السودان:  (1) السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟ (2) دول الخليج في السودان.. رعاة «التقسيم الجديد»

السودان:

  • السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟
  • دول الخليج في السودان.. رعاة «التقسيم الجديد»

  ✺ ✺ ✺

كنعان:

الخليج أداة الإمبريالية ويقوم بدور الكيان: لن يتخلى حكام الخليج المعيّنون عن دورهم في تفكيك الوطن العربي فهم يُدينون للإمبريالية في توليهم على رقاب الشعب ولذا يقدمون خدماتهم للصهيونية كما لو كان الخليج هو هرتسليا، فهي تُسلِّح أعداء العروبة من حاكم إثيوبيا إلى حميدتي في السودان وحتى ميليشيات ليبا فهل تنجو سوريا!

■ ■ ■

السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟

شمائل النور

كاتبة صحافية من السودان

يتعدى التحالف بين الإمارات العربية المتحدة و”حميدتي”، قائد “قوات الدعم السريع” السودانية، تجنيد المقاتلين إلى “تجنيد” الموارد: الذهب والنحاس ومؤخراً اليورانيوم، وعلى ذلك النفط! ويسيطر “الدعم السريع” بشكل شبه كامل على قطاع المعادن الذي يدر أموالاً هائلة، يذهب القليل منها إلى خزينة الدولة فيما يُهرّب الجزء الأكبر إلى الخارج.

كانت زيارة قائد “قوات الدعم السريع” السودانية إلى القاهرة في تموز/ يوليو الفائت، فاصلة في مشروعه السياسي الكبير الذي تخطط له الإمارات العربية المتحدة وتسانده فيه. فالنتائج لم تأتِ كما أراد لها القائد القبلي (محمد حمدان )”حميدتي” صاحب الطموح الجامح، والذي تسيّد المشهد بعد سقوط البشير في نيسان/أبريل 2019. فقد أبلغته مصر رسمياً أنها لن تسمح بتمدد ميليشيا قبلية مسلحة خصماً ل”قوات الشعب” المسلحة السودانية (الجيش السوداني). ولم تتوقف مصر عند هذا الحد، بل أبلغت القيادة الإماراتية بأنها غير راضية عن مشروع الإمارات القاضي في محصلته بتفكيك الجيش الرسمي وإبداله بميليشيا، وهي حاولت إيقاف عمليات التسليح الثقيل التي تنوي الإمارات تزويده بها.. قبل أن تعاود الإمارات الدعم مجدداً.

و”الدعم السريع” هي ميليشيا قبلية عربية أسسها البشير لمجابهة الحركات الأفريقية المتمردة في دارفور، قبل أن يصنع منها إمبراطورية عسكرية موازية للجيش السوداني، تحولت إلى قوة نظامية بعد إجازة قانون خاص بها في البرلمان السوداني في كانون الثاني/ يناير 2017.

بعد إزاحة البشير، سارعت الإمارات لتأييد ودعم “المجلس العسكري السوداني” الذي يتزعمه قائد الدعم السريع “حميدتي” مع بعض جنرالات الجيش الموالين للخليج، وأرسلت وفداً مشتركاً مع السعودية يتقدمه الفريق طه الحسين، المدير الأسبق لمكتب الرئيس المخلوع، والذي يشغل حالياً منصب مستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد حصوله على الجنسية السعودية. وحصل السودان على دعم مشترك إماراتي – سعودي بقيمة 3 مليار دولار، وأرسلت الإمارات أكثر من 2000 سيارة من طراز “تويوتا بوكس” لقوات الدعم السريع، انتشرت في شوارع الخرطوم واستخدمت في مجزرة فض الاعتصام في محيط القيادة، عطفاً على دعم القوات بالمدرعات الصغيرة وناقلات الجنود.

