كلمة عبد الله حموده في تأبين المرحومة
الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي
ممثلاً عن لجنة التأبين
أسعدتم مساءً
تحوم روح الدكتورة سلمى فوق رؤوسنا في هذه القاعة لتقول لنا أن الإرادة تحقق الإنجازات الكبيرة وتسحق المستحيل. وهي أنجزت وحققت ما ترونه من كتب وموسوعات وأبحاث وترجمات وشعر.
الموت هو حقيقة الوجود الكبرى. يختلف الناس فيما بعده لا فيه، وهو يختبئ تحت الوسائد وفي أكمام الملابس، بل في التنفس، ولن يقهره أحد.
تستطيع الأمة أن تقهر الموت بالفن. وتتقدم طليعتها الموهوبة لتبدع لها نظام أمجادها ونظم كلماتها، وحيث يولد فنان تعرف الأمة أنها قهرت جيشاً من جيوش الموت.
تقول لنا الدكتورة سلمى: الفن هو خلود الأمة، لا يقهر الموت إلا الحجر والكلمة، والكلمة أطول عمراً من الحجر، وأصلب على الزمن وأقوى على مغالبته. كانت الدكتورة سلمى تدرك كل ذلك.
كلنا نعرف ونسمع عن الفنان العظيم بتهوفن ولكننا لا نعرف ولا نسمع عن الحاكم أيام بتهوفن.
وفي بلادنا نستذكر سيد درويش وناجي العلي والشهداء الثلاثة وابراهيم طوقان وابن رشد وخليل السكاكيني صاحب المنهاج الأهم في مجال التعليم، ونتذكر عز الدين القسام وفرحان السعدي وعبدالقادر الحسيني.
إن الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي تقول للذين يتحدثون عن العبودية في تاريخنا وينسون نظام العبودية عند اليونان والرومان. وينسون حكم الأباطرة والإقطاع والكهنة. ومن هنا نفهم هذا الإصرار من قبل الدكتورة سلمى على نقل الحضارة العربية إلى الغرب وبلغته لكي يفهم حضارتنا في عصرها كما هي متخذة من الأندلس مثالاً ملهماً. ومن هنا نستطيع أن نؤكد أنها كانت حارسة للثقافة العربية.
كما أنها تعرف دور الثقافة في المقاومة التي بدونها لن ننتصر. وتعرف دور العلم والكلمة في فهم تاريخ نضال الشعب الفلسطيني وأمته العربية منذ أكثر من مئة عام وهو يقاتل لمواجهة الغزو الاستعماري الصهيوني وضد التجزئة. ونعرف أن الأمة العربية لا مستقبل لها بدون القضاء على التشرذم العربي.
إيمانها بوحدة الثقافة العربية لا يتزعزع، ونعرف أن الكلمة مفتاح دخول العقل.
ولدت الدكتورة سلمى وفي يديها كتاب وقلم. ولذلك هي تؤمن بتحرير فلسطين وترفض الاتفاقات مع العدو والتبعية والقمع وتؤمن بالحرية.
كم نحن بحاجة إلى مثل الدكتورة سلمى، ولها أن تنام روحها بهدوء، وأن الأمة العربية والشعب الفلسطيني لن ينسوها.
إن أصحاب الأفكار العظيمة والمقاتلين لإعلاء القيم الإنسانية الكبرى لا يموتون من خلال أعمالهم بالشعر والغناء والأدب والفلسفة وبالسلاح أيضاً. هم يعيشون بيننا أجيال وراء أجيال. فهم مثل الأحجار الكريمة نادرة لذا فهي ثمينة وعالية القيمة. وهذه هي صفات الدكتورة سلمى.
كانت تؤمن أنه في لحظات الهبوط الوطني تغدو الثقافة ملاذاً لأن المثقف يصعب هزيمته ولأن ما يسطره القلم يصعب على السيف. وهي تؤمن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وبالسلاح المستند إلى الثقافة والوعي يتم الانتصار ويهزم الأعداء في الداخل والخارج.
إنها تؤمن أن الجيل الجديد سيكون ممثلاً لهذه القيم والانتصار على العدو حتمي.
وتحية للمرأة الفلسطينية والعربية التي تنجب المقاتلين الثوريين.
والمجد لكل من يعمل لتحرير فلسطين والوطن العربي من رجس الاحتلال والتبعية.
والسلام على من يحب الإنسان حتى الانتصار الكامل.
عبدالله حموده
عمان في 10/6/2023
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….