دراسة: نكسة يونيو 1967 والاقتصاد المصري، د. صفوت حاتم

– في كل الكتابات السابقة، نلمح اثرا كبيرا للهزيمة العسكرية في يونيو / حزيران  وتأثيرها  على مستقبل ومسار التجربة الناصرية  سياسيا وإقتصاديا. فبينما يعتبر البعض ” كجلال أحمد أمين ” أن نكسة يونيو كانت  : بداية الإنحسار لكل الملامح الأساسية المميزة لسياسة عبد الناصر الإقتصادية والعربية والخارجية. ويصل ” جلال أمين ” الى القول نتيجة فحواها : أنه  يمكن القول، أن نظام عبد الناصر، قد أصبح مختلفا عما كان عليه قبل ذلك. الأمر الذي نشأ نتيجة الضغط العسكري والإقتصادي الخارجي ” ( جلال أحمد أمين، منقول عن عادل حسين، مصدر سبق ذكره ).

بينما يرى  ” غالي شكري   أن نكسة يونيو / حزيران هي : ” نهاية طبيعية ” لبداية كانت قد بدأت عام 1965، ولكن الشخصية التاريخية التي كان يتمتع بها عبد الناصر أخرت موعد التسجيل الرسمي ثلاث سنوات، فبرحيله المباغت كان الإنقلاب قد ولد، وهو إنقلاب ” شرعي ”، أي أنه مفارقة تاريخية، سببها المفارقة الجرثومة في دم النظام السابق ( أي نظام عبد الناصر ).

ما مدى صحة هذه التحليلات ؟ وهل صحيح أن نكسة يونيو / حزيران 1967  قد غيرت جذريا من جوهر النظام الناصري على المستوى الخارجي والداخلي ؟

هل نجحت الهزيمة العسكرية في تغيير إنحيازات ” عبد الناصر ” الإجتماعية والوطنية ؟

هل توقفت مساعي الإصلاح الإقتصادي والتنمية بسبب الهزيمة العسكرية ؟

لماذا توقف عبد الناصر عن الدخول في الخطة الخمسية الثانية رغم النجاح الكبير في الخطة الخمسية الأولى ؟

هل كانت  نتائج الخطة الأولى عام 1965 تبرر النكوص عن الخط الإشتراكي والإرتداد للوراء كما يقول ” شكري ” و ” دويدار ” و ” جلال أمين ” ؟

هذا هو المناخ الناصري قبل الهزيمة كما رأه ” بموضوعية وأمانة مثيرة للشفقة  ” غالي شكري في تفسيره للهزيمة ولإنقلاب السادات الذي كان إنقلابا ” شرعيا ” سببه ” الجرثومة ” الموجودة في دم النظام الناصري كما يقول ” غالي شكري ”  !!

3- والواقع أن هذا التفسير الهزيمة العسكرية وأسبابها كان  متعسفا في كثير من الأحيان و لا يأخذ في الإعتبار الظروف الموضوعية التي تتم فيها تجارب التنمية ” المستقلة ”، اي تلك التي تريد أن تخرج من التبعية للخارج والإعتماد على قدراتها الوطنية. ومعظم الذين يتبنون هذا ” المنهج الإقتصادوي ” في محاكمة التجارب التنموية يعتمدون على لغة المعدلات والأرقام، كمعيار وحيد على نجاح، أو تعثر، نهج الإستقلال الوطني. فإنخفاض معدلات التنمية في مراحل معينة، أو تفوقفها مؤقتا، لا يعد دليلا على الفشل أو النكوص أو الإرتداد، وإلا إعتبرنا كل تجارب البناء الإشتراكي التي تمت خلال القرن العشرين هي تجارب فاشلة. من ناحية، لأنها واجهت صعوبات وتراجعات وإرتدادات  في معدلات التنمية في فترات معينة من تاريخها. أو لأن مصيرها جميعا  كان الإنهيار التام بعد الخبرة التاريخية لسقوط دول التكتل السوفييتي، من ناحية أخرى.

5 – ان عبد الناصر نفسه كان مهتما بشكل غير عادي بالخطة الخمسية وما تمخض عنها من نتائج.