الدعم الإماراتي للعسكر بدأ منذ عهد الرئيس المخلوع

المساندة الإماراتية السعودية للعسكريين بعد إزاحة البشير لم تكن مفاجِئة. فخلال السنوات الأخيرة لحكم البشير، اختارت حكومته الانخراط في معسكر السعودية – الإمارات، بعد إعلان الانضمام إلى “التحالف العربي” في اليمن الذي تقوده السعودية تحت مسمى عملية “عاصفة الحزم” منذ 2015. ثم توالت مواقف البشير وتصريحاته ضد تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. وفعلياً هو كان قرر في كانون الأول/ ديسمبر 2013 إزاحة كبار الإسلاميين من مناصبهم في الدولة، وعلى رأسهم نافع علي نافع وعلي عثمان طه. ثم شرع في تفكيك بعض الأجسام ذات الصبغة “الإخوانية”، وهي كانت موازية لأجهزة الدولة، وانخفضت حدة الخطاب الإيدولوجي الإسلاموي الرسمي وفقاً لشرط أمريكي، مقابل التطبيع الذي كانت بوابته الإمارات والسعودية. مقابل ذلك انتزعت حكومة البشير قراراً أمريكياً مدعوم خليجياً برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ التسعينيات الفائتة. وتوالى بعد ذلك الدعم الخليجي للبشير الذي كانت تحاصره أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة فقدان مورد النفط بعد انفصال جنوب السودان. واستمرت دول الخليج في الدعم قبل أن يتوقف كلياً بعد فقدان الثقة في البشير، الذي أدمن سياسة اللعب على الحبال. فمخاوفه المتصاعدة من حلفائه الإسلاميين، المدنيين والعسكريين، اضطرته للاحتفاظ بشعرة معاوية بينه والتنظيم.

ربما اضطراراً، لجأ البشير إلى إضعاف مؤسسة الجيش، الذي ظل متوجساً من انقلابه عليه في أية لحظة، على الرغم من الأدلجة التي طالته وحوّلته خلال عهد البشير إلى مؤسسة تنظيمية حزبية. وهكذا لجأ البشير إلى تأسيس ميليشيا موالية له وفقاً لتقديراته، فهي غير حاملة لإيدولوجيا كما أنها قادرة على القتال لمن يدفع المال، وكثيراً ما تباهى البشير بإمبراطورية “الدعم السريع” العسكرية وقدراتها القتالية، وكان يقول على الدوام ” أنا عندي رجال”.

في هذا المناخ الهش، بدأ “حميدتي”، قائد الدعم السريع، يتمدد شيئاً فشيئاً. فجنوده الذين يقاتلون في اليمن منحوه قوة عسكرية وسياسية داخل مؤسسات الدولة السودانية، ليتحول إلى لاعب أساسي في منظومة الحكم والسلطة فرضته قوته العسكرية الهائلة.

تنشط عمليات التجنيد لصالح الدعم السريع في دارفور وعلى الشريط الحدودي ذي الوجود القبلي المتداخل، قبل أن توسّع مشروعها بفتح باب التجنيد في كل السودان، وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي بعض قيادات القبائل في شرق السودان، يحثون الشباب على الاستجابة للتجنيد وسط صفوف الدعم السريع الذي يوفر رواتب مجزية جداً لمجنديه في ظل بطالة متفشية في السودان، وبالفعل فإن الاستجابة للتجنيد في صفوف الدعم السريع مثيرة للاهتمام.

تجنيد لتعزيز نفوذ الإمارات مقابله تسليح ثقيل

حينما توسعت تدريجياً عمليات الإمارات عسكرياً في اليمن، كانت بحاجة إلى جنود يقاتلون ويسندون الوجود العسكري للدولة النفطية الصغيرة، والتي تتطلع إلى دور رئيسي في الإقليم. فلم يكن هناك من خيار أفضل من الجنود السودانيين. في 2017 طلبت الإمارات من حليفها “حميدتي” تجنيد عناصر عربية من قواته يتميزون بسحنات تطابق إلى حد ما السحنة الإماراتية. أُنجزت المهمة بتجنيد الآلاف، وهم الآن يرتدون زي الجيش الإماراتي ويقاتلون في اليمن! ولما كانت الحاجة مستمرة لمقاتلين سودانيين، استطاعت الإمارات إنشاء جسر جوي لنقل الجنود من معسكرات التجنيد في دارفور إلى اليمن مباشرة. ثم انتقل الأمر إلى ليبيا التي تبحث الإمارات عن نفوذ فيها، فأرسل “حميدتي” ما يقرب من 2000 جندي كدفعة أولى تقاتل بجانب المشير خليفة حفتر، الذي تدعمه الإمارات ضد الجماعات الإسلامية، ويُورّخ لبداية التعامل المباشر بين الإمارات و”حميدتي” بأواخر 2017 وبداية 2018.

