فلسطين: من اغلاق المؤسسات الاهلية الى فتح الآفاق النضالية، باسم داغر

ان قيام السلطات الاستعمارية الصهيونية باغلاق ست مؤسسات فلسطينية مدنية (مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومؤسسة القانون من أجل حقوق الإنسان (الحق)، ومركز “بيسان” للبحوث والإنماء، و اتحاد لجان المرأة، والحركة العالمية للدفاع عن الطفل-فلسطين، واتحاد لجان العمل الزراعي) وادعاء علاقتهم بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (من تأسيس الراحل د. جورج حبش وبالقيادة الحالية للأمين العام السجين السياسي احمد سعدات) وتصنيفها كمنظمات “إرهابية” تعتبر خطوة و مقدمة لحرب اوسع على كل مكونات الشعب الفلسطيني من مؤسسات وافراد وثقافة وادب وفولكلور وتراث وفن وفكر .

وصحيح ان الجبهة الشعبية (من بين فصائل م. .ت.ف) هي الفصيل الأكثر استهدافا من قبل الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وهي فعلا مستهدفة في هذا “الأمر الاحتلالي” ، الا ان هذا “الأمر الاحتلالي” يأتي ضد الخطاب المقاوم  للخطاب الاستعماري الصهيوني و كيانه المادي الجاثم على ارض فلسطين. فهذا القرار لا يستهدف فصيل الجبهة الشعبية كما هو معلن فحسب، بل هو سعي الى تدمير مؤسسات العمل المدني السلمي في مقاومته والذكي في اسلوبه  في الجزء الفلسطيني المحتل عام 67 باعتباره معقلا نضاليا باعثا وحاملا للوطنية الفلسطينيّة و تجلياتها ورافعة للنضال التحرري لذلك فهو يستهدف معقلا فلسطينيا آخر من معاقل وبؤر المقاومة ضد الاحتلال.

فدولة وبنية الاحتلال الاستيطاني الاحلالي تعتمد على منظومة وآليات وضوابط متعددة تصممها للسيطرة الامنية والسياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الفكرية و النفسية من أجل اخضاع المؤسسات والإفراد و لمجتمع ككل واختراق الجماعات التي تقاومه و تتصدى له باستخدام وسائل مختلفة لاحتوائها والسيطرة عليها وتطبيعها مع الاحتلال والحاقها به بهدف استمرار الهيمنة الاستعمارية وادامة الاحتلال.
 
فمن  اغتيالات وسجن وتعذيب ومراقبة وتجسس ونفي وتشريد وسلب اراضي واستيطان وتهويد وقوانين عنصرية (قانون القومية على سبيل المثال) وجرائم القتل المنظمة ومجازر ابادة عرقية من قبل عصابات اجرامية الموجهة ضد ابناء شعبنا في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948 الى حربه الشرسة ضد الرواية الوطنية و السردية التاريخية للشعب الفلسطيني وتحريف وتهويد التاريخ والجغرافيا في محاولة منه لاعادة صياغة خطاب فلسطيني وضبط مفرداته بما يتلاءم ويتوائم مع تعريفات ومفاهيم المعجم الصهيوني وعقيدته الارهابية ومصالحه الاستعمارية.

 وصحيح ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استقبل مندوبين عن هذه المؤسسات الست وأعرب عن تضامن السلطة معها، الا ان “الأمر الاحتلالي” يكشف عن عجز ووهن السلطة الفلسطينية و فساد مؤسساتها الرسمية ووهم خياراتها ورهاناتها السياسية وزيف إدعاءاتها فالمشروع الصهيوني الاستعماري المتجسد بدولة اسرائيل لا زال لم يستكمل مشروعه التوسعي بعد باقامة دولة يهودية خالصة على كامل فلسطين و ابادة الشعب الفلسطيني سواء أكانت ابادة جسدية ام سياسية ومن ثم الانتقال الى طور امبريالية صهيونية لاخضاع المنطقة العربية ككل وذلك للسيطرة عليها ونهب مصادرها وثرواتها.