 يذكر ” محمد حسنين هيكل ” في كتابه ” الإنفجار، حرب 1967 ” الآتي : ” يوم 25 مارس 1965 وقف ” جمال عبد الناصر ” أمام مجلس الأمة يؤدي اليمين الدستورية بادئا رئاسة جديدة مدتها ست سنوات. وفي الأيام الأولى لمدة الرئاسة الجديدة  كانت هناك عدة إجتماعات خصصت لبحث السياسة العامة في المرحلة المقبلة. كان هناك نوعان من الإجتماعات : إجتماعات رسمية مقيدة بجداول أعمال، وإجتماعات حرة طليقة يكون جدول أعمالها مجرد عناوين عامة. كانت اجتماعات النوع الأول هي اجتماعات المؤسسات الشعبية أو الرسمية كاللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الإشتراكي العربي، أو مجلس الوزراء. وكانت الإجتماعات الحرة الطليقة هي لقاءات مفتوحة يدعو إليها ” جمال عبد الناصر ” عددا من زملائه وأصدقائه، وكانت تعقد في الغالب في غستراحة القناطر إذا كان الموسم شتاء، أو إستراحة برج العرب إذا كان الموسم صيفا. وقد أطلق ” جمال عبد الناصر ” على هذه الإجتماعات وصف ” المعسكرات السياسية ”، فقد كانت تجري في جو خال من القيود والرسميات، وعادة ما كانت تستمر لمدة يومين أو ثلاثة في جو أشبه ما يكون فعلا بجو ” المعسكرات.. وقد أتاحت لي الظروف أن أشارك في كثير من هذه المعسكرات السياسية … وشهدت تلك الأيام لقلءين من نوع هذه ط المعسكرات الساسية ” خصص أولهما للسياسة الداخلية، وكان التركيز فيه على الخطة الخمسية الأولى التي قاربت على الإنتهاء وحققت نجاحا لاشك فيه. ومع التطلع الى الخطة الخمسية الثانية للتنمية، فإن ” جمال عبد الناصر ” كان مهتما ببعض الظواهر السلبية التي ظهرت في فترة تنفيذ الخطة، وكان أهمها – كما بدا في طريقة إدارته للمناقشات – : الآثار التضخمية لتنفيذ الخطة، وكانت هذه ظاهرة طبيعية، فقد إقتضت الخطة إنفاق مبالغ طائلة على إنشاءات ومشروعات لم تتح لها الفرصة لكي تعطي عوائد. ومن ناحية أخرى فقد بدا أن حرب اليمن تفرض تكاليف كان يمكن توجيهها الى الخطة. وكان أهم ما إنتهت إاليه المناقشات في المجال الداخلي هو أن الأمور تقتضي مزيدا من التدقيق والحذر في المرحلة القادمة حتى لا تفلت عوامل التضخم وتتفاقم آثارها … ( محمد حسنين هيكل، الإنفجار، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ص 158 ).

من الواضح، أن ” جمال عبد الناصر ” نفسه  كان مهموما ومهتما  بمواجهة الصعوبات والتحديات والعقبات التي تواجه عملية تخطيط الإقتصاد القومي، مكرسا وقتا وجهدا فائقا لإدارة التنمية الإقتصادية تحت إشرافه المباشر.

يبقى أن ننهي هذه الفقرة، بالتأكيد على أن النظام الناصري  كان يعمل   وسط ظروف ومناخ غاية في الصعوبة، داخليا وخارجيا.

الوثائق التي كشف عنها ” هيكل ”  في كتبه المتعددة، لا تترك مجالا للشك في أن إسرائيل وأمريكا كانتا تعدان لإصطياد ” عبد الناصر ” وإسقاط نظامه. وقد ثبت من خلال  كتابات ” محمد حسنين هيكل ”، أن              ” عبد الناصر ” كان لديه تحذيرات ومؤشرات   عن  هذا الأمر، وعبر قنوات متعددة وشخصيات مختلفة  قبل العدوان العسكري.

انقل هنا ما كتبه عن هذه الفترة  ” لوتسكيفتش ” في كتابه ” عبد الناصر ومعركة الإستقلال الوطني ” ، حيث نراه يقول  عن نتائج الخطة : ” تحققت أكبر النجاحات في مجال الصناعة، حيث إستثمر خلال خمس سنوات الخطة 403.9 مليون جنيه مصري، أو 80.5 مليون جنيه مصري سنويا في المتوسط. بينمت كان  المستثمر عام 1952 هو 2.1 مليون جنيه !! ( علامات التعجب من عندي ص.ح ). وقد تم إقامة أكثر من 900 مصنع في الفترة بين 1953 و 1965 ومن بينها المصانع الكبيرة، مثل مصنع الحديد والصلب بحلوان، ومصنع تكرير البترول بالأسكندرية ومصنع الصناعات الكيماوية ” كيما ” بأسوان ومصنع الكوك ومصنع تجميع السيارات بحلوان ومصنع الأدوية بإبي زعبل وغيرها. وفي الفترة بين 1965 و 1970 أقيم 155 مصنعا.

وإرتفعت قيمة الإنتاج الصناعي   ( بالأسعار الجارية ) من 661 مليون جنيه مصري عام 1960 الى 1144 مليون جنيه عام 1965. وبعد عدوان 1967، وعلى الرغم من الصعوبات الظاهرة، إستمرت الزيادة في الإنتاج الصناعي والتي إرتفعت قيمتها الى 1634 مليون جنيه عام 1970 والى 1809 مليون جنيه مصري عام 1971.

