية، وضد تركيا (1919 – 1923)، للإستيلاء على البلدان التي كانت تحتلّها تركيا، في نطاق تطبيق اتفاقية “سايكس – بيكو 1916″، وبعد التّفْتِيت، احتلت فرنسا سوريا، وأصبح الجنرال “غورو” المندوب السامي للإحتلال الفرنسي، وقَسم سوريا، وفَصَل لبنان، وأعلن تأسيس دويلة لبنان سنة 1920، وأعرب عند دخوله دمشق، غازيا (بحوالي سبعين ألف جندي بتجهيزات حديثة، ومن بينها الطائرات)، عن الفَخْر بأنه من أحفاد الصليبيين الذين غزوا المشرق العربي، قبل قُرابة ألف سنة، ويعتبر إن عودة الجيش الفرنسي، إلى سوريا والمَشرق العربي، تمثل انتقامًا لأجداده (المُفْتَرَضِين)، الذين هُزموا في فلسطين، وانتقامًا ل”نابليون”، الذي هُزِمَ على أبواب “عكا” سنة 1799، وأطلق آنذاك مشروع إنشاء دولة لليهود، في فلسطين، ونُسِبَتْ للجنرال “غورو” مقولة “ها قد عُدنا ياصلاح الدّين”، بعد احتلال دمشق، وكان قد فَرَضَ غرامات مرتفعة على السّكّان، وأصْدَرَ أوامر بإبادة كل من يحاول المقاومة، واستخدم الجيش الفرنسي الطائرات وارتكب عديد المجازر، ولكن الشعب السوري لم يستسلم، كما لم تستسلم القيادات الوطنية، رغم ارتفاع عدد الضحايا، ومن بين القيادات أفراد أسرة الفنان الراحل فريد الأطرش، وأشهرهم والده “سلطان باشا الأطرش”، و”يوسف العظمة”، وزير الدفاع السّوري آنذاك، والذي استشهد في معركة “ميسلون” (24/07/1920)، وكان أعضاء المؤتمر السوري، قد اجتمعوا يوم 22/11/1919، غداة دخول القوات الفرنسية إلى دمشق، وقرروا الدفاع عن وحدة سورية الطبيعية (كان البريطانيون قد احتلوا فلسطين)، وأشرف المؤتمر السوري على تنظيم عمليات المُقاومة (مع العديد من المتطوعين العرب) التي انطلقت بسرعة شمال وجنوب سوريا الحالية وفي لبنان الحالي، وأنطاكية (قبل أن تقتطعها فرنسا وتهديها إلى تركيا، مع لواء اسكندرون)، بقيادة مقاومين مثل  إبراهيم هنانو وصالح العلي، وسلطان الأطرش ويوسف العظمة، واستخدم جيش الإحتلال الفرنسي الطائرات والمدفعية الثقيلة لتدمير المدن، كما عمد إلى تقسيم الشعب إلى طوائف، وتسليح البعض، لكن الأغلبية استخدمت السلاح ضد جيش الإحتلال، وقسّم سوريا إلى ثلاث دُويلات، وفَرض اللغة الفرنسية، والعلم الذي يرفعه اليوم عناصر المنظمات الإرهابية والعُملاء (بثلاث نجوم، بدل نجْمَتَيْن)… 

هاجم الثّوار السوريون، بقيادة “أحمد مريود”، يوم 23/06/1921، قرب القنيطرة، موكب الجنرال “غورو”، الذي اختبأ تحت مقعد السيارة وأُصيب بجروح، وكاد يُقْتل، وتدهور وضعه النّفسي بعد هذا الهجوم، وتأثّرت هيبته، فنقلته الحكومة الفرنسية يوم 25/10/1922 ليتولّى مهام أخرى…  

شهدت فرنسا (القوّة الإستعمارية) صراعًا داخليا، خلال الحرب العالمية الثانية، بين عملاء للإحتلال النّازي، ومدافعين عن استقلال فرنسا (أسس الأخيرون حكومة مؤقتة في الجزائر)، ووَعَد المُدافعون عن الإستقلال، الشعوب المُسْتَعْمَرة، بالإستقلال في حالة وقوفها ضد دولة “فيشي” (الموالية للإحتلال الألماني النّازِي)، وتمكنت “القوات المتحالفة” (بريطانيا وأمريكا) من إخراج قوات “فيشي” من سورية في صيف سنة 1941، ووعد الجنرال “ديغول” سورية ولبنان بالاستقلال وحق تقرير المصير (كما وعَدَ الجزائر)، ولكن فرنسا الإستعمارية أخلفت وعدها، بل ارتكبت مجازر فظيعة في الجزائر، يوم النصر على ألمانيا النازية وحلفائها (08 أيار/مايو 1945)، وقتلت نحو 45 ألف جزائري، كانوا يُطالبون بالإستقلال، تنفيذًا للوعد، أما في سوريا، فقد قصفت طائرات ومُصفّحات جيش الإحتلال الفرنسي، مبنى البرلمان السوري، يوم 29 أيار/مايو 1945، يوم اجتماع أعضاء البرلمان والحكومة الوطنية لاتخاذ قرار إعلان الإستقلال، واستخدم الجيش الفرنسي المُجَنّدِين من المُستعمَرات الإفريقية للتمثيل بجثث القتلى السّورِيِّين، وحرقها…

