“كنعان” تتابع نشر كتاب “هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة: قراءة في الثورة والثورة المضادة”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة (8)

الثورة الطلابية 1968

الجزء الثاني

 أبعد من فرنسا:

ليست الثورة الطلابية ايار 68  ظاهرة فرنسية حصراً، وإن كانت فرنسا مهدها الحقيقي، بل قد يصح القول بأن ثورة 1968 مستلهمة من الثورة الثقافية في الصين 1965-1976 ومتاثرة بالثورة الصينية أو الاتجاه الصيني، الماوية،  في الشيوعية. وكما ورد آنفاً، كانت ثورة 68 ظاهرة عالمية بدأت في فرنسا وامتدت إلى   المكسيك المانيا  الصين ايطاليا والولايات المتحدة…الخ أي لم تكن ظاهرة فرنسية خاصة. لكن هذا لا يعني أن هناك معنى لأممية طلابية بالمعنى التنظيمي الذي ينجز ثورة عالمية بمفرده أو حتى بقيادته وحده.

وكما اشرنا في غير موضع، لم تكن الثورة الطلابية مقتصرة على فرنسا، بل امتدت للكثير من بلدان العالم، وُوجهت طبعاً بالقمع. ففي المكسيك (2 تشرين الأول/ أكتوبر 1968)، حوصر الطلاب المتظاهرون وأطلقت النار عليهم بلا تمييز، فقُتل المئات وجرح الألوف واعتقل كل من حاول الفرار واختفى كثيرون منهم من دون أثر.

“…في شهر آذار/مارس من عام 1968، وبينما كانت فرنسا تستعد لتعيش أكبر تحركات احتجاجية عرفتها منذ الإضرابات العمّاليّة عام 1936، كانت تونس وجامعاتها ترزح تحت وطأة العسكرة والحصار من طرف قوات البوليس وميليشيات الحزب الحاكم، و«الموجة الاحتجاجية» اليسارية بصدد الخفوت. عجّت السجون وقبو وزارة الداخلية وغيرهما من مراكز الاعتقال حينها بمئات المناضلين اليساريين المنتمين أو المقربين من التنظيم الثوري «تجمّع الدراسات والعمل الاشتراكية بتونس»، المعروف أكثر باسم جريدته «آفاق» (برسبكتيف)، وبعض المنتمين إلى الحزب الشيوعي التونسي. وختمت أحداث «آذار/مارس 1968» في شهر أيلول/سبتمبر من العام نفسه، بمحاكمة 101 من بين الموقوفين من قبل محكمة زجرية تم إنشاؤها لهذا الغرض وهي محكمة أمن الدولة، التي أصدرت في حقّهم أحكاماً بالسجن تراوحت بين بضعة أشهر وستة عشر عاماً ونصف.
تبلور حد برسبكتيف السياسي، خاصة بعد حسمها، بمناسبة ندوة الجزائر التي التأمت في آذار/مارس 1967، أسسها النظرية وأهدافها السياسية، التكتيكية والاستراتيجية. تلت هذه المرحلة عملية الحسم الأيديولوجي في صلبها وعبّر عنها إعلان تبنيها الماويّة رسمياً في أيلول/سبتمبر من نفس السنة.

بضعة أشهر بعد هذا الإضراب، نُظّمت مسيرات طلابيّة ظهيرة يوم 6 حزيران/جوان، في شوارع تونس، دعماً للجيوش العربيّة في مواجهة إسرائيل و«تنديداً بتواطؤ النظام التونسي مع الإمبرياليّة الأميركية ــ البريطانيّة ــ الصهيونية». خلال هذه المسيرات طاف آلاف المحتجون شوارع العاصمة، بتأطير من «برسبكتيف» في البداية، قبل أن يفقد المنظمون السيطرة على المتظاهرين وتتحول الاحتجاجات إلى اعتداءات على السفارتين الأميركية والبريطانية والمركز الثقافي الأميركي والكنيس اليهودي الأكبر في «شارع الحريّة». وقد أكدت عدة شهادات من طرف قياديين «برسبكتيفيين» وغيرهم تواطؤ الأمن التونسي (بحضور قياداته)، وذلك عبر سماحه للمتظاهرين بمهاجمة الكنيس وبقية المراكز الأجنبيّة من دون أدنى حماية، مما غذّى فرضية التآمر الرسمي لاستغلال الأحداث لاحقاً لقمع الحركات الاحتجاجية. طالت حملة قمع كبرى في وقت لاحق من ذلك اليوم القيادات الطلابيّة ومن بينها محمد بن جنّات، المناضل «البرسبكتيفي» الذي حكم عليه بالسجن لعقدين مع الأشغال الشاقة”[1]