وتحققت أكبر معدلات نمو للإنتاج في الفترة 1960 – 1971 بفروع الإقتصاد الأخرى، وأولها صناعة البترول والصناعات الكيماوية والكهربائية … ويلاحظ أنه في  فترة الخطة الخمسية الأولى والسنوات التالية كان إزدياد الإنتاج الصناعي مصحوبا بظهور أنواع جديدة من المنتجات الصناعية. وفي الوقت نفسه  فإن إختلال التناسب الذي ظهر في التطور الصناعي خلال الخطة الخمسية بسبب النقص في المواد الخام والتمويل المالي، وتبديد رأس المال المستثمر، وعدم تمو إنتاجية العامل ألى جانب قلة الكوادر الفنية المتخصصة. وفي سبيل التغلب على هذه المصاعب أضطرت الحكومة إلى التخلي عن خطة التنمية الإقتصادية للسنوات السبع 1965 – 1972، وإستبدالها بخطة ثلاثية  ” مستقرة ” 1967 / 1968 – 1969 / 1970. وكأن من أهم أهداف تلك الخطة تنفيذ المشروعات التي كان قد بدأ العمل فيها، وأعطيت أولويات للمشروعات الإنتاجية التي تعطي عائد سريع لتصدير منتجاتها للخارج.  وتم خلال هذه البرامج الإعتماد على مستلزمات الإنتاج والمواد الخام المحلية ( بنسبة لاتقل عن 65 %، وأيضا على الكوادر الفنية المصرية ). ( لوتسكيفتش، مصدر سابق ص 54 )

تلك هي  أسباب عدم الدخول في الخطة الخمسية الثانية، وإستبدالها بخطة ثلاثية ” مستقرة ” لإستدراك الأهداف غير المحققة في الخطة الخمسية الأولى.

وهنا حدث شي لم يكن ضمن حسابات الجميع وهو عدوان يونيو / حزيران 1967 التي كان لها تأثير كبير على معدلات وأهداف التنمية التي كان يجب أن تعدل  إستجابة  لظروف العدوان.

عبد الناصر بعد النكسة

ماذا فعل عبد الناصر لمواجهة نتائج العدوان على الإقتصاد المصري ؟

يجيب ” لوتسكيفتش ” : ” من الناحية العملية أحبط العدوان الإسرائيلي في يونيو / حزيران تنفيذ الخطة الثلاثية. فقد حدث نتيجة لإحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء أن فقدت مصر آبار بترولها وكذلك مناجم المنجنيز. وكنتيجة للقصف الإسرائيلي المركز على جبهة قناة السويس، أن أصيبت أكبر مصانع تكرير البترول وبعض المنشآت الهامة في مدن السويس والإسماعيلية وبورسعيد. هذا بالإضافة الى أن زيادة الإنفاق العسكري أدت الى نقص إستثمار رؤوس الأموال في المشروعات الصناعية. ونتيجة للأسباب السابق ذكرها، بلغت نسبة الزيادة في الإنتاج الصناعي في عام 1967 أقل من 3 %، وكانت قدبلغت الزيادة 6 % عام 1966 قبل العدوان.

وفي الفترة من عام 1968 – 1970 نتيجة لجهود الدولة في إستغلال جميع موارد البلاد، تم التغلب بصورة واضحة على الآثار الإقتصادية للعدوان الإسرائيلي. وبلغت نسبة الزيادة في الإنتاج الصناعي ( حسب الأسعار السائدة ) في عام 1968 ( 7 % ). وفي عام 1969 ( 9.2 % ). وفي عام 1970 ( 8.2 % ) وفي عام 1971 ( 10.7 % ). !! ( علامات التعجب أو الإعجاب من عندي. ص. ح )

يضيف ” لوتسكيفتش ” : ” وقد أمكن تعويض النقص في إنتاج البترول نتيجة فقد آبار بترول سيناء عن طريق تشغيل الآبار البحرية بحقل مرجان في خليج السويس. فبعد أن كان إنتاج مصر من البترول قبل يونيو / حزيران 1967 حوالي 9.5 مليون طن في السنة، زاد الإنتاج الى 14 مليون طن عام 1969 ثم الى 16.4 مليون طن عام 1970 … ولكن لأسباب متعددة هبط إنتاج البترول في عام 1971 الى 14.7 مليون طن ثم الى 11 مليون طن في عام 1972.

وببداية تشغيل بعض المصانع التي تنتج أجزاء قطع الغيار اللازمة لسيارات النقل والركوب التي يتم تجميع أجزائها في مصر، فقد زادت نسبة التصنيع المحلي لهذه الأجزا.ء الى 70 – 80 %.

وقد أستحدث نظام التمويل المالي الذاتي لمصانع الدولة والذي ينص على أن يقوم كل مصنع أو مؤسسة صناعية بإستثمار إحتياطاتها لتنفيذ التوسعات اللازمة لها وتطوير وسائل الإنتاج وتطبيق النظم التكنولوجية الحديثة. وقد كان 55 % من جملة الإستثمارات في قطاع الصناعة عام 1971 / 1972 من التمويل الذاتي للمصانع. ويعتبر هذا النظام جزءا من معالم الإصلاح الإقتصادي والمالي الذي يهدف الى التوسع في الصادرات وتحسين إقتصاديات مصانع القطاع العام. ( لوتسكيفتش، مصدر سابق 54- 55 ).