مع التمدد العسكري لهذه القوات، أسست نحو 3 معسكرات رئيسية في أطراف الخرطوم، و7 معاهد عسكرية لتأهيل وتدريب عناصرها. وفي وقت سابق استطاع قائد القوات (“حميدتي”) بمعاونة بعض جنرالات الجيش السوداني الاستحواذ على منحة روسية لتدريب قوات خاصة قوامها 5000 رجل، كان من المفترض أن تكون لصالح الجيش السوداني علاوة على صفقة أسلحة ثقيلة تكفلت بها الإمارات، تقرر لها أن تكتمل بعد سقوط البشير، إلا أنها أُرجئت مع تصاعد موقف الرأي العام ضدها، سواء داخل الجيش أو في الشارع. وتشمل الصفقة دبابات وطائرات، وهي الأسلحة التي يتفوق بها الجيش السوداني على تلك الميليشيا إذا ما أجرينا مقارنة بينهما على مستوى التسليح.

لم يتوقف التمدد عند هذا الحد، فاتجهت قوات الدعم السريع إلى تأسيس مطارين حربيين في إقليم دارفور غربي السودان (الزُرُق والمثلث) ونشّطت في هذه المناطق المنهكة بالحروب مشروعات خدمية وتنموية واسعة تنفذها بنفسها ما يكشف عن مشروعها السياسي الكبير.

الموارد” هي سرّ التحالف

ربما تعتقد الإمارات أن الجيش السوداني هو مجرد تنظيم إخواني بواجهة وطنية شاملة. لكن هذا الاعتقاد ليس السبب الرئيس في دعم ميليشيا قبلية وفي محاولة إحلالها محل الجيش. فملف التجنيد المستمر للمقاتلين له أهمية كبيرة للإمارات التي توسعت عسكرياً في اليمن وفي ليبيا. غير أنه وبالنسبة لـ “حميدتي”، فهو لا يمثل – كما يتصور كثيرون – مصدراً مالياً رئيسياً لإمبراطوريته الاقتصادية. فالتحالف بينه والإمارات يتعدى تجنيد المقاتلين إلى “تجنيد” الموارد.

الدعم السريع الذي يسعى إلى وراثة إمبراطورية النظام البائد الاقتصادية، يسيطر بشكل شبه كامل على قطاع المعادن الذي يدر أموالاً هائلة، يذهب القليل منها إلى خزينة الدولة، فيما تحصد القوات الأمنية والعسكرية هذه الموارد عبر التهريب إلى الخارج. وعلى سبيل المثال، فإن منطقة جبل عامر غربي السودان، الغنية بالذهب والمعادن، تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع وبعض مليشيات حرس الحدود، التي تنشط أيضاً في التنقيب بمناطق جنوب كردفان، وفي مناطق نهر النيل شمال الخرطوم. الذهب يتم تهريبه بشكل مستمر إلى خارج السودان، ويُباع في الإمارات، حيث أعلنت وزارة المعادن السودانية في وقت سابق أن الفاقد من الذهب تجاوز 48 طناً خلال النصف الأول من 2018، وقُدرت نسبة الفاقد بـ 77 في المئة من الإنتاج الكلي.

ولا يمكن الدخول الى منطقة مثل “حفرة النحاس” الغنية بالمعدن إلا بموافقة قائد “قوات الدعم السريع” وفقاً لما أعلنه مسؤول في وزارة المعادن. كما لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول احتياطي المعادن ولا الشركات العاملة في المجال، فالقطاع برمته تحت سيطرة تلك القوات، ويتداول بعض العسكريين النظاميين معلومات حول بداية نشاط في تهريب اليورانيوم، وسبق أن أعلنت الحكومة السودانية في آذار/ مارس 2018 فتح الباب للاستثمار في معدن اليورانيوم في دارفور.

تهرّب المعادن لتباع في الإمارات وسط معلومات بوجود شراكة بين “حميدتي” وأمراء بارزين. وتتطلع الإمارات إلى استثمار زراعي طويل الأجل شرعت في ترتيب معطياته، وهو يخص مساحات شاسعة في غرب السودان، وتحديداً في “دار زغاوة”. ومناطق قبيلة الزغاوة منحدرة من أصول أفريقية (غير عربية) وقد تعرضت لحملات إبادة جماعية مهولة على يد الميليشيات “العربية”، مما يخيف الإمارات.