بعد أكثر من سبعة عُقُود على المجازر في الجزائر ومدغشقر والسنغال وسوريا، رفضت حكومات فرنسا المتعاقبة، وقيادات الأحزاب الحاكمة، الإعتذار عن جرائم الإستعمار التي ارتكبها جيشها في أنحاء العالم، (رغم إن الإعتذار لا يُعيد القتلى أحياء، ولا يُكلّف خسائر مادّية) وتمسكت فرنسا الرّسْمِيّة بتاريخها الإستعماري البشع، رغم التّبجّح بحقوق الإنسان وبالدّيمقراطية، بل لا تزال الدولة الفرنسية تخوض حربًا عدوانية، على الأرض السورية والشعب السوري، اليوم بعد مرور قَرْنٍ كامل على الإحتلال (1919 – 2019)، وتدعم الكيان الصهيوني، وتشارك بنشاط في العدوان على شُعُوب أفغانستان والعراق واليمن وليبيا وشعوب شرق إفريقيا (الصومال) وغربها (مالي)، وتحتل العديد من الأراضي في بحر الكاريبي وفي إفريقيا والمحيط الهندي، والهادئ…  

(٢)

حفيد الجنرال غورو في سورية اليوم للاعتذار عن جرائم بلاده

يقوم حفيد المندوب السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو بزيارة إلى محافظة السويداء اليوم الاثنين، يلقي خلالها خطاباً يقدم فيه اعتذاره عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بحق الشعب السوري خلال استعمارها لسورية، حسبما ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.

ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة قولها: إن «جان لوي غورو حفيد الجنرال هنري غورو سيقوم الاثنين (اليوم) بزيارة محافظة السويداء في الجنوب السوري وسيعقد اجتماعاً مع القيادة السياسية في مبنى فرع حزب البعث العربي الاشتراكي ثم سيزور صرح الثورة السورية الكبرى في بلدة القريا وضريح قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، حيث سيلقي خطاب اعتذار للشعب السوري عما ارتكبته بلاده خلال استعمارها لسورية، وتحديداً الفترة التي عين فيها جده الجنرال هنري مندوباً سامياً في سورية».

وأضافت المصادر: «إن خطاب السيد جان لوي غورو سيركز على الدعوة لإعادة الدفء إلى العلاقة بين الشعبين السوري والفرنسي وطي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل، كما سينقل في خطابه تأييد الشعب الفرنسي ودعمه لسورية في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية التي تتعرض لها منذ عام 2011».

وبحسب الوكالة، فإن الجنرال هنري غورو الذي أشتهر أوائل القرن الماضي بانتمائه للنظرية العسكرية الفرنسية القائمة على «الهجوم حتى الإبادة»، هو القائد العسكري الذي قاد الجيش الفرنسي في نهاية الحرب العالمية الأولى في الحرب التركية الفرنسية (1919 – 1923)، واشتهر بكونه المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان وسورية، وبكونه من تولى إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 بعد فصله عن سورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا، كما عرف بتعصبه الشديد لمعتقداته الدينية، وكثيراً ما كان يجاهر باعتداده أنه واحد من أحفاد «الصليبيين» الذين غزوا بلاد الشام إبان العصور الوسطى.

وبحسب المراجع التاريخية، وصل الجنرال غورو إلى بيروت وفق مخطط الانتداب يوم 21/11/1919، ومع تقدمها إلى الداخل سحقت القوات الفرنسية حركات المقاومة التي هبت للدفاع عن وحدة سورية الطبيعية في البقاع ومرجعيون والقنيطرة، واللاذقية، حيث لجأ الجنرال غورو إلى تدمير العديد من المدن والقرى، كأنطاكيا والقدموس وبانياس والقصير، وشرد معظم سكانها وأصبح كثير منهم بلا مأوى.وفي يوم 14/7/1920 أمر غورو جيشه المؤلف من 70 ألف مقاتل بالتوجه إلى دمشق، في حين هب السوريون للدفاع عن بلادهم وسقط حينها المئات شهداء وكان بينهم وزير الحربية الشهيد يوسف العظمة.

وبعد أن دخل غورو إلى دمشق، ذهب إلى المسجد الأموي شاهراً سيفه، وعلى مقربة من قبر صلاح الدين الأيوبي قال عبارته الشهيرة: «ها قد عدنا يا صلاح الدين».وتفنن غورو باستخدام أساليبه القمعية التي ارتبطت بسمعته منذ أن كان في المغرب وإفريقيا، ففرض الغرامات الحربية على الأهالي (200 ألف ليرة عثمانية ذهبية و10 آلاف بندقية) وطبَّق الأحكام العرفية وأصدر أوامره بالقبض على كل من رفع سلاحه مقاوماً.

 

وفي 31/8/1920 أعلن استقلال جبل لبنان وسلب سورية أقضيتها الأربعة (حاصبيا – راشيا – البقاع – بعلبك)، وأطلق على الدولة الجديدة اسم: دولة لبنان الكبير، ثم قسم سورية إلى أربع دول على أسس طائفية هي (دمشق وحلب والساحل والسويداء) وفرض اللغة الفرنسية إلى جانب العربية، مما جعل البلاد تهب في وجهه بثورات متلاحقة سجل فيها السوريون أروع صفحات المقاومة في التاريخ الحديث.وفي 25 تشرين الأول 1922 استقال الجنرال غورو من منصبه كمندوب سام لفرنسا في سورية ولبنان، وأقام في باريس حتى وفاته سنة 1946.

:::::

موقع “الجمل”

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.