وهكذا نرى أنه رغم الصعوبات الشديدة التي واجهها الإقتصاد المصري بسبب العدوان إلا أنه  إستطاع  أن يمتص ببطولة فائقة تحديات العدوان على الإقتصاد وأن يوسع من إنتاجه الصناعي والتعديني بما يفوق – حتى –  سنوات ما قبل العدوان ، كما رصد ” لوتسكيفتش ”. فلقد نتج بسبب العدوان تحويل جزء كبير من الميزانية للإنفاق على التسليح العالي ، رغم النقص في الموارد القومية الناتجة عن توقف المرور في قناة السويس وضآلة العوائد القادمة من السياحة وضرب وتصفية المصانع المصرية الموجودة في منطقة قناة السويس والنتائج المترتبة على تهجير مدن القناة الثلاث الى داخل البلاد ( وهي  عملية هجرة داخلية على درجة عالية من التعقيد والتكلفة وتحتاج الى تقييم مفصل ليس هنا مكانه )

وقد قدرت خسائر الإقتصاد المصري نتيجة العدوان الإسرائيلي، في الدراسة العلمية الوحيدة المقدمة في هذا الشأن، بدلالة الفرق بين مجموع الدخول التي كان ممكنا أن تتحقق في الأحوال العادية، ومجموع الدخول التي تحققت فعلا في أحوال الحرب وشبه الحرب. وتوصلت عبر خمس تقديرات بديلة الى أن الخسائر الإقتصادية التي ألحقتها تراوحت بين 17 مليار جنيه في الحد الأدنى، 24 مليار جنيه في الحد الأقصى ( ابراهيم العيسوي وعلي نصار، محاولة لتقدير الخسائر الإقتصادية التي ألحقتها الحروب العربية الإسرائيلية لمصر منذ عدوان 1967، في المؤتمر السنوي للإقتصاديين المصريين –  ).  

32 – ولعلنا نتفق مع ” عادل حسين ” في كون عملية التنمية المستقلة هي معركة ضارية وسط ضغوط خارجية ساخنة. انها حرب.. والحرب سجال، فيها التراجع وفيها التوقف لدعم ما تحققوفيها التقدم. وقد يكون التراجع إستراتيجيا في مرحلة من المراحل وليس تكتيكيا. وقد يكون التراجع في جبهة من الجبهات، أو كل الجبهات، دون أن يعني ذلك أن الهزيمة النهائية قد حلت وأن الحرب قد إنتهت، طالما أن القيادة تحتفظ بإرادتها، وتدير مجمل الحركة وتسيطر عليها بتدبير وتخطيط، وتحافظ على مواقع قوتها الإساسية ( تأييد الجماهير في المقام الأول ). لهذا لا يغير من تقويمنا الإيجابي لإختيار التنمية المستقلة أن تتعثر أو تتراجع بعض مؤشرات النمو في فترة ما،  أو  ظرف من الظروف  أو في قطاع من القطاعات. هذه مسألة محتملة طول الوقت. وإفلات الناصرية من هذا الإحتمال أثناء الخطة الخمسية كان مجرد حدث فريد، ولذا لا ينبغي أن نفاجأ أو ينخلع من القلب، إذا واجهنا هجوما مضادا. في غطار النهضة المستقلة يخضع تخصيص الموارد لحسابات القيادة المركزية في إدارة الحرب المتعددة الجوانب، قبل خضوعه للإعتبارات الإقتصادية المحضة. تحديد معدل الإدخار القومي يتحدد سياسيا قبل أن يتحدد إقتصاديا ( دون أن يعني ذلك إغفال التقديرات الإقتصادية كمحدد ).

من هذا المنظور للتنمية الإقتصادية المستقلة – بإعتبارها جبهة صراع في حرب شاملة – نلحظ أن التجربة السوفياتية ( وهي تجربة عظيمة في التنمية المستقلة ) شهدت في تاريخها ( خصوصا في فترات التحول والإقلاع ) تفاوتا  كبيرا في معدلات الإستثمار والنمو، بسبب تباين ظروف الحرب الشاملة. والأمر نفسه حدث في الصين ( وهي أيضا تجربة عظيمة في التنمية المستقلة )، فالحرب الكورية أثرت بالسالب في هذه المعدلات في بداية الخمسينات وكذلك إنسحاب الخبراء ووقف المعونات من جانب الإتحاد السوفييتي، مع وجود الحصار الغربي ( أوائل الستينات ). والإجراءات التنظيمية شهدت أيضا – في التجربتين – تعديلات متتابعة و سواء كتعبير عن ظروف عامة للتقدم أو التراجع، أو كتعبير عن محاولات متباينة لإكتشاف مسارات أكثر ملاءمة. كانت السياسة الإقتصادية الجديدة في الإتحاد السوفييتي في العشرينات قرارا صريحا بالتراجع الإستراتيجي في مجال التنظيم الإقتصادي، بمعايير الأهداف المعلنة للقيادة السوفياتية. وسياسة ” البيروسترويكا في منتصف الثمانينات، و السياسة الإنفتاحية التي تعيشها الصين منذ نهاية القرن العشرين، هي بهذا المعيار إرتدادا واضحا عن الإشتراكية، لمن كان مؤمنا حقا بالإشتراكية الطاهرة النقية.