… المشروع الذي يبدو في ظاهره زراعياً ينطوي على موارد هائلة. فأرض المشروع تقع على الحدود مع ليبيا، كان سبق أن استكشف فيها النفط بواسطة شركة شيفرون الأمريكية. وتشير المعلومات إلى وجود احتياطي هائل من النفط، علاوة على مناجم الذهب واليورانيوم في وادي العطرون الواقع داخل نطاق المشروع.

:::::

“السفير العربي”

■ ■ ■

دول الخليج في السودان.. رعاة «التقسيم الجديد»

 الدكتور معمر نصار  محمود عبدالحكيم

18/04/2023

(عن دار مصر)

منذ عام 2003 كرّست الرعاية الخليجية للتفاهمات السودانية، بين الدولة المركزية والحركات المسلّحة، وضعاً خطيراً أسهم بدوره في بلوغ المشهد الحالي، حيث تحاول الدولة استيعاب انشقاق قوات الدعم السريع عن إدارة الجيش وإعلان التمرّد، الذي يواجهه السودان بالفعل، جنوباً وغرباً، منذ عقود. 

اللافت أن نفس الدولة، بناء على التفاهمات التي رعتها دول الخليج، تدفع لحركات دارفور المسلحة، منذ سنوات، مبلغاً شهرياً يبلغ حوالي مليون دولار لرواتب عناصرها، وتدفع تلك الدول باقي المبلغ حال عجز خزينة السودان عن السداد الكامل. هذا دون اشتراط تسليم سلاحها، مثلاً، أو الضغط عليها للتوحّد في كيان سياسي يخوض الحياة السياسية والانتخابات بصفة مدنية. 

قطر والحركات المسلحة في السودان

في الأساس اقتصر عدد الحركات المسلحة في دارفور على اثنتين، حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، ليرتفع بعد بضعة أعوام من انطلاق “المبادرة” القطرية، عام 2003 إلى 8 حركات رئيسية عام 2007، وصولاً إلى اتفاق حسن النوايا بالدوحة مع حركة العدل والمساواة عام 2009 وأخيراً وثيقة الدوحة للسلام عام 2011، وبلغ أكثر من 80 حركة عام 2020. 

خلال المفاوضات المنفردة في تلك الأعوام، دأب المسئولون القطريون على استقطاب قيادات دارفور، وإجراء تفاهمات جانبية مع أعضاء وفود الحركات المشاركة المكوّنة عادة من قائد ونائبه وأمين سر وعدّة قيادات، وشجّعوا بعضهم على الانفصال عن الحركة وتشكيل أخرى بدعوى تعزيز الموقف التفاوضي مع الدولة السودانية.

واقترن ذلك بجسامة التمويل المتاح وسهولة تشكيل مجموعات و”الإعلان عن” الانشقاق حدّ أن تحرير السودان وحدها يُنسب إليها حوالي 50 كيان، يحملون نفس الاسم مع إضافة اسم القيادي المنشقّ، وأحياناً صفة سياسية أو جهوية (القيادة العامة – القيادة الميدانية – وحدة جوبا). 

ولعلّ هذا التشظّي، الذي لم تبدُ له نهاية في عقد الألفين، كان أحد بواعث القذافي، الوسيط بدوره بموازاة الدور القطري، إلى الدفع بفكرة توحيد الحركات في كيان واحد تيسيراً لإجراء اتفاق نهائي، وطرح عدم تمركز قواتها في المدن والمناطق المأهولة بالسكان، وهو ما تحقق وقتها، جزئياً، تنفيذاً لطلبه. 

انفصال غرب السودان

من ناحية أخرى لا يبدو سيناريو انفصال غرب السودان قابلاً للتحقق، إذ يوالي الجناح الأكبر في حركة تحرير السودان، جناح مِني أركو مِناوي حاكم إقليم دارفور، العاصمة القومية ويشكّل عاملاً للاستقرار توازن القوى في الإقليم، ويجد مصلحة أكبر في الارتباط بالدولة المركزية في ظل وجود الحركات والأجنحة الأصغر وغياب التوافق معها، خاصة حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد النور المقيم بفرنسا، التي لا يثق بها مناوي ولا يأمنها. عدا عن نقل أغلب الحركات الأصغر معدّاتها وأسلحتها الأثقل إلى ليبيا، بالتنسيق مع خليفة حفتر، بداية من عام 2014 حتى 2018 حين سقط البشير، تحسّباً لرفع العقوبات الدولية عن السودان وبالتالي ازدياد قوة وتسليح الجيش، ما يسمح له بكرّة أخرى من المواجهة لبسط سيطرة الدولة على كامل دارفور. 