كما انها تأثرت بالمستوى السلبي في معسكر الثورة العالمية أي الخلاف الصيني السوفييتي، والبيروقراطية في انظمة الاشتراكية المحققة. هذا المناخ هو الذي دفع إلى ضرورة مواقف نقدية لمعسكر الثورة، النقد الذي ساوى عبثاً بين الأنظمة وبين النظرية الماركسية-اللينينية وخاصة الدور الذي لعبته بخبث مدرسة فرانكورت ولاحقا اليسار الجديد والتي على اية حال بقدر ما هزت المعسكر الآشتراكي لكنها لم تقدم بديلاً ثوريا عمليا.

لم يتبلورعن تاثر الشباب بالصين منظمات ثورية مؤهلة للاستقطاب والتغيير بل افرزت مجموعات رومانسية قلدت التجربة الصينية ولا سيما في الريفنة  ومنهم “الفلاسفة الجدد” الذين انتهوا إلى حضن الثورة المضادة وخاصة برنارد هنري ليفي وجلوكسمان!

ففي فرنسا غادر المدن  عشرات آلاف الطلاب بهدف التحول إلى بروليتاريا بالذهاب الى الريف للعيش مع العمال تقليداً للتجربة الصينية. كانوا ينادون بضرورة تبادل التجارب والخبرات   لخدمة الشعب  حيث كان الشعار الرئيسي  “تحالف الجماهير”. ومن بين شعاراتهم : نحن نناضل ضد  محافظية الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان اتجاهه سوفييتياً. وهذا لا يختلف عما طُرح في الصين نفسها في الثورة الثقافية أي النضال ضد البيروقراطية  تحت شعار النضال ضد التحريفية.

الحزب الشيوعي الفرنسي وثورة ايار 68

رفض الحزب الشيوعي الفرنسي ثورة 68 مخافة ان تتحول إلى ثورة لا يمكنه السيطرة عليها، اي تتجاوزه، وفي الثالث من مايو 68  بينما كانت  الشرطة تتعارك مع المتظاهرين في الشوارع ، وقبل اسبوع من ليلة المتاريس  الشهيرة نشر جورج مارشيه وكان وقتها الأمين العام المساعد للحزب الشيوعي الفرنسي (ثم اصبح بعد ذلك زعيم الحزب  ومرشحا للرئاسة في عام 1987)  مقالا في صحيفة  لومانتيه ينكر فيه اية صحة للمصداقية الثورية للطلاب على اساس انهم ماويون وتروتسكيون  وفوضويون…وان الحزب الشيوعي الفرنسي هو الحزب الثوري الوحيد”[2].

لم يختلف موقف الأكاديميين الماركسيين عن موقف الحزب الشيوعي الفرنسي، حيث اصبحوا لا يتاثرون بما يجري في الشارع وهو الانفصال الذي مثَّله بطريقة مشهورة ثيودور ادورنو  الذي استدعى الشرطة  حينما اقتحم الطلاب مبنى الكلية التي كان يدرس بها النظرية الشيوعية[3].

لقد تأثر الطلاب بفيتنام والجزائر وكوبا وكان من بين الشعارات شعارات الثورة الثقافية “نحن القوة”.