تطبيقا لهذا التصور النظري، يمكن أن نرى أن تراجع معدلات النمو الإقتصادي بعد الخطة الخمسية في مصر، وبشكل خاص بعد عدوان 1967، هو نوع من أنواع تعديل السياسات وترتيب الأولويات، وليس نهاية للخيارات الإشتراكية أو نهاية للنظام أو النسق التنموي المستقل. كان ذلك مجرد مناورة في إدارة الصراع، ضمن خط واضح هو الحفاظ على إستقلالية الإرادة. وينبق هذا على ” عبد الناصر ”، فهو لم يغير نسق علاقاته العربية بعد عام 1967 – كما يقول جلال أمين –، ولكن هنا أيضا كان في موقف دفاع إستراتيجي من منطلق حساباته المستقلة. ومن منطلق الحسابات المستقلة بادر الى الهجوم عندما واتته الفرصة عندما دعم ثورة السودان والثورة الليبية. وعلى الصعيد الإقتصادي – الإجتماعي لم يغير من خط التنمية المستقلة والإنحياز للجماهير الشعبية. ( عادل حسين، مصدر سابق ).

إن خط التنمية الإقتصادية المستقلة  أعقد كثيرا من أن يكون نموذجا ناعم الملمس، يحدد معالمه ومراحله الإقتصاديون  وفق عوامل إقتصادية محضة.

التجارة الخارجية والعلاقة بالسوق الرأسمالي

33 –  لم  تجعل  نكسة يونيو / حزيران 1967،  من نظام عبد الناصر نظاما مختلفا كما يقول جلال أمين ودويدار وشكري. لم يكن هناك تراجع عن خط التنمية المستقلة، ولم يكن هناك إرتماء في أحضان الرأسمالية أو إرتداد  عن خط التحول  الإشتراكي.

العكس هو ماحدث بالضبط !!!

لاشك اننا يمكن أن نعتبر، وسيتفق معنا كثيرون – أن المميز الحاسم للنظام الناصري هي محاولته الدائبة الخروج من حلقة التبعية وإنتهاج خط مستقل عن السوق العالمي. ولم يكن هذا سهلا أو ميسورا دائما. ولكن إستطاع النظام الناصري من القبض على التجارة الخارجية أن يتحكم في إستقلاليته عن السوق الرأسمالي  ذو الشروط المجحفة ، وأن يقف بقوة أمام ظاهرة التبادل غير المتكافئ.

فهل صحيح أن عبد الناصر سلم أشرعته للرأسمال العالمي بعد  عدوان يونيو / حزيران 1967 ؟   

ربما كان الهدف الأساسي لكتاب ” لوتسكيفتش ” ( عبد الناصر ومعركة الإستقلال الإقتصادي  1952  – 1971 ) هو تحليل هذه المسألة بالذات : مسألة الإستقلال عن السوق العالمي وتحرير التجارة الخارجية من التبعية للراسمالية العالمية والتبادل غير المتكافئ.

يقول ” لوتسكيفتش ” : ” عند تقييمنا للتغيرات في سياسة مصر الإقتصادية الخارجية منذ عام 1961، نلاحظ  أن الواجب الرئيسي لكل الإجراءات التي إتخذت في مجال التجارة الخارجية، هي أن يوضع هذا المجال بالكامل في خدمة تنمية الإقتصاد الوطني. ولتحقيق ذلك إحتكرت الدولة بالكامل تقريبا التجارة الخارجية. وقد جعل احتكار الدولة للتجارة الخارجية من الممكن تخطيط  دورة التجارة الخارجية كعنصر تكويني في الإقتصاد الوطني. وقد لوحظ انخفاض دور الرسوم الجمركية لتحقيق الحماية  الجمركية وكذا كهدف مالي.، بينما اكتسب المنع المباشر إستيراد سلع مختلفة قيمة حاسمة. وفي نفس الوقت نما ثقل تنظيم العملة النوعي كوسائل أساسية في سياسة مصر من الحماية الجمركية. وهيأ إحتكار الدولة للتجارة الخارجية نمو النشاط التعاقدي التجاري وكانت تجارة مصر  الخارجية تجري  في إطار الإتفاقيات التجارية وهذا هو الشيئ المميز للدول ذات الإقتصاد المخطط ( الموجه ) … وعلى إمتداد الفترة التي تمت فيها الدراسة وجهت سياسة الحكومة نحو تقليل الهوة بين قيمتي الإستيراد والتصدير، وحملت هذه السياسة بين طياتها نتائج إيجابية في أعوام 1954، 1955، 1960، 1965، 1968، 1970، 1971 فقط. ففي تلك السنوات زادت المعدلات السنوية للتصدير عن المعدلات السنوية للإستيراد … أما في السنوات الأخرى فيشكل التصدير في المتوسط حوالي 70 % من قيم الإستيراد. ويكمن هذا في سبب العجز المزمن في الميزان التجاري المصري ( عدا عام 1969 ) على الرغم من نمو التصدير عام 1971 بمقدار 2.2 مرة ( بالأسعار الجارية ) بالمقارنة بعام 1952، والإستيراد بمقدار 1.8 مرة.  وأعتبر من واجبات الخطة الخمسية الأولى في مجال التجارة الخارجية، الزيادة في التصدير وخفض الإستيراد، بهدف التقليل الفعلي للعجز في الميزان التجاري. وعلى أية حال لم تكن الخطة قد أستكملت. وفي عام 1964 / 1965 لم ينخفض العجز في الميزان التجاري، بل زاد جدا عما جاء في الخطة. وقد اثر تغيير سعر تحويل الجنيه المصري وديناميكية اسعار السوق العالمي التي كانت غير ملائمة لمصر وكذلك للدول النامية … ويكمن السبب الرئيسي في عدم إكتمال الخطة، في عدم التمكن  من التوصل الى الزيادة في تصدير القطن والمنتجات الصناعية المقررة في الخطة، بسبب التخلف في تطور الفروع المنتجة لمواد التصدير، والمعدلات البطيئة في إستصلاح الأراضي الجديدة، وكذلك أيضا بسبب الزيادة الفعلية للطلب الداخلي على السلع الصناعية والمنتجات الغذائية. وتعتبر الزيادة الفعلية الكبيرة في قيمة الإستيراد بالمقارنة مع ما جاء بالخطة، نتيجة للزيادة الحادة في إستيراد الماكينات والآلات والخامات والسلع النصف مصنعة للمصانع التي تم تاسيسها بالفعل، وكذلك المنتجات الزراعية لسد إحتياجات الجماهير المتزايدة.