وكانت عناصر جناح النور تلقّت تدريباً مهنياً إماراتياً على الأعمال الإدارية للدولة، مثل استخراج الهويات وتسجيل المواليد، والأعمال الشرطية، ما جعل رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان يستعلم الإمارات بهذا الشأن، محتّجاً بأن الجناح لم يوقّع اتفاق السلام وغير مدرج به ولا يعترف بالحكومة، مع كون العنوان المعلن للبرنامج التدريبي “الاندماج في جهاز الدولة”؛ وانتهى الأمر بتنفيذ فريق من جنوب أفريقيا التدريب على نفقة الحركة نفسها.

وقف إطلاق النار

غير بعيد عن ذلك، تطالب دول الخليج الآن – بالتنسيق مع الغرب وإسرائيل – بوقف إطلاق نار وتهدئة تصب في صالح الدعم السريع، ولن تعني سوى توسعة انتشاره، الأسرع – تقنياً – بالفعل من قدرة الجيش التقليدية على الانتشار والملاحقة، ما سيجلب المزيد من الفوضى وسيجعل احتواء القوة العسكرية لحميدتي مستحيلاً، في تكرار لمسعى إضعاف المركز ودعم قوى دون الدولة في الأطراف. 

وهو ما تجلّي كذلك آخر عامين في شرق السودان، بتصاعد فاعلية ونفوذ الإمارات والسعودية هناك، مع تكرار قطع  طرق الشرق، حيث ميناء ومدينة بورت سودان الحيوية، التي تربطه بالخرطوم وباقي البلد، بفاعليات احتجاجية أقامتها أحياناً قوى لوّحت بالمطالبة بالانفصال بالفعل، ما جذّر شكلاً من الانفصال الجغرافي للشرق في الشهور الماضية، ومثّل غطاء لتمرير السلاح إلى الدعم السريع الذي لم يرتكز قبل ذلك في بورت سودان وكسلا، لكنّه يمتلك الآن نقطتيّ ارتكاز هناك هي ذاتها نقاط استقبال العتاد والسلاح القادمين من إثيوبيا بحراً وسددت ثمنهما الإمارات والسعودية، ما راكم قوة عسكرية أكبر من ذي قبل، موضوعياً، وربما أعلى نوعياً، وذات ولاء للمموّل الخليجي الذي أعطى له رحيل البشير هامش حركة أعلى، مثل إثيوبيا، وجمعته بالدعم السريع أرضية تنسيق مشتركة في حرب اليمن وتجارة الذهب لسنوات، وصولاً إلى الهبة الإماراتية التي سبقت اندلاع المواجهة مباشرة وكانت عدداً كبيراً من سيارات الدفع الرباعي فئة لاندكروزر، بلغ 200 سيارة.

الخليج ودعم قوات الدعم السريع

من ناحية إعلامية، علَت أصوات الخليج، أول يومين من الاشتباكات، لإعلان سيطرة الدعم السريع على المرافق الحيوية للدولة، في تلقّف لما أعلنته الميليشيا نفسها مبكّراً جداً ولم يكن صحيحاً بحال. والحقيقة أن الدعم تولّى لسنوات تأمين المنشآت والمرافق الاستراتيجية وليس الجيش، وأُدخل الخرطوم بعديد كبير لأول مرة، بناء على تكليف البشير بالأساس مع بداية الانتفاضة في 2018.

لاحقاً كُلف الجيش بالانتشار بعد عجز الشرطة وعجزها عن فضّ اعتصام أبريل ــ القيادة العامة، ليجد طوقاً من تواجد الدعم حول تلك النقاط بالفعل، ومنها مطار الخرطوم ومقرّ التلفزيون الرسمي، وأماكن حيوية لم يقتحمها وينتزعها من الجيش في 15 أبريل، بل أحاطها وكان منوطاً به حمايتها فاقتحمها عندما اتُخذ قرار الانشقاق عن الدولة، ثم جاءت استجابة الجيش بتضييق الطوق الأوسع، الذي ضربه خلال أيام قبل بداية الاشتباك، والهجوم عليها لاستردادها.