يركز روبرت يونج على تأثير الماوية ومن ثم الدور الكبير للماويين في ثورة 68 وخاصة ان الثورة الثقافية جسدت اقتحام الجماهير للحياة الثقافية. يقول:

“… يمكن مقابلة تاريخ العصيان الخاص بالماوية في فرنسا  بعد 1968 بتجليها  السابق باعتبارها  اتجاها مواليا للصين داخل الحزب الشيوعي الفرنسي  الذي جرى تطهيره على الفور”[4]

يمكننا القول بأن التيار السوفييتي نجح في إضعاف الماوية حتى التقويض سواء في ثورة 68 وعلى صعيد عالمي، ولكنه تيار بعد أن ساهم في إخراج خصمه من الساحة السياسية الاجتماعية الطبقية، كان قد مهد لموته هو نفسه.

ولعل المفارقة كانت حيث هاجم الحزب الشيوعي الفرنسي هذه الثورة، فقد وصفها مفكره الأبرز الثوسير بأنها اهم حدث في التاريخ الغربي منذ المقاومة والانتصار على النازية” فإن العمال  هم الذين يظلون في النهاية الطبقة الثورية الوحيدة والادوات الوحيدة الممكنة للثورة[5].

ولكن الثوسير هو نفسه الذي اقر الكفاح المناهض للكولنيالية والإمبريالية في الهند الصينية، على اساس ان طابعه اشتراكي، إلا انه يظل هنا مشغولا بطريقة خيالية بصورة إعادة بناء الجزائر ، ليس من أجل الجزاريين انفسهم، بل من أجل جماعة من المستوطنين” [6]

فقد اعتبر ثورة الجزائر كهزيمة بينما اعتبر فيتنام كانتصار. ولعل من اللافت أن الكثير ممن يوصفون بأنهم ما بعد بنويين خرجوا من الجزائر، … وان الحزبين الشيوعيين الفرنسي والجزائري كانا ضد استقلال الجزائر[7] . كانت جماعة الاشتراكية او البربرية  من بين قلة من اليسار الراديكالي ايدت استقلال الجزائر [8] ص 21.

 والغريب، أن روبرت يونغ نفسه يرى أن ثورة 68 نشأت في أوروبا إثر المظاهرات المضادة للحرب في فيتنام[9]، ولم يلاحظ تاثير الثورة الثقافية في الصين والماوية على ثورة الطلاب في فرنسا!

الأحزاب والحركات الجديدة

 ثورة أيار 68  مثل الانتفاضة الفلسطينية لم يكن حزبا محددا هودافعها، حاولت مجموعات ماوية وتروتسكية قيادتها حيث شاركت فيها لكنها لم تقدها ، كان الحزب الاشتراكي الموحد هو اكثر الأحزاب تبلوراً والذي دعم الانتفاضة كليا.  ولكنه في الانتخابات لم يحصل على الكثير لأن معظم المناضلين  لم يعتبروا سياسة الانتخابات  هي الاستراتيجية الشرعية،  للتغيير بعد الثورة الشعبية.

في ثورة ايار 68، نقدت الحركات الجديدة غير الحزبية تماما دور الأ حزاب القديمة وتجاوزتها. لكنها حركات متغيرة متحركة تعلو وتهبط وتتلاشى لينبت بعدها  نموذجاً آخر. والسؤال هو: كيف يمكن الجمع بين الأمرين. لقد ركز على هذه الحركات شنتال موف  وأرنستو لاكلاو. ولاحقا نيجري الذين نقدوا النموذج اللينيني للحزبية لكنهم ذهبوا لصالح مستوى فضفاض من الحزبية والذي لا يُثمِّر ولا يُعمِّر في التحليل الأخير. ولعل التغير السريع لهذه الأحزاب هو ما شجع الحزب الشيوعي على الإصرار على كونه الحزب “الأجدر” بتمثيل الطبقة العاملة ومن ثم اتخاذ موقفه أو قراره بأن ثورة 68 لا تستحق الدعم. هذا الخلط في المواقف لدى الحزب الشيوعي هو الذي ورَّط الثوسير في الزعم بأن الجزائر هزيمة وفيتنام انتصارا.