34 – ونسف العدوان الإسرائيلي في يونيو 1967 المسار الطبيعي لنمو مصر الإقتصادي، الأمر الذي إنعكس بدون شك على التبادل السلعي الذي إنكمش في عام 1970 الى 7.6 بالمقارنة بعام 1966، عند ذلك إنخفض الإستيراد الى 26 % بينما أرتفع التصدير الى 25 % … وأدى النمو في التصدير المصحوب بإنخفاض الإستيراد كنتيجة لتعبئة المصادر الداخلية في مسار الإصلاحات الإٌ قتصادية الخارجية في مصر، وكذلك بسبب إرتفاع أسعار القطن  والأرز في السوق العالمي. وقد أدى هذا الى نقص العجز في الميزان التجاري بشدة. نقص هذا العجز في عام 1968 الى 19.3 مليون  جنيه مصري مقابل 202.2  ( مائتان وأثنان ) في عام  1966.

بينما حقق الميزان التجاري عام 1969 زيادة – لأول مرة – بمقدار 46.6 مليون جنيه. وفي عام 1970 ظهر العجز مرة أخرى مقداره 10.9 مليون جنيه، بينما ارتفع العجز عام 1971 الى 56.6 مليون جنيه. وبهذا تدل محصلة نمو التجارة الخارجية في سنوات الإستقلال على إنجازات مؤكدة في تقدم البلاد اقتصاديا.

وتدل محصلة نمو التجارة الخارجية لمصر بين 1961 – 1971، على أن المهمة المحددة لها قد إكتملت. وسببت الصعوبات الإقتصادية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967، إجراء تغيرات جديدة في تنظيم التجارة الخارجية. وإضطرت مصر بسبب عدم كفاية العملات الأجنبية نتيجة إغلاق قناة السويس ونسف مصانع القنال وكذلك بسبب تعاظم نفقات التسليح، الى تشديد الرقابة النقدية على التجارة الخارجية، وكذلك أيضا الى الحد من حجم الإستيراد من الناحية الكمية. وتولت المؤسسة العامة للتجارة مع المجالس السلعية النوعية، الرقابة النقدية على التجارة حتى عام 1971 … وتعتبر زيادة التصدير في السنوات الأخيرة ( سنوات الدراسة 1952 – 1971 ) رغم كل الصعوبات التي عانت منه مصر، دليلا ساطعا على القوة الحيوية للقطاع العام في الإقتصاد المصري والتجارة الخارجية، مؤكدا صحة الطريق الذي إختارته مصر بعد عام 1961. وفي نفس الوقت تظهر النتائج المذكورة، وجود مشاكل صعبة في مجال التجارة الخارجية وقبل كل شيئ تفوق الإستيراد تفوقا كبيرا على التصدير.

 عشرون عاما من التنمية المستقلة. فترة تاريخية ليست بالكبيرة لتخطي كل آثار سنين الإستعمار الطويلة والتخلف الإقتصادي. والنمو المرتقب للتجارة الخارجية مدعو الى المساهمة النوعية الكبيرة في صياغة بنية الإقتصاد المصري ”              ( لوتسكيفتش، مصدر سابق، ص 43 )

35 – للأسف لم يكن من الممكن لتفاؤل ” لوتسكيفتش ” أن يتحقق، فمالبث أن قرر ” السادات ” الذي تلى عبد الناصر في الحكم  سياسة الإنفتاح الإقتصاد والإنحياز  للغرب وفتح الإقتصاد المصري على مصراعيه لما سمي ” إنفتاح السداح مداح ” كما سماه الراحل ” احمد بهاء الدين ” !!

على أية حال  تنفي دراسة ” لو تسكيفتش ” بشكل قاطع خضوع النظام الناصري لشروط السوق الراسمالي العالمي، وتبين المجهود البطولي الذي بذلته الناصرية من أجل إستقلال التجارة الخارجية وزيادة نسبتها في التنمية الإقتصادية من خلال خفض الإستيراد وزيادة التصدير. وتخصيص الإستيراد في الماكينات والآلات والسلع المصنعة التي تحتاجها المصانع الجديدة  وخفض الإستيراد في السلع الإستهلاكية.