الإعلام الخليجي ومليشيا الدعم

رغم ذلك ردد الإعلام الخليجي أخبار سيطرة الدعم على أهم منشآت الخرطوم، مع تضخيم قوته والتهويل بمدى تكافئها وقوة الجيش، بموازاة الدعوة إلى وقف إطلاق النار، في إطار أجندة سياسية لم تعد خافية، وتعكسها المواقف والسياسات، مؤدّاها التمكين للميليشيا في العاصمة تمهيداً لإنهاء دور الدولة المركزية عملياً. نموذج رأيناه في الصومال سابقاً في سياق الإطاحة بمحمد سياد بري، حين تمركزت الميليشيات القبلية والقوات غير النظامية بالعاصمة المركزية فأجهزت على الدولة.

بعد التفكك سمح لها بالسيطرة على مساحات في الأطراف والعلاقات الدولية المنفردة وبناء المطارات، واستخراج النفط لصالحها بمعزل عن الدولة المركزية، وصولاً إلى الواقع الحالي وانقسام البلد إلى 4 أقسام لا يحظى 3 منهم بالاعتراف الدولي لكنهم واقع قائم. 

من هنا كشف الخطاب الإعلامي الخليجي تكاملاً سياسياً مع مواجهة حميدتي للجيش، مثل احتواء الإمارات والسعودية له نفسه وتغذية قواه الصلبة، بصفته مقدّم خدمات عسكرية وسياسية، ومتعهّد مرتزقة، وبطموحه الشخصي لمقعد الرئاسة وتقلّباته الانتهازية في الداخل، التي جعلته الآن حليفاً، تحت مظلّة الإمارات، لـ”مكوّنات مدنية” تطالب بالديموقراطية وبادل بعضها العداء سابقاً، أحدها ياسر عرمان المُعادي لمصر، المنشقّ عن الحركة الشعبية لتحرير السودان ــ الشمال مشكّلاً ما سُمّي (التيار الثوري الديموقراطي) لها، الذي شجّعه على الاتجاه شمالاً حيث مطار مروي ويطمح بدوره للسلطة والترشّح للرئاسة. 

مصر في خطر

يؤدّي المشهد إلى تهديد خطير لمصر، من زاوية قطع اتّصالها الجغرافي بمنابع النيل وإثيوبيا وسد النهضة، ما يحجّم الخيارات الشحيحة أصلاً، مع الضغط الدولي على الدولة السودانية ذاتها، الذي عكسه تمديد مجلس الأمن العقوبات قبل شهر فقط من المواجهة، وهرولة المبعوث الأوروبي إلى الخرطوم لطرح وقف إطلاق النار بالوضع الحالي، أي إخلاء الطريق للدعم السريع وعرقلة مواجهته، بعد إخفاقه خلال يوم الاشتباك الأول في تثبيت نقاط سيطرة منيعة في العاصمة أو تحقيق هدفه بأخذ منشأة حيوية رئيسية. لا يبدو أفق مصر وفق تلك المعطيات، والواقع المحلّي المصري وانكماش بنيته الإنتاجية بالبيع لنفس الطرف الداعم لحميدتي، سوى نسخة أفريقية من باكستان، حيث الشحّ المائي وتدنّي الإنتاج الزراعي، والاعتماد على العمالة منخفضة المهارة والقيمة المنتَجة، مع تصدير الأعلى تعليماً إلى الغرب.

 نقطة التقاء مثالية بين مصالح الغرب والخليج وإسرائيل، التي استهدفت تاريخياً العلماء العراقيين ونرى استهدافها المنشآت البحثية العلمية السورية، حين يصبح كامل المحيط القريب للنفط استهلاكياً، ويخلو من أي بؤر صناعية أو علمية، ويحدَد تأثير مصر وتُستغل إمكاناتها بالمزيد من التحجيم، في سياق فقد تحكّمها بمقدراتها الاستراتيجية لصالح القوى الأخرى. 

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….