تأثير تنظيرات على ثورة 68

من ناحية فعلية، كانت ثورة  ايار ثورة وعي سياسي حماسي بلا ثورة بنية،  ثورة ثقافية بلا ثورة سياسية؟

امتداداً لنقد او رفض الاتجاه السوفييتي والتحريفية، كان لا بد لجيل الثورة الثقافية أن يبحث عن أطروحات اخرى، لمفكرين آخرين هنا يقول بنديت:

حاول البعض فرض ماركوزة علينا: هذه نكتة. ما من احد منا قرأ ماركوزة،. بالطبع قرأ بعضنا ماركس،  وربما باكونين، والمعاصرين ، الثوسير، ماو، جيفارا، لوفيفير. وعلى وجه التقريب فإن حركة مناضلي 22 آذار  قرأوا سارتر[10]

جادل أندريه جورز بأن المفهوم الوجودي للاغتراب يمكن ان يقدم أساسا نظريا للحركة التي توحد كل من الطبقة العاملة التقليدية والجديدة حول برنامج راديكالي.

لقد ساهم كل من سارتر وكاستريادس  ولوفيفر  في تقوية نظرية اليسار الجديد، ولكنهم زرعوا فيها الضعف من حيث ميلهم إلى الذاتي وإهمال الموضوعي.

والسؤال هو: هل كان ذلك بتاثير بدايات ما بعد الحداثة عليهم، ورفضهم للأحزاب الشيوعية؟ هل السبب تراجع الشيوعيين سواء في فرنسا او موسكو، وبداية تراجع الثورة الثقافية في الصين؟ هل السبب ان هؤلاء لم يكونوا داخل منظمات كما كانت مدرسة التبعية؟ ؟ ثم هل هي علة الثورات ان ينقصها أحد الجناحين بالضرورة؟

وبالطبع، ربما قاد هذا الخليط من المفكرين إلى تشتت هذه الثورة وتحديداً في عدم حصول إجماع نسبي على تبني مدخل أو مشروع ثوري. كان دور جورز  وفي علاقته ب سارتر نقد التحريفية الماركسية  مرتكزا على ان الطبقة العاملة لم تعد ثورية طالما تم تنظيمها فقط على اساس قضايا اقتصادية  كالفقر والاستغلال. طبعاً إن صح هذا الموقف وخلا من المبالغة.  وجورز صاحب نظرية  الطبقة العاملة الجديدة.

بدوره وجد هنري لوفيفر نفسه في معمعان الصراع. كان كثير من حركة 22 آذار من طلابه ومنهم كوهين بنديت.  دعم اعمالهم  وسمح لهم باستخدام مكتبه  كملتقى تنظيمي.  رأى او نادى باحتجاج على  كلية الحياة اليومية. ” احتجاج  على كل شيىء ، رفض كلي  لكافة اشكال الاغتراب  الممارس والمتوقع انه رفض مع سبق الاصرار  الذي يجب تبنيه”[11]

رأى كاستريادس أن ايار هو  إثبات لصحة مزاعمه وافكاره ،  تماما كما رأى  “الثورة الهنجارية/المجرية”[12] 1956 بنفس الشكل.  بالنسبة له كلتا الثورتين أثبتتا استحالة  مشروع العقلانية البيروقرطية”. طبعا نلحظ هنا فوقية يساري’.[13]

رأى كاسترياديس بتورط واضح ان الماركسية موشاة مدهونة بالميتافيزيقا الغربية  العقلانية  للهيمنة ووافقه جلوكسمان وليفي وتاثراً منهما بفرويدية لاكان زعما بان القوة هي ego ideal الذات كمثال. أما برنارد هنري ليفي تحديداً، فوصل به هوس السقوط ليرى بأن كل من  الاشتراكية والراسمالية بربرية[14]، لكنه انتهى خادما للرأسمالية والصهيونة ومروجاً لتدمير العالم الثالث وخاصة الوطن العربي.!فهل كان عميلاً جرى دحشه في القوى الثورية إلى حين؟ إنه الفيلسوف النائم إلى حين.  