يذكر ” لوتسكيفتش ” أن الفترة من 1952 – 1970 تميزت : ” بتحول ملموس في مجموعة السلع الإستهلاكية. فلقد توقفت تماما إستيراد المنسوجات القطنية والصوفية والحريرية، حيث بلغت قيمة الواردات منها 10 % فقط من إجمالي مصر مقارنة بما كان قبل الثورة … وقد أصبح وقف استيراد هذه المنتجات ممكنا، نتيجة لتنفيذ البرنامج الأول للتصنيع ( 1957 – 1960 )، ففي خلال تلك السنوات زاد انتاج  المنسوجات القطنية بمقدار الضعف، والمنسوجات الصوفية ثلاث مرات، ومنسوجات الحرير الصناعي الى مرتين ونصف. وقد أدى النمو السريع في الصناعات الخفيفة الى نقص أو منع إستيراد أنواع كثيرة من السلع الإستهلاكية، وينطبق هذا على منتجات صناعة النسيج والأجهزة المنزلية الكهربائية والدخان والفواكه المحفوظة وغيرها … وفي مجموعة السلع الإستهلاكية سيلعب الدور الرئيسي فيها أستيراد المواد الغذائية الساسية ( القمح، الدقيق، اللحوم، والزيوت  ) بالإضافة الى الشاي والدخان الخام والبن، حيث يغطي ما تستورده الدولة منها كل متطلبات الإستهلاك. وبعد عام 1971، اصبح هناك توسع في إستيراد المنتجات الصناعية الإستهلاكية وخاصة الأجهزة والأدوات المنزلية ” (  لوتسكيفتش، مصدر سابق، ص 69 – 71 ).

ولا ينبغي أن نغفل ونحن نطالع ما كتبه ” لوتسكيفتش ”، أن شراء المواد الغذائية بالعملة الصعبة، كان له أثره الضار، سواء على وضع ميزان المدفوعات أو على خطة التنمية الإقتصادية. يكفي أن نعرف أنه بعد عدوان 1967 أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية توريد القمح مما أضطر مصر الى شراء القمح والدقيق بالعملة الصعبة في عام 1968 بما يعادل 60 مليون جنيه مصري. وفي عام 1970 مايوازي 28 مليون جنيه مصري.

36 – لا شك ان النظام الناصري كان يمارس التنمية  المستقلة وسط  تحديات بالغة الصعوبة و سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي. ولكنه لم يفقد تصميمه على الإستمرار على خط الإستقلال الإقتصادي، حتى بعد العدوان عام 1967.

وقد رأينا بالأرقام، ومن خلال دراسة ” لوتسكيفتش ” ظروف الإستقلال الوطني سياسيا وإقتصاديا.    

رأينا كيف أن معظم الإنتقادات ” اليسارية ” للتجربة الإقتصادية للناصرية تنطلق من موقف أنها لم تكن منحازة – في التحليل الأخير – للجماهير الكادحة، وأنها قد تخلت عن إنحيازها بعد نكسة يونيو / حزيران، أو بداية من 1965 ونهاية الخطة الأولى كمايقول ”  غالي شكري ” و  ” جلال أمين ” و ” محمد دويدار ” وآخرين.

إذا كان ذلك صحيحا، فكيف يمكن تفسير مجموعة من الإجراءات التي إستهدفت الملكيات الزراعية الكبيرة منذ عام 1965 وظهور لجنة تصفية الإقطاع ؟ كقانون الإصلاح الزراعي الثالث في يوليو / تموز 1969 – وقبل وفاة عبد الناصر بعام –  الذي حدد الملكية الزراعية القصوى بخمسين فدانا للفرد ومائة للأسرة الواحدة ؟

كيف يمكن تفسير تأميم قطاع تجارة الجملة في أكتوبر عام 1967 أي بعد شهور قليلة من الهزيمة العسكرية ، وهو القطاع الذي كانت تستفيد منه قطاعات من بقايا الرأسمالية المصرية في تحقيق أرباح هائلة ؟

37 – للأجابة على  السؤال الأول ، أعود بشكل خاص لما كتبه  الدكتور ” فتحي عبد الفتاح ” ( وهو مثقف ماركسي متخصص في الشئون الزراعية والفلاحية واعتقل لفترة طويلة في التسينات بتهمة الشيوعية، بحيث لا يمكننا أتهامه بمحاباة الناصرية ).