فلا تكتفي دولة المستعمرين الصهاينة ولا يجدي معها نفعا الخطاب التصالحي او الانهزامي (الناعم) من قبل الطبقة السياسية المسيطرة على القرار الفلسطيني الرسمي ومن قبل بعض الافراد و المنظمات المدنية المخترقة وبعض القوى التي تطالب بالاندماج في دولة واحدة مع المستعمرين (دولة لكل مواطنيها) اذ لم ينتج عن الاعتراف (بحق) (إسرائيل ) بالوجود والغاء فقرات من الميثاق الوطني الفلسطيني و اختزال الوطن و الشعب و القضية و الرواية في حدود الرابع من حزيران 1967 (القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة و قطاع غزة) ولا حتى بالتنسيق الامني وتطبيق اتفاقيات اوسلو و باريس الاقتصادية و ملحقاتهما من طرف واحد (الفلسطيني) لم ينتج سوى مزيدا من الضعف و التراجع والخسارة و التفكك عند الجانب الفلسطيني و زيدا من تغول الاحتلال وتوغله في الاراضي الفلسطينية وزيادة تطرفه.
 
كذلك يُعتبر  “الأمر الاحتلالي” الاسرائيلي بإغلاق المؤسسات الاهلية الفلسطينية كجزء من سياسات متعددة المستويات والابعاد ضمن استراتيجية ثابتة لتصفية القضية الفلسطينية تصفية شاملة فعلى الساحة الدولية يعمل كيان الاحتلال والحركة الصهيونية العالمية وانصارهم على تحريم و تجريم توجيه اي انتقاد لجرائم وممارسات الاحتلال القمعية ضد الشعب الفلسطيني وربط اي انتقاد لهذه الممارسات بمعاداة السامية و كره اليهود مما يؤدي الى تداعيات و عقوبات كبيرة لاي شخص او جهة ترفض ممارسات الاحتلال القمعية لتغييب الصوت الفلسطيني و التنكر لحقوقه و احلال الخرافة التوراتية مكان الرواية التاريخية الفلسطينية فتنشط الحركة الصهيونية في الجامعات و المراكز الاكاديمية و البحثية
 ومراكز صنع القرار في دول عديدة وفي منظمات مدنية ودولية ووسائل الاعلام والانترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ومؤخرا اشار المفكر الفلسطيني – البريطاني البرفيسور مكرم خوري – مخول مؤسس و مدير مركز كيمبريدج لدراسات فلسطين في تغريدة له في حسابه الخاص على تويتر(ProfMKM@) بمنع فيسبوك نشر دعوة للمشاركة في ندوة عن المنظمات الاهلية الفلسطينية، وهنا انقل لكم تغريدته كما هي:
“في خطوة اخرى ضد ⁧الشعب الفلسطيني⁩ ⁧قامت فيسبوك⁩ بمنع مقرر ⁧الامم المتحدة⁩ السابق ⁧لفلسطين⁩ البروفيسور ريتشارد فولك ⁦@rfalk13⁩ من نشر دعوة ⁧مركز كيمبريدج لدراسات فلسطين⁩ ⁦@ccps21⁩ لندوة يتكلم فيها ممثلون عن منظمات المجتمع الاهلي ⁧الفلسطيني⁩ التي ستعقد مساء يوم الاثنين 15.11.21. )

فالفاشية الصهيونية تريد دفع الفلسطيني الى اليأس والرضوخ والاستسلام امام “الجدار الحديدي الاسرائيلي” (جابتونسكي ) وجدران التطبيع العربي.
 