راى سارتر ان ضعف أيار يرتد إلى ان المجموعات التي انصهرت مع بعضها  رفضت الشكل المنظم مخافة ان تتبقرط. وهذا ما اعطى الفرصة للبنى المرفوضة خلال أيار لكي تعيد تأكيد هيمنتها.وهنا تتبدى بالمقابل مشكلة باديو الذي يرفض البقرطة لا شك، لكنه يدعو إلى تحول لا يتوقف عند لحظة ما، مما يقود إلى عدم بناء أو تماسك مشروع محدد على الأرض. والتماسك المحدد هو آلية مركزية للإنجاز وتحقيق النصر. وهذا يطرح السؤال: ما المقصود بالتحول المتواصل وعدم التوقف عند لحظة ما؟ هل هو بالمفهوم النسبي، بمعنى أن هناك لا بد من توقف ما، ولكن على أن لا يصبح التوقف هو سيد الموقف؟

اي هي ثورة ثقافية بلا تنظيم، ثورة ثقافية لا سياسية ولا طبقية سياسية.

صحيح أن تيارات هذه الثورة التقت على رفض  الوضعية (الماركسية وغير الماركسية) لمفهومها للمعرفة. فالوضعية ترتكز على منهج علمي  مشتق من العلوم الطبيعية. وتجادل بان  المعرفة محدودة  في نطاق او ملكوت  التثبت  التحقق الامبريقي. أنها تحلل هدف المعرفة  من الخارج من الابعد. هذه المنهجية حينما يتم تطبيقها على  الكائن الانساني  تمحو امكانية  معرفة الاوضاع الداخلية  للوعي.  في الحقيقة انها  تنكر وجودها. فالوضعية، لدى خصومها، أي بقرائتهم لها،  تقزِّم الظاهرة الداخلية او الذاتية   لصالح تجليات موضوعها الخارجي  (اشكال السلوك او اشارات اللغة).

لقد ذهب الجناح الوضعي في فرنسا في الستينات والمدعو البنيوية  ذهب خطوة اوسع.  فإضافة الى انكار الواقع لصالح الظاهرة الذاتوية، انكر البنيويون الفرنسيون  مجرد وجود الذات. وهكذا فإن ليفي ستروش  ادعى بان الهدف النهائي للعلوم الانسانية  ليس لتشكل الانسان بل لحله تذويبه[15]. وميشيل فوكو وهو بنيوي آخر  ازدرى  واهمل ونفى الذاتوية  وحاكى نيتشة  زاعما “موت الإنسان[16]

صحيح ان المناخ الفكري الذي أثر في مكونات ثورة 1968 في فرنسا خاصة حينها تجاوز المدرسة السوفييتية متأثراً بمدرسة فرنكفورت، وهذا أبعد الثورة عن المفكرين الثوريين الحقيقيين ماركس، ماو، هوتشي منه وفانون.

أما لوي ألتوسير فقد شارك العديد من طلابه في أحداث مايو 1968، إلا أنه التزم الصمت في البداية. لقد كان متردداً كما يبدو بين قناعته بالضرورة الثورية على الأقل بناء على وعيه الثوري والتوجع الماوي المخفي داخله، وبين الموقف الانتهازي للحزب الشيوعي الذي كان عضو فيه. لكنه، للأسف حسم لاحقاً بأن وافق او اتفق مع الموقف الرسمي للحزب الشيوعي الفرنسي باعتبار الطلاب ضحايا ليسارية صبيانية. وهذا وصف في الحقيقة يبين لنا لماذا عزَفَ الشباب عن الشيوعية التقليدية!

أما التروتسكية، رغم مشاركتها في الثورة لكنها لم تقدم بديلا ايضاً، كان من ممثليها  دانييل بن سعيد  (درس في جامعة باريس الغربية نانط، وهو المولود في تولوز لأب يهودي. )من ددانييل بن سعيد،الحركة التروتسكية في فرنسا الذي. يعتبر من الشخصيات القيادية في الانتفاضة الطلابية عام 1968 

يقول باديو في ثورة 68 : ” برزت في فرنسا الأكاديمية مساقات الثوسير و لاكان، وهي لا يمكن التقليل من شأنها، نظرا لمحتواها  وما يسمى البنيوية  التي هيمنت عليهما،  نظرا لطريقة عرضهما  للمؤسسة الجامعية (بالمعنى الحقيقي)  التي سقطت في حالة تجمد مريح  واطاعة سادتها[17]

وقف الثوسير ضد التجريبية والتاريخية، الإنسان man بلا تاريخ بينما للطبقة تاريخا (ص 165 هيرش)

ولكن، إذا كان الفرد بلا تاريخ فكيف يمكننا فهم توسط امتداد الفرد من ذات إلى عابرة للجماعة[18])

هل اشتغاله بالمعرفة بالماركسية كعلم هو ما ابعده عن 68؟[19].