 حيث نراه يقول في كتابه الذي يمكن إعتباره مرجعا اساسيا  في تطور المسألة الزراعية في مصر : ” …وبالرغم من أن قانون الإصلاح الزراعي الثاني الصادر في يوليو 1961 قد وجه ضربة أخرى عنيفة الى هذه الطبقة وذلك بضرب الرأسمالية الكبيرة الصناعية والزراعية مما أفقدها وجود حليف قوي متعاطف معها تاريخيا في مراكز السلطة أو قريبا منها، إلا ان بقايا كبار الإقطاعيين ظل لهم – على الأقل في بعض المناطق – نفوذ يمارسونه مستفيدين من كل العوامل التي سبق ذكرها، وهي الإعتماد على الأجهزة الإدارية والقانونية دون وجود مؤسسات سياسية أو جماهيرية نشطة بين الفلاحين تساهم أو تلعب دورا في تنفيذ القوانين. ولذلك يمكن القول أن كبار الملاك الإقطاعيين قد ضربوا سنة 1952 وتمت تصفيتهم سنة 1961 من الناحية القانونية، ولكن القضاء النهائي على هذه الطبقة لم يتم في واقع الأمر سوى سنة 1966 حينما قامت لجنة تصفية الإقطاع بشبه ” هبة زراعية “( المزدوجات من عندي. ص.ح ) فصادرت ووضعت تحت الحراسة مساحات واسعة من الأراضي المهربة، كما أغلقت كثيرا من قصور ” الإقطاع ” في الريف وأحالت عددا من العاملين في الأجهزة الإدارية للأصلاح الزراعي الى التحقيق والمحاكمة. ولقد إرتبط نجاح لجنة تصفية الإقطاع في المرحلة الأولى ببروز نشاط واسع للإتحاد الإشتراكي والفلاحين في تلك الفترة، وبالرغم من أن هذه الدفعة السياسية لم تستمر في الواقع سوى بضعة شهور، إلا أنها كانت كافية لتوجيه ضربة ” نهائية ” ( المزدوجات من عندي. ص. ح ) لبقايا كبار الملاك الإقطاعيين ليس فقط من ناحية تصفية نفوذهم المادي، بل أيضا وإلى حد كبير نفوذهم الفكري. ( دكتور فتحي عبد الفتاح، القرية المصرية، طبعة مكتبة الأسرة، 1998. 376- 377 ).

ولقد إستمر هذا الإتجاه – ضرب الملكيات الكبيرة وإعادة توزيع الثروة في الريف – بعد نكسة يونيو / حزيران 1967.

38 – وينبغي الإعتراف أن القوى اليمنية حاولت الإستفادة من ظرف الهزيمة العسكرية عام 1967 ” لكبح ” الإتجاه نحو التحول الإشتراكي الذي كان يقوده عبد الناصر على رأس النظام.

 فبعد هزيمة يونيو وإحتلال العدو الإسرائيلي لسيناء، ورفع شعار العمل على تحرير الأرض المحتلة، وشعار ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ” وضرورة دعم الجبهة الداخلية على اساس وحدة وحدة كل القوى الوطنية. وقد أخذت بعض العناصر الموجودة داخل النظام ذاته والقوى الرجعية التي لم يتم إستئصالها نهائيا من الواقع المصري. أخذت هذه القوى تفسر شعار وحدة كل القوى الوطنية على أساس أن القضية الساسية هي قضية تحرير الأرض، وأن وضع شعار الوحدة الوطنية موضوع التطبيق يعني في الوقت ذاته ” تأجيل القضية الإجتماعية ” لما بعد إزالة آثار العدوان. ووصل الأمر إلى حد مناقشة هذه الإطروحات داخل لجان الإتحاد الإشتراكي  وفي الصحافة المصرية  في النصف الأول من عام 1969.

وقد حسم ” جمال عبد الناصر ” هذا الجدل في خطابه أمام المؤتمر القومي للإتحاد الإشتراكي في  يوليو 1969، وأكد : ” أن المعركة يجب ألا توقف عملية التحول الإشتراكي وإنما يجب أن تساعد على تعميقها ” و حدد أن الطريق الى ذلك انما هو بمواصلة التنمية وبناء قاعدة  الصناعة الثقيلة وطرح على المؤتمر إقتراحين في هذا الصدد :

الأول :  إقتراح بألا تزيد الملكية الزراعية عن خمسين فدانا للفرد وأن يبقى الحد الأعلى للسرة 100 فدان.

الثاني : فيما يتعلق بمستقبل الأراضي الجديدة التي يجري إستصلاحها، إقترح ” عبد الناصر ” أن ينشأ شركات أو مؤسسات عامة تنقل إاليها هذه الأراضي، ويكون لهذه الشركات أو المؤسسات مهام الإستغلال المباشر أو التأجير لآجال طويلة أو البيع لصغار الملاك الجدد، مع إعطاء أولوية للتملك للمقاتلين في ميدان المعركة وأسرهم. ( الطليعة، يناير 1970، ص 16 ).

وهو ماحدث بالفعل.

لقد كان ” عبد الناصر ” كبيرا وشجاعا حين وقف ليعلن يوم 9 يونيو / حزيران 1967 مسئوليته الكاملة عن ما حدث واستعداده للمحاسبة. ولقد كانت الجماهير العربية التي خرجت ملتاعة في الشوارع صادقة وكريمة عندما طلبت من ” إبنها ” أن يقف ويصمد ويواجه.

لقد أصبح معروفا ما فعله عبد الناصر لإعادة بناء الجيش المصري وتفرغه الكامل   ومهام  التسليح والتدريب والعمليات  حتى أصغرها تأثيرا.

:::::

مجلة الوعي العربي

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….