ان الكيان الصهيوني يحاول مراكمة انجازات وخلق حقائق جديدة على الارض من خلال سلب الاراضي واقامة المستوطنات عليها وتهويد القدس والضفة الفلسطينية المحتلة ونهب موارد الشعب الفلسطيني ومصادره الطبيعية كذلك حقق اختراقات مهمة في الساحة العربية وافريقيا وغيرها مقابل تراجع مستمر للفلسطينيين وازدياد تفككهم وانقسامهم و هيمنة طبقة سياسية رثة على القرار و المصير الفلسطيني و الاطر النضالية الفاعلة  والمؤثرة و اختراق الساحة الفلسطينية من عدة جهات اقليمية و انكفاء القضية الفلسطينية بسبب المتغيرات الدولية التي تجري اليوم و حالة الضعف الفلسطيني المستمر، امام هذه التحديات يجب ان تكون هناك استجابات بنفس المستوى تعتمد على الوعي و الارادة والعمل المقاوم فكما توجد نقاط قوة لدى العدو هناك نقاط ضعف ايضا و انه بالرغم من ضعفنا الا انه لدينا امكانات قوة و قدرات كامنة يجب تحريكها و تفعيلها لتحويلها الى طاقة وطنية فعالة.

لكن امام هذا الواقع المركب والمعقد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وتمر به قضيته، لا احد يستطيع اعطاء اجابات محددة و تصورات جاهزة و دليل عمل واضح اذ انه يجب ان يكون ذلك من خلال تفكير نقدي معمق ومراجعة شاملة لمسيرة الكفاح الفلسطيني وهذا يتطلب جهد جماعي من النخب والكفاءات والفعاليات الوطنية في جميع اماكن تواجد الشعب الفلسطيني وفي كافة المجالات لاجل بلورة و صياغة خارطة طريق كفاحية واعادة القضية الى مسارها الصحيح انطلاقا من الارادة المشتركة للشعب الفلسطيني المعبر عنها بالميثاق الوطني الفلسطيني الاصلي الذي يعبر عن وحدة الارض و الشعب و الهدف و وحدة روايته التاريخية .

وهذا يتطلب ان لا ننشغل بطرح تصورات ذهنية لحلول سياسية لانه لا يمكن ان يكون هناك اية تسوية بسبب طبيعة الكيان الصهيوني الاستعماري وموازين القوى السائدة وحالة التردي الفلسطيني اذ انه يجب علينا ان نقاوم  ونناضل موحدين لخلق ومراكمة وقائع جديدة نبني عليها وهذا يتطلب منا سؤالا مركزيا و اسئلة كثيرة واولها كيف نناضل و بأية وسائل؟

وما هو المتاح والممكن والافضل في هذه المرحلة ؟

ويمكن اضافة الكثير من الاسئلة و القضايا المهمة مثل كيف نبني اقتصاد سياسي للتحرير؟
وكيف نفعل الديمغرافيا الفلسطينية في فلسطين ومحيطها وفي الشتات؟
والعمل على تكاملها و تناغمها النضالي و تأطير الحالات النضالية المقاومة المتناثرة في عدة اماكن مثل العيزرية وسلوان وبيتا والقدس والمنظمات الاهلية والاطر والحراكات الفلسطينية الاخرى؟

وكيف ندمج النضال في الحياة اليومية ونعمل على تكاملهما وبناء مجتمع فلسطيني متماسك؟
وهناك الكثير من الاسئلة و القضايا التي تحتاج الى مساهمات متعددة  ومعالجات جادة والمهم هو عدم الاستغراق في النقد و التفاصيل اذ بعد النقد والتشخيص يجب ان يأتي دور الحركة والفعل والممارسة والتطبيق و التصحيح و التطوير ولكي لا نبقى نراوح في نفس الدائرة. فالتغيير يحتاج الى المبادرة و المثابرة و العطاء و التضحية كما تفعل هذه المؤسسات الست وعشرات المؤسسات الأخرى المنتشرة في فلسطين.

ان الرد الاقوى والانجع على “الأمر الاحتلالي” الارهابي الاسرئيلى ضد المؤسسات المدنية الفلسطينية والاعتداءات المستمرة يكون من خلال رد وطني مؤسساتي وجماهيري موحد. هكذا نحمي مؤسساتنا وافرادنا ومجتمعاتنا وهذا ما يجب ان نبادر به ونسعى نحوه.

* كاتب فلسطيني مقيم في انجلترا – المملكة المتحدة. 

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.