في تبريره للعلم اعتمد على ابتعاد العلم عن التجريب ومن  ثم ارتكز على الرياضيات.

كما فك العلاقة بين الإيديولوجيا والعلم لأن الإيديولوجيا امبريقية تعتمد على تحليل وقائع العالم الاجتماعي. .

كان يخفي ميوله الماوية، لذا حينما طرد الحزب  600 من رفاقه لم يحتج.

سارتر وكسترياديس ولوفيفر هاجموا البنوية بدفاع عن انفسهم، بتركيز على تقزيم البنيوية  للتوجه التاريخي. كما ناقشوا زعم الموضوعية لدى البنيويين حيث أنها لم تعترف بذاتية الباحث.  ردا على تهمة التاريخانية فإن اليسارين الجدد اتهموا البنيويين بالعلموية.

جورز مثل كاستريادس ركز على التسيير الذاتي كمدخل لتجاوز  معضلة اشتراكية السوفييت، ورقابة العمال على المصنع  لتجاوز الاغتراب في المصنع والمجتمع.

لكن جورز مترددا،  فهو اضافة لما هو اعلاه  راى ان شريحة العمال الذهنيين والمثقفين  والتقنيين  هم طليعة  الطبقة العاملة  وهم اكثر ثورية من عمال الانتاج.  وان أداة الثورة هم البروليتاريين المابعد صناعيين واللاطبقيين . لذا، ومن تجربة ايار هو اذن مع تمييع الطبقة ولكنه يريد حزبا يلائمها وليس الحزب اللينيني الطبقي. بل مع حزب جماهيري (مثل خروتتشوف حزب الشعب).

وهكذا، بين تخاذل الحزب الشيوعي في فرنسا، وتلاطم الأطروحات الجديدة وحامليها الجدد وجدت الثورة الطلابية نفسها بلا دليل نظري، وقيادي  ثوري متقاربا إن لم نقل موحداً.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.


[1] جريدة الأخبار اللبنانية الجمعة 1 حزيران 2018

[2] روبرت يونغ،  أساطير بيضاء، المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة  2003  ص ص 21-22

[3] نفس المصدر ص 22

[4]نفس المصدر ص 29

[5] نفس المصدر 34

[6] يونغ ص 36

[7] يونغ  ص 16

[8] يونغ ص 21

[9] يونغ ص 23

[10] Cohen-Bemdit, The French Student Revolt, trans. By Brewster (New York, 1968), p. 58.

[11] Lefebvre, The Explosion (New York, 1969) p. 67.

[12] حتى اليوم كما أعتقد، لم تتم دراسة أن ما حصل في المجر 1956 سواء كان مقدمة لنقد ثوري ضد التحريفية السوفييتية أم كان مقدمات لإسقاط المعسكر الاشتراكي، أميل إلى الثاني.

[13] Castoriadis, “La re’volution anticipate,” in La Brec’he,

أنظر أيضا كتاب عادل سمارة، ظلال يهو-صهيو-تروتسكية في المحافظية الجديدة، مصدر سبق ذكره.

[14] Anti Oedipus Paris 1974.

[15] Levi –Strauss, The Savage Mind, trans. G. Weindfeld (Chicago, 1977), p. 247

[16] Foucault, Michael, The Archaeology of Knowledge , trand , by A. Smith (New York1971)  and  The Order of Things, (New York, 1970).

[17]  The Communist Hypothesis, Alain Badiou, Verso, 2015

  • [18] أنظر عادل سمارة، كتاب المثقف المشتبك والعمليات الفردية روافع لتجاوز الأزمة،(الجزء بالإنجليزية)  منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية، رام الله   2017 ،والطبعة الثانية عن مكتبة بيسان-بيروت 2018

ص ص

[19] هيرش ص ص 166-67، مصدر سبق ذكره